السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عازب، عمري خمسة وعشرون سنة، لقد طغى عليّ الشك أو ما يسمى بالوسواس بشأن الطهارة والوضوء والصلاة، ففي هذا الصباح - مثلا – ذهبت إلى عملي وبينما أنا أدرس أحسست بنوع من الرطوبة، وهذا يحصل لي تقريبا دائما، ويطغى عليّ الشك في التمييز بين المني والمذي فأنقطع عن الصلاة، فأقول: لقد نظرت إلى فتاة وقلت في نفسي كم هي جميلة وبالتالي فما نزل مني فهو مني!
وفي بعض الأحيان أضغط على نفسي حتى لا يخرج مني أي سائل ولكنه يخرج رغما عني، كما أنني عندما أتبول يخرج مني بعد البول سائل لزج أبيض أظنه منيا، كما أنني أجد صعوبة في أداء الصلاة إلى درجة أنني أقوم بتغيير ملابسي الداخلية عدة مرات، ولقد تعبت من تكرار الاغتسال، والخوف من أن الله لا يتقبل مني عبادتي.
وعندما أصلي تأتيني بعض الوساوس السيئة حول ديني وهي على شكل كلمات سيئة في داخلي الشيء الذي يجعلني أعاني، فهل أعاقب على هذه الوساوس التي تسيء إلى ديني، مع أنني لست أنا الذي يلفظ تلك الكلمات السيئة.
ساعدوني وجزاكم الله خيرا.
الجـــواببسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فجزاك الله خيرًا على حرصك على دينك ومرادك في أن تبرأ ذمتك من هذه الأعراض التي تنتابك.
الوساوس القهرية شائعة جدًّا، والوساوس يمكن أن تكون مجرد أفكار وتليها أفعال أو تكون مخاوف أو اجترارات أو تأتي أحيانًا في شكل طقوس يضطر الإنسان لاتباعها، والتعريف العلمي للوساوس هي أنها مسلطة على الإنسان - وهي كلمة ضرورية جدًّا – ويحاول دائمًا أن يردها ويبعدها عنه ولكنَّ ذلك يصعب عليه ويسبب له قلقًا.
إذن هي أمور متسلطة عليك وليست تحت إرادتك، وإن شاء الله سوف يفيدك الأخوة المشايخ – جزاهم الله خيرًا – فيما يخص الحكم الشرعي للوساوس، ولكن فيما أعرف – والله أعلم – أنه لا حرج عليك مطلقًا، فلا حرج عليك في هذه الأفكار، ولا حرج عليك في هذه الأفعال التي هي فوق إرادتك، والشيء الذي نؤكده دائمًا أن الوساوس القهرية - إن شاء الله تعالى – هي دليل على قوة إيمان الإنسان وعلى حرصه على دينه.
ويعرف عن الوساوس أنها تترعرع وتنمو حسب البيئة الفكرية للإنسان، فالإنسان يكون فكره الديني متطورا تأتيه نوع هذه الوساوس، فهذه بشرى أيضًا.
الوساوس أيضًا تأتي تحت نطاق القلق النفسي، وهي ليست دليلا على وجود مرض عقلي، وليست دليلا على ضعف الشخصية أو سوئها، بل على العكس تمامًا فالدراسات تشير أن معظم مرضى الوساوس هم من الأشخاص الحساسين أصحاب الضمائر الحية واليقظة تعتمد حياتهم على التواصل الجيد وحسن الخلق والاهتمام بفضائل الأعمال ومكارمها.
هذه حقائق مهمة جدًّا وفي نظري هي جزء كبير جدًّا من العلاج.
تأتي بعد ذلك الحقيقة المهمة جدًّا وهي أن الوساوس مكتسبة، والشيء المكتسب – أي الشيء الذي ليس غريزيا أو فطريا – يمكن للإنسان أن يفقده ما دام أمرًا متعلمًا ومكتسبًا، والمنحى الآخر والمهم جدًّا هو كثرة الحديث عن الشيطان وعن تدخل الشيطان، ونحن لا ننكر ذلك أبدًا، ونرى أن الوساوس بداياتها هي محاولة من الشيطان لصد الناس عن دينهم، وبعد ذلك تأتي الاستمرارية البيولوجية، بمعنى أن هنالك مسببات بيولوجية ونفسية وأمورا مرتبطة بشخصية الإنسان تجعل هذه الوساوس تستمر، ويعرف عن الوساوس أنها تزيد وتنقص حسب الروابط النفسية أو ما نسميه بالمثيرات النفسية.
إذن خطوات العلاج الأولى هي أن تتفهم حقيقة الوساوس كما شرحناها لك، وثانيًا: عليك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتسأل الله تعالى أن يزيل عنك هذه الوساوس.
ثالثًا: – وهذا أمر ضروري جدًّا – الوساوس تعالج بأضدادها وبتحقيرها وبعدم الالتفات إليها، والإنسان إذا أجبر نفسه على ذلك – وهذا أمر تحت الإرادة – يستطيع أن يلاحظ أن هذه الوساوس أصبحت تضعف حتى تتلاشى تمامًا.
إذن المقاومة هي سلاح ضروري جدًّا، وفي حالتك بالطبع المقاومة هي أن ترجع لشروط الطهارة الأساسية من الحدث الأكبر والحدث الأصغر ولا تزيد على ذلك ولا تنقص، فلا تتلمس نفسك، ولا تبحث وتقول هل هذا مني أو ودي أو مذي – وهكذا – فالأمر واضح، فالمني لا ينزل تلقائيًا، فعليك أن تكون صارمًا وحازمًا مع نفسك.
وصدقني - أخي الكريم الفاضل – إذا حاولت أن تقاوم هذه الطقوس القهرية التي تمارسها في ظرف أسبوع أو أسبوعين سوف تجد أنك أصبحت أكثر ارتياحًا وأقل اهتمامًا بهذه الوساوس.
هنالك حيل نفسية التي إذا ما مارسها الإنسان تضعف هذه الوساوس أيضًا،
الوساوس السيئة التي تأتيك حول العقيدة والكلمات السيئة فكر فيها وحقّرها وضعها تحت حذائك، فتصور أنها قطعة تافهة جدًّا لشيء منبوذ، ولذا قم بالدوس عليها في الأرض وتصورها بكل تحقير، هذا أيضًا - إن شاء الله تعالى –يضعفها.
يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وهنا - إن شاء الله تعالى – بشرى كبرى لك، وهي أن الأدوية المضادة للوساوس اتضحت الآن فعاليتها ونفعها للناس بما لا يدع مجالا للشك، وهنالك عدة أدوية، وهذه الأدوية في الأصل أدخلت في الأسواق كمضادات للاكتئاب، ولكن بعد ذلك اتضح فائدتها العظيمة في القضاء على الوساوس.
هذه الأدوية تعمل من خلال تنظيم مادة في الدماغ تعرف باسم: (سيروتونين serotonin) يعتقد أن الاضطراب في إفرازها أو الضعف في إفرازها يساهم مساهمة بيولوجية كبيرة في الوساوس القهرية.
كما ذكرت لك عدة أدوية، لكن الدواء المفضل والجيد جدًّا هو العقار الذي يسمى علميًا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجاريًا باسم (بروزاك Prozac)، فأرجو أن تبدأ في تناوله بمعدل كبسولة واحدة (عشرين مليجرام) في اليوم بعد الأكل، وتستمر عليها لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى كبسولتين (أربعين مليجرام) في اليوم، وتستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم وتستمر عليها لمدة ستة أشهر أخرى، وهذه المدة الأخيرة هي المدة الوقائية وما قبلها هي الفترة العلاجية.
من الضروري جدًّا أن تلتزم التزامًا قاطعًا بتناول الدواء في وقته، لأن الفعالية البيولوجية لهذه الأدوية تعتمد على البناء الكيميائي للدواء، والبناء الكيميائي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالانتظام في تناول الجرعة.
هذا الدواء من الأدوية السليمة جدًّا وليس لديه أي آثار جانبية، فقط ربما يؤدي إلى سوء بسيط في الهضم، ولذا ننصح بتناوله بعد تناول الأكل، وهذا العرض يلاحظ دائمًا في الأيام الأولى للعلاج، وهو أيضًا قد يؤدي إلى تأخير في القذف قليلاً عند بعض الرجال، ولكنه لا يؤثر أبدًا على خصوبة الرجل بأي حال من الأحوال، وهو دواء غير إدماني ولا يؤثر على القلب أو الكبد أو الكلى أو المخ أو كل الأعضاء الأساسية الأخرى، ويمكنك تناوله دون أن يؤثر سلبًا على مستوى اليقظة والإدراك لديك، وهذه ميزة عظيمة، لأن كثيرا من الأدوية تحمل الصفات التسكينية والتهديئية مما قد يؤدي إلى الشعور بالكسل والنعاس في بعض الأحيان، ولكن البروزاك لا يسبب ذلك مطلقًا.
إذن أرجو أن تتناول الدواء بالصورة التي وصفتها لك وتلتزم بالإرشادات السلوكية السابقة، وأنا على ثقة كاملة أن هذه الوساوس سوف تنقطع عنك، ثق بالله أولاً ثم ثق بنفسك وبمقدراتك وقاوم هذه الوساوس وحقرها وسوف تقهرها - بإذن الله تعالى -.
نسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
على هذا الرابط :
http://www.islamweb.net/ver2/Istisha....php?id=287191