الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم أما بعد ،،،
الأخ المكرم ( عمر السلفيون ) بخصوص ما ذكرته حول موضوع الزوجين حديثا عهد بعرس ، وما ذكر من أعراض وعلامات متعلقة بحالتهما ، وكذلك تعقيب الإخوة الأفاضل بخصوص ذلك ، وحيث أنك أخي الكريم قد عرضت عليَّ الموضوع لأدلوَ بدلوي ، فأشكر لك أولاً هذه الثقة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى ، وأقدم بين يدي هذا المسألة بعض النقاط الهامة وهيَّ على النحو التالي :
1)- كافة الدلائل والأعراض المذكورة بخصوص حالة الزوجين قد تظهر بأن أصل المعاناة هو السحر ، وأن يكون ذلك السحر قد أعطي أكلاً أو شرباً ، ولكن خفيَّ على كثير من الإخوة الأعزاء مسألة مهمة جداً تتعلق بهذا العلم وهيَّ : أن لا يشخص المعالج بناء على الأسباب والمسببات دون الدراسة العلمية الموضوعية المتأنية للحالة ، وهذا ما يسمى بـ ( دراسة الحالة دراسة تاريخية ) ، فواجب المعالج أن يلم بتلك الدراسة ابتداء من الجلسة مع الحالة المرضية ، والتسلسل التاريخي للحالة ، ومن ثم الرقية والعلاج ليستطيع أن يحكم بعد كل تلك المعطيات على الأسباب والمسببات ، ولا يجوز مطلقاً أن نحكم على الحالة بناء على بعض الجزئيات كما حصل بالنسبة لما ذكره أخي ( عمر السلفيون ) ، والقصص كثيرة وكثيرة جداً تؤكد على مثل ذلك الأمر ، وقد عايشت خلال سنوات الخبرة الطويلة قصص تدل على ذلك 0
قصة واقعية : قبل أيام اتصل بي أحد الإخوة الأفاضل وأخبرني أنه يعاني من مشكلة ما ، حيث يقول تزوجت أربعة نساء ، وبعد كل زواج وخلال أيام أطلق ولا أستطيع أن أعيش مع الزوجة ، وأشعر أن كلمة الطلاق على لساني ، وبعد الدراسة والمعاينة ومباشرة الرقية تبين أن الرجل لا يعاني من أية أمراض روحية ، حيث كان يعتقد أن المعاناة ناتجة بسبب السحر 0
أقول هذا الكلام كي أقدم أولاً النصح لنفسي ثم لإخوتي المعالجين وكذلك عامة المسلمين وخاصتهم أن لا يحكموا على الحالة إلا بعد الدراسة العلمية المستفيضة 0
2)- أما ما ذكره أخي ( الحزمي ) من استخدام سبع ورقات من السدر الأخضر ( النبق ) ودقه بين حجرين أو في خلاط أو هاون ثم يضربه بالماء ، ويقرأ أية الكرسي والقواقل ، ثم يحسو منه ثلاث حسيات ، ثم يغتسل به ، فإنه يذهب عنه كل ما به ، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله ، فقد ذكر ذلك الحافظ بن حجر في كتابه ( فتح الباري – 10 / 233 ) نقلاً عن ابن بطال عن كتب وهب ابن منبه ، وقد ذكر مثل ذلك العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلا أنه زاد : قراءة الكافرون والإخلاص والمعوذتين ، وآيات من سورة الأعراف ، وآيات من سورة يونس ، وآيات من سورة طه ( مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – 3 / 279 ، 280 ) 0
وكذلك ما ذكره أخي ( الحزمي ) من استخدام زيت الحبة السوداء ، أو أن تستخدم الحبة السوداء نفسها ، فالأدلة النقلية الصريحة تؤكد على خاصية الحبة السوداء ، وقد ثبت لي استخدام زيت الحبة السوداء الفاتر ( أي المحمى قليلاً ) وهو نافع جداً لعلاج كافة الأمراض الروحية ( الصرع ، السحر ، العين ) 0
وقد ثبت من حديث ابن عمر وأبو هريرة وعائشة – رضي الله عنهم - قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بهذه الحبة السوداء ، فإن فيها شفاء من كل داء ، إلا السأم وهو الموت ) ( صحيح الجامع 4083 ) 0
وكذلك ما ذكره الأخ المكرم ( الحزمي ) من الاغتسال بالماء المقروء عليه والشرب منه ، فقد بين علماء الأمة الأجلاء جواز ذلك 0
قال محمد بن مفلح – رحمه الله - : ( وقال صالح بن الإمام أحمد : ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحاً فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي : اشرب منه ، واغسل وجهك ويديك 0
ونقل عبدالله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ، ويصب على نفسه منه ) ( الآداب الشرعية – 2 / 441 ) 0
وهناك فتاوى للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة سابقاً ، وكذلك العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمهم الله جميعاً – تجيز النفث في الماء والاستحمام منه ، والله تعالى أعلم 0
3)- أما بخصوص ما ذكره أخي الكريم ( ابن الخطاب ) وقوله : ( حتى لا يستقر الجني الموكل بالسحر ) ، فلا أريد أن يفهم القراء الأعزاء من مثل هذا النقل أن كل أنواع السحر يكون لها جني موكل بالسحر ، فبعض أنواع السحر لا ينطبق عليها الحكم والوصف المشار إليه أنفاً ، وخير دليل على ذلك حادثة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقوله لعائشة : ( إني أتخيل أني آتي النساء وما آتيهن ) وفي رواية : ( إني أتخيل أني أفعل الشيء وما أفعله ) ( متفق عليه ) ، والخبرة والتجربة خير شاهد ودليل على ذلك ، والإخوة المتمرسون في الرقية الشرعية يعرفون ذلك الأمر جيداً 0
4)- أما بخصوص ما ذكره أخي الكريم ( asaad ) من تكرار الآيات التي تتكلم عن السحر مثل : سورة البقرة ( 102 ) ، وسورة الأعراف ( 117 ، 119 ) ، وسورة يونس ( 79 ، 82 ) ، وسورة طه ( 65 ، 69 ) ، فقد ورد ذلك عن بعض علماء الأمة كسماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – 0
وأما ما ذكره أخي الكريم من ضرورة اجتماع الزوجين إن كان يعتقد أن الأمر يتعلق بالسحر فهذا هو عين الصواب ، للبحث في الأسباب والمسببات ، وكذلك الوقوف على المصاب بالسحر سواء كان الزوج أو الزوجه أو كليهما معاً 0
أما بخصوص ما ذكره أخي الكريم من استخدام ملعقة حبة سوداء وملعقة عسل والقراءة عليهما وإعطاء ذلك للمريض ، فهذا جائز أيضاً ، والأدلة النقلية الصريحة تؤكد على فائدة العسل والحبة السوداء ، أما النفث على ذلك ، فهناك فتوى للعلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين يجيز فيها النفث على سائر الأطعمة والأدوية والزيوت والكريمات 0
5)- أما بخصوص ما ذكره أخي الكريم ( آصف بن رخيا ) حول إعادة الحالة المرضية التي أشار إليها أخي ( عمر السلفيون ) إلى السحر المأخوذ عن طريق الأكل أو الشرب ، فقد بنا ذلك بناء على أعراض الآم المعدة عند الزوج والزوجه ، وعادة فإن الشخص المريض الذي يعاني من مثل هذا النوع من أنواع السحر ، يشعر دائماً في آلام في المعدة والشعور بالغثيان والتجشوء ، ولكن تبقى مسألة الدراسة المتأنية الدقيقة للحالة مسألة مهمة جداً للوقوف على الأسباب الرئيسة ووصف الدواء النافع بإذن الله عز وجل 0
أما بخصوص ما ذكره الأخ الكريم من قراءة سورة الفاتحة سبع مرات ، فقد ثبت ذلك من الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه - : ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فنزلنا بقوم فسألناهم القرى فلم يقرونا ، فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا : هل فيكم من يرقى من العقرب ؟ قلت : نعم أنا ، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما ، قالوا : فإنا نعطيكم ثلاثين شاة ، فقبلنا ، فقرأت عليه الحمد سبع مرات فبرأ وقبضنا الغنم 0 قال : فعرض في أنفسنا منها شيء ، فقلنا : لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم 0 قال : فلما قدمنا عليه ذكرت له الذي صنعت ، قال : ( وما علمت أنها رقية ؟ اقبضوا الغنم ، واضربوا لي معكم بسهم ) ( قال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الترمذي 1685 ، صحيح ابن ماجة 1749 - الإرواء 1556 ) 0
أما بخصوص ما ذكره أخي الكريم ( آصف ) حول استخدام الحلتيت وإذابته في ماء مغلي لمدة ثلاثة أيام فالحلتيت من الأسباب الحسية للعلاج ، وقد ثبت تواتراً عند ثقاة المعالجين أن الحلتيت له تأثير عظيم على الجن والشياطين ، وهناك فتوى للعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز تجيز استخدامه وكذلك التبخر به 0
وهناك بعض الاستخدامات النافعة في العلاج مثل : الشذاب ، والحرمل ، والجنسنك ، والينسون ، والسنا ، والملح الصخري ، ونحو ذلك من أمور أخرى ، وهنا أرى أن من الضروري أن يقف الإخوة المعالجون على الشروط الواجب توفرها لاستخدام الأمور الحسية وهيَّ على النحو التالي :
أ )- أن لا يكون فيها كفر أو شرك 0
ب)- أن لا يكون فيها بدعة أو معصية 0
ج)- أن لا تختلط بأمر شرعي 0
د)- أن تكون مأمونة الجانب ولا تضر بسلامة الحالة المرضية 0
هـ)- أن لا يعتقد أنها نافعة بذاتها 0
و)- أن تعرض على علماء الأمة الأجلاء للموافقة على اعتبارها أسباب حسية 0
