المس العاشق!
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده صل الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المس العاشق!
بعضنا يعتبر المس العاشق شبحا مرعبا! وخاصة الأخوات.
وبعضنا يجعله شيطان ضعيفا رغم كل المضايقات.
والمس كلمة تطلق على إيذاء الجن للإنسان من دخل الجسد وخارجه بتكليف (أي بسحر) أو بدون تكليف.
والعاشق كلمة تبين سبب الاعتداء، وعشق أحد الشياطين لأحد البشر لا يتعارض مع كرهه لبني آدم أجمعين، فعشق الشيطان لن يكون خالصا لله تعالى كما هو معلوم وإنما جزء من خبثه ورجسه أسأل الله السلامة لي وللناس أجمعين.
وعشق الجن للإنس ينتج عن كثرة المراقبة والاهتمام فإذا اهتم العاشق بالجسد انحرف بلذة الاستمتاع، وإذا اهتم بالروح تودد بخبث ودهاء وسارع لتلبية الرغبات. (المقصود بالروح أي العادات والطباع والاهتمامات).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: الاستمتاع بالشيء هو أن يتمتع به، ينال به ما يطلبه ويريده ويهواه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى عن الجن: فما كان من صرعهم للإنس بسبب الشهوة والهوى والعشق فهو من الفواحش التي حرمها الله تعالى، كما حرم ذلك على الإنس وإن كان برضى الآخر، فكيف إذا كان مع كراهته فأنها فاحشة وظلم! ، والله المستعان. انتهى
ولتصحيح بعض الأفهام ليس كل معتدي من الجن جنسيا على المريض عاشقا، فمثل تلك الاعتداءات قد تحدث من كل جني أو شيطان على حسب الرغبة والاهتمام وسبب الاقتران.
والاعتداءات الجنسية تقع بكثرة من الجن على الإنسان لعدة أسباب وهي:
1-الغفلة والعجب بالنفس.
2-المس العاشق.
3-سحر التهييج والفضيحة.
4-سحر تلبية الرغبة.
أولا- الغفلة والعُجب بالنفس.
الغفلة مرض فتاك يقسي قلب الإنسان فيجعله يتلذذ بالمعاصي والشهوات كما يتلذذ المتقين بعبادة الرحمن وشتان بينهما.
وقال أحمد بن خضرويه: لا نوم أثقل من الغفلة ولا رق أملك من الشهوة، ولولا ثقل الغفلة عليك لما ظفرت بك الشهوة. انتهى
والعُجبُ آفة لا ترحم صاحبها فلا يزال المرء يعجب بنفسه حتى يهوي إلى قعر جهنم أعاذني الله إياكم منها.
وأقصد بالعُجب أي بجمال الجسد الذي يدفع صاحبه إلى إظهار المفاتن وكثرة النظر إليها وإطالة الوقوف أمام المرآة والأخيرة من علامات العُجب بالنفس ومدخلا من مداخل الشيطان.
والغفلة والعُجب من الأسباب الرئيسية لمس الجن للإنسان والاعتداء عليه بكافة أنواع الاعتداءات إلى أن العٌجب يعرض صاحبه للاعتداءات الجنسية أكثر من غيره والله تعالى أعلم.
ثانيا- المس العاشق.
هو جني يمس الإنسي من الخارج أو الداخل وتكون الاعتداءات الجنسية غالبة على أفعاله من غيرها ويتبين هذا من الأعراض التي يشتكي منها المرضى والله أعلم.
ينقسم المس العاشق الى قسمين:
1- عاشق الجسد.
2- عاشق الروح.
اما عاشق الجسد:
فيشتكي الممسوس من كثرة الاعتداءات الجنسية في أي وقت وأي مكان، وتحدث هذه الاعتداءات بطريقة عادية أو همجية، ولا يهتم الجني لحالة المريض النفسية ولا يهتم أن يستقطب المريض ليجعله يبادله العشق ولا يهتم إلا لإشباع رغباته، وإرضاء شهواته.
وأما عاشق الروح:
فيتودد الجني للإنسي بكل الطرق المتاحة لجعل الإنسي يبادله نفس الشعور.
وقد يأتي في المنام على شكل الزوج/ة او الحبيب/ة او الخطيب/ة لينال مراده برضا المريض/ة وكامل وإرادته/ا والله المستعان.
وقد يرى النائم انه يتزوج كثيرا في المنام.
وقد ترى النائمة انه تقابل أهل العريس في اماكن غريبة ولهم اشكال غريبة ونظرات حاقدة مخيفة.
وقد يساعد الجني الإنسي في حياته العملية والعلمية فقد يعينه على رفع الاشياء او يدافع عنه إذا احتاج الأمر لذلك، وقد يعينه على الصلوات بزعمه ووقع الكثير من الناس فريسة سهلة لألاعيب الشيطان المتأسلم. والله المستعان.
ومن وقع في ألاعيبهم وأعمته الشهوة ورضي بأفعالهم واستمتع بقواهم مثواه النار كما قال ربنا تبارك وتعالى: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ** الأنعام 128
ثالثا- سحر التهييج:
المقصود من هذا السحر إذلال المسحور من خلال تلويث شرف المريض وسمعته عن طريق السحر الذي يتكلف به شيطان مريد والله اعلم، يقوم بتهييج المسحور عبر التلاعب في الغدد الداخلية المسئولة عن التحكم في الشهوة مما يجعل المسحور يتخبط في المشاعر ويتلهف لقضاء حاجته.
وقد يتم تهييج المشاعر عبر تلاعب الشيطان في عقل المسحور بعرض صور مخلة وإلقاء الأماني في قلبه ويدفعه لقضاء حاجته بأي وسيلة كانت.
ويشتكي المصاب بهذا السحر ببعض أعراض السحر المعروفة أو كلها، بل ويزداد عليها الحكة في جميع الجسد أو أماكن معينة يتحرج المريض من حكها أمام الناس.
وكل هذا يحدث لكي يخرج المسحور من الحشمة والعفاف ليقع في الرذيلة والفساد. والله خير حافظا
وقد يشتكي المصاب من شك الآخرين في عفته وطهارته فكلها مشاعر كاذبة يلقيها الشيطان في روع الإنسان والله المستعان.
يعقد هذا السحر غالبا بأثر المريض وسحر والمجسمات وسحر المعدة وهذا ليس للحصر والله أعلى وأعلم.
رابعا- سحر تلبية الرغبات
يشتكي المصاب بهذا السحر بكل إعراض السحر أو بعضها مع أعراض سحر التهييج المذكورة أنفا مع إضافة صورة طالب السحر أو الساحر إلى مخيلة المسحور.
أي إذا حدث اعتداء جنسيا على المسحور في المنام أو اليقظة يرى أو ترى المسحورة الذي يعتدي عليها بصورته المعروفة في الحقيقة (الجار او القريب ... إلخ) وقد يكون سبق له انه تحرش بها أو أبدى لها اعجابه بطريقة ما والله اعلم، وربما يعرض الشيطان صورة أي إنسان لإيقاع الفتنة والعداوة بينهم فألاعيب الشيطان لا تنتهي.
ومن المسحورين من يرى صورة فاعل السحر في كل مكان وبأشكال وصور مختلفة ومخلة.
وكل هذا يحدث حتى يستدرج الشيطان المسحور/ة للوقوع في الفاحشة مع طالب السحر الذي أعمته شهواته ورغباته وعصى الرحمن واتبع الشيطان.
وعلاج كل ما سبق يتلخص في التمسك بحبل الله تعالى وكثرة الذكر والاستغفار والمداومة على الأذكار التحصينية والرقية الشرعية.
ولو قرأ المؤمن الفاتحة بتوكل ويقين على نفسه أو غيره سيحصل الشفاء من أي مرض كان بإذن الله تعالى.
.................................................. ..
وننبه أن الاعتداءات الجنسية التي تقع من الجن على الإنس لا ينتج عنها فقدان العذرية إلا بحالتين:
إحداهما: بدفع المسحورة إلى فض بكارتها بنفسها من كثرة وسوسة الشيطان لها واثارتها جنسيا من داخل الجسد.
والثانية: يتمثل الجني على هيئة إنسي يراه الجميع كما حدث في حديث أبي هريرة وحديث أُبي ابن كعب رضي الله عنهما وجميع الصحابة الكرام عندما تمثل الشيطان في صورة إنسي وكان يسرق من التمر وأمسكا به.
وتمثل الشيطان بهذه الصورة ثبت في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يثبت بعده ولا أنكر حدوثه في هذا الزمان ولو حدث وتمثل الجني كإنسي لفتاة ليجامعها فلن يحدث إلا بموافقتها وإرادتها والله تعالى أعلى وأعلم، وقيل أن هذا حدث لبعض الساحرات ولا أعلم صحة الخبر.
ولا ينبغي لشيطان داخل الجسد ويجري منه مجرى الدم أن يفض بكارة فتاة بنفسه من الخارج وما تشعر به بعض الأخوات من تحرشات وآلام في منطقة العانة وغيرها ما هي إلا تلاعبا من الشيطان في مركز الشعور والغدد الداخلية كما يتلاعب أحيانا ببعض المصابين و يُشعرهم بخدلان أو حرارة أو نخز في بعض المناطق دون غيرها.
أما عن حدوث الحمل بين الجن والإنس فهذا تكلم فيه قلة من أهل العلم وقالوا بحصول هذا، ولكن حصول الحمل بين الجنسين ليس ممكنا عقلا ولم يثبت نقلا!
أما عقلا فالجن خلقوا من نار والإنس من طين أي يوجد اختلاف في أصل الخلقة وتركيبة الجسد والجينات.
ولو التقى قردا مع انسية والعكس فلن يحدث بينهما ولدا مع إن القرود خلقت من طين وأقرب الحيوانات للإنسان شكلا وأعضاء فكيف ينبغي هذا لمن خلق من نار مع من خلق من طين؟
أما نقلا:
فلم يثبت أي حديث ولا أثر صحيح يثبت حصول الحمل بين الجن والإنس وكل ما يستشهد به في هذه المسألة من الإسرائيليات والموضوعات.
بل وثبت في القرآن الكريم ما ينفي حدوث الولد بين جنسين مختلفين وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً** النساء 1
قال ربنا عز وجل (من نفس واحدة) أي من آدم عليه السلام ثم قال تعالى (وخلق منها زوجها) أي خلق من آدم حواء عليهما السلام وبث الله تعالى منهما رجالا كثيرا ونساء فالآية الكريمة تدل على حصر الزوجة والذرية في نفس واحدة وأصل واحد وأصل البشر آدم عليه السلام.
أما أصل الجن ففيه اختلاف بين أهل العلم فمنهم من قال إبليس أصل الجن ومنهم من قال الجان والراجح عند من تلقيت منهم العلم من قبلي أن إبليس أصل الجن وأبوهم.
وأخيرا البينة على من ادعى ومن قال بإمكانية حصول الولد بين الجن والإنس عليه أن يأتي بالدليل ولن يأتي والله أعلى وأعلم.
الخلاصة:
مما سبق يتبين لنا أن كل جني يستطيع الإعتداء جنسيا على الإنسية وكل جنية تستطيع الإعتداء جنسيا على الإنسي وكله بإذن الله.
ويتبين لنا أيضا أنه ليس كل اعتداء جنسي في المنام أو اليقظة يصنف بمس عاشق.
ويتبين لنا أن التقاء الجن مع الإنس لا ينتج عنه الولد.
ويتبين لنا أنه لا خطر على عذرية الأخوات من الجن إلا في الحلات السابقة الذكر بإذن الله.
ويتم علاج المس العاشق بالرقية الشرعية ولا داعي لتهويل أمره وزيادة الكلام فيه فالشيطان سيبقى شيطانا وكلام الله تعالى علاجا للروح والأبدان وفاتحة الكتاب تكفي لعلاج أي مرض بإذن الله ولكن بالتوكل والخشوع واليقين والثقة بالله مسبب الأسباب.
وهذا ما أعلم والله جل وعلا أعلى وأعلم.
وأسأل الله جل في علاه أن يشفي مرضانا ومرضا المسلمين ويحفظنا جميعا بحفظه ويعفوا عنا ويغفر لنا ويدخلنا أعلى الجنان مع النبي العدنان وصحبه الكرام اللهم أمين.
كتبه فضيلة الشيخ أبو أحمد قنديل حفظهم الله
غفر الله له ولوالديه