بين شهادة المرأة وخَبَرها
د. قيس آل الشيخ مبارك ?
تفرِّقُ الشريعة الإسلامية بين الخبر وبين الشهادة، فتَقْبَلُ في الأخبار ما يرويه الواحد، ولا تقبل في الشهادات إلا ما يرويه رجلان اثنان أو رجلٌ وامرأتان .
ففي رواية الأخبار المرأة والرجل سواسية، فقد جعلت الشريعة الإسلامية خَبَرَ المرأة بمنزلة خبر الرجل، وسواءٌ في ذلك أن تنقل المرأةُ خبراً عن أحدٍ من الناس أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فوزن رواية المرأة مساوٍ لِوزن رواية الرجل، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رحمه الله ( أقبلُ في الحديثِ الواحدَ والمرأةَ، ولا أقبلُ واحداً منهما وَحْدَهُ في الشهادة).
ومن أجل ذلك نجد الكثير من الأحاديث تحمل في سندها أسماء كثير من النِّساء الصحابيات ومِمَّن جاء بعدهن من نساء التابعين ومَن بعدهن، ويُشترط في المرأة لِصحَّة السند ما يشترط في الرجل بلا تفرقة بينهما، قال القاضي أبو الوليد الباجي (وإذا كان من باب الخبر، فيجبُ أن يُقبلَ قولُ المرأة الواحدة في كل شيء) .
أما الشهادة فالأمر فيها مختلف، حيث فرَّقت الشريعة بين شهادة المرأة وبين شهادة الرجل، فاعتبرت شهادة الرجل أقوى من شهادة المرأة في كثير من المواضع، وجعلت شهادة المرأة أقوى من شهادة الرجل في مواضع أخرى كالأحوال التي لا يطَّلعُ عليها الرجال غالباً، وكاللتي لا يلتفتُ إليها الرجال كالرضاعة، فالمصلحة هنا تقديم شهادة المرأة على شهادة الرجل في الرضاعة.
فالجنايات وما جرى مجراها من الجراح لم يَقبل الشرعُ فيها شهادة المرأة، لا انتقاصاً لها، وإنما من باب الاحتياط في النُّفوس، فالحكم في الجنايات يجب أن يُحتاط فيه، فلا نَقضي إلا بالبيِّنات الواضحات، وقد أعطى الله المرأةَ من العطف والحنان ما قد يحول بينها وبين الحكم بما يؤذي غيرَها، وربَّما غَلَبَتْها عاطفةُ القرابة والرَّحم، فكلُّنا يعلم أن نزاعاً يقع بين طفلين لأختين شقيقتين سيترتَّبُ عليه أن تَحكمَ كلُّ واحدة منهما لِوَلَدِها، لِغَلَبَة عاطفة الأمومة، ولن تحكم عليه، ولنا أن نضيف إلى هذا أن المرأةَ عادةً لا تملك من الجسارة ما يجعلها تنظر إلى واقعةٍ جنائية من جريمةٍ قتل أو غيرها، ثم تقف وَتشهد المشهد بكامل تفاصيله.
فليس الشأن في شريعةٍ تقوم على رَعْيِ حقوق الناس أن تتساهل في الدلائل والبيِّنات لإثبات الحقوق.
فإذا كانت شهادة الرجل أضعف من شهادة المرأة في الرضاعة، فإن شهادتها أضعف في الأمور الماليَّة، فقد الْتَفَتَت الشريعة إلى معانٍ سامية كما قال الإمام المازري رحمه الله في إثبات الحقوق وفي ردِّ الظُّلامات، فالمرأةُ لا تميل بحكم فطرتها الى خوض غمار التجارة، ولا يستهويها الدخول في عالَم المال والاقتصاد، فكان من مقتضى المصلحة أن تشهد في الأمور المالية امرأتان .
والملاحظ أن دخول المرأة في عالَم المال ضعيفٌ جداً أمام الرجال، كما أن الحال في المجتمعات الغربية فإن المرأة والرجل أنهما شريكان كذلك في التكاليف الماليَّة وتوفير احتياجات المنزل من أثاث وغيره، وهذا يفرض على المرأة أن تخرج للعمل لمشاركة زوجها في توفير المال .
ورغم هذا الوضع الذي يُتَوقَّع أن يُفضي إلى أن يكون للمرأة حضور ملحوظ في عالم المال والسياسة، فالطريق معبَّد للجميع حيث استوى فيه حال المرأة بحال الرجل، ورغم ذلك فإنا لا نجد من النِّساء التفاتاً إلى التجارة، فنسبتهن لا تكاد تصل إلى خمسة في المِائة من نسبة الرجال، والذي أعنيه بنسبتهنَّ كصاحبات رأس مال، ولست أعني نسبتهن كوسيلة دعاية للتسويق، ولا سلعة للربح كدُمـيـة تنشر عليها عروض الأزياء والرشاقة، ولا كبضاعة للمتاجرة بِـحُـسنها وجمالها، وربَّما كانت في عالَم السياسة تقارب تلك النسبة .
وهكذا رَعَتْ شريعة الإسلام مصالح الناس، ففرَّقت بين الشهادة والخبر لاختلاف الآثار المترتِّبة على كل واحد منهما.?
أستاذ الفقه بجامعة الملك فيصل
المصدر صحيفة عكاظ الخميس 10 شعبان 1428هـ الموافق 23 اغسطس 2007م العدد 14971