أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ((18)) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ((19)) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ((20)) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ((21)) سورة الحشر.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي ".
ِِ
أما بعد:
فإن الرقية علم قديم معروف قبل الإسلام كان يستشفى به من الأوجاع والأسقام وعندما جاء الإسلام هذب الطريقة وأضفى عليها الصيغة الشرعية ونقاها من الشرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلماعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا)رواه مسلم،وقال السعدي رحمه الله في تفسير الآية(27) من سورة القيامة: "وقيل من راق" . (أي من يرقيه من الرقية،لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية فتعلقوا بالأسباب الإلهية).
وكما نعلم أن الإنسان عبارة عن جسد وروح لا ينفصل أحدهما عن الآخر فإن تم الفصل انتهت حياته، ففي فترة النوم رفع القلم عن النائم حتى يصحو وهذه هي الموتة الصغرى وهي أغرب حالة يكون بها الإنسان لا ميت فيدفن ولا حي فيمارس حياته بشكل طبيعي وهذه آية من آيات الله تعالى.
إذا اعتل الجسد توجهنا للأطباء والعطارين وجميع المختصين كل ضمن اختصاصه وإذا اعتلت الروح – إن جاز التعبير لأن الروح من أمر الله تعالى – توجهنا كذلك إليهم حتى إذا يئسوا من تجاربهم وفحوصاتهم وجهونا إلى الطب النفسي فيقع هذا الإنسان في دائرة ليس من السهل الخروج منها.
نحن لا ننكر دور الطب النفسي في علاج الحالات النفسية الفعلية بل لهم اليد الطولى بإنقاذ شريحة من المجتمع وعودة جزء منهم إلى ممارسة حياتهم بشكل طبيعي أو شبه طبيعي لفترة دائمة أو فترات متقطعة أو على الأقل قاموا بحمايتهم من إلحاق الضرر بأنفسهم أو بالمجتمع من حولهم.
وهذا لا يعني أنهم معصومون من الخطأ فهناك حالات نفسية قام أصحابها بالانتحار وأزهقوا أرواحهم بأيديهم رغم استمرارهم على استعمال العلاج النفسي، وهناك حالات نفسية طعن الأطباء بعضهم ببعض لماذا يعطى صاحب هذه الحالة هذا العلاج !؟ وهناك حقل تجارب للخريجين الجدد بالطب النفسي وقع ضحيته عدد كبير ممن يعانون من أعراض الحالات النفسية، وهناك حالات كان بالإمكان علاجها فقط بالرقية الشرعية دون اللجوء لأي نوع من أنواع الطب.
صاحب الحاجة دائماً له وضع خاص من الصعب أن تحكم عليه كإنسان عنده حب استطلاع وهذا لا يعفيه من أن يضع الأمور في نصابها الصحيح بل عليه أن يسير بحذر شديد حتى لا يقع بالشرك لأن الله سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به.
فرضنا أنّ صاحب الإصابة غير العضوية تخطى كل ذلك خرج من دائرة الطب وخرج من دائرة الشرك وتوجه للرقية الشرعية فمن يضمن له أنّ المعالج الذي يتعامل معه يسير بطريق صحيح فهناك معالجون لهم عشرات السنين في هذا المجال وليس لديهم علم بكيفية تشخيص الحالات التي ترد إليهم ولا نشك في تقواهم وورعهم وصدق نيتهم طالما أنهم لم يوقعوا المراجعين بالشرك ولا ننكر أنهم قد حصلوا على نتائج جيدة مع كثير من الحالات وبالمقابل هناك حالات لها مدة طويلة تتردد عليهم ولم يشعروا بتحسن بل قد تزداد سوءا، علينا إذن أن نضع اليد على العلة كي نصلحها، هل السبب هو المعالج أم المريض أم ماذا ؟ ! وما هو الحل ! ؟ للإجابة على كل هذه التساؤلات اقرؤوا هذا الكتاب كاملاً بتأنٍ وتأمل وأرجو أن يوفقني الله وإياكم للصواب لذلك أضع بين يدي إخوتي المسلمين ثمرة طيبة من ثمار التداوي والاستشفاء بالقرآن الكريم وهدي سيد المرسلين، داخلاً في صلب موضوع البحث دون إطالة، تاركاً مواضع الخلاف ودراسة أحوال الجان إلى أهل الاختصاص، وقد طرحت بعض الأمور التي لا بد منها كمدخل لمادة البحث راجياً الله تعالى أن ينفع به عباده الموحدين.
ونظراً لغموض هذا الموضوع لعدم رؤية المعتدي وعدم وضوح الأمر لكثير من الناس بل إنكارهم هذا الموضوع لاعتقادهم بعدم وجود العدوان فإننا نجد صعوبة بالغة في إقناعهم بها مما يترتب عليه إهمال المعتدى عليهم وعزو تصرفاتهم – اللاإرادية – إلى الأمراض العقلية والنفسية مما جعلهم فريسة لمرض آخر هو تعاطي الأدوية النفسية التي توصف لهم بعد مراجعتهم للعيادات النفسية المتخصصة، وقد يصبح المرضى من المدمنين على هذه الأدوية والعقاقير ويصعب عليهم التخلص منها، فيشعر الجني المعتدي بالأمان ويتمادى في عدوانه.
وهناك صنف آخر من النّاس لديه قناعة بهذه الأمور، إمّا قناعة قديمة أو جديدة بالنسبة للحالة التي يعيشها أو يشاهدها حوله، إلا أنهم يتجهون إلى السحرة والعرافين والكهنة والمشعوذين من أجل علاج هذه الحالات، وذلك لجهلهم بكيفية العلاج الصحيح.
وكثير من البيوت المعدة لسكن الإنسان اضطر مالكوها أو مستأجروها للخروج منها وتركها لتصبح خربة وذلك لتعدي الجن عليها وسكنهم بها وقيامهم بإرهاب سكانها وإيذائهم، فما يكون من سكانها الأصليين إلا اتخاذ الإجراء السلبي وهو هجرها خوفاً على أنفسهم وعلى أولادهم من شر الأشباح، وهذا لجهلهم بكيفية اتخاذ الإجراءات الصحيحة في طرد المعتدين من فسقة الجن عن منازلهم.
وقبل البحث في كيفية العلاج لابد من التعرف على هؤلاء المعتدين واتخاذ السلاح المناسب لصد عدوانهم ومحاربة الطاغين منهم، فإذا عرفت عدوك ولغته وعرفت السلاح الذي يؤثر فيه ويدحره من أمامك هان عليك أمره وحققت الوقاية منه ودفعت ضرره إذا حاول الاعتداء عليك، والسلاح الشرعي الوحيد الذي يعطيك النتيجة الإيجابية هو تقوى الله تعالى ثم قراءة القرآن الكريم وخاصة الآيات التي تتكلم عن الجن ووحدانية الله والسحر والظلم والقتال والعذاب والبراءة من ملل الكفر،ودعاء الله واللجوء إليه، وآيات الشفاء، وأدعية الشفاء الواردة في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم ).
فالجن مخلوقون من مارج من نار كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم وهم موجودون على الأرض بأعداد كثيرة ولا نراهم بأعيننا،ومصداق ذلك قوله تعالى: (( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون )) [سورة الأعراف رقم الآية (27)].
وللجن ديانات ومعتقدات كثيرة، كما هي لدى الإنس، ومن الجن من يطير ومنهم من يحل ويظعن ومنهم حيات وكلاب، ومنهم من له القدرة – بإذن الله – على التشكل بأشكال بعض الكائنات الحية كالإنسان والقط الأسود والكلب الأسود وبعض دواب الأرض المختلفة.
فعن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون " (رواه البيهقي والحاكم في المستدرك، يظعنون: يسافرون ).
فقبل نزول القرآن كانوا يسترقون السمع من السماء كما أوضح القرآن الكريم، ولهم القدرة على الدخول في جحور الأرض لذا " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر، قالوا لقتادة ما يكره من البول في الجحر ؟ قال: كان يقال أنها مساكن الجن"(رواه النسائي وأبو داود ). ولهم القدرة على إصابة الإنسان بالمس، لقوله تعالى: (( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )). [سورة البقرة 275].
*وقد يقول قائل: كيف يكلفنا الله تعالى بعبادته ثم يسلط علينا ما يمنعنا من أداء تلك العبادة باعتداء الجن علينا وغير ذلك؟
فأقول وبالله التوفيق أنّ الأصل في الموضوع قوله تعالى في سورة الذاريات((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ((56)) )). وحفظ الله تعالى للأنفس حاصل لقوله تعالى في سورة الطارق: ((إن كل نفس لما عليها حافظ ((4)) )).
*ولكن الاستثناء من كل ذلك حاصل لقوله تعالى في سورة العنكبوت (( الم ((1)) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ((2)) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ((3)) )).
وكذلك قوله تعالى في سورة الحديد : (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ((22)) )).
وكذلك قوله تعالى في سورة الفلق: (( قل أعوذ برب الفلق ((1)) من شر ما خلق ((2)) ومن شر غاسق إذا وقب ((3)) ومن شر النفاثات في العقد ((4)) ومن شر حاسد إذا حسد ((5)) )).
وفي الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين وحسنه الترمذي.
*والأحاديث النبوية الدالة على تأثير العين والحسد والسحر كثيرة.
مما سبق نستنتج أنّ الاستثناء حاصل في العبادة قبل سن البلوغ وعند فقدان العقل وعند النوم وكذلك الاستثناء الجزئي لموضوع حفظ الأنفس حاصل بتعرضها للأمراض والمصائب المقدرة عليها كاعتداء الإنسان على جنسه بالحروب وغير ذلك وحوادث السير واعتداء الحيوانات مثل ذوات السموم والسباع والحيتان وعقص الدواب والسقوط عنها وتعرضها للأشياء الطبيعية كالتردي من الأماكن العالية والسقوط على الأرض والكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والحرائق فهذه معظم الأمور الملموسة لم ينكرها أي إنسان وهناك أمور خفية في كيفية تأثيرها ولكن نتائجها السلبية ملموسة على أرض الواقع كاعتداءات الجن على الإنس بصور وأشكال مختلفة وتعرضها للسحر والعين والحسد، ولا ننسى كذلك تعرض الناس للابتلاء العملي للتمحيص والتمييز بين الخبيث والطيب.
فأسأل الله أن يهدينا سبل الرشاد ويردنا والمسلمين إلى دينه رداً جميلاً فلا خلاص لنا ولا نجاة في الدارين الدنيا والآخرة إلا بالعودة إلى الله.