الباب الثاني :
العلاج :
اعلم أخي في الله أن العلاج مأمور به من الشرع المطهر لأنه وسيلة من خلالها يحفظ الله علينا صحتنا لان الإسلام أمر بحفظ الضرورات والتي منها الأبدان والأموال وغيرها فقد حثنا رسول الله على التداوي والعلاج فقال : يا عباد الله تداووا فان الذي خلق الداء خلق الدواء " صححه الإمام الألباني رحمه الله وجاء في أحاديث عديدة الحث على طلب العلاج فها هي امرأة في زمن رسول الله كانت تصرع فجاءت إلى رسول الله تطلب منه أن يدعو الله لها بالشفاء كما في صحيح البخاري رحمه الله ولو لم يكن هذا جائزا ومباحا لما جاءت هذه الصحابية تطلب الدعاء من رسول الله في طلب الشفاء وها هو رسول الله يرى جارية بها سفعة فقال : " استرقوا لها فان بها النظرة " كما في صحيح البخاري رحمه الله وقد كان رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري رحمه الله. والأحاديث كثيرة جدا في هذا الباب .
أقسام العلاج :
اعلم أخي في الله أن العلاج ينقسم إلى قسمين علاج شرعي وعلاج غير شرعي
فأما القسم الأول : فهو علاج شرعي شرعه الله لنا وأباحه وامرنا بان نأخذ به وان نسعى لسببه ونأخذ به وهذا العلاج ينقسم إلى عدة أقسام :
الأول : العلاج بالرقية الشرعية والرقية لا تخرج عن كونها كلاما لرب العالمين أو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من كلام البشر المباح العاري عن الشرك والتوسل والاستغاثة والكلام غير المفهوم لان الرقية هي العوذة والعوذة هي الكلام المجرد .
الثاني : العلاج بالأشياء المباحة وان شئت فقل الأشياء الحسية كالعلاج بالزيت أو العسل أو المسك أو الملح أو العود الهندي أو الحجامة أو السعوط أو أي شيء أصله مباح وهذه لها ضوابط لا بد من مراعتها والأخذ بها بعين الاعتبار
الثالث : العلاج بما يجمع القسم الأول والقسم الثاني أي ما يجمع بين العلاج بالرقية الشرعية والعلاج بالأشياء المباحة الحسية .
الرابع : العلاج بالصدقات : فقد حثنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ورغبنا بهذا النوع من العلاجات فهو نوع خفي لا يعلمه إلا القليل من البشر فقال عليه الصلاة والسلام : " داووا مرضاكم بالصدقة " والحديث حسن .
الخامس : العلاجات ببعض العبادات كالعلاج بالصوم وغيره من العبادات سواء قصد به العبادة أو مجرد العلاج .
السادس : العلاج بالتوجيه والإرشاد وهذا والله اعلم من انفع العلاجات وخصوصا انه يدخل في جميع أنواع العلاجات وأحيانا يكون التوجيه والإرشاد مجردا عن أي نوع من العلاجات .
السابع : العلاج بالنسيان والتناسي أو التغافل عن المرض .
الثامن : العلاج باستخدام أنواع من الرياضة كرياضة الحديد أو رياضة الليونة وغيرها من أنواع الرياضات وهذا مجرب نافع بإذن الله في أنواع مخصوصة من بعض الأمراض .
هذا ما تيسر لي من جمع أنواع العلاجات ولا اعلم إن كانت هنالك أنواع أخرى غير التي ذكرتها آنفا ولكن اعتقد والله اعلم إن هذه أصول العلاجات والبقية تدخل في هذه الأصول وهذه كلها مباحة لا خلاف فيها .
شبهة والرد عليها :
يقول بعض الناس ما هو الدليل على استعمال الملح أو استعمال المسك أو الزيت أو العود أو البرتقال في الرقية وأنه لا يوجد دليل على استعمال مثل هذه الأشياء في الرقية أو أنه لا يوجد دليل على وضع السحر بالماء والملح وبعض الشبهات التي من هذا القبيل ؟؟؟؟؟؟؟؟
الجواب على هذه الشبهة من عدة أوجه :
أولا : أقول لصاحب هذه الشبهة إن الدليل هو المرشد إلى المطلوب سواء كان حسيا أو معنويا كما عرفه العلماء .
فالأدلة من حيث أصلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - الأدلة الشرعية المتفق عليها : - والتي مبناها على الكتاب والسنة والإجماع والقياس - والأدلة المختلف فيها بين العلماء .
2 – الأدلة العقلية : وهي أدلة قابلة للصدق أو الكذب ولا يتوقف عليها شرع ولا تجربة و إنما تؤخذ بالعقل المجرد والعقول متفاوتة متباينة فما اتفق عليه بالإثبات كان دليلا للإثبات وما اتفق على نفيه اعتبر دليلا للنفي .
ومن الأدلة العقلية مثلا كون النصف اقل من الكل فلو قلت لك ما هو الدليل على أن النصف اقل من الكل أو الكل اكبر من الربع لضحكت علي ولقلت هو الدليل العقلي .
3 – الأدلة التجريبية : وهي التي تثبت أمرا أو تنفيه عنه بواسطة التكرار مع صحة التخلف عن الغير كما يحصل في العلاجات فمع التكرار يعرف صدق هذه التجربة أو فشلها حيث تجرى هذه العملية على عدة مصابين فإذا نجحت اعتبر هذا علاجا لهذه الحالة باعتبارين الأول وهو الأصل العام والبراءة الأصلية في استعمال هذه المادة لهذا المرض كونها مباحة ولا يوجد دليل على منعها والاعتبار الثاني التجربة مع ملاحظة انه يمكن تخلف الشفاء عن بعض الحالات فإذا تخلف عن بعض الحالات لا يعتبر دليلا لنقض هذا الدليل لان الأكثر نفع معهم ونجح فالعبرة بالأكثر .
ثانيا : لا بد لك أن تعلم يا صاحب هذا القول إن هذا نوع من العلاج وليس رقية فالرقية هي عبارة عن كلام وهذه علاج بشيء مباح اعتبرنا فيها البراءة الأصلية والتي لا دليل على منعها وإنما أخذت بالأصل المباح والتجربة ضمن الضوابط المعروفة لان العلاج أقسام : علاج برقية وعلاج بشيء مباح وعلاج بينهما فنحن نرقي من وجه ونعالج من وجه أخر فهذا له اصل وهذا له اصل أخر فكل رقية علاج وليس كل علاج رقية فالرقية اخص من العلاج لأنها فقط علاج بالكلام لا أكثر ولا تتعدى ولا تتجاوز للأشياء الأخرى المباحة كالعسل والزيت والملح والمسك وغير ذلك .
ثالثا : صاحب هذه الشبهة دخل عليه التباس ولبس وهو انه يعتقد أو يظن إن استعمال الملح من الرقية أو إن استعمال المسك أو العسل أو السدر من الرقية فأقول لك يا أخي في الله هذه ليست رقية و إنما هي علاجات مباحة حسية ملموسة النفع بالتجارب لاعتبار دليل البراءة والتجربة فليست هذه رقية فالرقية علاج أخر وشيء مختلف عن هذا فعند استعمال مثل هذه المباحات يكون هذا من باب العلاج والتداوي وليس له علاقة بالرقية وإنما الرقية كلام الخالق أو كلام المخلوق فقط فنحن نعالج بالأصل وهو الرقية ثم ندخل العلاج بالأشياء المباحة الحسية على المريض لا لأنه رقية بل لأنه علاج ثبت نفعه بالتجربة ولا مانع من استعماله ، كالطبيب يعالج مرض واحد بأصلين مباحين .
رابعا : نحن نتعامل بالأشياء المباحة لا لأنها رقية وإنما لأنها علاج اثبت نفعه على الكثير من الحالات فمن يعلم حجة على من لا يعلم والتجربة عند جمهور الرقاة أن هذه جاءت بفوائد عظيمة ثبت نفعها فمثلا لو قلت لك ظهر على جسدك حبوب أو شقوق فكيف ستعالجها ؟ ستذهب إلى الطبيب المختص ومن ثم سيعطيك مرهما فأقول لك أين الدليل على استخدام المرهم ستقول البراءة الأصلية والأصل الإباحة فسأقول لك نعم صدقت , ثم سأقول لك هل ثبت نفعه ؟؟ ستقول نعم عند الكثير فأقول لك نعم لقد اجتمع لك دليلان الأول الأصل والثاني التجربة ولكن لو قلت لك هل هذه رقية ستقول لا ليست رقية هذا علاج لان العلاج اعم من الرقية ولكن لو قلت لك أنا استعمل الملح والماء عند ظهور الحبوب على جسد المريض فهل هذا علاج أم رقية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أنا أقول إن هذا علاج وليس رقية وقد اجتمع في هذه المسألة دليلان الأول : الأصل والبراءة والثاني : التجربة , أرأيت ؛ كما قلت أنت قلت أنا !؟ ولا تنسى أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه استعمل الماء لتخفيف شدة الحمى فاستعمال رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم لهذا الماء ليس لأنه رقية وإنما هو علاج بشيء مباح وأيضا عندما أمر رسول الله ذلك الصحابي الذي أصيب بالعين أن يغتسل من ماء العائن ليس لأنه رقية بل لأنه طريق أخر ووسيلة أخرى للعلاج من العين غير الرقية وهو الأصل العام في استعمال الماء والاغتسال أو الوضوء .
ولكن لو قلت لي ما هو الدليل على استعمال الماء والملح لطرد الجن من البيت أو استعمال الماء والملح في علاج السحر والعين وغيرها من هذه الأمراض
أقول إن العلاج لهذه الحالة ينقسم إلى قسمين :
الأول : العلاج بالرقية وهي القراءة فقط .
الثاني : استعمال الأشياء المباحة التي أباحها لنا الشرع وثبت نفعها بضوابط وضعها أهل العلم حتى لا يختلط الحابل بالنابل وثبت تأثيرها الايجابي على غالب الحالات وثبت تأثيرها السلبي على الجن أو السحر والعين والحسد .
خامسا : وهو أمر مهم جدا وهو الأصل العام الذي ورد في حديث مسلم رحمه الله عندما قال رسول الله من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه " رواه مسلم رحمه الله فبثت النفع بالمباح ولا مانع يمنع فان كان مانع فلتأت بالدليل على المنع فتنبه لهذا يا رعاك الله برعايته .
و أما القسم الثاني من العلاج وهو العلاج غير الشرعي وينقسم إلى عدة أقسام :
الأول : العلاج بالرقى الشركية أو البدعية وهذا مما لا يجوز لنا أن نتداوى به لان نبينا عليه الصلاة و السلام حذرنا من تعاطي مثل هذه العلاجات فقال ولا تتداووا بمحرم والرقية الشركية محرمة وكذا البدعية فقد قال رسول الله إن الرقى والتمائم والتولة شرك , وكذلك الرقى السحرية .
الثاني : العلاج بالأشياء الحسية غير المباحة كالتداوي بالأصل المحرم كلحم الخنزير أو الكلب أو الميتة فهذا كله يحرم التداوي به .
الثالث : العلاج بما يجمع بين القسم الأول والقسم الثاني فهذا يحرم لان اصل العلاج بالقسم الأول أو الثاني أو كليهما محرم . كأن يفعل عزيمة سحرية ويستعمل معها دم الحيض النجس أو البول أو شيئاً أخرا نجساً .
رابعا : ومن طرق العلاج المحرم الاستعانة بالجن أو الاستعانة بمن يستعين بالجن فهذه طريقة علاج محرمة فمنها ما يدخل صاحبه في الكفر الصريح , ومنها ما يدخل صاحبه في البدعة و هو الأكثر والأغلب , والحكم للغالب والنادر لا حكم له وهو قلة قليلة لا تذكر فلا تحرم خدمة الجن لهم وهؤلاء قليل لا يشملهم الحكم ولا نقول أنهم استعانوا بالجن والسبب أن الجن هو من أتى إليهم وليس العكس وعليه فان العلاج عن طريق الاستعانة بالجن محرمة ولا تجوز ومن طرقها جلسات التنزيل وجلسات الكشف وجلسات المندل وجلسات السحب وجلسات الطرد وغيرها .
