تابع / ما قبله / 000
ثالثا : فتوى الشيخ العبيكان بجوازالذهاب للسحرة لفك السحر وجواز الاستعانة بالجن فى فك السحر :
1- رد فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي الخاص والأمين العام للجمعية العالمية للصحة النفسية في المملكة والخليج على العبيكان في فتواه فقال (( الاستعانة بالمشعوذين محرَّم.. ولا تُقوّل فقهاء الحنابلة مالم يقولوا!
وحرمة الذهاب للسحرة والمشعوذين أمر لا شك فيه وأن من يقل بجواز الذهاب إليهم يرد الكلام على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،، وقد أخطأ الشيخ العبيكان عندما أعلن ذلك دون أن يستشير العلماء حفاظ الحديث ويجمع عقله لعقولهم .وبيّن اللحيدان أن العبيكان طالب علم وينبغى أن لا يخوض فى مثل هذه المسائل دون الرجوع للعلماء وسؤالهم ويستشهد بأقوال ويعممهاعلى فقهاء الحنابلة ويُقَوِلُهُم ما لم يقولواوقال اللحيدان(للمدينة) رداً على تصريحات العبيكان حول جواز الذهاب للسحرة والمشعوذين وحل السحر بالسحر تأصيل المسائل العلمية دون معرفة مايَرِد عليها وما يورد إليها من أدلة ومن عام وخاص ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ لابد من إدراكه ووعيه لأن الحكم على الشيء لابد أن يتفرع عن تصوره لكن :
الأمر الأول : هو التصور المطلق الكامل السالم من المُعارض .
الأمر الثانى : لابد من معرفة صحة الأقوال المنسوبة إلى أهلها .
الأمر الثالث : خطورة التأويل وتحميل أهل العلم السابقين مالم يحتملوا لأن التأويل يحتاج إلى عقلية كبيرة تساوى عقلية ذلك الذي تكلم فى مثل هذه المسائل الدقيقة 0
والأمر الرابع : أيضاً مهم هو معرفة قواعد النظر العقلى الذي يتساوى مع النص الشرعى الصحيح لأن مُنَزِلَ الوحى هو الله جل وعلا وخالق العقل هو الله جل وعلا ولا يتعارض النص الصحيح مع العقل فإن تَعَاَرَض العقل مع النص الصحيح فإن العقل يكون مشبوهاً يعنى فيه نظر من حيث استيعابه ومن حيث حسن التصور والتصرف 0
والأمر الخامس : أن فقه النص لا يتعدى المراد فيما يتعلق بالعبادات لأن الأصل فى العبادات القطع والمنع إلا ماشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
والأمرالسادس : لابد من إستشارة أهل العلم الحفظة الذين أحاطواعلماً بفقه النصوص والنوازل والمستجدات وغالب هؤلاء اليوم لا يكتبون ولا يلقون الدروس وأمثال هؤلاء دخولهم فى مثل هذه المسائل يثري القضية إثراءً عظيماً وكذلك أدعو كافة العلماء الرسميين والمستقلين أن يتقوا الله جل وعلا جميعاً وأن يدخلوا فى الميدان لكن بعقل وحكمة وروِية واختصار دون الذهاب إلى مجرد الإنشاء أو الخطاب المباشر أو الميل إلى مجرد الوعظ والإرشاد هذه مقدمة تأصيلية لابد منها،،
وأضاف اللحيدان أما فيما يتعلق بالذهاب الى السحرة والكهان فإنه لا يجوز وهذا مجمع عليه علمياً وهو مما عُلم من الدين بالضرورة لأن الذهاب الى السحرة محرم, والحديث الصحيح فى هذا معروف (من ذهب إلى ساحر فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) وأيضاً الذهاب إلى الكهان مثل هؤلاء..وأمر الذهاب إلى الساحر والكهان يعطى قطعاً للأدلة يعنى الذي يذهب إلى الساحر أو الكاهن يعنى أنه يلغى النصوص التى تزيل السحر ويلغى النصوص التى تزيل مرض الكهانة ومرض العين ومرض المس ..
