تعال أخي المؤمن الموحد ننظر في حال المرأة قبل الإسلام ثم في حالها بعد الإسلام لنرى هل ظلم الإسلام المرأة أو أهانها؟ وهو الرد التفصيلي.
كان العرب في الجاهلية قبل الإسلام ينظرون إلى المرأة على أنها متاع من الأمتعة التي يمتلكونها مثل الأموال والبهائم ويتصرفون فيها كيفما شاءوا. وكان العرب لا يورثون المرأة ويرون أن ليس لها حق في الإرث وكانوا يقولون: لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة.
وكذلك لم يكن للمرأة على زوجها أي حق، وليس للطلاق عدد محدود، وليس لتعدد الزوجات عدد معين.
وكان العرب إذا مات الرجل وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره, فهو يعتبرها إرثاً كبقية أموال أبيه. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان الرجل إذا مات أبوه أو حموه, فهو أحق بامرأته إن شاء أمسكها, أو يحبسها حتى تفتدي بصداقها أو تموت فيذهب بمالها).
وقد كانت العدة للمرأة إذا مات زوجها سنة كاملة. وكانت المرأة تحد على زوجها أشد حداد وأقبحه, فتلبس شر ملابسها وتسكن شر الغرف، وتترك الزينة والطيب والطهارة، فلا تمس ماء، ولا تقلم ظفراً، ولا تزيل شعراً، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر وأنتن رائحة.
وكان عند العرب أنواع من الزيجات الفاسدة. منها اشتراك مجموعة من الرجال بالدخول على امرأة واحدة ثم إعطاءها حق الولد تلحقه بمن شاءت منهم. فتقول: إذا ولدت هو ولدك يا فلان، فيلحق به ويكون ولده.
ومنها نكاح الاستبضاع، وهو أن يرسل الرجل زوجته لرجل آخر من كبار القوم لكي تأتي بولد منه يتصف بصفات ذلك الكبير في قومه.
ومنها نكاح المتعة وهو المؤقت.
ومنها نكاح الشغار، وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو موليته لرجل آخر على أن يزوجه هو موليته بدون مهر، وذلك لأنهم يتعاملون على أن المرأة يمتلكونها كما يمتلكون السلعة.
كما كان العرب يكرهون البنات فيدفنونهن أحياء خشية العار كما يزعمون، وقد ذمهم الله وأنكر عليهم فقال: وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9].
هكذا كان حال المرأة في الجاهلية قبل الإسلام عند العرب وكان حالها مثله عند غير العرب كذلك. فكان اليهود مثلاً إذا حاضت المرأة لا يؤاكلونها ولا يجالسونها، وينصبون لها خيمة في وسط البيت، وكأنها نجاسة أو قذارة.
وكذلك كان حالها عند الشعوب الأخرى.
ولما جاء الإسلام ونزل القرآن رفع الله مكانة المرأة وأعزها وأكرمها، يقول أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام, وذكرهن الله، رأينا لهن بذلك علينا حقاً).
وتأمل يا عبد الله، لما جاء الإسلام لم يعتبر الإسلام المرأة مكروهة أو مهانة، كما كانت في الجاهلية، ولكنه قرر حقيقة تزيل عنها هذا الهوان، وهي أن المرأة قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق، وعليها أيضاً من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها. وعلى الرجل أن يكون وليها، يحوطها ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسبه.
ومن مظاهر تكريم المرأة في الإسلام أن ساواها بالرجل في أهلية الوجوب الأداء، وأثبت لها حقها في التصرف ومباشرة جميع الحقوق، كحق البيع والشراء والتملك وغير ذلك.
ولقد كرم الله المرأة حينما أخبر أنه خلقنا من ذكر وأنثى، وجعل ميزان التفاضل بيننا هو تقوى الله قال تعالى: ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]. وكذلك ذكرها الله مع الرجل فقال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35].
ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة أن اعتنى بشؤونها، ونبه على أمرها في القرآن والأحاديث، وقد أنزل الله سورة كاملة من السور الطوال باسم النساء (وهي سورة النساء) وقد تحدثت السورة عن أمور هامة تتعلق بالمرأة والأسرة والدولة والمجتمع.
الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبد.
وبعد:
فكذلك من مظاهر التكريم للمرأة تكريم الأم، فقد عظم الإسلام شأن الأم قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36]. وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23].
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: ((أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك)).
ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة عنايته بحقوق الزوجات، فلقد كان ما قاله في خطبته في حجة الوداع: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)).
بالإضافة إلى تلك المظاهر إعطاها الحرية في اختيار الزوج بالقيود الشرعية. فعن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها ـ يعني يزوجونها ـ أتستأمر أم لا؟ ـ يعني: هل تستأذن ـ فقال: ((نعم تستأمر، قالت فقلت له: إنها تستحي فقال صلى الله عليه وسلم: فذلك إذنها إذا هي سكتت)).
ومن مظاهر تكريم المرأة في الإسلام أن الإسلام حث على تربية البنات ورتب عليها أجراً عظيماً. قال صلى الله عليه وسلم: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه)) [رواه مسلم].
ولم يرد مثل هذا الحديث في تربية الذكور من الأولاد.
عباد الله، ولو أردنا تتبع مظاهر تكريم المرأة في الإسلام لطال بنا المقام، ولكن فيما ذكر كفاية، ولعل من أراد الاستزادة أن يرجع إلى كثير من الكتب التي ألفت في هذا الباب ليرى بعين بصيرته مدى التكريم الذي وصلت إليه المرأة في الإسلام.
وهنا إخوتي لا بد من وقفة وهي: أننا مع الأسف أصبحنا اليوم في وضع المدافع، ندافع عن ديننا، نريد أن ندفع عنه التهم التي يلصقها به أعداؤه، وهذا والله ضعف وخور حدث في الأمة بسبب ترك ما أمر الله به وهو الدعوة إلى الله. ولو أننا قمنا بواجب الدعوة إلى الله، وغزونا هؤلاء الكفار في عقر دارهم بدعوتنا وبينّا محاسن ديننا. وقمنا كذلك ببيان فساد دينهم الذي هم عليه. وأنهم قد ظلموا المرأة والرجل والطفل في تعاملهم، لو قمنا إخوة الإيمان بذلك، لما احتجنا أن ندافع عن ديننا لأننا أصحاب حق وصاحب الحق قوي بحقه. ولكن نحن اليوم بحاجة إلى إصلاح داخلي في ذواتنا وأنفسنا قبل أن نقوم بالإصلاح في الخارج والله المستعان.