خامسا : العلاج بالتمائم فهذا من الشرك الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم من تعلق تميمة فقد أشرك وقال : "إن الرقى والتمائم والتولة شرك " رواه أبو داود وهو حسن حتى وان كانت من القرآن لتناول اللفظ العام لها ولا يميز في الحرمة بين ما إذا كان في التميمة قرآن أو غير قرآن فهما في الحرمة سواء من حيث الأصل .
سادسا : استخدام التنويم المغناطيسي في العلاج وهذا منه ما هو جائز ومنه ما هو غير جائز على تفصيل لأهل العلم وفي طريقته وصورته .
الباب الثالث :
وهذا الباب باب مهم وخصوصا إنني أريد أن أتناول فيه نصيحة مهمة جدا للمعالج واذكره بما يجب عليه من الانتباه له والأخذ بعين الاعتبار في بعض الأمور المهمة والتي غفل عنها الكثير ألا وهي الشمولية في التعامل مع الشخص الذي يحتاج لك في تخفيف بعض ما أهمه وأصابه .
فأقول اعلم أخي في الله انك معالج وانك طبيب ولو كنت لا تعلم من الطب إلا الرقية فيكفيك أن مهمتك عظيمة وجسيمة لان الله جعلك سببا في إدخال السرور والفرح والمرح على قلب قد تجرد من السعادة أياما أو أسابيع أو شهورا أو سنوات فهنيئاً لك أيها المعالج أن أدخلت على قلب مريضك قطر الفرح وغيث السعادة بعد يأس هذا القلب من نبت السعادة والسرور بعد أن ظن إن القطر لن يأتي وان المطر لن ينبت نباته فإذا بك ومن بين بساتين المحبة التي أثمرها قلبك تهب الماء لزرع قلب جف نباته فأصابه الإعياء والتعب فأعيى من حوله فإذا به بين بساتين الفرح والمرح .
فأقول لك أيها المعالج لا تنسَ انك إنسان قد يصيبك ما أصابه ويعتريك ما اعتراه ولا تنسَ انك عرضة لان يتجرد قلبك من الفرح والسرور كصاحبك وانك ستذهب لمن يغيث قلبك ويعيد السعادة لك بعد أن هجرتك زمنا فتذكر انك تحب أن يعاملك طبيبك بأحسن علاج وأحسن تعامل فعامل مريضك كما تحب أن تعامل .
وتذكر أيها المعالج إن أنت مرضت فانك بحاجة لدواء معنوي ودواء حسي فتذكرانك إذا ملكت هذه الأدوية لمريضك فانك بحاجة لها فتذكر نعمة الله عليك إذ قد عافاك من هذا البلاء ، وان الذي عافاك قادر على أن يبتليك بما أصاب صاحبك وقل الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه وفضلني على كثير من خلقه تفضيلا .
تذكر أيها المعالج إن هذا المريض هو أخ لك كما قال تعالى : " إنما المؤمنون إخوة " سورة الحجرات وقال عليه الصلاة والسلام : " المسلم أخو المسلم " رواه البخاري فتذكر أن أخاك بحاجة لمن يخفف عنه همه ويواسيه في مصائبه فقف معه على قدم وساق ولا تبخس حق الأخوة عليك لان الله سيفرج عنك الكرب في الدنيا والآخرة لأنك فرجت على أناس ضاقت بهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم فتمنوا ما قد نهوا عنه وقد قال رسول ألاميين عليه الصلاة والسلام : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة " رواه مسلم رحمه الله .
تذكر أيها المعالج أن تجعل العلاقة بين وبين من يعوزك علاقة محبة ومودة وعلاقة أخوة فلا تجعل العلاقة مجردة للعلاج فحسب فاجعل العلاقة بينك وبين من يعوزك كما العلاقة بينك وبين من تعوزه أنت فالعلاقة يجب أن تكون اكبر من أنها علاقة علاج بل اجعلها علاقة ألفة ومحبة ورحمة لأنك طبيب رءوف رحيم ترحم عباد الله فالراحمون يرحمهم الله "حتى ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " رواه احمد .
تذكر أيها المعالج أن تجعل العلاقة منطلقة من أسس الإسلام وقواعد الدين التي تحثنا على الأخلاق والحب وطلاقة الوجه وعذب اللسان لأنك تحمل رسالةً عظيمة رسالة الدعوة ورسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا تخفِ هذه الرسالة بل وأظهرها بأحسن مظهر وكن داعيا بكلامك وبحسن سمتك وحسن تصرفك وطلاقة وجهك وعذوبة لسانك وجميل أخلاقك .
تذكر أيها المعالج أن تقابل المريض بوجه طلق ملؤه المحبة والسرور والانبساط فلا تعبس بوجهه ولا تضجر من كلامه بل اكسب قلبه بابتسامة وترحيب وتهليل ليكون هذا جسر محبة وثقة بينك وبينه فكلمه بلين ولا تشدد عليه في الكلام ولا تعنف عليه لان اللين في الكلام أمر مطلوب وخصوصا لمن يحتاجون هذا الكلام الذي يرفع من معنوياتهم فقد أمر رب العزة عز وجل نبيه موسى وأخاه هارون أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى فكم من كلمة أورثت المحبة والمودة والتواصل وكم من أخرى أورثت البغض والتقاطع والتدابر فرسول الله يقول : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله درجات وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم . رواه البخاري رحمه الله فلا تكلمه وأنت منشغل عنه وقد أدرت وجهك عنه إلا إذا كانت امرأة أجنبية لا يحل أن تنظر إليها إلا للضرورة وبقدر الحاجة فلا بأس.
تذكر أيها المعالج أن تكسب الجولة الأولى من اللقاء حتى يكون هذا اللقاء لقاءا وديا توج بالاحترام والثقة والتواصل وقد ربطت من خلاله جسر المحبة والثقة من اجل التواصل بعد الرقية فحاول أن تملك قلب مريضك باللقاء الأول لأنك إن ملكت قلبه سيسمع لك ويحب كلامك ويثق به .
وتذكر أن تتجنب ما قد يزيد من مرضه أو يؤثر في نفسيته سلبا و كذلك مراعاة الحالة النفسية التي يمر بها مريضك ومراعاة حالته العائلية إن كانت هناك منغصات تؤثر عليه , وكذلك مراعاة حالته المادية والعاطفية فيجب عليك كمعالج أن تنظر إلى جميع ما يحيط بالمريض من أحوال .
وتذكر أن تراعي اختيار المكان والوقت المناسب فاختر منهما ما يناسبك ويناسب مريضك لكسب الجولة الأولى حتى يكون اللقاء الأول مفتاحاً لقلب مريضك فهذه بعض الأمور التي يجب أن تتذكرها .
ولا تنسَ أن تقوي إيمانه وتشد عزيمته وتعزز عقيدته السليمة المرتبطة بالله تعالى واربط قلبه بالله لأنه هو الشافي ولا تنسَ أن تذكره بان جميع الأدوية والعلاجات لا تضر ولا تنفع إلا بإذن الله وإذا أمر الله ، فنحن مأمورون بان نأخذ بالأسباب الشرعية التي أباحها الله لنا وهذا أمر مطلوب منا فذكره بالصبر المطلوب منه وحاول أن تصبره وتعزيه فيما أصابه واجعل الصبر عنواناً لحياته - الصبر بالله والصبر لله - لأنه مفتاح الفرج ، وأمره أن يستعين بالله ،وأمره أن يستعين على إنجاح حوائجه بالسر والكتمان ، وأمره أن يسير بخطى ثابتة ومتوازنة ومتوجة بالاستعانة بالله وبالصبر والثقة بان كربه سيفك وانه لن يدوم معه وأن كربه ليس إلا ضيفا قد نزل به وانه سيفارقه عما قريب ، ثم ذكره أن يكون راضيا بقدر الله عليه وان لا يتسخط ولا يتضجر لان نبيا عليه الصلاة والسلام قال : " فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط " رواه ابن ماجة رحمه الله ثم ذكره أن يشكر نعمة الله عليه أن ابتلاه بلاء في شيء معين وان المصيبة لم تكن اكبر مما هي عليه ألان لأنه لو نظر إلى غيره لهانت عليه مصيبته ثم ذكره أن يكثر من الدعاء لله تعالى لان الله تعالى يحب من عبده أن يدعوه ويلتجئ إليه ، ثم قل له أن يسير وراء العلاج الذي أمر الله به متوكلا عليه ومستعينا به لأنه هو الضار وهو النافع ومفرج الهم ومنفس الكرب .
تذكر أيها المعالج أن تذكر مريضك بما أصيب به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لان هذا سيكون تسلية وتخفيفا لما أصابه لان مصيبته ستهون عليه عندما يسمع عن مصائب الأنبياء ومصائب ألائمة العظام الذين سطروا بدمائهم وصبرهم على البلايا أعظم صفحات الصبر والتي لو مرت بواحد منا لما تحملنا عشر ما أصابهم ومع هذا كله فقد صبروا ولم يقنطوا من رحمة الله ثم جاءهم الفرج من الله عز وجل فرفع البلاء عنهم و أعلى ذكرهم في الدنيا قبل الآخرة وملئت صفحات الكتب بذكرهم وذكر صبرهم فيا هناءة من اقتفى أثرهم واعتبر بما أصابهم .
تذكر أيها المعالج أن تتعامل مع مريضك بشمولية عامة ولا تتعامل معه بخصوصية مقيدة بجزء معين فلا تبنِ أحكامك وتقريراتك وعلاجك على جزء معين من خلال نظرتك لجزء معين من هذا المرض لهذا الشخص بل انظر لعقيدته وسلوكه وأخلاقه ونفسيته وبدنه من الداخل والخارج وانظر إلى أعصابه لان المعالج النبيه سينظر إلى هذا الإنسان على انه كل وليس جزءاً فإذا ما أردت علاجه فانظر إلى جميع مسببات مرضه التي قد تعتريه .
لان الأعراض والعلامات مشتركة ومترابطة فقد يشترك عرض واحد من الأعراض التي أصابته في عدة أمراض فأنت إذا أخذت مرضا واحدا وتركت الأمراض الأخرى فلا تقرر ولا تحكم بناءاً على جزء معين من الأعراض فقبل أن تقرر ادرس الحالة وادرس الأعراض التي مر بها المريض وظهرت أمامك ثم اعرضها على جميع الأمراض التي تشترك في هذه الأعراض ثم رجح ما استقر عندك ثم انطق بحكمك وعلاجك فانك إن نظرت النظرة الشمولية لهذه الأعراض وأوقعت وأسقطت الأعراض والعلامات على الأمراض ستنجح بإذن الله في أخراج مريضك من أزمته لأنك عرفت علته وعرفت علاجها والسبب انك قمت بتفكيك هذه الأعراض التي يعاني منها هذا الشخص ثم أسقطتها على الأمراض المحتملة لهذه الأعراض فلا بد انك ستصل إلى الثمرة بأسرع وقت لأنك إن فشلت في المرحلة الأولى من العلاج عندها ستعرف انك أخطأت في هذه المرة ، وعندها ستذهب للثانية وان فشلت في الثانية ستنجح في الثالثة ولا أقول إن المريض أصبح حقل تجارب . بل هذا هو النجاح لأنك فشلت في علاجه أول مرة وفشلت في المرة الثانية والسبب أن حكمك كان خطأً ففي المرة الثالثة ستنجح لأنك أبعدت الاحتمال الأول والثاني ولم يبقَ عندك إلا الحل الفصل وهو الثالث الأخير .
تذكر أيها المعالج أن تتعامل مع مريضك بعقلانية وعقل فخاطب عقله الذي يعقل به وتعامل مع مشاعره وعواطفه فلا تجرحه ولا تسبب له الألم الذي قد يصدع بالعلاقة بينك وبينه وراعِ عواطفه التي تتحكم به كمريض فلا تبخسها حقها ثم تعامل مع جسده بما يظهر لك من أعراض وعلامات فتعامل مع هذا الشخص تعاملا وثيقا بما يناسبه وبما يناسب حاله وحالته وانظر إلى ما وراء الخبر وهذا سيكون بذكائك وفطنتك فأفسح له المجال للتعبير والكلام لأنه سيفرغ الشحنات التي قد أثقلت كاهله فهذا نوع من العلاج فلا تحرمه من هذا الذي ينفس عنه لان هذا سيساعدك في معرفة مرضه لان الإنسان إذا كان مهموما ومغموما وعبر عن ما في داخله فانه سيشعر بالراحة ولكن إذا لم تسمح له بالكلام والتعبير عن ما في نفسه فان مرضه سيزداد عليه وعليك فاتركه يحطم القيود التي قيدته منذ زمن واتركه يفك قيوده بنفسه وساعده على الإنفكاك من قيده بان يعبر عن مكنونه المخزون فانه سيتحرر منه إذا سمحت وأذنت له بذلك لان الكثير منا لا يسمح لمريضه بان يخرج ما بداخله لأسباب قد يكون معذورا فيها وقد لا يكون وبحسب ظرفه .
تذكر أيها المعالج إن من أهم الأمور التي يجب أن تراعيها هو عدم ترويع مريضك لان هذا منهي عنه كما جاء في الحديث " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " رواه أبو داود وهو حسن ، فما بال الكثير منا قد أربك مريضه وسبب له القلق والخوف بسبب أننا صدمناه وأقحمناه بما لا يجب فقلنا له سحر ومس وجن وعشق فاحذر من هذا الكلام ابتداء لانه سيسبب له هوة عظيمة وخصوصا إن مجتمعاتنا ليس عندها العلم عن هذه الأمور إلا القلة القليلة جدا والتي لا تذكر مقارنة مع الذين لا يعلمون .
فإياك ثم إياك أن تروعه أو تخوفه أو تكون سببا في ترويعه أو تخويفه فيصاب بالهلع والخوف من كلامك الذي أخبرته به , وحتى لو كانت المصيبة عندك واضحة فلا تخبر مريضك بمرضه ابتداء حتى تنتهي معاناته وبعدها لو أخبرته فان المصيبة قد انتهت ولكنك إن أخبرته ابتداء فانه سيصاب بالهلع والخوف فانك إن قلت له ما به ابتداء فانك لم تصب الهدف وهذا ليس على إطلاقه بل له تفصيل ولكن أقول ابتداء فهدفك هو شفاء المريض بأسرع وقت واقل جهد واقل كلفة واقل خسائر وأقل هم على المريض لأنه وبإخبارك له فان حالته ستتفاقم عليه وعليك وجعلت قلبه يتنافض ويتشاغل بالتفكير فنخشى أن يفلت من بين يديك ويحصل ما قد لا ترضاه لان الناس ليسوا على صبر واحد ولا على عقل واحد ولا تعامل واحد فطبيعة البشر أنهم مختلفون عن بعضهم البعض في اليقين والصبر والتفكير والجهد والتوكل فاجعل قلبه منشغلا بالله ومرتبطا به واشغله بتطبيق البرامج التي تساعده على الخروج من مصيبته .
تذكر أيها المعالج أن تنبه المريض على تحمل مسؤولية العلاج وان هذا الأمر مهم جدا لان العلاج بالدرجة الأولى يعتمد بعد إذن الله على المريض إن أراد الخروج من مصيبته ومرضه هذا ، فان لم يرد العلاج فلو اجتمع عليه أطباء كثر فان علاجه سيكون عقيما وطويلا وصعبا فلا بد من أن تضع المسؤولية على عاتق المريض في طلب العلاج الشرعي .
هذا ما تيسر لي في هذه السطور راجيا من الله القبول والسداد والانتفاع بها فما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من تقصير وخطأ وسوء فهم وعدم ادارك فمن نفسي والشيطان .
إن شاء الله يتبع بموضوع أخر