كأغصان شجرة يحتلّها الجراد ،، قالت وهي ترتجف ...
هذه المرة كان الحلم مروّعا...أم تراه لم يكن حلما ؟ لم أعد أدري....
كجريح عاجز عن الحركة ، يأكل النمل جراحه، رمت نفسها على مقعد الحجرة...
بينما الغروب يحتل العالم..... ورماده يغمر جسدها المُلقى بلون شبحي ، َفَبدتْ وكأنها جثة قتيل في مسرح معركة .
انهارت تنتحب.... و أنفاسها ترتعش كلهب شمعة ..
هل أقصّ عليكِ ما أرى ؟؟
هل أحكي لك ما أسمع ؟؟
اقتربت منها بصمت وانا ابتسم في رفق ، ابتسامة جامدة وباردة ، كالجدران الرخامية التي يغطيها بعض من السجاد الفاخر
اعتدتُ ان تقفز الدماء الى حلقي فتخنقني وتمنعني من الكلام ، كلما رأيت وجهها يملؤه الرعب،
ولسبب ما ، ذكرتني بالغربان مفقوءة العينين التي تنهش جثث الموتى في شوارع الطاعون
رددتُ لها نفس ما أرددُ من أسابيع...بطريقة آلية ...
نتحدث فيما بعد ....
أنت تتوهمين ... الامتحانات على الأبواب ... لا تتوتري كثيرا
حاولي الاسترخاء ......
قالت بحزن ... حتى و إن كان وهما ... ما الفرق ،، ما دمت احسّ به حقيقة ؟
احترت كيف اساعدها ؟
أو لم يكن لدي الوقت ولا المزاج الكافي لأنقذها من سطوة الكابوس الذي سقطت تحته ، والذي يتغلغل كالموت في عروقها ؟؟
كان كل شيء في حياتي منظّما- حتى الأحلام والكوابيس لها وقت محدد!
لماذا هي خائفة هكذا ؟ لماذا هي حزينة هكذا ؟
استفيقي ....
مجرد كابوس ... مجرد حلم .. مجرد وهم ،
قالت ... كيف ؟؟
أراه في كل مكان ....ملاصقا لأي زجاج ،،،بثوبه الأسود الطويل ، ولحيته البيضاء الطويلة
أراه على شباك صفي بالمدرسة ، وعلى نافذة حجرتي ، وفي كل مكان ، يتبدّى لي دوما حاجز من الزجاج بيننا
ورغم ذلك أسمعه بوضوح ... يطلب مني أن أرمي الكتاب ، وأن أخرج لأستمتع بالحياة
ما هي حياتنا إن قبرناها في توابيت ، كأوانينا الفضية التي لا نخرجها الا في المناسبات
الحياة هناك في الخارج... بعيدة عن هراء الكتب ، وفلسفة الجاهلين.
كيف أعرف أن هذا حلم ؟
طوال عمري لم أحلم ، أسمع الناس يتحدثون عن أحلامهم... يتفاءلون بها .. يتشاءمون
لا أذكر مرة انني حلمت....
أحاولُ الترفيه عنها ...
غيّري ماركة فراشكِ ، وارتفاع وسادتك ....
استطرَدَتْ..... ، أصبحت الآن أعيش في كابوس مخيف ، طويل، مثل مسيرة قطار حُدِدَت له سلفا
كل شيء يبدو مهزوزا ...شاحبا .... حتى انتم ، مدرستي .. معلماتي .. الصديقات .. الثرثرة
أصبحت أشعر أنني أحيا حياة ثانية ..لا أميز فيها الا شبحا بعباءة سوداء،، يرتب لي اوقاتي وأيامي ....
... لم أعد أميز أين هو الوهم.. وأين هي الحقيقة ...أنتم ..أم هو ...
قلت .. الحقيقة واضحة .. امتحانات الثانوية بعد عشرة أيام
والحلم هو ..أن نجتازها كما نريد ان نصبح
نظرت اليّ نظرة .. يمتزج فيها الجنون بالدمع.....الاستجداء بالاكتفاء،
نظرة مريض يتلاشى ..
شعرتُ أنني عبثا أعيدُ لها الحياة.
كرهتُ أن أراها..
كرهتُ أن أرى نظرة الفزع والخوف والرعب
في عالم ليس فيه ما يدعو الى الخوف..
لم أكن حتى ذاك الوقت أعلم شيئا عن العالم الآخر..
أو أنني كنت أعلم ،، بمقدار ما روى لي أبي من قصص وحكايات حول الجن الأزرق،
والمارد الذي يخرج من القمقم.
تمنيتُ في تلك اللحظة ، أن تنشق الأرض ويخرج مارد ، فآمره أن يأخذها من أمامي ويرسلها الى مكان لا أراها فيه ثانية.
ِضجتُ من كلامها وأوهامها
كنت أشعر أن الحياة آمنة ، ليس فيها ما يستدعي الخوف،
كلّها آمال وأحلام وردية ...
و الناس قادرون على التفاهم معا ، والعيش معا
انسا وحيوانات وأي شيء آخر ..
ولا داعي للخوف .. ولا الحزن .. ولا الرعب.
كل يوم يأتي .. بغاية الجمال والبهاء
بينما تلتمع رماح الشمس فوق رؤوسنا
فأين هي الأحلام المخيفة التي تتحدث عنها هذه الفتاة في وضح النهار ..؟
كنت أشعر أنها تحثّ السير في أرض الجنون المطلق..
وأراها قطعت أشواطا كبيرة مؤخرا ...
ابتعدتُ عنها ...خفتُ من العدوى.....عدوى الكوابيس...
وعشت في أحلامي الوردية ...
وعاشت في فظاعة أحلامها السوداء...
استيقظت من أحلامي ، على مدينة بأبنية شاهقة من الملح....والماء.
واستيقظ حلمها .. على بشاعة ظروف موتها
عندما سمعت نبأ رحيلها ....
شعرت بحزن يدوّي في أعماقي ....
كصفّارات السفن الراحلة ...في الموانئ المعتمة .....