اللهم إنك عفوٌ تحب العفوَ فاعفُ عني: تعليمُ أفضلِ الخلق لأَحَبِّ أزواجه
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتم رسل الله
أمّا بعد
تتعلَّق القلوبُ بليلة القَدْرِ للدعاء والرجاء، ولٰكنّ التفاوتَ في المتعلَّقاتِ أبعد مما بين الأرض والسماء!
وفيما يلي تنبيه إلىٰ هٰذا، نستفيده مِن العلامة ابن باديس -رَحِمَهُ اللهُ- في تعليقه علىٰ حديثِ عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- المشهور:
قَالَتْ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
«قُولِي: اللَّهُمَّ! إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ؛ فَاعْفُ عَنِّي».
رواه الإمام الترمذي وغيرُه وصححه أبي –رَحِمَهُم اللهُ-؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3337).
فقال –أعني الشيخ ابن باديس رَحِمَهُ اللهُ-:
"ليلةُ القَدْرِ مِن أوقاتِ الاستجابةِ، فينبغي للمؤمنِ أن يُكثِرَ فيها مِن الدعاء، ولهٰذا سألتْ عائشةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْها- عن صيغةٍ تَدْعو بها تلك الليلة، وقد بيَّن رسولُ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِزَوجِه الكريمةِ عليه صيغةَ الدعاء، فيتعيَّن أنْ يُكرِّرَ المسلمُ هٰذا الدعاء ليلة القدر، وأن يُفَضِّلَه علىٰ ماسواه؛ لأنه لَفظُ أفضلِ الخلقِ الذي عَلَّمه لأَحَبِّ زوجاتِه.
ثم هٰذا يؤكِّد ما قَدّمناه مِن أنّ ليلةَ القدر تُراد لِلدِّين لا للدُّنيا. وكثيرٌ مِن العوامِّ يَتمنىٰ لو يَعلم ليلةَ القدْرِ لِيَطلب بها دنياه، فلْيتُبْ إلى اللهِ مَن وَقَع له هٰذا الخاطرُ السِّيئ؛ فإنّ الله يقول في كتابه العزيز:
**مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ** (الشورىٰ: 20).
وكثيرٌ مِن العوامِّ يَعتقدون في بعض البيوتات الغَنيّة أنّ مؤسِّسَ ذٰلك البيت رأىٰ ليلةَ القدر، فَسَألَ اللهَ أن يَجعل مالَه ونَسلَه خيرًا مِن مالِ الناسِ ونَسْلِهم، فكان ذٰلك. ثم يَجعلون هٰذه الميزةَ الدُّنيويةَ دليلاً على ولايةِ ذٰلك الداعي وصلاح ذريتِه.
وحديثُ عائشة –رَضِيَ اللهُ عَنْها- وآيةُ **مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ** وما في معنى ذٰلك مِن الآيات والآثار- شاهدةٌ بِفَساد ذٰلك الاعتقاد، وضلالِ تلك الأفكار، وأنّ الفَرْقَ بين التَّقيِّ والفاجر هو الإقبالُ على الآخرة أو الإقبالُ على الدنيا.
ولسنا نُنْكِر علىٰ مَن يَطلب الدُّنيا بأسبابها التي جعلها اللهُ تعالىٰ، وإنما نُنْكِر علىٰ مَن يكون هَمُّه الدنيا دون الآخرة، حتىٰ أنه يترصَّد ليلةَ القَدْرِ لِيَطلب فيها الدنيا غافِلاً عنِ الآخرة، ثم يعتقد أنّ مَن نال ثروةً دنيوية بغيرِ أسبابٍ ظاهرةٍ لديه، فإنما ذلك لولايته ودعائه ليلةَ القدر" اﻫ مِن "مجالس التذكير من حديث البشير النذير" ص211 و212.
وختامًا؛ قال الوالد رَحِمَهُ اللهُ:
"ثبت عن عائشة أنها قالت:
"لَوْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيلةٍ لَيلةُ القَدْرِ؛ لَكانَ أَكْثَرَ دُعَائِي فِيْهَا أَنْ أَسْأَلَ اللهَ العَفْوَ والعَافِيَة".
رواه النسائي (878)، والبيهقي في "الشعب" (3702) مِن طريقَين عنها" اﻫ مِن "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ ق2/ 1011).
***
رمضان 1432
- سُكَينة بنت محمد ناصر الدين الألبانية في 8/24/2011