ولا ريب أن ماكانت عليه المرأة قبل هذا الربع الأخير من الزمن هو اللباس الشرعي، فقد أمر الله المؤمنه بضرب الخمار على الجيب فقال: » وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ “[النور:31]، وقد دل هذا على أن الخمار لم يشرعه الله ليجعل فوق الجلباب كما يفعل بعضهن، ولكن تحته سترة للجيب وهو فتحتة الصدر من جهة العنق من الرأس، فعن الحارث ابن الغامدي قال: » قلت لأبي: ماهذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم، قال:فنزلنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به وهم يردون عليه ويؤذونه، حتى انتصف النهار وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تحمل قدحا ومنديلا، فتناوله منها وشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه وقال: يابنيّة! خمري عليك نحرك، ولاتخافي على أبيك، قلنا :منهذه؟ قالوا:زينب بنته)) أخرجه الطبراني وهو صحيح.
ومما يدل على أن الخمار لايكون فوق الجلباب وإنما يلاصق نحر المرأة بحيث أنها لو خلعته لبرز عنقها,
مارواه مسلم أن عائشة رضي الله عنها لمّا أخذها أخوها عبد الرحمان لعمرتها من التنعيم قالت(فأردفني خلفه على جمل له، قالت:: فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضربُ رجلي بعِلّة الراحلة، قلت له: وهل ترى من أحد…؟!)) ومعناه أنها لما كانت وحدها كشفت بعض خمارها فجعل أخوها يضرب رجلها بعود غيرة عليها أن يظهر عنقها لأجنبي.
وتلبس المرأة درعا تحت جلبابها يمنع وصف جسمها وتحجيمه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال( كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبطيّة كثيفة كانت مما اهداها دِحية الكلبيّ، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك لم تلبس القبطية؟قالت: يارسول الله! كسوتها امرأتي، فقل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرها فلتجعل تحتها غلالة، إني أخاف أن تصف حجم عظامها)) رواه أحمد وهو حسن.
وتلبس المرأة إذا خرجت فوق ذلك جلبابا يشمل جسمها كله، قال الله تعالى: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ” [الأحزاب:59]
الجلباب ينزل من الرأس لا من الكتفين:*
أما كونه يُلبس من فوق أي: ينزل من الرأس لاالكتفين فدليله قوله عز وجل من هذه الآية: »يدنين عليهن من جلابيبهن” ، لأن كلمة (على) تدل على الفوقية، قال سعيد بن جبير رحمه الله: »لايحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رها رأسها ونحرها)).
الجلباب ماشمل الجسم:*
وأما كون الجلباب يشمل الجسم فيدل عليه لفظه اللغوي الذي جاء به القرآن”جلابيبهن”، قال ابن عباس: »الجلباب الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل)) نقله عنه القاسمي في ((محاسن التأويل)) عند هذه الآية، وكذلك الألوسي في ((تفسيره))، وقال ابن حزم في ((المحلي))(والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ماغطى جميع الجسم لابعضه)).
وقال البغوي في ((معالم التنزيل)): ((وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الردع والخمار))، وقال القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن))(والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن)).
وينبغي التنبه لوجوب تغطية المرأة قدميها، وأنهما من الجسم الذي يجب أن يعمه الجلباب، والدليل على ذلك مارواه ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة:فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعا ولا يزدن عليه)) رواه الترميذي وصححه الألباني ، ورواه البيهقي وقال(وفي هذا دليل على وجوب ستر المرأة قدميها))،بل لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مافي التكشف من تنجس خلقي فعفا عن بعض النجاسة المادية بالنظر إلى النجاسة المعنوية الخلقية، فجوّز للمرأة أن تمر بذيل جلبابها على الأرض النجسة الذي يطهر بعض الشيء بالمرور بعدها على الأرض الطاهرة، فعن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت( إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره مابعده)) رواه أبو داود وصححه الألباني.