وقال الدكتور اللحيدان ليس هناك ضرورة مقتضية أن يذهب المسحور للساحر وليس هناك ضرورة مقتضية أن يذهب الممسوس إلى من يخرج الجن عن طريق الجن لأن النبى صلى الله عليه وسلم وضع حداً لهذا كما فى الترمذى والبخارى وكما فى سورة البقرة فيما قوله تعالى(كالذي يتخبطه الشيطان من المس) فحينما يذهب الممسوس أوالمسحور الى راقٍ من التقاة البررة العارفين المدركين البعيدين عن الظلم وعن الغلو والبعيدين عن الإشراك وعن الحرام لاشك أن القرآن يؤثر تأثيراً عظيما ًفى المسحور وأيضاً يؤثر تأثيراً عظيما ًفى نفسية الذى مسته الكهانة أو أصيب بالعين أو أصيب بالمس ولذلك قال الله تعالى (مافَرَطنَا فى الكتاب من شيء) وأضاف فضيلته لكن المسألة تحتاج الى أن العالم يرتفع قليلاً قليلاً إلى فهم مراد النص لأن القرآن نزل بلغة عربية وأدلة الأدعية وأدلة الأذكار وأدلة الموجبات كلها واضحة كذلك أحاديث البخارى ومسلم والأربعة وابن أبى شيبة وأحمد والمصنف لعبد الرزاق النصوص موجودة متواترة لإزالة السحر بالرقية وإزالة المس بالرقية وإزالة الكهانة والعين بالرقية كلها موجودة فكيف يمكن لمسلم عاقل مميز أن يذهب الى ساحر.. نعم ابن تيمية تكلم عن هذا لكن التكلم عندالإمام ابن تيمية غير واضح100% ولذلك لا يُحَمَل إبن تيمية محمل حسب ما يراه أحد (ما) ولا يمكن أن يحمل الإمام البخارى فى تبويبه لبعض الأبواب غير ما تحمله..
والشيخ عبدالمحسن العبيكان أعرفه معرفة جيدة أعرفه طالب علم متمكنا وجيدا لكن الثقة قد يجوز عليه الخطأ وهذا مذهب أهل الجرح والتعديل من علماء الحديث ولذلك أنصح كافة العلماء بالتريث وعدم التعجل فحينما يسأل عالم عن مسألة مثل هذه المسائل يجب أن يراجعها ويتصل بالحفظة من أهل الحديث الذين يعرفون النواسخ والمنطلقات والعمومات وأدلة الاختلاف والاستنتاجات العقلية والنظرية وأسأل الله للشيخ عبدالمحسن التوفيق والهداية وأدعوه إلى التريث قليلاً.
وأضاف اللحيدان لا أظن أن عبدالمحسن العبيكان يقصد أن يحث الناس على الذهاب للسحرة بكلامه
المنشورفى (المدينة) أمس لأنه رجل طالب علم ورجل مأمون وأثق به شخصيا ثقة كبيرة فيما أعلم عنه والنوايا لا أعلمها أحسبه كذلك وحسبه الله .. لكن كان الأولى أن لا يفعل هذا الشيء أنا من رأيي حسب علمى وحسب حفظى للآثار والقرآن ولله الحمد ..أرى أنه لا يصلح أن يذيع هذا إلا أن يجعل هناك شرطا وضوابط قوية جيدة فهو يختم هذا بعدم جوازالذهاب الى السحرة خاصة فى هذه الفترة التى كثرت فيها البدع وكثر فيها المتطرفون والمتعالمون ولو تتبعت مايجرى فى العالم عبر الأنترنت لوجدت أن المفتين أكثر من الذي يحفظ كل من بدأ يقرأ يفتى كل من بدأ يلقى محاضرة يفتى كل من بدأ يؤلف يفتى والأولى والأرفق بالشيخ عبدالمحسن العبيكان أنه لا يظهر هذه الأمور يجعلها بينه وبين نفسه ثم يستشير ويستشير ويجمع عقله الى عقول الآخرين.واختتم اللحيدان قائلاً أما ما يتعلق فى فقه الحنابلة فالشيخ عبدالمحسن عمم هنا والصحيح أنهم جزء قليل وهم ليسوا من أهل الحديث إنما فقهاء وهذه اجتهادات شخصية من هؤلاء الفقهاء لا يحسن تعميمها على عامة الفقهاء. جريدة المدينة .
