بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
للاسف بالفتره الاخيره خضنا نقاشا طويلا فى احد الاماكن مع بعض المعبرين الذين يقولون ان على الرؤى ليس له اصل علمى ولا يعلم ولا يمكن لمتعلم اىن يكون معبرا
وارجعو الامر انه شىء وهبه من كرامه الله عز وجل والهام فى التعبير
وللاسف رغم اننا نؤمن فعلا ان الامر قد يكون به فضل من الله لبعض عباده الا ان اطلاق موضوع الالهام والكرامه يجرنا لمكان اخر تتحلل به الاصول والمقاييس ويدخل بها الشيطان وتميع الامور عن الحق ويقدس بها الاشخاص
وعليه احببت ان اقدم لكم هذا النقل الطيب لعل الله ينفع به من تحيره هذه المسئله .....
, مشكلة الإلهام أنه يختلط بالإيهام ، والإيهام نظير الجهل ، قال بعض علماء الأصول : إن الإلهام ليس بحجة ، سواء في باب المعارف والاعتقادات ، أو في باب الأعمال والتعبدات ..
يذكر النسفي في عقائدة أن أسباب العلم للخلق ثلاثة ؛ الحواس السليمة ، والعقل ، والخبر الصادق ، ومن الخبر الصادق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات، ثم قال : والإلهام ليس من أسباب المعرفة عند أهل الحق ، وأما الأعمال والعبادات فالإلهام لا يجوز العمل به ، إلا عند فقد الحجج كلها ؛ لا كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا استحسان ، ولا سد ذرائع ، حينما لا نجد أي نص ، ولا أي دليل ، قال : يُعمل بالإلهام في المباحات فقط لا في الواجبات ، ولا في المكروهات، ولا في المحرمات ، ولا في المستحبات ، في المباحات فقط .
ولكن إذا كان علم المنطق يضبط حركة العقل ، وعلم أصول الفقه يضبط الاستدلال، هذا الإلهام كيف نضبطه ؟ .. هل يُترك الإلهام فوضى فيبقى بابه مفتوحاً لمن هب ودب ؟ ولمن تخيل واختال ؟ ولمن لا يميز بين إلهام الملك ونفس الشيطان ؟ أو لمن ادعى الوصول ولم يرع الأصول ؟ أو لكل دجال يشتري الدنيا بالدين ويتبع غير سبيل المؤمنين ؟
علم المنطق ضبط حركة العقل ، وعلم أصول الفقه ضبط الاستدلال ، أما أن يبقى الإلهام مفتوحاً بابه ، بلا ضوابط ، وبلا قيود فعندئذ يختلط الحق بالباطل ، ويضيع أمر الدين ..
الإلهام لا يُعتد به ، ولا نعبأ به ، ولا نأخذ به إذا خرم قاعدة شرعية ، أو حكماً شرعياً ، هو ليس حقاً بذاته ، هو إما خيال ، أو وهم ، أو إلقاء من شيطان ، إذا عارض ما هو ثابت في التشريع ، الذي هو عام ، وليس خاصاً .
ولا ينخرم بالإلهام أصل التشريع ، ولا ينكسر اطراده ، ولا يُستثنى من الدخول تحت حكمه أحد ، إن كان الإلهام موافقاً لقواعد الشرع وأصول الدين نأخذ به في المباحات ، أما إذا خالف قاعدة شرعية ، أو خرم حكماً فقهياً ، أو كسر اطراد قاعدة ، فعندئذ لا نعبأ به ، ولا نأخذ به ، شأنه شأن الرؤيا التي تخالف نصاً تشريعياً ، بل إن الإنسان لو - افتراضاً - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره بترك حلال ، أو أخذ حرام تُردُّ الرؤيا عليه ، ويثبت الشرع ..
ديننا العظيم له ضوابط ، لم ننكر أن الله سبحانه وتعالى يقذف في قلب عبده المؤمن نوراً يفرق به بين الحق والباطل ، يعطيه فراسةً ، يعطيه حاسةً سادسة يعرف بها الحق ، هذا ورد به نصوص ، ولكن كما أن للعقل ضابطاً هو المنطق ، كما أن لأحكام الفقه ضابطاً هو علم الأصول ، كذلك للإلهام ألف ضابط وضابط ، كل حكم شرعي ، كل قاعدة شرعية ، هي ضابط للإلهام
الأدلة على أن الإلهام لا يمكن أن يُعمل به ، كما أنه لا يُمكن أن يُؤخذ منه حكم شرعي ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
[ سورة النمل : 64]
البرهان .. الدليل .. إذا كنت مدعياً فالدليل ، إذا كنت ناقلاً فالصحة ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ..
﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
[ سورة الأنعام : 143]
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
[ سورة الأنعام :148 ]
من الحقائق الثابتة أن الإلهام يكون من الله ، ويكون من الشيطان ، ويكون من النفس ، وكل شيء احتمل ألا يكون حقاً لم يُوصف بأنه حق يمكن أن يكون الإلهام من الملك ، أو من الشيطان ، أو من النفس ، ما دام الإلهام قد احتمل ألا يكون حقاً فليس بحق .. هذا أول دليل . يقول عليه الصلاة والسلام ، فيما رواه النسائي وابن حبان في الجامع الصغير:
((إن للملك لمة بقلب ابن آدم ، وللشيطان لمة ، فكيف يستطيع غير المعصوم أن يميز بين لمة الملك ولمة الشيطان ؟))
هذا دليل آخر على أنه لا يُؤخذ بالإلهام ..
مما يبطل حجة الإلهام أنه معارض بالمثل ، فإذا احتج زيد بإلهامه جاء عمر ، واحتج بإلهام مناقض له ، بطلت حجية الإلهام ..
الإلهام ـ أيها الأخوة ـ متلبس بالهواجس والوساوس ، فإذا وجب ردُّ الحديث إذا خالف نص القرآن الكريم ، فردُّ الإلهام إذا خالف الأصول من باب أولى ، ولأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
[سورة الإسراء: 36]
لابد من علم ، لابد من دليل ..
وإن الإجماع - إجماع الأمة التي لا تجتمع على خطأ كما قال عليه الصلاة والسلام، فأمته معصومة بمجموعها ، وهو وحده معصوم - على عدم جواز اتباع رسول الله إلا بعد ظهور المعجزة لأنه لو اتبعت من ادعى النبوة دون أن ترى المعجزة لضاع الدين ، فإذا كان النبي لا يحق لك أن تتبعه إلا بعد أن تظهر معجزاته لانقطع الطريق على المتنبئ ، فاتباع المتنبئ كفر
العلم الشرعي حجة الله في أرضه ، نوره بين عباده ، وقائدهم ودليلهم إلى جنته ، ومدنيهم من كرامته ، ويكفي في شرفه أن فضل أهله - أهل العلم - على العبَّاد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب والنجوم ، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ، وأن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في البحار، وحتى النمل في جحورها ، وأن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير ..
الإمام الجنيد - إمام كبير في التصوف - يقول : " الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر النبي عليه الصلاة والسلام "..
الإمام الجنيد يقول : " علمنا مقيد في الكتاب والسنة "..
أبو حفص يقول : " من لم يزن أفعاله ، وأقواله ، وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ، ومن لم يتهم خواطره ، فلا يُعد في ديوان الرجال "..
أبو سليمان الداراني يقول : " ربما وقع في قلبي إلهام ، فلا أقبله إلا بشاهدين من الكتاب والسنة ".
أبو يزيد يقول : " لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات إلى أن ارتفع في الهواء ، فلا تغترُّوا به ، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي ؟ "..
هذا هو ديننا ؛ دين منهج ، دين علم ، دين دليل ، دين أثر ، دين صحة في النقل، دين صواب في العقل ، لا دين إلهام ، ولا دين كرامة ، ولا دين منام ، هذه لا ننكرها ، ولكن نستأنس بها ، أما أن تخرم قاعدة شرعية ، أما أن تعطل حكماً فقهياً ، أما أن تزيل أمراً نبوياً ، فعندئذ لا نعتد بها ، ولا نلتفت إليها ، لأن قوام هذا الدين هو هذا العلم..
المشكلة أن المسلم يجب أن يصحح عقيدته ، يجب أن يصحح تصوراته ، يجب أن يراجع حساباته ، يجب أن يتعلم منهج التلقي ، ما الذي يصح عندي وما الذي لا يصح ؟ متى أقبل هذا القول ومتى لا أقبله ؟ إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم:
((.. ابن عمر دينك دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذوا عن الذين مالوا ..))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
4749: منقول للشيخ النابلسى