. هل مجمع الارواح فى الارض التى يرثها عبادي الصالحون
الحمد لله الذي أيقظ من شاء من سِنة الغفلة. ورفع من أحب لقاءه إلى عليين. ووضع عنه أوزاره وثقله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عليها من رداء الإخلاص حلّة. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بأشرف ملّة. المخصوص بأكرم خلّة.
وأما قول من قال إنها تجتمع في الأرض التي قال الله فيها
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون
فهذا إن كان قاله تفسير الآية فليس هو تفسيرا لها وقد اختلف الناس في الأرض المذكورة هنا
فقال ابن عباس هي أرض الجنة وهذا قول أكثر المفسرين وعن ابن عباس قول آخر أنها الدنيا التي فتحها الله على أمة محمد وهذا القول هو الصحيح
ونظيره قوله تعالى في سورة النور ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ))
وفي الصحيح عن النبي قال زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها
وقالت طائفة من المفسرين المراد بذلك أرض بيت المقدس وهي من الأرض التي أورثها الله عباده الصالحين وليست الآية مختصة بها
وأما قول من قال إن أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة وأرواح الكفار في سجين في الأرض السابعة
1-فهذا قول قد قاله جماعة من السلف والخلف ويدل عليه قول النبي اللهم الرفيق الأعلى
2- وفى حديث أبى هريرة أن الميت إذا خرجت روحه عر ج بها إلى السماء حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة التي فيها الله عز و جل
وتقدم قول أبى موسى أنها تصعد حتى تنتهي إلى العرش
وقول حذيفة أنها موقوفة عند الرحمن
وقول عبد الله بن عمر إن هذه الأرواح عند الله
وتقدم قول النبي أن أرواح الشهداء تأوي إلى قناديل تحت العرش
وتقدم حديث البراء بن عازب أنها تصعد من سماء إلى سماء ويشيعها من كل سماء مقربوها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة ....وفي لفظ ....إلى السماء التي فيها الله عز و جل
3-ولكن هذا لا يدل على استقرارها هناك بل يصعد بها إلى هناك للعرض على ربها فيقضى فيها أمره ويكتب كتابه من أهل عليين أو من أهل سجين ثم تعود إلى القبر للمسألة ثم ترجع إلى مقرها التي أودعت فيه فأرواح المؤمنين في عليين بحسب منازلهم وأرواح الكفار في سجين بحسب منازلهم
4-وأما قول من قال إن أرواح المؤمنين تجتمع ببئر زمزم فلا دليل
على هذا القول من كتاب ولا سنة يجب التسليم لها ولا قول صاحب يوثق به وليس بصحيح فإن تلك البئر لا تسع أرواح المؤمنين جميعهم وهو مخالف لما ثبت به السنة الصريحة من أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة
وبالجملة فهذا من أبطل الأقوال وأفسدها وهو أفسد من قول من قال أنها بالجابية فإن ذلك مكان متسع فضاء بخلاف البئر الضيقة
...... البرزخ وارواح المؤمنين
-وأما قول من قال إن أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت
فهذا مروى عن سلمان الفارسي والبرزخ هو الحاجز بين شيئين وكأن سلمان أراد بها في أرض بين الدنيا والآخرة مرسلة هناك تذهب حيث شاءت وهذا قول قوى.... فإنها قد فارقت الدنيا ولم تلج الآخرة
بل هي في برزخ بينهما ....فأرواح المؤمنين في برزخ واسع فيه الروح والريحان والنعيم
وأرواح الكفار في برزخ ضيق فيه الغم والعذاب
قال تعالى ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون
فالبرزخ هنا ما بين الدنيا والآخرة وأصله الحاجز بين الشيئين
...... وأما قول من قال إن أرواح المؤمنين عن يمين آدم وأرواح الكفار عن يساره
1-فلعمر الله لقد قال قولا يؤيده الحديث الصحيح وهو حديث الإسراء فان النبي رآهم كذلك ولكن لا يدل على تعادلهم في اليمين والشمال بل يكون هؤلاء عن يمينه في العلو والسعة وهؤلاء عن يساره في السفل والسجن
2-فإن قيل فإذا كانت أرواح أهل السعاده عن يمين آدم وآدم في السماء الدنيا وقد ثبت أن أرواح الشهداء في ظل العرش والعرش فوق السماء السابعة فكيف تكون عن يمينه وكيف يراها النبي هناك في السماء الدنيا فالجواب من وجوه
أحدها أنه لا يمتنع كونها عن يمينه في جهة العلو كما كانت أرواح الأشقياء عن يساره في جهة السفل
الثاني أنه غير ممتنع أن تعرض على النبي في سماء الدنيا وإن كان مستقرها فوق ذلك
الثالث أنه لم يخبر أنه رأى أرواح السعداء جميعا هناك بل قال فإذا عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ومعلوم قطعا أن روح إبراهيم وموسى فوق ذلك في السماء السادسة والسابعة وكذلك الرفيق الأعلى أرواحهم فوق ذلك وأرواح السعداء بعضها أعلى من بعض بحسب منازلهم كما أن أرواح الأشياء بعضها أسفل من بعض بحسب منازلهم والله أعلم
...... هل الارواح مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها
1- وأما قول أبى محمد بن حزم أن مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها
فهذا بناء منه على مذهبه الذي اختاره وهو أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد وهذا فيه قولان للناس
وجمهورهم على أن الأرواح خلقت بعد الأجساد
والذين قالوا أنها خلقت قبل الأجساد ليس معهم على ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع إلا ما فهموه من نصوص لا تدل على ذلك أو أحاديث لا تصح
كما احتج به أبو محمد بن حزم من قوله تعالى ((وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ))
وبقوله تعالى ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا))
في تفسير قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
فهناك الاثار التى ذكرها السلف من استخراج ذرية آدم من صلبه ثم أخذ الميثاق عليهم وردهم في صلبه وأنه أخرجهم مثل الذر وأنه سبحانه قسمهم إذ ذاك إلى شقي وسعيد وكتب آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وما يصيبهم من خير وشر ....
و الحمد لله رب العالمين اللهم صلى وسلم وبارك على الرسول الامين اللهم اغفر ورحم والداى وزوجتى والمؤمنين