كانت جدتي عندما كنت طفلة ( بنك المعلومات ) بالنسبة لي ، كحال كل الأطفال 
فهي رمز الحكمة والتي لا بدّ تعرف إجابات كل شيء ، ما عدا أسئلة الامتحانات المدرسية التي لم تكن على أيامها .
كما أنها جمعت كمّا جيدا من الثقافة الاجتماعية والدينية على كوكب الأرض ( بحكم نقلتها من الدين المسيحي إلى الإسلام )
وقد بلغت من العمر عتيّا وكانت بصحة جيدة  ، ولا زلت أذكر المسافات المكوكية التي كانت تقطعها  سيرا على الأقدام ، وتجبرنا على مرافقتها فيها مدّعية المحافظة على رشاقتها ورشاقتنا  ،
كنت دوما اذا طالت زيارتها أسألها بقلق وأدب مصطنع : هل ستعيشين عندنا ؟ 
فتقول لي : لا يمكن ، الطيور المهاجرة مهما ابتعدت ، فإنها الى أعشاشها تعود 
ليتك عشتِ الى الآن يا جدتي ... لتشاهدي زمنا ... تهاجر فيه الطيور، وأبدا الى أعشاشها لا تعود .
كنت أملّ من وجودها لكثرة التعليمات المتعلقة بتناول الوجبات وغسيل الأيدي والمسافات المكوكية ، والنوم مبكّرأ ، في باحة البيت ، لأن الأحلام السعيدة  - على حد قولها -  تتطلب النوم الباكر في الهواء الطلق ، بغض النظر عن ( حالة الطقس ) ، غير مكترثة  بالمخلوقات الأخرى من البيئة الخارجية و التي ستنضمّ إلى قافلتنا في رحلة  النوم . ثم تهبّ في الصباح الباكر لإيقاظنا ، تصديقا لنظريتها أن : نساء اليوم أصبن - بالعفن - لقلة الحركة وكثرة النوم ، فأستجيب لها بسرعة خوفا من العفن .
ذات صباح ، استيقظت من النوم على نوبات ضحكات متفرقة ، فهمت أن جدتي وجدت في أحضانها في الصباح الباكر  احدى قطط الشوارع ! راقدة بكل أريحية - وكأن البيت بيتك - وتحت غطائها قططا صغيرة وليدة مغمضة العينين تتخبط في اتجاهاتها ، سمعتُ جدّتي تقول لأمي بضحك واستغراب : يا للقطة المسكينة كانت في أزمة ، فاستغلّت نومي لتشكل مملكتها كاملة في فراشي .
هربتُ بعيدا عن المكان بعدما تلوّث خائفة فزعة ... وقامت جدّتي بكل حنان تجمع القطط ووالدتهم في مكان محصور في باحة البيت .
شتّان ما بين قطتي وقطتك يا جدتي ،
فقطتي لم تأتِ اليّ تلقائيا ،  بل أنا من أشفقت عليها وأدخلتها بوابتي ، فشاركتني الحياة
احتلت مملكتي ، وسلبت ما لديّ ، فتركت لها قصري وقد تلوّث.
ليتني تعلّمت منك .. أن قطط الشوارع ، لا تُحسن دخول البيوت !
كنت في زيارة لبيت جدتي ، عندما صحوت على صوتها تسبّ وتشتم وتوبّخ، ثم تهدأ ، ثم تعود الى التقريع والتأنيب والتوعّد والتهديد 
نظرت باستغراب فلم أجد أحدا، لم يكن هناك الا صوت جدتي ... وصوت التلفاز 
فأيقنت أن جدتي بعد ان مضى العمر !  فقدت عقلها أخيرا ، وبدأت تحدث الأرواح الغائبة  وتصفّى حساباتها القديمة 
بدأت أفكّر في طريقة لمواجهة الموقف (يعني ما أجت تجنّ إلا وانا عندها ؟)
و انتهى بها الأمر أن غطت رأسها كله بما فيه وجهها وجلست بهدوء ،
ثم نظرت الي وقالت : هذا المذيع ( قليل أدب ) فأينما اتجهت وكيفما تحركت ينظر الي بتحديق طويل بدون خجل ولا حشمة ،  الناس تتباهى بقلة اخلاقها اليوم ، يا حسافة !
صدقتِ يا حبيبة
لم يعد للأخلاق مكان ، إنه زمن الفرص 
فالخصوصيات انتهكت ..بلا خجل ولا حشمة !  يا حسافة !
 يا حسافة !