2- رد الشيخ سعد بن عبد الرحمن الحصين : الشيخ عبد المحسن العبيكان زاده الله من فضله وتوفيقه ميزه الله بالعلم والعمل والدعوة إلى الله على بصيرة، وأحسبه اليوم من خير من جمع الله له بين العلم والعمل الشرعي، وبين الولاء لدولة التوحيد والسنة ومناصحة ولاة أمرها، وكانت وما زالت تهوي إليه أفئدة طلاب العلم الشرعي ، أما الاستعانة بالجن فقد استدل على جوازه ببعض الحديث أو الأثر الذي لا يسلم من مقال، وأما استدلاله برأي ابن تيمية رحمه الله فالحجة في روايته ( إذا صحّت سنداً ومتناً ) وليست الحجة في رأيه، كما قال الفقهاء عمن هو خير منه، ولذلك لم يأخذ الشيخ ابن باز رحمه الله (وأحسبه خير من جمع الله له العلم والعمل والدعوة على بصيرة وحسن الخلق ـ ومنه الصبر والعفو والكرم بالنفس والوقت والمال ـ في عصره ) برأي ابن تيمية رحمه الله بل منع الاستعانة بالجنّ مطلقاً، وهذا لا يعني منع الإعانة في الخير، وبينهما فرق كبير وأحسب الاستعانة بالجنّ (لغير الشّرّ والفتنة) من مُلْك سليمان الذي خصّه الله به فلا ينبغي لأحدٍ من بعده ، ومَنْ مِنَ الإنس يجوز له الحكم بالصلاح على أحدٍ من الجن؟ .
و يرى الشيخ العبيكان أن غير الصالحين من الجن لن يعينوا مُسْلماً! والصحيح أنهم قد يعينونه فتنةً وابتلاء 0
وقد رأيت كثيراً من الدّجّالين في البلاد المجاورة يدّعون الاستعانة بالجن الرحمانيين، وانخدع بهذه الحجة بعض خريجي كليات الشريعة في المملكة المباركة؛ فالواجب قطع هذه الذريعة وسد هذا الباب الذي ولج منه الدجل وإذا كان الشيخ علم مشاهدة بوجود عمليات جراحية جنيّة فلعله من التّخييل، كما خُيّل لموسى عليه السلام أنَّ حبال السّحرة وعصيهم حيّات تسعى .
رابعا : بعض الأدلة التى تبيح ذلك :
الأول :- حديث أبي هريرة لما جاءه الشيطان على صورة آدمي يحثو من طعام الصدقة.. حتى أوصاه بقراءة آية الكرسي وقال فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (صدقك وهو كذوب) رواه البخاري برقم 3275. فيقولون: ما المانع من الاستفادة من الجن في إعانتهم لنا في تشخيص أو علاج الحالات فإن هذا يختصر الوقت والجهد..
والجواب : أن قصة الشيطان مع أبى هريرة لا يقاس عليها ما يفعله المعالجون اليوم وذلك لما يلى :
1- أن الذى حكم على صدق الشيطان فى هذه الواقعة هو النبى صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه نبى يوحى إليه والوحى قد انقطع بعده لذا لايمكن أن نقول للمعالج اليوم صدقك وهوكذوب لأنه لااطلاع لناعلى ذلك ومن ادعى اطلاعه على صدق الجن وكذبهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم فإنما هو الكذوب
2- أن أبا هريرة قد أمسك الشيطان وأطلقه وسمع منه ولم يعلم أنه شيطان إلا بعدما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فهل يقاس هذا على من يعلم أنه يتعامل مع الجن ويقصد سؤالهم والاستعانة بهم لاشك أن هذا قياس مع الفارق .
3- أن أبا هريرة لم يسأله عن شىء وإنما الشيطان هو الذى أخبره بذلك فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الإقرار هو الذى يجعلنا نقرأها عند النوم وليس مجرد كلام الشيطان 0
4 - لا حاجة للجن في إعانة أحد من الإنس إلا بمقابل،وهذا ما حدث فى قصة أبى هريرة عندما كان المقابل أن يطلقه دون أن يعلم أنه الشيطان فماذا سيجدون منك أيها الراقي حتى يساعدوك في تشخيص الحالات وعلاجها؟!.أم أنهم سوف يساعدونك دون مقابل .
الثانى :- روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر ، وكان هناك امرأة لها قرين من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة ، وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشاً فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم وشاع الخبر فسأل عمر عن ذلك فذكر له فقال : هذا أبو الهيثم يريد المسلمين من الجن وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك بعدة أيام.
والجواب كما ذكر الدكتور فهد اليحيى من وجوه :
الوجه الأول : أين هذا الأثر في كتب الأثر ؟ فإني لم أجده إلا في كتاب : فضائل الصحابة للإمام أحمد من رواية ابنه عبد الله ، قال : ثنا داود بن رشيد قال : ثنا الوليد يعني بن مسلم عن عمر بن محمد قال : ثنا سالم بن عبد الله قال : راث على أبي موسى الأشعري خبر عمر وهو أمير البصرة ، وكان بها امرأة في جبتها شيطان يتكلم فأرسل إليها رسولاً فقال لها : مري صاحبك فليذهب فليخبرني عن أمير المؤمنين ، قال : هو باليمن يوشك أن يأتي ، فمكثوا غير طويل قالوا اذهب فأخبرنا عن أمير المؤمنين فإنه قد راث علينا ، فقال : إن ذاك لرجل ما نستطيع أن ندنو منه إن بين عينيه روح القدس ، وما خلق الله عز وجل شيطاناً يسمع صوته إلا خر لوجهه. وقد أخرجه أيضاً بأخصر منه من طريق يحيى بن يمان عن سفيان عن عمر بن محمد بن سالم بن عبد الله. وهذا الأثر ضعيف لما يلي :
1- في السند الأول : الوليد بن مسلم وهو عند ابن حجر من الطبقة الرابعة من الموصوفين بالتدليس ، وهم من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ، ولم يصرح الوليد هنا بالسماع من عمر بن محمد.
2- في السند الثاني : يحيى بن يمان العجلي ، قال في التقريب : صدوق عابد ، يخطئ كثيراً وقد تغير.
3- مدار الأثر بروايتيه على سالم بن عبد الله يروي القصة لأبي موسى رضي الله عنه ولم يذكر له سماع من أبي موسى ، وهذا الأثر ضعفه محقق كتاب فضائل الصحابة ،
4- الآثار الواردة آنفا جاءت بصيغة ( روي ) وهذا ما يعتبره أهل العلم صيغة ( تمريض ) أي عدم ثبوت تلك الآثار بسندها عن الرواة0وقد أورده شيخ الإسلام - كما تقدم - بصيغة التمريض (روي).
الوجه الثاني : أن القصة لو ثبتت لم يكن فيها الاستعانة التي يقوم بها من يزعم ذلك من التحضير في الغرف المظلمة، والتمتمات، والحركات المستغربة، إذ هي لا تزيد على مخاطابة مصروع فيما لا يترتب عليه أدنى عمل، فهي كمن يسأل الجني المتلبس بالمصروع عن سبب دخوله ومتى دخل ونحو ذلك، وسياق إيراد هذه القصة من قبل شيخ الإسلام يدل على هذا المعنى، فإنه استشهد بها على سؤال الجن من غير تصديق لهم، ولم يستشهد بها على الاستعانة .
فإن قيل : فالاستعانة كالسؤال ، فإذا جاز السؤال جازت الاستعانة .
فيقال: إذا كان كذلك فيستعان إذاً حتى بالكفار!! لأن كثيراً من المتلبسين بالإنس إنما هم كفار، هذا من وجه ..
ومن وجه آخر فإن السؤال الذي تسأله الجني المتلبس بالمصروع ليس سؤال استعانة ، وإنما هو كالتحقيق مع المجرم ، ولذا لا ينبغي سؤال عن العائن في العين ، وعن السحر أين هو ؟ ومن سحره ؟ .. إلخ إلا على وجه التحقيق والاستدراج له ، وليس على وجه الاستعانة ، وكم كذب الشياطين في ذلك كثيراً ، ولبسوا ، وخلطوا ، وزرعوا الشحناء والبغضاء.
ولذا فإني أكبر فقه شيخنا ابن باز - رحمه الله - وبُعد نظره حين سُئل عما يفعله البعض مما يُسمى بالتخييل ، وهو أن يقول مخاطباً الجني : اخرج على صورة العائن ، أو على خيال العائن ، ثم يسأل الشخص : ماذا ورد في خاطرك ؟ فيذكر أسماء أناس يعتبرهم (الراقي) هم من أصاب هذا الشخص بالعين.
فلما سُئل الشيخ عن ذلك قال بكل بداهة وبساطة مع الفقه وقوة البصيرة : لا يصدقهم ، هم يكذبون (يعني الجن) يقولون : عانه (أي أصابه بالعين) أبوه ، أخوه ، فلان ، فلانة ، هم يكذبون ، يريدون أن يوقعوا الشحناء والبغضاء.
الوجه الثالث: أن القصة لو أخذنا منها جواز الاستعانة للزم من ذلك جواز مطلق الاستعانة من غير فرق بين جن مسلمين أو كافرين ، وذلك لأن قرين تلك المرأة لم يُذكر أنه مسلم بل الأظهر أنه كافر ، وإذا قيل بمطلق الاستعانة فهذا هو السحر بعينه والشعوذة أو قرينهما.
الوجه الرابع : أن هذه القصة - على فرض صحتها - هي بعد ذلك كله حادثة واحدة قد يصح فيها ما يطلقه بعض العلماء فيما هو أصح منها وأوضح أنها حادثة عين لا عموم لها ، فكيف يؤخذ بها ويطرح ما ذكرنا من الوجوه التي يكفي بعضها في الدلالة على المنع. والله أعلم.
وقال غيره من الوجوه أيضا :
الوجه الخامس: ولو لم يذكر أي من النقاط السابقة ، فالقاعدة الفقهية ( باب سد الذرائع ) تغنينا عن ذلك كله ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة والناس اليوم يدركون ويعلمون كم من المفاسد العظيمة ترتبت على هذا الأمر ! وبنحو أصبح الولوج فيه أقرب إلى طرق السحر والشعـوذة والكهانة والعرافة فنسأل الله العفو والعافية 0
المطلب الثالث : ما استدل به المانعون :
استدل الذين منعوا الاستعانة بالجن بأمور عديدة منها كما يقول صاحب كتاب القول المعين في مرتكزات معالجي الصرع والسحر والعين ص ( 37- 173 ) 0
1- لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين وأصحابه والتابعين وسلف الأمة - رضوان الله عليهم أجمعين - فعلهم ذلك ، أو استعانتهم بالجن ، واللجوء إليهم ، والتعلق بهم ، وقد رسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين، عقائد سامية، ومبادئ أخلاقية ، تأصيلا للعقيدة الصحيحة التي توجه السلوك والتصرف، وذلك بالاعتماد والتوكل على الله سبحانـه وتعالى وحده ، وقد ثبت من حديث أبي مسلم الخولاني، قال : حدثني الحبيب الأمين، أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين: عوف بن مالك ، قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سبعة – أو ثمانية أو تسعة – فقال: ( ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وكنا حديثي عهد ببيعة، قلنا: قد بايعناك، حتى قالها ثلاثا، فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل: يا رسول الله: إنا قد بايعناك! فعلام نبايعك؟ قال ( أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا ) وأسر كلمة خفية، قال : ( ولا تسألوا الناس شيئا ) قال : فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه ، فما يسأل أحدا أن يناوله إياه ) ، ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
- وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة ) قلت: أنا0 قال : (لا تسأل الناس شيئا) قال ، فكان ثوبان يقع سوطه ، وهو راكب ، فلا يقول لأحد : ناولنيه 0 حتى ينزل فيأخذه )0 قال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح أبي داوود 1446 ، صحيح ابن ماجة 1487 ) 0
قال النووي : ( قوله : " فلقد رأيت أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه " فيه التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن السؤال ، فحملوه على عمومه ، وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا 0 والله أعلم ) 0( صحيح مسلم بشرح النووي - 7،8،9 - 109 ) 0
2- السمة العامة لأقوال الجن والشياطين الكذب والافتراء ، وقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ " قلت: لا0 قال: " ذاك شيطان (أخرجه الإمام البخاري في صحيحه قال المباركفوري (صدقك وهي كذوب) هو من التتميم البليغ، لأنه لما أوهم مدحها بوصفه الصدق في قوله صدقت استدرك نفي الصدق عنها بصيغة مبالغة، والمعنى: صدقك في هذا القول مع أنه عادته الكذب المستمروهو كقولهم : (قد يصدق الكذوب ) تحفة الأحوذي .
3- جهل عامة الناس في العصر الحاضر، والبعد عن منهج الكتاب والسنة ، وقلة طلب العلم الشرعي، كل ذلك جعل الكثيرين منهم لا يفرقون بين السحـرة وغيرهـم ممن يدعـون الاستعانة بالجن الصالح - بزعمهم- وبذلك تختلط الأمور وتختل العقائد التي تعتبر أغلى ما يملكه المسلم، ولأن في صحة العقيـدة وسلامتها ضمان للفوز والنجاة في الدارين0
4- يترتب على الاستعانة فتنة للعامة ، نتيجة التعلق والارتباط الوثيق بالأشخاص من الإنس والجن ، دون الارتباط والاعتماد والتوكل على الخالق سبحانه وتعالى .
5- الجن مكلفون وغير معصومين من الأهواء والزلل ، وقد يخطئون ، وينقاد المستعين بهم وراء ذلك الخطأ ، وقد يقع في الكفر أو الشرك أو محظور شرعي بحسب حال مخالفته الشرعية 0
6- إن اللجوء إلى الجن والاستعانة بهم تجعل المستعين ضعيفا في نظرهم وفي نظر غيرهم من الجن والإنس ، وأما الاستعانة بالله سبحانه وتعالى فتجعل الإنسان قويا واثقا لاستعانته بخالق الكون ، المتصرف الذي له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير 0
7- الاستعانة غالبا ما تكون نتيجة تلبس الجني لبدن المعالج أو أحد أفرادأسرته وهـذا مشاهد محسوس ملموس ، تقره الخبرة والتجربة العملية ، وفي ذلك مخالفة شرعية صريحة لنص الآية الكريمة : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَالا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ 000 ) ووجود الجني داخل جسد الإنسان بهذه الكيفية وعلى هذا النحو غير جائز وغير مسوغ من الناحية الشرعية ، وليس من عقيدة المسلم أن الغاية تبرر الوسيلة ، إنما الوسيلة كما بينها الشرع الحنيف هي اتخاذ الأسباب الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة والأثر ، وكذلك الأسباب الحسية المباحة لعلاج تلك الأمراض الروحية 0
8- استدراج الشيطان للمستعين بكافة الطرق والوسائل والسبل للايقاع به في الكفر أو الشرك أو المحرم ، وقد سمعنا من القصص قديما وحديثـا ما يؤيد ذلك ويؤكده ، فكم من رجال عرفوا بالاستقامة والصلاح ، وتم استدراجهم ، وماتوا على الكفر أو المعصية والعياذ بالله ! .
