بسم الله الرحمن الرحيم
تعبير المنام وتفسير الأحلام والرؤى المنامية وما عليه الناس وما ينبغي فعله في ضوء الشريعة الإسلامية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
فقد شاع بين الناس وبكثرة هذه الأيام مسألة الحرص الشديد على تعبير المنام وتفسير الأحلام حتى غدوا يسألون القاصي والداني ومن يعرف ومن لا يعرف وكأن الأمر في غاية الأهمية والخطورة ونسوا أو تناسوا ما هو أحسن لهم وأفضل لدينهم ، وأكثر ما يقع في ذلك النساء ولقد رأيت عجباً كبير إبان الحقبة التي كنت أفسر الأحلام فيها حتى إنهن ليحرصن على أتفه الأمور بل وما يستحى من ذكرها ،
فأقول وبالله التوفيق : إن هناك نقاط مهمة جداً لابد من معرفتها قبل تفسير الأحلام أنصح بها الناس وأنصح المفسرين أنفسهم بها ، لأنه وللأسف أصبح الجميع يفسرون الأحلام بل وهناك كما سمعت قنوات فضائية متخصصة في ذلك وتهرف بما لا تعرف ، وخفي على كثير من الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هذب الأمر تهذيبا عظيماً ولولا الإطالة لذكرت أكثر من مئة حديث وأثر حول هذا الأمر، وهذا يدل على كمال الدين وشموله ، لكن نقتصر على النقاط المهمة من ذلك من باب النصح والتوجيه للأمة :
1- قسم علماء الرؤى والمنام ما يراه النائم إلى ثلاثة أقسام :
[ رؤيا ] - [ حلم ] - [ أضغاث أحلام ]
فينبغي إن كان ولا بد أن يهتم بالرؤية فقط ولا يحدث بالحلم لأنه من تلاعب الشيطان وقد قال صلى الله عليه وسلم (( إذا حلم أحدكم فلا يحدث الناس بتلاعب الشيطان في المنام )) ويقع من ذلك الاحتلام أيضاً لأنه من تلاعب الشيطان ولهذا كان الأنبياء معصومون من الاحتلام لأنه من تلاعب الشيطان وهذا التقسيم الرائع لما يراه النائم جاء في حديث صحيح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال (( الرؤيا ثلاثة : منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزء ا من النبوة )) فالأول في الحديث داخل في الحلم والثاني داخل في أضغاث الأحلام والثالث داخل في الرؤيا التي من الله فلا يحرص إلا على تفسير الرؤيا فقط إن كان ولا بد وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم (( إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها وليخبر بها وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولا يخبر بها )) ولو علم الناس هذا الحديث الصحيح لذهبت عندهم كثير من الإشكالات .
2 – الحلم والرؤيا القبيحة لا تضر صاحبها أبداً إذا لم تفسر فينبغي أن لا تفسر ولا يهتم بها يقول صلى الله عليه وسلم (( إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره )) فلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم فإنها لا تضره وعض عليها بالنواجذ.
3 – وهذه نقطة مهمة جداً جداً جداً وهي أنه ينبغي إذا أراد أن يعبر منامه ويفسر حلمه إن كان ولا بد فإنه يبحث عن الرجل العالم التقي المحب الناصح وذلك ليحملها له على أحسن المحامل ولا يورده المهالك وإن كانت لا تصلح للتفسير قال لا تصلح ولا تفسرها أبداً وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم (( إن الرؤيا تقع على ما تعبر ومثل ذلك مثل رجل رفع رجليه فهو ينتظر متى يضعها فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً )) وفي رواية (( ولا تقصها إلا على واد __ أي محب__ أو ذي رأي )) وفي رواية (( لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح )) يعني على محب عالم بالتفسير لئلا يزل فيوقع الناس في حرج فليت شعري في هؤلاء الذين يفسرون أحلامهم في القنوات الفضائية وربما عند السحرة والدجالين هل عملوا بهذا الحديث في اختيار الناصح العالم المحب المشفق ذي الرأي!!!
4- أن يحرص كل الحرص إن كانت الرؤيا غير جيدة أن يبصق عن يساره ثلاثاً عندما يستيقظ ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثاً وينقلب على جنب آخر أو جهة أخرى وهذا من السنن المهجورة وهو علاج عظيم فعال في هذا الأمر ، يقول صلى الله عليه وسلم (( الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ))
5 - أن يحذر كل الحذر وأن يخاف كل الخوف أن يكذب أو يفتري في حلمه أو يزيد في حلمه بل يذكره كما هو بدون زيادة أو مبالغة أو كذب وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم محذراً (( إن من أفرى الفرى __أي من أكذب الكذب __أن يري الرجل عينه في المنام ما لم تر)) وفي رواية (( من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة )) وفي رواية (( يعقد بين شعيرتين )) وروايات أخرى كثيرة جداً فهل يا ترى يستطيع أن يعقد بين شعيرتين يعني بين حبات الشعير أو يصلهما ببعض ، وهذا واله أمر مخيف جداً .
6- ينبغي أن يفرق بين الرؤيا والحلم وأن يعلم أن الرؤيا الحقيقية هي التي فيها بشارة له أو للإسلام والمسلمين وأنها من الله وهي من أجزاء النبوة وقيل نوع من الوحي والإلهام والفتوح وليس كوحي الأنبياء وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم (( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )) وفي رواية (( جزء من سبعين جزءاً من النبوة )) وفي أخرى (( جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة )) والعدد غير مراد والمراد جزء يسير من أجزاء النبوة والوحي .
7 - فيمن يرى النبي صلى الهد عليه وسلم في المنام فينبغي أن يعلم أن هذا توفيق وفتوح ويدل على الصلاح وأنه سيرى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم (( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي )) وروايات أخرى كثيرة جداً ، لكن ينبغي أن يتأكد الرائي أنه صلى الله عليه وسلم على النعت المذكور في السير فلو جاءنا شخص وقال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشبه الممثل الفلاني أو اللاعب الفلاني أو المطرب الفلاني لقلنا إن هذا من الشيطان ولم تتم الرؤيا بعد وليس هو النبي صلى الله عليه وسلم فليتنبه لهذا الأمر لأنه تدليس من الشيطان الرجيم وكذا من يقول بأنه رأى الله عز وجل في المنام فإن هذا لم يكن إلا للأنبياء كما في حديث اختصام الملأ الأعلى ، وهذا من الشيطان لغير الأنبياء فليتنبه لهذا الأمر .
8 - وأخيراً ينبغي أن يعلم أن الرؤيا تقع حيث عبرت يعني قد توافق تعبيراً صحيحاً وقضاءً وقدراً فتقع وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ))وهنا مكمن الخطورة الشديدة ولهذا ركز أيها القارئ على ما ذكرناه في الفقرة الثالثة من حيث التعبير وكيف يكون ومن هو الذي يعبر فلا تتعجل وكم من رجل وامرأة استعجل فقص الرؤيا على عامة الناس فقالوا كذا وكذا فوقع ما قالوه فألحقوا به الضرر الشديد ومن هنا أوصي المعبرين والمفسرين أن يتقوا الله ولا يستعجلوا في التفسير لئلا يضروا إخوانهم بل عليهم أن يتريثوا وليس عيباً أن يقولوا الله أعلم أو ابحثوا عن غيري فأنا لا أعرف تفسيرها أو يحملها على أحسن المحامل والأمور،
وينبغي أن يعلم أن تعبير المنام وتفسير الأحلام فتوى يتحمل تبعتها من فسرها لقوله تعالى (( أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون )) وعلى الجميع تقوى الله تعالى في السر والعلن وأوصى إخواني وأخواتي أن لا يستعجلوا في هذه الأمور وأن لا يفسرون إن فسروا إلا عند عالم ناصح محب مشفق ذي رأي وبصيرة أو لا يقصها على أحد نهائياً ، وأن نهتم جميعاً بهذه النقاط التي ذكرناها للأحاديث الصحيحة التي أوردناها في هذا الباب ولولا خطورة الأمر وكثرة الأعمال والأشغال لبقيت في تفسير الأحلام كما كنا ولكنا نعتذر من المحبين عن هذا الأمر وأغلقنا هذا الباب قبل ثلاثة سنوات بعد بقائنا عشرون عاماً في تفسير الأحلام والله الهادي إلى سواء السبيل والموفق لكل خير ،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .