الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
المسألة الأولى :
الوضوء لغة واصطلاحا :
الوضوء :
- بالضم الفعل
- وبفتحها الماء المتوضأ به
والوضوء لغة: النظافة والإنارة .
سمي بذلك: لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه .
ففي الدنيا بإزالة الأوساخ والأقذار .
وفي الآخرة بالنور الذي يحصل منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء).
واصطلاحاً: التعبد لله تعالى بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة .
المسألة الثانية :
الوضوء كان مشروعاً في الأمم السابقة :
- لقصة سارة مع الملك أن سارة لما هم الملك بالدنو منها، قامت تتوضأ وتصلي .
- ولقصة جُرَيْج الراهب أيضاً ، قام فتوضأ وصلى، ثم كلم الغلام .
ولحديث: (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي). رواه ابن ماجه قال ابن حجر : حديث ضعيف .
والذي اختصت به هذه الأمة هي الغرة والتحجيل .
لحديث أبي هُريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن أمتي ياتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل )) متفق عليه
المسألة الثالثة :
الوضوء لا يصح إلا بنية، فينوي رفع الحدث الذي حصل له، أو ينوي بوضوئه الوضوء للصلاة .
فلا بد للوضوء من نية .
لحديث عمر (إنما الأعمال بالنيات...) فنفى أن يكون له عمل شرعي بدون النية، ولأنها طهارة عن حدث فلم تصح بغير نية كالتيمم أو عبادة، فافتقرت إلى النية كالصلاة .
ولأن الوضوء عبادة مستقلة، بدليل أن الله تعالى رتب عليه الفضل والثواب والأجر وهذا قول جمهور العلماء .
النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة قال ابن القيم رحمه الله: "النية هي القصد والعزم على فعل الشيء، ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلاً، ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه التلفظ بالنية بحال، ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك ".
المسألة الرابعة :
البسملة قبل الوضوء :
اختلف العلماء فيها على قولين :
القول الاول: يسن أن يقول بسم الله قبل الوضوء ، وهذا مذهب الجمهور
القول الثاني: ذهب بعض العلماء إلى وجوبها ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) رواه أبو داود ، مختلف فيه .
والصحيح أنها سنة غير واجبة، لأمور :
أولاً: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...) فأمر الله بالغسل ولم يأمر بالتسمية، ولو كانت واجبة لأمر الله بها، كما أمر بها في الصيد والذكاة .
ثانياً: أن الصحابة وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً تاماً، ولم يذكر أحد منهم أنه سمى في أول وضوئه، فلو كان ذلك واجباً لا يصح الوضوء إلا به، لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً: أن الحديث مختلف في ثبوته، وقد قال الإمام أحمد: لا يثبت في هذا الباب شيء ولا يمكن إثبات واجب بحديث مختلف فيه، وقد حسنه بعض العلماء .
رابعاً: حديث عبد الله بن عمرو: ( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الوضوء... فذكر له النبيصلى الله عليه وسلم الوضوء ولم يذكر التسمية). رواه أبو داود
المسألة الخامسة :
غسل اليدين ثلاثا قبل الوضوء سنة
لحديث عثمان رضي الله عنه قال: قال :صلى الله عليه وسلم (أنه دعا بوضوء، فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض...) متفق عليه
ولأن اليد آلة الغسل ، وبها ينقل الماء، فكان الأليق تطهيرها احتياطاً لجميع الماء .
قال النووي: ”وهذا دليل على أن غسلهما في أول الوضوء سنة ، وهو كذلك باتفاق العلماء “.
المسألة السادسة :
المضمضة: هي إدارة الماء في الفم .
والاستنشاق: هو جذب الماء بالنفس من الأنف
فبعد غسل الكفين يبدأ بالمضمضة والاستنشاق .
لحديث عثمان رضى الله عنه وفيه: (... فغسل كفيه ثلاثاً، ثم مضمض واستنثر .. ).
أن المضمضة تقدم على الاستنشاق .
أن المضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه وهذا سنة، فلو خالف وغسل وجهه ثم تمضمض واستنشق؛ فلا بأس .
السنة أن يتمضمض ويستنشق ثلاثاً .لحديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (...ثم أدخل يده في التوْر ، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً). متفق عليه
السنة أن يكون بثلاث غرفات من كف واحدة .لحديث عبد الله بن زيد في صفة الوضوء: (ثم أدخل صلى الله عليه وسلم يده ، فمضمض واستنشق من كف واحدة ، يفعل ذلك ثلاثاً). متفق عليه
وعن علي رضى الله عنه في صفة الوضوء: (ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، يمضمض وينتثر من الكف الذي يأخذ منه الماء). رواه أبو داود
وهذه الصفة هي أصح الصفات للأحاديث السابقة ..
قال النووي موضحاً هذه الصفة: ”أن يأخذ غرفة ويتمضمض منها ثم يستنشق ، ثم يأخذ غرفة ثانية يفعل بها كذلك ، ثم ثالثة كذلك “ .
قال ابن القيم: ”وكان صلى الله عليه وسلم يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه “ .
ولم يجيء حديث صحيح في الفصل بين المضمضة والاستنشاق .
وأما حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق) . رواه أبو داود فهو حديث ضعيف
مسألة:حكم المضمضة والاستنشاق
القول الاول: من واجبات الوضوء، وهذا مذهب أحمد لقوله صلى الله عليه وسلم (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً). رواه أبو داود
وفي رواية: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر). متفق عليه
وهذه أوامر تدل على الوجوب .
ولأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه تمضمض واستنشق، وأنه داوم عليهما، فهذا مما يدل على وجوبهما .
القول الثاني: ذهب بعض العلماء إلى أنهما سنتان في الوضوء ، وهو قول مالك والشافعي .
لأنه قال: (فاغسلوا وجوهكم) فالله أمر بغسل الوجه، وهو ما تحصل به المواجهة، دون باطنه وهو الفم والأنف .
واستدلوا بحديث عائشة: (عشرة من سنن المرسلين: ... وذكر منها: المضمضة والاستنشاق).
والراجح الأول .
المسألة السابعة :
غسل الوجه من فروض الوضوء .لقوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ).
وأجمع العلماء على ذلك .
الوجه هو ما تحصل به المواجهة، وحده من منابت الشعر المعتاد على ما نزل من اللحية والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً .
وغسله ثلاث مرات هذا من سنن الوضوء .لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة الوضوء ثم غسل وجهه ثلاثاً)..
مسألة: هل يغسل ما استرسل من اللحية .
القول الاول قال بعضهم: لا يغسل قياساً على شعر المرأة الطويل أو ما استرسل من شعر الرأس فإنه لا يمسح
القول الثاني: والصحيح أنه يغسل .
فالجواب عن قياس من منع أن يقال : إن اللحية المسترسلة يحصل بها المواجهة بخلاف الشعر المتدلي من الرأس فإنه ليس من الرأس إذ الرأس ما ترأس وارتفع .
المسألة الثامنة :
غسل اليدين إلى المرفقين من فروض الوضوء بالإجماع .
لقوله تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ).
المرفق: بكسر الميم، هو العظم الناتئ في آخر الذراع، وسمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه . قاله الحافظ
والسنة أن يكون الغسل ثلاث مرات .لحديث عثمان في صفة الوضوء: ( ...ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ).
يجب غسله المرفق مع اليد ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة .
لقوله تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) أي مع المرافق .
وقد جاءت أحاديث تدل على دخول المرفق مع اليد .
عند الدار قطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء: (فغسل كفيه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين).
قال ابن حجر: فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً
ومما يدل على دخولهما أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخل به ولو مرة واحدة فترك غسل المرفقين .
يجب أن يغسل الكفين مع اليدين ، فيجب أن يغسل يديه من أطراف الأصابع إلى المرفقين .
يغسل الأقطع بقية المفروض .
قال النووي: ” إذا بقي من محل الفرض شيء فإنه يجب غسله بلا خلاف “ .
المسألة التاسعة :
ثم بعد غسل اليدين يمسح رأسه ، وهو من فروض الوضوء .لقوله تعالى: ( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ )
مسالة كم مرة يمسح راْسه :
القول الاول: الرأس يمسح مرة واحدة ، وهذا مذهب جمهور العلماء .
لحديث علي في صفة الوضوء: (ومسح برأسه واحدة) . رواه أبو داود
حديث عثمان في الصحيحين في صفة الوضوء وكذلك عبد الله بن زيد في الصحيحين لم يذكر أنه مسح رأسه ثلاثاً بخلاف بقية الأعضاء .
لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة أنه مسح رأسه ثلاث مرات .
القول الثاني: ذهب بعض العلماء، وهو مذهب الشافعية أنه يشرع التثليث في مسح الرأس .
لحديث عثمان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) . رواه مسلم
والراجح الأول، ولأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل .
قال أبو داود: ”وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أنه مسح رأسه مرة"
مسألة: الرأس يمسح ولا يغسل ، فلو غسله بدلاً من المسح لكان مكروهاً .
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجزئه ، لأنه خلاف أمر الله ورسوله .
مسألة: يجب أن يستوعب جميع الرأس ولا يجزئ أن يمسح بعضه، وهذا هو المذهب وهو الصحيح.
لأن هذا هو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه اقتصر على بعض الرأس .
ولأن الله تعالى ذكر مسح الرأس، ومسمى الرأس حقيقة هو جميع الرأس ، فيقتضي وجوب مسح جميع الرأس .
قال ابن القيم رحمه الله: ”لم يصح عنه حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض الرأس البتة “ .
وذهب بعض العلماء إلى أنه يجزئ مسح بعض الرأس ، واستدلوا بقوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ) قالوا : الباء للتبعيض.
والراجح الأول .
وأما الباء فليست للتبعيض وإنما هي للملاصقة .
قوله (ويمسح رأسه ثم يعيدهما إلى المحل ...) هذه صفة مسح الرأس، وهي الثابتة في حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين قال: ( بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما على قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ).
والحكمة من مسح الرأس على هذه الصفة استيعاب جهتي الرأس بالمسح ، لأن الشعر من جهة الوجه متجه إلى الوجه ، ومن جهة المؤخر متجه إلى القفاء .
وهذه الصفة يستوي فيها الرجل والمرأة ، لأن الأصل في الأحكام الشرعية أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل يخصص .
مسألة: صفة مسح الأذنين وهي أن يدخل سباحتيه [ أصبعيه السباحتين ] في صماختي أذنيه لمسح باطنهما ، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما .
ولو مسحهما بغير الإبهام لجاز ، لأن المقصود استيعاب المحل بالمسح ، لكن العمل بالسنة أفضل ، ليجعل له أجر الاقتداء
وفي حديث المقدام بن معد كرب قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه ، ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما ). رواه أبو داود
ليس في السنة ما يدل على أنه يأخذ ماءً جديداً .
المسألة العاشرة :
ثم بعد مسح الرأس يغسل رجليه، وغسل الرجلين من فروض الوضوء بالإجماع .
لقوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
والكعبان: هما العظمان الناتئان اللذان بأسفل الساق من جانبي القدم .
والسنة أن يغسلهما ثلاثاً .
لحديث عثمان في صفة الوضوء : ( ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً ...).
جاء التحذير الشديد من التهاون في شيء من الرجل ، فقد قال صلى الله عليه وسلم (ويل للأعقاب من النار).
المسألة الحادي عشر :
أشياء تعتبر من سنن الوضوء التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها، لكي يكتمل الوضوء الكامل، منها :
1. البداءة باليمين .
فيسن أن يبدأ بيده التي قبل اليسرى ورجله التي قبل اليسرى .
لحديث عائشة قالت: ( كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ) متفق عليه
قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة، من خالفها فإنه فاته الفضل وتم وضوءه .
2. قول الدعاء الوارد بعد الوضوء .
كما جاء في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). رواه مسلم
عن أبي سعيد مرفوعاً: (من توضأ ففرغ من وضوئه، فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، طبع عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة). رواه الحاكم
الأدعية أثناء الوضوء لا يصح منها شيء .
قال النووي: ”وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجيء منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم “ .
وقال ابن القيم: ”وأحاديث الذكر على أعضاء الوضوء كلها باطلة ، ليس منها شيء يصح “ .
3. السواك .
فهو من سنن الوضوء .
لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) رواه أحمد .
ولحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) رواه أحمد .
المسألة الثانية عشر :
الواجب في الوضوء الغسلة الأولى فقط .
لقوله تعالى: (فاغسلوا) والغسل يصدق بواحدة .
وأما الغسلة الثانية والثالثة فسنة .
فقد ثبت حديث عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة). رواه البخاري
وثبت في حديث عبد الله بن زيد: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين). رواه البخاري
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً كما في حديث عثمان في الصحيحين .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مخالفاً، فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين، ورجله مرة، ففي حديث عبد الله بن زيد في صفة الوضوء: ...ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين...) . متفق عليه
والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة ، ليكون عاملاً بالسنة كلها .
أما الزيادة على الثلاث فلا يجوز، لحديث عبد الله بن عمرو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً ، ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم) . رواه أبو داود
المسألة الثالثة عشر :
الترتيب في الوضوء فرض من فروض الوضوء، وهو أن يأتي بفروض الوضوء مرتبة (يبدأ بالوجه ، ثم غسل اليدين ، ثم مسح الرأس ، ثم غسل الرجلين).
والدليل على أن الترتيب فرض :الآية التي ذكرها المصنف: ( يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُم إِلَى اَلْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ )
وجه الدلالة: أن الله رتبها فيجب أن ترتب كما في الآية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ابدؤوا بما بدأ الله به).
في الآية أيضاً قرينة تدل على ذلك: فإنه تعالى أدخل ممسوحاً بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، والفائدة هنا الترتيب .
وكان صلى الله عليه وسلم وضوءه مرتباً متوالياً، ولم يخل به مرة واحدة البتة، فكل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حكاه مرتباً .
وعلى هذا القول فلو قدم عضواً على آخر لم يصح وضوءه، وهذا قول أحمد والشافعي .
وذهب بعض العلماء إلى أن الترتيب غير واجب، وهو قول مالك وأصحاب الرأي، لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء، وعطف بعضها على بعض بواو الجمع، وهي لا تقتضي الترتيب، فكيف ما غسل كان ممتثلاً ، والراجح الأول .
المسألة الرابعة عشر :
من فروض الوضوء الموالاة، وهي: أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله، فلا يؤخر غسل اليدين حتى ينشف الوجه ، أو يؤخر مسح الرأس حتى تجف اليدان .
والدليل على فرضية الموالاة :
ما ورد عن عمر: (أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فأحسن وضوءك، فرجع ثم صلى) . رواه مسلم
وعن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعةً قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة ) . رواه أبو داود
فلو لم تجب الموالاة لأجزأ غسل اللمعة .
ولأن الوضوء عبادة واحدة، فلا يُبنى بعضها على بعض مع تفرق أجزائها، بل يجب أن يكون بعضها متصلاً ببعض .
وهذا القول هو الراجح .
وذهب بعض العلماء إلى أنها سنة غير واجبة .
لأن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على سنيتها، ومما يدل على عدم وجوبها : أن الله أمر بغسل هذه الأعضاء في الوضوء ولم يوجب الموالاة .
لكن الموالاة تسقط مع العجز .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين