كنت في زيارة لصديقتي التي تعمل في مكتبة عامة للأطفال ، وجاءت طفلة مسرعة وهي خائفة وتمسك في يدها كتابا ،ولما كانت صديقتي تتحدث في الهاتف ، توليت الاهتمام بأمر الطفلة وقرأت ما بيدها ،
(في حجرة صغيرة فوق سطح أحد المنازل , عاشت الأرملة الفقيرة مع طفلها الصغير حياة متواضعة في ظروف صعبة .. . . لكن أكثر ما كان يزعج الأم هو سقوط الأمطار في فصل الشتاء ,
فالغرفة عبارة عن أربعة جدران , و بها باب خشبي , غير أنه ليس لها سقف
وذات يوم تجمعت الغيوم و امتلأت سماء المدينة بالسحب الداكنة و مع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة على المدينة كلها , فاحتمى الجميع في منازلهم , أما الأرملة و الطفل فكان عليهم مواجهة موقف عصيب ! ! . .
نظر الطفل إلى أمه نظرة حائرة . . .فأسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلعته و وضعته مائلاً على أحد الجدران , و خبأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر ،
فنظر الطفل إلى أمه , و قال : "ماذا يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر؟!!!" )
*****
مجرد حكايا .. لتصوير مبدأ القناعة وترسيخه في أذهان الأطفال ، ولكنني لم أفهم ما الداعي لمثل هذه القصص ، وهل هي حقا لتعليم الأطفال درسا ... ام لتثير لديهم مشاعر القلق والشفقة ؟ وخاصة عندما يكتشف الاطفال ( أنها وهمية ) في مراحل الطفولة الأخيرة ؟
حاولت أن أتحدث مع الأفكار التي في عقل هذه الطفلة عن هذه القصة ...
ماذا سأفعل ان اضطررت لخلع الباب ؟ ،
كيف سأعيش في بيت بلا سقف ؟
كيف سيكفي الباب المخلوع لحمايتنا من المطر ؟
وماذا سيحدث لكتبي .....؟
لا اعتقد ان مبدأ هذه القصص المثيرة للقلق ، جيدة لتُتّخذ اسلوبا .. لزرع ( الفضائل ) عند الأطفال ، لأنها ، لن تزرع الا الخوف والألم والحزن في قلوبهم.
من المهم ان نعرف ان زرع ( الفضائل ) كالتواضع ، القناعة ، الصبر
يختلف عن اكتساب ( الاخلاق الحميدة ) كالصدق ، الالتزام
وكل يحتاج الى اسلوب خاص
فكرت في قصصنا ( عن القناعة ) - أيام زمان - ورغم انني أذكرها دوما بنوع من الرثاء ، إلاّ أنها كانت أقل رعبا من هذه القصص.....
كانت قصصنا ( يدوية ) ،،!
تجريبية مخبرية .. نخرج منها مصقولي الفضائل والأخلاق .... بالتجربة والبرهان .. والممارسة .
كان لا يعجبني الحذاء الذي يشتريه أبي لي ، واظهر امتعاضي ...موديل قديم ..
فيضحك أبي بسخرية ويقول بتهكم ..( بنت بيرو ) !
لم أكن أحب طبق ( الفول ) ، إلا أن أمي كانت ترمقني بحدة وهي تقول ..( بنت بيرو )!
لم أكن أفهم من هذا التعبير إلا أن بيرو هذا رجل غني لا يمكن أن يأكل الفول ،
و أنني لا يمكن أن أشتري حذاءا -على مزاجي- لأني لست إبنة المدعو بيرو .
كنا دوما نجتمع لنسمع قصة ( منغو ) ونتعلم الدرس المستفاد وقد كان من كبار أغنياء البلد ، وأوصى بعد موته أن تُخرج يداه من التابوت للإشارة أنه ... لم يأخذ من أمواله معه شيئا ...
لم تكن هذه العبرة تؤثر فيّ كثيرا أيضا ، لأنني كنت اريد فقط الاستمتاع بالأشياء
و ما كنت أفكّر أن آخذ معي شيئا !