وإليك قصة غاية فى البشاعة والإجرام والجحود.
لقد وقعت فى إحدى قرى دكرنس جريمة مروعة شنعاء هى التى دفعتني إلى الحديث اليوم عن هذا الموضوع.
فى أسرة فقيرة تتكون من عشرة أبناء، يقضى الوالد المسكين ليله ونهاره ليوفر لأبنائه العيشة الطيبة الكريمة ويلحقهم بأرقى الكليات بالجامعـة، ومن بين هؤلاء الأبنـاء ولد عاق، بدلاً من أن يساعد أباه فى نفقات هذه الأسرة الكبيرة راح يلهب ظهر والده بالمصروفات ليضيعها على المخدرات والفتيات، فقال له والده المسكين: أى بني أنا لا أقدر على نفقاتك ومصروفاتك، دعنى لأواصل المسيرة مع إخوانك وأخواتك، وأنت قد وصلت إلى كلية العلوم فاعمل وشق طريقك فى الحياة، ولكن الولد تمـرد على التقاليد والقيم وعلى سلطان البيت والأسـرة، بل وعلى سلطان الـدين، راح هذا الولد العاق يفكـر كيف يقتل أباه؟! إى والله حدث ما تسمعون!! إنه طالب فى كلية العلوم راح يستغل دراسته استغلالاً شيطانياً خبيثاً حيث أعد مادة كيمائية بطريقـة علمية معينة، وأخذ كمية كبيرة، وعاد إلى البيت، وانتظـر حتى نام أبوه المسكين، فسكب المادة الكيميائية على أبيه وهو نائم، فأذابت المادة لحم أبيه وبدت العظام، الله أكبر !! لا إله إلا الله !! لا إله إلا الله !!
والله إن الحلق ليجف، وإن القلب لينخلع، وإن العقـل ليشط، وإن الكلمات لتتوارى فى خجل وحياء، بل وبكاء وعويل، أمـام هذه المأساة المروعة الشنعاء بكل المقاييس.
قد يرد الآن عليَّ أب كريم من آبائنا أو أخ عزيز يجلس معنا ويقول إنه الفقر، قاتل الله الفقر!!
والجـواب: مع تقديرى لكل آبائي وأحبائي، ما كان الفقر سبباً ليقتل الولد أباه، وإذا أردت الدليل فخذ الحـادثة الثانية المروعـة التى طالعتنا بها جريدة الأهـرام منذ أسبوعين اثنين فقط.
أسرة ثرية وصل الوالدان فيها إلى مرتبة اجتماعية مرموقة، فالأم تحمل شهادة الدكتوراه فى الهندسة جلست هذه الأم المثقفـة لتناقش ابنها فلذة كبدها الـذى أنهى دراسته الجامعية فى أمر خطيبته التى أراد أن يتزوجها، فالأم تعارض هذا الزواج لاعتبارات وأسباب ترى أنها وجيهة من واقع خبرتها ومسؤليتها تجاه ولدها، فاحتج الولد على أمه وما كان من هذا المجـرم العاق إلا أن أسرع بسكين، ثم انقض بالسكين على أمه بطعنات قاتلة حتى فارقت الحياة، ما هذا؟!
والله إن الحلق ليجف، وإن القلب لينخلع، من هول هذه الصورة البشعة من صور العقوق للآباء والأمهات الذى حذر الله جل وعـلا منه فى أدنى صوره، وأقل أشكاله وألوانه، فقـال جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [ الإسراء: 23-24 ].