قوله ( اَلْعُمْرَةُ إِلَى اَلْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ) .
استدل به جماهير العلماء على استحباب تكرار العمرة في العام الواحد أكثر من مرة .
ولحديث ابن مسعود قال : قال رسول الله e ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ) رواه الترمذي .
قال ابن قدامة : وَلا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ, وَابْنِ عُمَرَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَأَنَسٍ, وَعَائِشَةَ, وَعَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَعِكْرِمَةَ, وَالشَّافِعِيِّ لأَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ e، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ (الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وقال النووي : مذهبنا أنه لا يكره ذلك بل يستحب، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف .
للحديث السابق ( تابعوا بين الحج والعمرة ) .
وذهب بعض العلماء : إلى أنه لا يشرع تكرار العمرة في العام الواحد أكثر من مرة .
وهذا قول جماعة من العلماء .
والراجح القول الأول .
وأما كونه e لم يعتمر في السنة أكثر من مرة فهذا لا يعني عدم مشروعية الاعتمار أكثر من مرة في السنة .
( الحَجُّ والعُمْرَةُ وَاجِبَان ) .
أي : أن حكم الحج والعمرة الوجوب .
أما الحج فتقدم أنه واجب فرض بإجماع المسلمين .
وأما العمرة : فهي واجبة أيضاً .
وهذا مذهب الإمام أحمد ، والشافعي .
وروي هذا القول عن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، والثوري .
أ- لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَت ( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! عَلَى اَلنِّسَاءِ جِهَادٌ ? قَالَ: " نَعَمْ, عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: اَلْحَجُّ, وَالْعُمْرَة ) رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَأَصْلُهُ فِي اَلصَّحِيحِ .
وجه الدلالة : أن الرسول e قرن العمرة مع الحج ، فدل على الاتفاق في الحكم وهو الوجوب .
ولقوله ( عليهن ) تدل على الوجوب ، ( وعلى من صيغ الوجوب ) .
ب- ولحديث أبي رزين ( أنه أتى النبي e فقال : يا رسول الله ! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ، قال : حج عن أبيك واعتمر ) رواه أبو داود والترمذي .
قالوا : إن الرسول e قرن الحج والعمرة لعاجز بلغة الأمر .
ج-ولحديث عمر أن النبي e قال للذي سـأله ما الإسـلام ؟ قال : ( تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج وتعتمر ) وهذه عند الدارقطني وصححها ( والحديث في الصحيح دون ذكر العمرة ) .
د- ولحديث جَابِرٍ مَرْفُوعاً ( اَلْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَان ) وهو ضعيف .
هـ-هو قول جماعة من الصحابة؛ منهم: ابن عباس ، وابن عمر ، وجابر بن عبد الله y .
قال جابر: لَيْسَ مُسْلِم إِلا عَلَيْهِ عُمْرَة . قال الحافظ : رَوَاه اِبْن الْجَهْم الْمَالِكِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن .
وقال البخاري رحمه الله : بَاب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَيْسَ أَحَدٌ إِلا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وقوله: (لَقَرِينَتُهَا) أي: قرينة فريضة الحج.
قال الشيخ العصيمي : الأحاديث الواردة في وجوب العمرة لا يصح منها شيء ، لكن العمدة في إيجاب العمرة ما صح من الآثار عن الصحابة ، كجابر ( عند ابن خزيمة ) وابن عباس ( عند ابن أبي شيبة ) .
وذهب بعض العلماء : إلى عدم وجوبها .
وهذا مذهب مالك وأبو حنيفة ، واختاره ابن تيمية .
قال ابن تيمية : والعمرة في وجوبها قولان للعلماء ، هما قولان في مذهب الشافعي وأحمد ، والمشهور عنهما وجوبها ، والقول الآخر لا تجب ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك . وهذا القول هو الراجح ، فإن الله إنما أوجب الحج بقوله : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) لم يوجب العمرة ؛ وإنما أوجب إتمامها ، فأوجب إتمامها لمن شرع فيهما ، وفي الابتداء إنما أوجب الحج .
أ-لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( أَتَى اَلنَّبِيَّ e أَعْرَابِيٌّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنْ اَلْعُمْرَةِ, أَوَاجِبَةٌ هِيَ? فَقَال : لَا. وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَاَلتِّرْمِذِيُّ, وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ .
ب-ولحديث : ( الحج والعمرة تطوع ) رواه الدارقطني وهو ضعيف .
قال الشوكاني مؤيداً هذا القول : والحق عدم الوجوب ، لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف ، ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادهما بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب .
وقال الصنعاني : والأدلة لا تنهض عند التحقيق على الإيجاب الذي الأصل عدمه .
والراجح عدم الوجوب .
تنبيه :إذا قلنا بوجوب العمرة ، فإن عمرة المتمتع تجزئ عن عمرة الإسلام .
فائدة : 1
عدد عُمَر النبي e :
قال الشنقيطي : إن المحفوظ الثابت بالروايات الصحيحة أن النبي e لم يعتمر في رمضان قط ، لأنه لم يعتمر إلا أربع عمر :
أ-عمرة الحديبية التي صده فيها المشركون عن البيت الحرام عام 6 ﻫ .
ب-عمرة القضاء التي وقع عليها الصلح في الحديبية ، وهي عام 7 ﻫ .
ج-عمرة الجعرانة بعد فتح مكة ، عام 8 ﻫ .
ثم قال رحمه الله : وكل هذه العمر في شهر ذي القعدة بالإجماع والروايات الصحيحة .
د-عمرته مع حجه في حجة الوداع .
قال ابن القيم : وَلَا خِلَافَ أَنّ عُمَرَهُ لَمْ تَزِدْ عَلَى أَرْبَع .
وقال :لم يعتمر رسول الله e في رمضان قط .
وقال : عمر النبي e كلها كانت في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج، ويقولون: هي من أفجر الفجور .
قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : وَإِنَّمَا اِعْتَمَرَ النَّبِيّ e هَذِهِ الْعُمْرَة فِي ذِي الْقَعْدَة لِفَضِيلَةِ هَذَا الشَّهْر ، وَلِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّة فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ مِنْ أَفْجَر الْفُجُور كَمَا سَبَقَ ، فَفَعَلَهُ e مَرَّات فِي هَذِهِ الْأَشْهُر لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي بَيَان جَوَازه فِيهَا ، وَأَبْلَغ فِي إِبْطَال مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِ . وَاَللَّه أَعْلَم