أما بخصوص ما ذكره أخي الكريم ( آصف ) من قراءة سورة الدخان خمسة أيام ، فيجب الحذر من تخصيص أعداد محددة دون الاعتماد على الدليل النقلي من الكتاب أو السنة ، فقد لوحظ آنفاً تخصيص قراءة الفاتحة سبع مرات لثبوت ذلك في حديث أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه - ، والتحديد لا بد أن يكون من المشرع ، فلو قال قائل : أنا أقرأ خمسة أيام بنية الوتر ، في هذه الحالة نجيز له ذلك الفعل ، حيث أنه قد ثبت في الحديث الصحيح : ( إن الله وتراً يحب الوتر ) ، وقد وردت فتوى للعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز تبين عدم جواز استخدام أعداد محددة في الدعاء ، وقد دونت الفتوى في كتابي ( المنهج اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين ) ، وكذلك لا بد من الإشارة والإيضاح للمرضى أن تحديد قراءة سورة الدخان بسبب ما فيها من محتوى عن الوعيد والتقريع الشديدين 0
وأنهي حديثي بكلام حول ما نقله أخي الكريم ( عمر السلفيون ) من حيث عدم مصارحة المرضى بأسباب المعاناة والألم ، وهذا عين الحق في هذه المسألة ، حيث يجب على المعالج التركيز على زرع العقيدة النقية الصافية في نفوس المرضى ، وكذلك توجيه السلوكيات المتعلقة بهم وقربهم من الله وبعدهم عن الشيطان ، وقد ذكرت ذلك في كتابي ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) حيث قلت تحت عنوان ( التورية أو المعاريض ) : ( قد يحتاج المعالِج أحيانا لاستخدام أسلوب التورية ( المعاريض ) حفاظا على الحالة النفسية للمريض وسلامته البدنية 0
فقد ثبت من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- أنه قال : ( أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر ، وأبو بكر شيخ يعرف ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف 0 قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول : يا أبا بكر : من هذا الرجل الذي بين يديك ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني السبيل ، قـال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق ، وإنما يعني سبيل الخير 00 الحديث ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار ( 63 ) - برقم ( 3911 ) - أنظر فتح الباري - 7 / 249 ) 0
وقد أورد الحافظ بن حجر كلاما يتعلق بهذا الموضوع يقول فيه : ( وقال إسحاق سمعت أنسا : مات ابن لأبي طلحة ، فقال : كيف الغلام ؟ قالت أم سليم : هدأت نفسه ، وأرجو أن يكون قد استراح وظن أنها صادقة ) ( فتح الباري – 10 / 593 - أورده البخاري في صحيحه - كتاب الأدب – باب المعاريض مندوحة عن الكذب 116 ) 0
قال شمس الحق العظيم أبادي : ( قال النووي : والتورية والتعريض إطلاق لفظ هو ظاهر في معنى ، ويريد معنى آخر يتناوله اللفظ لكنه خلاف ظاهره ، وهو ضرب من التغرير والخداع فإن دعت إليه مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا محيص عنها إلا به فلا بأس وإلا كره ، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق ، حرم عليه 0 انتهى ) ( عون المعبود – 13 / 213 ، 214 ) 0
ولا بد أن يحذر المعالِج من المغالاة في استخدام هذا الأسلوب لعدم الوقوع في المحاذير الشرعية من جراء ذلك والتعود عليه 0
وقد تقصدت أخوتي القراء أن أذكر الأدلة المتعلقة بكافة الاستخدامات التي ذكرت من قبل الإخوة الكرام ، حيث أن المعالج لا بد أن يلتزم بمنهج الكتاب والسنة في العلاج والاستشفاء ، ولا بد أن يملك الدليل من الكتاب والسنة والأثر أو أقوال العلماء الأجلاء في كل ما يقول أو يفعل ، والخطورة التي يقع فيها كثير من المعالجين اليوم عدم تحري مثل هذا المنهج ، فتراه يفعل أو يقول كل ما ينقل إليه بخصوص الرقية والعلاج دون التحري والتثبت من مشروعية هذا القول أو العمل 0
هذا ما تيسر لي في هذه العجالة التي أحببت أن أعلق فيها بكلام مفيد على ما ذكره الإخوة الأفاضل ، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقنا جميعاً للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأقول قولة عبدالله بن عباس – رضي الله عنه - : ( ما أصبت فمن الله ورسوله ، وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان ) ، والله تعالى أعلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني