ـ[هناك خلافات عائلية بين أبي وعمتي مما جعل صلة الرحم تنقطع بيننا، هل في ذلك إثم؟ علما أن العمة تقوم بزيارتنا من جهتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، والنصوص الكثيرة في الكتاب والسنة التي جاءت في الأمر بصلة الرحم تدل على عظم شأن هذا الموضوع في شريعتنا السمحة، فإن من أعظم مقاصد الشريعة التأليف بين الناس، وحفظ روابط الأخوة والصلة بينهم.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) الرعد/21
ومما جاء في السنة النبوية من التشديد في قطيعة الرحم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) رواه البخاري (5987) ومسلم (2554)
ولو تأمل الناس فيما يسبب قطيعة الرحم بينهم لوجدوه شيئا من حطام الدنيا الزائل، مما لا يغني عند الله شيئا يوم القيامة، أو يكون بسبب ما ينزغ الشيطان بينهم، فيوقع بينهم العداوة والبغضاء بأسباب تافهة لا تستحق الالتفات إليها أصلا.
وذلك مع أن الشريعة تأمر بالصلة ولو كان ثمة سبب معتبر للقطيعة، وتحث المؤمنين على تجاوز الأخطاء والتعامل بالعفو والصفح والمسامحة، وليس بتصيد الأخطاء واكتناز الحقد والبغض والحسد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
(أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟
فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) رواه مسلم (2558)
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/115) :
" المَل: الرماد الحار. ويجهلون أي يسيئون. ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه. وقيل: معناه أنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم والله أعلم " انتهى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)
رواه البخاي (5991)
هذه هي الأخلاق التي يدعو لها الإسلام أخي الكريم، ولا ينبغي لأحد أن يتردد في الإنكار على من يقطع أخته أو أمه من صلته، ولا يجوز لك أخي السائل أن توافق والدك في قطيعته لأخته، بل يجب عليك صلتها والإحسان إليها، ومحاولة الإصلاح بينها وبين والدك، وبذل كل الجهود في ذلك.
ويمكنك مراجعة موقعنا في جواب السؤال رقم (4631) ، (7571) ، (75411)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب