گيف نفرق بين التشهير وگشف المفاسد؟
متى يكون التشهير سبا وقذفا وظلما ورميا للناس بالبهتان والزور؟ هل هناك أسس شرعية للتشهير؟ وهل يمكن أن يستند من يشهر بالآخرين إلى مسببات شرعية؟ خاصة إذا كان المشهر به يستحق التشهير به؟ وكيف نفرق بين التشهير وكشف المفاسد؟
إن التشهير هو فضح أحد أو بعض الأشخاص على الملأ مما يسبب لهم منقصة ويجعل الناس ينفضون من حول من يتم التشهير به وعدم الثقة فيه فتشيع لدى الطرف الآخر شهوة التشفي ورغبة الانتقام، وذلك كله بسبب السعي إلى الحصول على مصالح أو تحقيق مغانم وغالبا ما تكون هذه المغانم وتلك المصالح دنيوية. ولذلك يرى العلماء أن التشهير بالغير لون من ألوان الغيبة كما أنه نشر للفساد في المجتمع، حيث يشيع التشاؤم ويحمل الناس على التشكيك في الآخرين.
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من التشهير بقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم) أي أن هذا الشخص هو الذي يتسبب في إهلاكهم بهذا القول أو أنه يكون هو الهالك ويرمي الناس بنقيصته. وكذلك يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من تعيير الناس بالذنوب فيقول: (من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله). فالسنة النبوية حذرت من التشهير أو تعيير أصحاب الذنوب والنقائص حتى ولو كانت متحققة في الشخص الذي يرمى بها.
فقد جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشارب خمر فأمر عليه الصلاة والسلام بعقوبته فقال له بعض أصحابه: فاسق أخزاك الله. فحذرهم صلى الله عليه وسلم من هذا القول بالرغم من أن الفسق متحقق في شارب الخمر ولكن الرسول أراد أن مثل هذا القول جعل من صاحبه عونا للشيطان على نشر الفساد بين الناس.
فالله عز وجل جعل ذات المسلم كذات أخيه فأي إساءة تصدر عن البعض إلى الآخرين تكون مردودة على من أساء بها وصدق الله العظيم حيث يقول: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون (11)** [الحجرات]. كما اعتبر الإسلام كرامة الغير من كرامة النفس، فالجميع متساوون في أنهم خلق الله وأنهم بنو الإنسان لذلك لا بد أن يتعامل الإنسان مع الغير كما يتعامل مع ذات نفسه فإن وعى ذلك جيدا فلا يمكن أن يقوم على التشهير بالغير مطلقا.
إن الغاية من الإسلام هي نشر الفضيلة والأخلاق بين الناس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فالأعمال بثمرتها لا بأدائها. ويقول عليه الصلاة والسلام: (رب قائم لا ينال من قيامه إلا السهر ورب صائم لا ينال من صيامه إلا الجوع والعطش) ويقول: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). كما يقول: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له).
ومن لم يتق الله في الناس وفي الإساءة إليهم أو تتبع عوراتهم لا بد أن يفضحه الله وإن صام وإن صلى وإن حج فإذا لم يفضح أمام الناس يفضح في جوف بيته ويشير الحديث النبوي إلى ذلك: (من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته). فالذين يشهرون بالناس بعيدون كل البعد عن الفهم الصحيح للإسلام وتعاليمه وهديه، فالحديث النبوي يشير إلى ما يجب أن يكون عليه المسلم من الخلق فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة) فليس من باب النصيحة الطعن في الفاسقين المجاهرين بفسقهم وفسادهم. وإنما البدء بنصح وإرشاد هؤلاء ودعوتهم إلى الحق والصواب.
وإن أهم الأسباب التي تدفع الإنسان إلى التشهير بغيره من الناس هو ضعف الإيمان وعدم اليقين فيما عند الله وخاصة في مسألة الرزق والأقدار التي قدرها الله تعالى لكل إنسان على وجه الأرض. وكذلك الابتعاد عن تعاليم الإسلام التي تلزم الإنسان باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه خاصة في مجال العبادات والعلاقات الإنسانية ويرى علم النفس أن الشخصية التي تشهر بزملاء في العمل أو بمنافسين شخصية سيكوباتية تعمل ضد القيم الاجتماعية والأخلاقية لأنها تعاني من بعض العقد النفسية وبما تكونت منذ الطفولة نتيجة أساليب تربوية خاطئة أدت إلى الشعور بالنقص والدونية أمام الآخرين، وبأنه أقل منهم جهدا وخبرة وعملا وإخلاصا ويعتقد أنه لو فعل ذلك وشهر بغيره أو بمنافسه استطاع أن يكسب الأصوات. ولا يعلم أنه بذلك يكون قد خسر نفسه لأنه بهذا العمل شوه سمعة وسيرة من يشهر بهم وقد يكونوا أبرياء.
إن التشهير بالآخرين بغير حق هو جريمة من الجرائم، فالذين يشهرون بالناس يغضب الله عليهم، ويكونوا عن الناس مذمومين خاصة إذا كان المشهر به مظلوما وبريئا وليس فيه ما ادعاه المشهر زورا وظلما، وبغير الجانب الأخلاقي والإيماني والعقائدي لا تعالج هذه القضية لأنها تتعلق بالضمير.
في نفس الوقت يجب على المسلم أن يبتعد عن مواطن التشهير به بأن يبتعد عن الشبهات وأن يسير في عمله بما يرضى الله وأن يكون واضحا ولا يظلم الآخرين، وأن يعطى كل ذي حق حقه حتى لا يسلم نفسه وسيرته إلى ألسنة حداد ففي الحديث: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) فنحن مطالبون بقطع الطرق الموصلة للشيطان أو التي تضع الإنسان موضع الشكوك أو الظنون. كما أننا مطالبون بحسن الظن بالناس لا أن نشهر بهم بغير حق أو دليل. وعلى المدرسة تربية النشء على القيم والأخلاق الفاضلة التي تحث على الصدق والمصارحة والعفو عن المسيء وقبول الأعذار والرحمة والإيثار إلى آخر القيم التي نادى بها الإسلام وتعاليمه السمحة، وكذلك التوعية بخطورة مثل هذا التصرف وضرورة الابتعاد عنه حتى لا تشيع الفوضى وتكثر الخلافات ويتفرق أفراد المجتمع، وخوفا من الله وابتغاء ثوابه.
د. محمد سالم