السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قرأت قبل أيام في مسألة: حكم روايةالحديث بالمعنى، والمسألة فيها قولان متعارضان، ولم أهتد إلى ترجيح أحدهما، فأحببت أن أنقل لكم ما قرأته ملخصًا؛ كي نتناقش فيه سويًا وأستفيد من علمكم، فأرجو منكم التفاعل، وجزاكم الله خيراً.
وسأحاول أن أحدد النقاط المهمة باللون الأحمر حتى يسهل عليكم مطالعة الموضوع دون ملل
المسألة كما قلت فيها قولان:
1. قول الجمهور: وهو جواز رواية الحديث بالمعنى بشروط.
يقول السرخسي في أصوله: "مراعاة اللفظ في النقل أولى، ويجوز النقل بالمعنى بعد حسن الضبط. وحجتنا في ذلك ما اشتهر من قول الصحابة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ونهانا عن كذا، ولا يمتنع أحد من قبول ذلك إلا من هو متعنت، وروينا عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا روى حديثاً قال نحو هذا أو قريبا منه أو كلاما هذا معناه، فدل أن النقل بالمعنى كان مشهورا فيهم، وكذلك العلماء بعدهم يذكرون في تصانيفهم: بلغنا نحواً من ذلك؛ وهذا لأن نظم الحديث ليس بمعجز، والمطلوب منه ما يتعلق بمعناه وهو الحكم، من غير أن يكون له تعلق بصورة النظم، فإذا كمل ذلك بالنقل بالمعنى كان ممتثلا لما أُمِر به من النقل لا مرتكبا للحرام".
ويقول ابن العربي في المحصول: "وألفاظ الشريعة على قسمين: أحدهما أن يتعلق به التعبد كألفاظ التشهد..فلا بد من نقلها بلفظها. والثاني: ما وقع التعبد بمعناه، فهذا يجوز تبديل اللفظ. والدليل القاطع في ذلك قول الصحابة رضي الله عنهم عن بكرة أبيهم: نهى رسول الله عن كذا وأمر بكذا، ولم يذكروا صيغة الأمر ولا صيغة النهي، وهذا نقل بالمعنى".
ويقول الغزالي في المستصفى: "حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ، أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل، والظاهر والأظهر، والعام والأعم فجائز".
ويقول القاضي أبو يعلى في العدة: "والمستحب روايةالحديث بألفاظه، فإن نقله على المعنى، وأبدل اللفظ بغيره بما يقوم مقامه، من غير شبهة ولا لبس على سامعه..جاز، إذا كان عارفا بالمعنى، ودليلنا: ما حدثنا أبو محمد الخلال بإسناده عن ابن مسعود قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنك تحدثنا حديثاً، لا نقدر أن نسوقه، كما نسمعه، فقال: (إذا أصاب أحدكم المعنى فليحدث)، وهذا نص".
2. قول بعض أهل الحديث: أنه لا يجوز رواية الحديث بالمعنى.
يستدلون بحديث: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها)
ويقول صاحب إيثار الحق على الخلق: "فمنهم من أجاز الرواية بالمعنى للضرورة ومنهم من منعها خوفا من المفسدة ومنهم من فصل فقال أن كان اللفظ النبوي محفوظا لم يجز سواه ومنهم من عكس وقال إن كان محفوظا جاز لأن معنى اللفظ المحفوظ معروف يتمكن من تبديله بمثله ومعنى اللفظ المنسي غير معروف إلى غير ذلك من الأقوال، ولولا ضرورة الترجمة للعجم ما شك منصف أن الأولى منع هذا سدا للذريعة إلى تحريف المعاني النبوية لأن كل أحد حسن الظن بنفسه وقد يظن بل يقطع أن المعنى واحد وليس كذلك؛ ولذلك كان بيان الموقوف على الصحابي من المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم واجبا ولم يحل رفع الموقوف الذي لا مجال للعقل في معرفته وإن جاز العمل به لحسن الظن بالصحابي فلا يحل رفعه، وثبت عن ابن مسعود أنه كان إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبلته الرعدة، وقال: هكذا إن شاء تعالى، وسمى أبو بكر رضي الله عنه تفسيره للكلالة رأيا لأجل هذا، وإلا فما فسرها إلا بمقتضى اللغة العربية، مما يدل على جواز الخطأ على أهل العلم في الفهم والتعبير أنه اشتد اختلاف فطنائهم وأذكيائهم في تعريف الامور الظاهرة بالحدود الجامعة المانعة وقد تسمى الحقائق، فإنه قد علم شدة اختلافهم في ذلك وقدح بعضهم على بعض وعُلِم اجتهادهم في تحريرها وندور الحد الذي لا يعترض مع أن كثيرا من الأمور التي يتعرضون لحدها يكون جليا واضحا كالعلم والخبر، وقد اشتد الخلاف في تحديدهما كما ذكره ابن الحاجب في مختصر المنتهى وشراح كتابه وغيرهم وكذلك يختلف المتكلمون والنحاة والفقهاء في نحو ذلك فثبت أن المعبرين عن المعاني كالرماة للأغراض، يقل منهم المصيب ومن يفوز من الإجادة بنصيب، بل قد وضح في كتاب الله عز وجل اختلاف سليمان وداود عليهما السلام في الفهم، كما نص موسى على أن أخاه هارون أفصح منه لسانا، فإذا ثبت جواز الخطأ على العلماء في الفهم أولا ثم في التعبير عما فهموا ثانيا وكانوا قد اختلفوا في كثير من القرآن والسنة وعبر كل منهم بعبارة محدثة مبتدعة، وقد رأيناهم متباعدي الفهم والإجادة في التعبير عن الجليات كالعلم والخبر مع جمع الخواطر على تنقيح العبارة في الحدود وحذف الفضلات واجتناب المجاز وقصد صحة الجمع لأوصاف المحدود والمنع من دخول غيره فيه والعناية التامة في تحرير الحد على جميع شرائطه المعروفة والحذر من قدح الاذكياء فيه بأدنى أمر يلمحه فطنهم الوقادة وقرائحهم النقادة فمع هذا الاحتراز الكثير وقع الخلل الكبير في تعريف كثير من الجليات التي هي أفعالنا كالخبر أو صفاتنا الوجدانية كالعلم والوجود".
ويقول ابن الوزير في العواصم والقواصم: "فيجب سد هذا الباب، كما اختاره مالك وغيره في تحريم روايةالحديث بالمعنى".
ويقول صاحب تنقيح الفصول: والقرافي يروي الأحاديث بمعناها دون التقيد بألفاظها، ولا يعنى بتخريجها، مكتفيا بجوهر المعنى كما هي عادة كثير من الأصوليين. هذا الأمر أوقعه في الاستشهاد بأحاديث ضعيفة بل موضوعة، كما أن رواية الحديث بالمعنى أدت إلى تغيير بعض ألفاظه مما رتب عليه استدلالا به بينما الحديث بلفظه الصحيح لا يُستدل به على المدعَى، مثل حديث ((الرضاع لحمة كلحمة النسب)) لفظه الصحيح ((الولاء لحمة كلحمة النسب))، وحديث ((رب حامل فقه إلى من ليس بفقيه)) لفظه الصحيح ((رب حامل فقه ليس بفقيه))
وما أميل إليه بعد قراءتي: هو: كراهة رواية الحديث بالمعنى؛ حتى يتحرى الراوي ويبذل وسعه في نقل الحديث كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نسي أو عجز لضعفه البشري فلا يُثرَّب عليه؛ فإنه لا يستقيم في العقل أن يكون الصحابة نقلوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرموا منها حرفا أو لفظا، ولو استقام فيهم؛ لقوة حفظهم، فكيف بمن بعدهم ومن بعدهم؟؟ فلو أطلق التحريم لما أمكن نقل حديث رسول الله ولحصل العنت بذلك، ولو أطلق الجواز لتساهل الناس في الرواية بالمعنى، ولحُرِّفتْ أحاديث رسول الله كلٌ يرويها بفهمه. وأما جعل الحكم متعلقاً بالفهم للألفاظ، فلا أظنه يستقيم؛ لاختلاف الأفهام والعقول
فما رأيكم أيها الأصوليون؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أفتوني في رؤياي!!
الأصولي الصغير: محمد ناصر عبد الرحيم عبد الحافظ.