رموز يكثر ترائيها (( رمز الدخان ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم........................وبعد:
يرد لي الكثير من التساؤلات بين فترة وأخرى تسألني عن معاني بعض الرموز، وكنت ولا زلت أتبنى وجهة نظر مفادها، بأنه لا يوجد دلالة محددة دائما لرمز ما من الرموز، فالرموز ذات معانٍ متغيرة ومتنقلة؛ حسب خصائص وصفات وظروف من يرى الرؤيا، وحسب الرؤيا نفسها ووجود رموز أخرى مصاحبة لها.
ولذا فقد يكون لرمز ما من الرموز دلالة ما حال وروده بصيغة حلم لإنسان ما، لكن هذا الرمز سيكون له دلالة أخرى لإنسان آخر ومع صياغة أخرى................ولذا فقد كنت مترددا في الكتابة عن معاني بعض الرموز، ولكن قد أتنازل قليلا اليوم، بل سأقدم تنازلا ............ ومن خلال هذه السلسلة التي سترى النور تباعا بعون الله، في أن أكتب عن دلالات بعض الرموز التي يكثر رؤيتها ، فأعطيهم بعضا من الدلالات التي قد تحتملها، ومن خلال الربط بين الرمز وبين المعنى الذي يميل إليه كاتب هذه المقالات.
وأذكر بان هذه المعاني متغيرة وغير ثابتة، وقد يوجد غيرها أيضا.
واليوم سأتناول رمزا جديدا، وهو:
الدخان
المتأمل لهذا الرمز سيجد له ارتباطا كبيرا ووثيقا ببعض علامات الساعة، ولذا فهذا الرمز قد يلحق من هذا الوجه بالرموز المفزعة، لكن هذا المعنى ليس الوحيد والرمز هذا والحمد لله، فهناك معانٍ مفرحة وسعيدة قد يحملها هذا الرمز كما سيأتي، وإليكم الشرح مفصلا.
حين يرى المرء في حلمه رؤيا تحتوي على الدخان، فلا يخلو المعنى من الحالات التالية والله أعلم، وهي:
1/وجود أمر غريب وعجيب في الكون، وقد يكون مصدره من جهة الغرب أو الشرق، وقد يكون عذابا من الله أو شرطا من اشراط الساعة الصغرى، وهذا معنى مفزع فأفضل الاحتراز عنه بما ورد حين يكتشفه المعبر .
وتأمل هذا الحديث لتربط بين الرمز والمعنى:
قال عبد الله : خمس قد مضين : الدخان ، والقمر ، والروم ، والبطشة ، واللزام . ** فسوف يكون لزاما ** .
رواه البخاري .
وتأمل:
دخلنا على عبد الله بن مسعود قال : يا أيها الناس ، من علم شيئا فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم ، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ** قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ** . وسأحدثكم عن الدخان ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا إلى الإسلام فأبطؤوا عليه فقال : ( اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ) . فأخذتهم سنة فحصت كل شيء ، حتى أكلوا الميتة والجلود ، حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخانا من الجوع . قال الله عز وجل : ** فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم ** . قال : فدعوا : ** ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ** .
رواه البخاري.
وتأمل أيضا:
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا ، قال : اللهم سبع كسبع يوسف . فأخذتهم سنة حصبت كل شيء ، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف ، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع . فأتاه أبو سفيان فقال : يا محمد ، إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، قال الله تعالى: ** فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين - إلى قوله - عائدون . يوم نبطش البطشة الكبرى ** . فالبطشة يوم بدر ، وقد مضت الدخان ، والبطشة واللزام وآية الروم .
وجاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة:
بادروا بالأعمال ستا : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة ، وخويصة أحدكم . رواه مسلم في صحيحه.
2/قد يكون من معانيه أيضا مخالطة رفيق سوء، ولعل مما يشهد لذلك حديث الجليس الصالح والجليس السوء، فقد ذكر من علامات الجليس السوء: أن تجد منه ريحا خبيثة، والدخان يطلق على السجائر وهي من ذوات الروائح الخبيثة.
وتأمل الحديث التالي:
عن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه أن النبي قال: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)) متفق عليه.
ويشهد له أيضا:
حديث حُذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- حيثُ قال: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني؛ فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهليّة وشر، وجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: وهل بعد هذا الشر من خير قال: ((نعم؛ وفيه دخن)) قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)) قلت: فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم؛ دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها))، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: ((هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلِّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يُدرك الموت وأنت على ذلك ))(1).وهذا الحديث الأخير قد يكون أضاف لنا معنى خاصا، وهو:
3/ وجود فتنة تصدر عن بعض من يزعم الانتساب لهذا الدين والالتزام به، وهو بريء منهم كالتكفيريين .
4/ من معانيه الحسنة والطيبة، وهذا مخصوص بما إن رؤي في شدة البرد؛ ورود أخبار طيبة ومفرحة وسعيدة، كخاطب أو قدوم حبيب من سفر أو خبر مفرح عنه؛ وهذا بسبب استخدام ما يسمى بالدخون وهو طيب ذو دخان في تعطير الضيف أو البيت بالمناسبات السعيدة.
وبسبب فرح المسافر في الصحراء وخاصة بالقديم برؤية الدخان؛ فهو يدل على بيت ذي كرم، ولذا فيطلق على الكريم: رجل كثير الرماد.
5/ من معانيه الطبية وجود مشكلة بصرية لدى من تتكرر عليه رؤية الدخان.
6/ من معانيه أيضا وجود أمر من المكر والخيانة قد يكتشفه صاحب الرؤيا، وهذا المعنى يستدل به من تجزئة لفظ: الدخان، فآخر ثلاثة أحرف لو تأملت هي: خان.
7/ من معانيه حدوث أمر سعيد لصاحب الرؤيا يشتهر به بين الناس، أوفي وسائل الإعلام، وهذا حال رؤية الدخان شتاء كما بيناه وذكرنا علته وهي أن الدخان كان من علامات الكرم.
موقع الدكتور فهد بن سعود العصيمي