امرأة بكل الألوان
إيمان أحمد شراب
كان للإنترنت كلَّ يوم موعِدٌ ثابت مع كريم بعدَ وجبة العَشاء، الساعة العاشرة مساء، وكريم لا يملك أبدًا أن يخلف لعشيقِه موعدًا ولا وعدًا.
وتطول بينهما لقاءاتُ الحب والغرام والهيام وتطول، وربَّما تمتدُّ إلى ما قُبَيل الفجر بلحظات، فينام وتضيع صلاةُ الفجر!
ثم، معاناةٌ كلَّ يوم ساعة الدوام، فلا يوقظه صخبُ أجراس، ولا صوتُ زوجته الناعِم الحنون، ولا حتى عندما يُصبح قاسيًا مزعجًا!
وأيضًا وفي ذلك اليوم وكعادته، وكمنوَّمٍ مغناطيسيٍّ، اتَّجه بشوق للإنترنت، واتَّصل بالعالَم الخارجي عن طريق تلك الشبكة، فوجَد دعوةً مِن سونيا لقَبولها صديقة.
أغراه الاسم، إنَّ سونيا يدلُّ على رقَّة ونعومة، وللإنسان مِن اسمه نصيب.
عاد وقال في نفسه: قدْ يكون ليس اسمها، ولكن أن تختارَ لها اسمًا كهذا، فهو دليلٌ على شاعريتها وحيويتها، وليستْ مِثل تلك التي تسمَّت بالحزينة أو الساهِرة!
ولم يطل تفكيرُه، فقَبِلها، وما إنْ قبلها حتى وجدَها على الشبكة هي الأخرى، فرِح بها، وتحدَّثَا حديثًا طال.
أخبرتْه أنها جميلة، وأنَّها متزوِّجة، ولها ولدٌ واحد! وأنَّ زوجها يقضي ساعاتٍ طويلةً على الإنترنت، فمِن حقِّها هي أن تسرِّيَ عن نفسها مثلَه!
تعجَّب كريم مِن صراحتها وجرأتها، فلم يسبقْ له أن تحدَّث مع مثلها، فكُلهُنَّ يكذبن، ويبادلهنَّ الكذب.
وتوالتِ المحادثات، ملأتْ خلالها سونيا عقلَ كريم وقلبه، فقرَّر أن يطلب منها أن يراها، خاصَّة وأنَّ ذلك سهلٌ ميسور؛ لأنها تسكُن في نفس مدينته.
حددَا موعدًا للقاء في مقهًى في مركز تسوُّق.
كتبتْ له: سأحمل حقيبةً حمراء، وأميِّزها بعقدة صفْراء، وسأحمل في يدي اليُمنى محمولي ذا اللون الزهري، ومسبحةً أحجارها مِن اللؤلؤ في يدي اليُسرى، وللمزيد مِن التعريف سأرتدي حذاءً أخضر اللون.
ضحِك كريم مِن كل هذه التفاصيل، وكتب لها:
تُعجبني خِفَّةُ ظلك، وأنا في غاية الشوق لرؤيتك، أما أنا فسأرتدي سروالاً مِن الجينز، وقميصًا أصفر.
في طريقه إليها، كان يُفكِّر، كيف لامرأةٍ متزوِّجة أن تكون بهذه الجُرأة، بل الأصحُّ أن تكون بهذه الوقاحة والخيانة؟!
خشي أن يتردَّد ويتراجع، ولكنه سريعًا طرَد كل المخاوف، وقال لنفسه: وما شأني أنا؟ الذنبُ ذنبُها، إنني أتسلَّى!
وصل المركز، صعِد بالمصعد الكهربائي، توجَّه إلى المقهى متلهفًا، فتَح الباب ودخَل، رأته داخلاً فأشارتْ إليه، لبَّى الإشارة، وتساءل مستغربًا متوتِّرًا مرتبكًا: أمِّي؟! ماذا تفعلين هنا؟
قالت: كنت أتسوَّق، فتعبتُ، فجئتُ أشرب فنجانًا مِن القهوة، اجلس معي حبيبي اجْلس، هذه مفاجأةٌ جميلة!
تأمَّل والدته، غريب! الألوان نفْسُها! الأحمر والأصفر، والزهري واللؤلؤ، وحتى الأخضر!!
اشتدَّ توتُّرُه حتى بدا عليه.
وقبل أن يَفهم شيئًا، أشارتْ والدته بيدها إشارةً انضمَّتْ على إثرها زوجتُه إلى الطاولة!
وقبل أن يفهم شيئًا مرة أخرى! ها هي زوجتُه بالأحمر والأصفر، والزهري واللؤلؤ، والأخضر!
قالت أمُّه: هل أطلُبُ لك حبيبي قهوةً مثلنا، أم عصير الليمون؟