( فإن كانت حاملاً فعدتها وضع جميع ما في بطنها ) .
أي : إذا مات عنها زوجها وهي حامل فعدتها وضع جميع حملها .
أ- لقوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
ب- ولحديث سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ (أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ ،وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً - فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ , وَهِيَ حَامِلٌ . فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ , فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا : تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ , فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - فَقَالَ لَهَا : مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً ؟ لَعَلَّكِ تُرَجِّينَ لِلنِّكَاحِ , وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْك أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ . قَالَتْ سُبَيْعَةُ : فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ : جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ , فَأَتَيْتُ رَسُولَ r فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي , وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي ) متفق عليه .
وفي رواية للبخاري ( فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ) متفق عليه .
عن أُم سَلَمَةَ قَالَتْ (إِنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَــاةِ زَوْجِـهَـا بِلَيَالٍ وَإِنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُـولِ اللَّهِ e فَأَمَـرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ). متفق عليه
( نُفست : أي ولدت ) .
عن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَجَاءَتِ النَّبِيَّ e فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ). رواه البخاري
قال النووي : أَخَذَ بِهَذَا جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف فَقَالُوا : عِدَّة الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِوَضْعِ الْحَمْل ، حَتَّى لَوْ وَضَعَتْ بَعْد مَوْت زَوْجهَا بِلَحْظَةٍ قَبْل غَسْله اِنْقَضَتْ عِدَّتهَا وَحَلَّتْ فِي الْحَال لِلْأَزْوَاجِ . هَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد .
وقال الحافظ ابن حجر : قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار ، أن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة .
قال النووي : وهو مخصوص ، لعموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ، ومبين أن قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) عام في المطلقة المتوفى عنها، وأنه على عمومه .
وذهب بعض العلماء : إلى أنها تعتد بأقصى الأجلين ، وهو قول ابن عباس وجماعة .
قال الحافظ : ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر ، تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع ، وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع .
مثال على هذا القول : رجل مات وزوجته حامل في الشهر الأول : عدتها : وضع الحمل .
مات عنها وهي في الشهر السابع ، فعدتها – على هذا القول – أربعة أشهر وعشراً .
والراجح القول الأول وهو قول الجمهور
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يجوز لها أن تنكح ولو لم تطهر من دم النفاس .
لدلالة ألفاظ الحديث عليه .ففي رواية : ( فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ) .
وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى (يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ) فعلق الحل بحين الوضع وقصره عليه، ولم يقل إذا طهرت، ولا إذا انقطع دمك.
لكن لا يطؤها زوجها حتى تطهر من نفاسها وتغتسل .
قَالَ اَلزُّهْرِيُّ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَزَوَّجَ وَهِيَ فِي دَمِهَا, غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حتَّى تَطْهُرَ .
وذهب بعض العلماء إلى أنها لا تنكح حتى تطهر ، لقوله في الحديث : ( فلما تعلت من نفاسها ) ومعناه : طهرت .
والراجح قول الجمهور .
وأما الجواب عن فعلها : ( فلما تعلت من نفاسها ) :
قال النووي : هذا إخبار عن وقت سؤالها ، ولا حجة فيه ، وإنما الحجة في قول النبي : أنها حلت حين وضعت ، ولم يعلل بالطهر من النفاس .
وقال القرطبي : وقول ابن شهاب : فلا باس أن تتزوَّج حين وضعت ، وإن كانت في دمها ، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر ؛ هذا مذهب الجمهور .