قال ابن كثير : ( قال عبدالله بن مسعود في هذه الآية : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِنْكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ )
كانت امرأة ترعى الغنم وكان لها أربعـة إخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب 0 قال : فنزل الراهب ففجر بها فحملت 0 فأتاه الشيطان فقال له : اقتلها ثم ادفنها فإنك رجل مصدق يسمع قولك 0 فقتلها ثم دفنها ، قال : فأتى الشيطان إخوتها في المنام فقال : لهم إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم فلماأحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا ، فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا لا بل قصها علينا فقصها 0 فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك ، فقال الآخر : وأنـا والله لقد رأيت ذلك 0 قالوا : فوالله ما هذا إلا لشيء ، قال : فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه 0 قال : فسجد له ، فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل ، وكذا روي عن ابن عباس وطاوس ومقاتل بن حيان نحو ذلك ، واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا فالله أعلم ) ( تفسير القرآن العظيم - 4 / 341 ) .
قال الأخ فتحي الجندي : ( وقد اشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا والله أعلم0 وأيا ما كانت هذه القصص لعابد واحد هو برصيصا، أو كانت لغيره فهي لا تثبت من رواية مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنها موقوفة، وغايتها أن تكون مأخوذة عن أهل الكتاب، وفي تدبرها عبرة لمن سمع بها - على أي حال - فالحذر الحذر من هذا الشرك الخادع ، والذي كم صاد به إبليس ، وما فتئ يصطاد 0 وليعلم أن الفتنة تبدأ بنظرة محرمة تزني فيها العين )0 ( النذير العريان - ص 259 )
قلت : واستدراجات الشيطان في هذا المجال كثيرة ومتشعبة، ومن ذلك استخدام الأمور المباحة في العلاج للإيقاع في المحظور ومن ثم الكفر بالله عز وجل وهدم العقيدة والدين ، أو ادخال أمور مبتدعة في الرقية الشرعية كما يفعل كثير من الجهلة اليوم ، أو الخلوة المحرمة بالنساء بقصد طيب دون معرفة الحكم الشرعي لذلك ، فينقلب الأمر ويحصل المحظور ، ناهيك عن أمور كثيرة قد يستدرج بها الشيطان بعض المعالجين لا داعي لذكرها إنما أريد التنبيه على هذا الأمر وخطورته ومزالقه 0
9- تكون الاستعانة حجة لكثير من السحرة على ادعاء معالجتهـم بالرقية الشرعية وقراءة القرآن ، لعلمهم أن الناس أدركت خطورتهم وكفرهم ، فيدعون الرقية والاستعانة بالصالحين من الجن ، فيطرق الناس أبوابهم ، ويطلبون العلاج على أيديهم ، وكثير من أولئك ينساقون وراءهم إما لضعف اعتقادهم ، أو خوفا منهم ومن إيذائهم وبطشهم ، والقصص والشواهد على ذلك كثيرة جدا ، والواقع الذي يعيشه الناس يؤكد ذلك أيضا 0
10- ولو جاز استخدامهم واستعمالهم في ذلك لاستشارهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما سحر كما ذكر قصة سحره عليه الصلاة والسلام الإمام البخاري في صحيحه ولم يستخدم الأوائل من المسلمين الجن في قضاياهم كالحروب التي دارت بينهم وبين المشركين ولا استعملوهم في علاج مرضاهم أم أننا أقوى عقيدة من أولئك الأولين فلا نقع في الشرك ؟
فابن تيمية عندما أشار إلى استخدام الجن حسب زعم الزاعمين لم يقل يجوز أن تصاحب جنياً بإشارة معينة مثل رمزاً أو قراءة أو نحو ذلك فإذا حضر الجني طلبت منه ما تحتاج إليه من تشخيص داء أو معرفة دواء أو الاستدلال على مخفى .
11- وقال ءاخرون وهم من المعالجين : إذا قلنا إن الإستعانة بالجن المسلم جائزة لابد لنا من تحقيق أمور هامة حتى نجد مسوغاً لمن أراد الإستعانة مع أنها لن تتحقق ولكن سنذكرها .
- النظر في حال المستعان به من الجن هل عنده القدرة على الإعانة والمساعدة .
- النظر في المستعان به هل هو مسلم حقاً وكيف نتأكد من ذلك ؟
- التأكد من صدقه وأمانته حتى لو كان مسلماً فالأصل فيهم الكذب .
- التأكد من وسائل الإتصال بهم وطلباتهم .
- التأكد من أن المستعان به لايتغير ولا يتبدل فقد يحل مكانه آخر يقلد صوته .
- ضمان عدم انقلابه وتسلطه وهذا يحدث لسرعة غضبهم .
أولاً : النظر في حال المستعان به :
هل عنده القدرة على جلب الأسحار أو قتل الجان أكثر من عرفتهم بالإستعانة ليس لهم وليس معهم من يستطيع أن يأتي بسحر فلان وفلان بل تجد الأمر يطول ويحتاج لمحاربة ومقارعة مع السحرة بل لايستطيعوا قتل خدام السحرة الذين في الجسد عن بكرة أبيهم فتجد بعضهم يقول قتلنا بعضهم وباقي كذا وكذا وفي كل مرة تجد هذا الكلام .
ثانياً : النظر في المستعان به هل هو مسلم حقاً وكيف نتأكد من ذلك ؟
وهذا أمر صعب جداً ولايقل قائل أعرف ذلك بسماعهم يقرؤون القرآن أو أسمع حسهم في الصلاة أو أسمع تسبيحهم أو ....أو..... قد يكون حقاً وقد يكون كذباً فقد رأينا ورأى كثير من الرقاة بعض المتلبسين بالأجساد من يقروءن القرآن بل من الجن المسلم من يخدم السحرة مقابل أجر أو تعذيب وإيذاء من رؤساء عشيرته وكلنا يعلم استدراج الشيطان للإنسان وصبره الطويل وأنه قد يظهر له في صورة عابد يصلي ويقرأ القرآن ومن لم يعلم هذا الأمر فليقرأ ماكتبه شيخ الإسلام ابن تيمية من أحوال من استعان بهم بعبادات معينة حتى أن الشياطين ترفعه وهو يصلي نعم يبسط أحدهم سجادته في الهواء ثم يصلي عليها ويقرأ القرآن والشياطين تحمله بل تحج به نعم يستطيعون أن يحضروا الأماكن المقدسة وأماكن العبادة بل يأتي الشيطان أحدنا في صلاته ليفسد صلاته ويذهب خشوعه وقد يأمره بأمور كثيرة من الخير طامعاً في امر واحد من الشر ثم كيف لنا أن نتأكد من إسلامه - يستطيع أحدنا أن يشهدلإنسي إذا عرفه زمناً من المصلين ومن أهل المعتقد الصحيح معتقد أهل السنة والجماعة وإلا لن يشهد له بالخير فهل يعلم المستعين حقيقة المستعان به في عقيدته التي قد تكون فاسدة وقد رأيت هذا بأم عيني في حالات كثيرة بل ورآها المعالجون في حالات يصرخ الجني بأنه مسلم ثم بعد الضغط عليه يقول كنت أكذب إنما أنا يهودي أو غير ذلك فلهذا لايعتبر بقول من قال أن المستعان به مسلم قد يكون مسلماً وقد لايكون وهذا يبطل أمر الإستعانة .
ثالثاً : التأكد من صدقه وأمانته حتى لو كان مسلماً فالأصل فيهم الكذب :
هذا الأمر مشهور وذكره شيخ الإسلام أنهم قد يكذبون حتى في الدعوة إلى الله فكيف نتأكد من صدقه وأمانته قد يكونمسلما ولكن قد يكذب ويحدث هذا بل وحدث عند أهل الإستعانة بكل أصنافهم وسأبين هذا إن شاء الله كيف تتأكد من صدقه بل إن المعالج المستعين بالجن ينقل إلى المرضى مايخبروه به الجن سواء وجد السحر أو يعرّف لهم مكان الشئ الضائع ونحو ذلك .
تابع / ما بعده / 000