،،،،،،
وأختم هذا الكتاب بقصة أقدمها للاخوة من أهل الاختصاص في الطب العضوي والنفسي آملا أن تحضى بالدراسة والبحث للوقوف على حقيقة الأمراض الروحية وأثرها وتأثيراتها سائلاً المولى عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في العمل والعمل الصالح وحسن الخاتمة 0
والقصة لفتاة خليجية في الثامنة عشر من عمرها ابتليت بمرض روحي وكانت تسكن في منزل الأسرة المكون من الأم والاخوة وزوجة الأخ مع أطفالهم ، وقد أشرفت زوجة الأخ - والتي تحضر الآن رسالة الدكتوراة في ( الفقه الإسلامي ) - محتسبة الأجر عند الله سبحانه وتعالى على علاج الفتاة ، وكتبت القصة التي تعبر عن وصف كامل ودقيق للمعاناة التي عاشتها ، وبودي أن توضع القصة تحت منظار البحث والدراسة العلمية من قبل الإخوة من أهل الاختصاص في الطب العضوي والنفسي كي يعلموا حقيقة المرض الذي أصاب الفتاة ، ولنخرج بخلاصة تخدم الطب من جهة ويكون في نتيجتها فائدة ومصلحة للإسلام والمسلمين ، تقول الأخت الفاضلة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وأصحابه الطييبين الطاهرين وبعد : …
فهذه قصة فتاة ابتليت بمس من الجن ، وقد عايشت القصة لحظة بلحظة، ولو نُقِلت ليَّ أحداث تلك القصة لكنت أول المكذبين بها ، ليس ذلك لأني أنكر صرع الجن للإنس ، حاشى لله أن أعتنق أو أفكر بذلك ، بل لأن الاعتقاد السائد عندي أن صرع الجن للإنس لا يتجاوز تخبط الإنسان وتغييبه عن الوعي ، أو إيذائه في جسده بالأمراض والأسقام التي لم ولن يجد لها الطب في القديم والحديث تفسيراً أو علاجاً في كثير من الأحيان ، أما التشكل والظهور والتحدث مع المصاب وتحريك الأشياء وغير ذلك من الأحداث التي رأيتها وعاينتها بنفسي لم أكن لأصدقها لو أنها نقلت ليَّ من الغير ، أو ربما لأحلتها إلى أسباب نفسية بحتة ، ولكن أبى الله سبحانه وتعالى إلا أن أرى بعيني وأسمع بأذني ، وهذا ما زرع الإيمان في قلبي ، والتصديق في عقلي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله أولاً وأخيراً 0
كانت الفتاة في مقتبل العمر وتبلغ ثلاث سنوات ، وهيّ طفلة جميلة لطيفة وكان ترتيبها العاشرة بين اخوتها ، وأبوها شيخ كبير قد بلغ من الكبر عتياً ، أما الأم فقد تعبت من كثرة الأولاد وقد استعانت بالاخوة في تربية الفتاة التي لم يكن أحد يختص ويهتم بشؤونها 0
وذات يوم من أيام العيد ألبسوا الفتاة الصغيرة أحسن ثيابها وزينوها كي يذهبوا في زيارة إلى مدينة تبعد ساعة إلا ربع عن مدينتهم الأصلية ، وفي زحام فرحة العيد وكثرة الأولاد ركبوا السيارة وتركوها في البيت العربي القديم الذي كانوا يسكنونه 0
خافت الفتاة وبكت بكاءً شديدا ً وبقيت على هذه الحالة مدة من الزمن ، فقدر الله سبحانه وتعالى أن يدخل أخاها الأكبر إلى المنزل ويراها في حالة سيئة للغاية ، وأدرك الموقف فضمها إلى صدره الحاني ولحق بالركب وأدركهم في الطريق 0
ومنذ ذلك الوقت أصبح ينتابها حالة بكاء وتشنج ، بحيث تفتح فمها ويسودّ لونها دون أن تُصدِرَ أيَّ صوت يذكر ، وتبقى على هذه الحالة إلى أن يُرش عليها الماء البارد فتعود إلى وعيها وإدراكها 0
وحين بلغت سن الرابعة توفي أبوها ، وبقيت تأتيها الحالة السابقة إلى أن دخلت المدرسة في سن السادسة من عمرها ، وأصبحت الإصابة تراودها من فينة لأخرى إلى أن انقطعت في المرحلة المتوسطة 0
وكانت الفتاة في هذه المرحلة محل إعجاب وتقدير من قبل أهلها ومدرساتها وزميلاتها وكل من تعامل معها ومن كان حولها ، وكانت ذات خلق وأدب وحياء ، ولكنها كانت تميل إلى العزلة والانطواء على نفسها ، مع أنها كانت متفوقة في دراستها وتكره سفاسف الأمور ومنكرات الأخلاق والآداب ، وقد كان يَرى الجميع فيها كل ما يتمنى أن يراه في فتاة في مثل عمرها 0
وفي ذات يوم من شهر يونيو آخر يوم من أيام امتحانات المرحلة المتوسطة حيث كان الجو شديد الحرارة ، خرجت الفتاة من الامتحان مفعمة بالسعادة والفرح تنتظر الأهل ، وطال الانتظار ، ذهب الجميع ولم يبقى مع المشرفة إلا القليل من الطالبات ، فأصيبت بحزن شديد لم يلبث أن تحول مع الانتظار إلى غضب عارم أصيبت على أثره بحالة إغماء ونقلت إلى داخل المدرسة ظناً أنها قد أصيبت بضربة شمس 0
ومنذ ذلك اليوم أصبحت تنتابها حالات بكاء شديد مع صرع خفيف قد يسبق الحالة أو يعقبها ، وكان هذا البكاء غريباً نوعاً ما ، حيث أنها كانت تفتح فمها ، وتجحظ عيناها ، ويصدر منها صوت على نغمة واحدة طويلة متصلة آ آ آ آ آ آ ، ويستمر الأمر على هذا الحال مدة من الزمن ، وكان أكثر ما تصاب الفتاة به في هذه الحالة في مواقف الضيق والحزن والغضب ، وكنا في كثير من الأحيان أثناء إصابتها بالنوبة ننقلها إلى المستشفى ، فيخبرنا الأطباء بأن هذه الحالة تعرف من الناحية الطبية بما يسمى ( هايبر فينتليشن ) ( HYPR VENTALATION ) ، وأخبرونا كذلك بأن هذه الحالة تصيب الفتيات في مقتبل أعمارهن ولا داعي للخوف من ذلك ، ويكتفي الأطباء أثناء تلك النوبة بإعطائها إبر من نوع معين إضافة إلى استخدام المغذي ( الجلكوز )0
واستمر الحال على ذلك مع الفتاة طوال الأعوام الثلاث الأولى في المرحلة الثانوية ، ولوحظ خلال تلك الفترة أنها تكون متفوقة في النصف الأول من العام بحيث تحوز على درجات عالية تفوق نسبة 90 %، وفي نهاية العام يكون معدلها العام ما نسبته 70 % ، بمعنى أنها لم تحصل إلا على نسبة تقدر بـ 50 % ، وكان هذا الأمر بحد ذاته ملفت للنظر ، خاصة من قبل الأهل ، ولكن كما قلت لكم الأب قد توفاه الله سبحانه وتعالى ، والأم متعبة وتعاني ما تعاني من كثرة الأولاد والمشاغل والمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقها ، إضافة أنه لم يكن أحد يهتم أو يختص بشؤون الفتاة الخاصة أو العامة ، إضافة إلى أن الجميع وكافة من حولها كانوا يفسرون تلك الحالة بالقلق والتوتر اللذين يصيبانها في نهاية العام ، وكذلك ما قدمه الأطباء من تفسير للحالة والتي يطلق عليها من الناحية الطبية ( الهيبر فنتليشن ) ( HYPR VENTALATION ) ، التي كانت تلازمها يومياً طوال فترة الاختبارات 0
وقد كان يتقدم لخطبة الفتاة بعض الأقارب وغيرهم ، وكانت ذات جمال وخلق وأدب جم ، إضافة إلى أنها كانت تتمتع بصفات خيرة بحدود لا يمكن أن توصف ، وكانت تنتسب إلى عائلة عريقة وهي تنحدر من أسرة فاضلة ، وكانت الأم تفضل التريث في زواج الفتاة لحين متابعة دراستها الثانوية 0
ولعل بلوغ الفتاة لهذا السن وتقدم العديد لخطبتها هو السبب الرئيسي في تفجير المشكلة ، وإظهار الكامن ، وما أن بلغت الفتاة في نهاية المرحلة الثانوية وذلك بتاريخ 15 / 9 / 2000م ، حتى بدأت الأحداث المتتابعة والمتلاحقة لقصتنا الغريبة ، وتتكشف الحقائق الكامنة لما يقارب أربعة عشر عاماً ، أي منذ أن كان عمرها يقارب ثلاثة أعوام ، حتى بلغت سن السابعة عشر 0
ومنذ تلك المرحلة أصاب الفتاة كره شديد ومفاجئ للمدرسة والمدرسات ، وغلب عليها البكاء والصراخ والارتعاش ، وأصابتها حالة هستيرية ، بحيث أنها ترغب في متابعة دراستها ولكنها لا تستطيع ذلك 0
فكرت ملياً في تطور حالة الفتاة وأصبحت أربط الأمور بعضها ببعض وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن الأمر لا يمكن أن يَتبَعَ الأمور الطبية سواء العضوية منها أو النفسية ، وقد أوعزت الأمر بعد تحليل وبحث وربط الأحداث بعضها ببعض لما يسمى بالأمراض الروحية خاصة أنني أملك كماً من العلم الشرعي وليَّ نظرة عامة في كافة الأمور والأحداث التي تتابعت من حولي وبخاصة أن الفتاة تسكن معنا في نفس المنزل كما أشرت آنفاً ، ومن هنا توصلت إلى نتيجة مفادها أن أبدأ برقية الفتاة بالرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة ، وكان ذلك الأمر فاستفتحت قراءتي بسورة البقرة ، فازداد صراخها ، وانتفخت أوداجها ، واسود وجهها ، وحاولَت أثناء ذلك أن تُغلق أذنيها ، وقد منعتها من ذلك الأمر ، إلا أنها تحولت لتقطيع شعرها وتخميش وجهها ، وقد دخلت معها في صراع شديد مرير كانت تحاول من خلاله إيذائي بشتى الوسائل والطرق ، ولكنني استعنت بالله سبحانه وتعالى وصبرت واحتسبت واستمرت قراءتي لسورة البقرة حتى انهارت بين يديّ ، لتصحو بعد ذلك مستغربة للحالة التي هيَّ عليها ولا تذكر أي شيء مما حدث خلال ذلك الموقف 0
وتيقنت عند ذلك بأن الأمر خارج عن نطاق الطب العضوي والنفسي واستعنت بالله سبحانه وتعالى ، وأصبحت أرقيها وأكرر الرقية الشرعية عليها ، وكان حالها يزداد سوءاً ، فَتَرَكت الطعام والشراب ، ولم يعد بمقدورها النوم الهنيء الذي كانت تنعم به سابقاً ، إضافة إلى أنها كرهت الجميع بمن فيهم أمها واخوتها 0
وعلمت آنذاك أن الأمر يحتاج إلى رجل صاحب مراس وخبرة في هذا العلم ، حيث أنني لا أملك إلا القليل بخصوص هذا الأمر آنذاك والأمر يحتاج إلى وجود إنسان متخصص في الرقية يستطيع أن يوجهنا الوجهة الشرعية الصحيحة في العلاج والاستشفاء 0
وتوجهنا إلى أحد المعالجين بالرقية الشرعية ، ولم يكن الأمر بالسهولة التي نريدها ، حيث واجهتنا صعوبة بالغة سواء في الذهاب أو العودة ، وقد تم الأمر بصراخ وصراع ومقاومة شديدة 0
قرأ عليها هذا الأخ الكريم وحدد لنا برنامجاً أسبوعياً كي نسير عليه ، وفعلنا ذلك ولكن دون أي فائدة أو تحسن يذكر ، وخلال هذه الفترة تابعنا العلاج الطبي ولم نتركه حيث كنا نذهب بها إلى المستشفى للعلاج بمعدل مرة أو مرتين يومياً ، ولم يتغير في الأمر شيء ، وكان تشخيص الأطباء(حالة نفسية) أو (هايبر فنتليشن)(HYPR VENTALATION)، وكان العلاج المعهود إبر مهدئة بالإضافة إلى استخدام المغذي( الجلكوز ) ، وبعض الأطباء ممن عاين الحالة نصحنا بالذهاب إلى من يعالج بالرقية الشرعية حيث أفادوا بأن الحالة لا تعاني من أية أمراض عضوية أو نفسية ، ومع ذلك فلا ننكر مطلقاً أن الفتاة قد استفادت فائدة عظيمة جداً من مراجعة المستشفى بسبب إعطائها المغذي ( الجلكوز ) حيث أنها امتنعت مطلقاً عن الطعام والشراب كما أشرت آنفاً 0
بعد ذلك اتصلنا بأحد الاخوة المعالجين بالقرآن وكانت تربطنا به علاقة صداقة قوية وقديمة ، وأردنا منه معاينة الحالة كي نقف على حقيقة المرض الذي تشكو منه ، فنحن إلى هذه اللحظة لا زلنا في دوامة لا نعرف أولها من آخرها ، وكان ذلك الأمر فحضر الأخ مشكوراً ومكث معها أربع ساعات متواصلة بوجودنا جميعاً ، وكانت خلال هذه المدة غائبة عن الوعي تماماً ، وكان يصدر منها صراخ شديد وتوسل ، وقد ضربها الشيخ ضرباً شديداً ، وعندما عادت لوعيها لم تشعر بكل ما دار حولها ولم تشعر بالضرب مطلقاً 0
وبدأت مرحلة جديدة من المعاناة والألم ، وبدأت الفتاة تشعر بأعراض جديدة ، حيث بدأت تشعر بآلام في منطقة الأرحام وتقلصات غير طبيعية ورافق ذلك خروج دم من نفس المنطقة ، وقد وَقَفتُ على ذلك الأمر بنفسي وشعرت بتلك التقلصات ولكني أوعزت الأمر إلى انقباضات عضلية عصبية ، وكل ذلك أدى إلى أصابتها بأزمة نفسية ، وحاولت أن أهدئ من روعها وأذكرها بالله سبحانه وتعالى 0
وقمنا بتوجيه من الأخ المعالج باستخدام زيت الزيتون المقروء عليه ، ودهن جميع أنحاء جسم الفتاة وبخاصة منطقة الأرحام ، ويتحول الأمر من التقلصات إلى آلام شديدة جداً تكاد لا توصف ، بل أصبح الوضع وكأنها تعاني من أمر يشبه طعن السكاكين ، وازداد ألم الفتاة وأصبح ليلها في أوله وفي آخره ألم وعذاب ، وكانت تصرخ وتتألم ويأتيها ما يأتيها من تعب وإرهاق مما لا يعلم بحالها إلا الله ، ونحن برفقتها حتى يطلع الفجر 0
خلال هذه الفترة نقلت الفتاة من مدرستها إلى مدرسة أخرى ، وحاولت المسكينة أن تنتظم في الدراسة ولكن دون جدوى ، حيث كان الصرع يطرحها من فينة لأخرى ، وبالرغم من أن المدرسة جديدة عليها ، وكذلك قلة الساعات التي كانت تحضر بها إلى المدرسة ، وأحياناً قد لا تحضر مطلقاً ، بالرغم من كل ذلك فقد حازت على إعجاب مدرساتها وزميلاتها ، وكانت تحصل في الامتحانات القليلة التي تقدمت إليها على أعلى الدرجات بل قد يصل الأمر في أغلب الأحيان أن تحصل على الدرجات النهائية 0
استمر الأخ المعالج جزاه الله خيراً في متابعة الرقية الشرعية ، وكان يمكث بطرفنا الساعات الطوال ، وتتكرر الأحداث : ألم وصراخ وتوسل وبكاء والشعور بالاختناق ومن ثم الصرع ، وكان الأخ المعالج يلجأ إلى ضربها ضرباً شديداً في فترات وأوقات معينة تتخلل الرقية الشرعية 0
كانت الفتاة في هذه الفترة ترى شبحين : الأول صغير أحمر اللون تمزق وتلاشى بفضل الله سبحانه وتعالى ، أما الثاني أسود كبير الحجم كانت تراه يخنق نفسه بيديه ، ومع مرور الأيام أصبح يكلمها بحدة وعصبية وأخذ يهدد ويتوعد 0
وللإنصاف والعدل ولاتخاذ كافة الأسباب الشرعية والحسية في علاج الفتاة ذهبنا بها إلى إحدى المستشفيات الخاصة بحثاً عن أسباب المعاناة والألم التي عادة ما تصيبها في منطقة الأرحام وكذلك خروج الدم من نفس المنطقة ، وقد كان الاعتقاد أن الأمر يتعلق بأسباب عضوية ، فعاينتها طبيبة متخصصة وقامت بإجراء كافة الفحوصات الطبية اللازمة ، وكانت نتيجة الفحص أن الفتاة سليمة تماماً ولا تشتكي من أية أمراض عضوية ، وقد شَرَحتُ لها الموقف من أوله إلى آخره ، فقالت ليَّ بالحرف الواحد : لعل هذا الأمر من تعبث الجن ! 0
بدأت الأحداث تتلاحق بالنسبة للفتاة ، وبدأ يظهر على أجزاء متفرقة من جسدها طفح جلدي يشبه الحروق خاصة في منطقة الصدر والبطن والركبتين ، وقمنا باستخدام كثير من المستحضرات الطبية التي وصفها لنا الأطباء ولكن دون أية فائدة تذكر ، ولم تنفع كافة المستحضرات في إزالة هذا الأثر من على جسدها ، ومن هنا اكتفينا باستخدام الزيت المقروء عليه 0
وتتابع الأحداث عليها في المدرسة أيضاً حيث أصبحت وفي أثناء سيرها تسمع همساً وكأن أحداً يكلمها ، أو أنها تشعر بمن يمسكها من الخلف فتلتفت فلا ترى أحداً ، والغريب في الأمر أنها في بعض الأحيان كانت تذهب لتشرب الماء فتفتح الصنبور فكان يغلق في وجهها ، فتصاب بالخوف والرعب وتعود إلى فصلها مرة أخرى 0
وكانت تدرسها مادة التربية الدينية أخت فاضلة من حفظة كتاب الله وأثناء قراءة المدرسة لبعض السور والآيات خاصة التي ورد فيها ذكر الشياطين تصرع الفتاة على الفور 0
وتتطور الأحداث بصورة متلاحقة فأصبحت الفتاة ترى في اليقظة رجلاً كأنه من أصحاب القبور يحدق بها ، وأحياناً أخرى تراه بشكل مسخ لم تستطع من بشاعته أن تقوم بإعطاء وصف دقيق له ، فإذا دخلنا عليها اختفى كل ذلك من أمام عينيها 0
وبدأ يتأثر المحيطون بالفتاة بتلك الأحداث ، ومن ذلك أنني استيقظت في ليلة من ذات الليالي وإذا يدايّ مشلولتان أو أشعر فيهما بخدران شديد ، وذهبت من فوري لمراجعة المستشفى ، الذي أكد لي على سلامتي من الناحية العضوية وأني لا أعاني من أية أعراض طبية ، ابني الكبير ذو التسعة أعوام أصبح يسير وهو نائم على غير العادة ثم يرمي بنفسه على عمته ( الفتاة المصابة ) لتفزع مرعوبة وتصرخ صرخة عظيمة ، وكذلك الحال مع ابنتي ذات العشرة أشهر آنذاك ، كانت تستيقظ مرعوبة وتحدق في شيء نحن لا نراه ، ثم تخفي وجهها في ثنايا صدري من ذلك الشيء الذي تراه ، وتستغرق في بكاء شديد ، وأصبح الجميع يشعر بأن شيئاً ما يحاول التعدي على حياتنا الخاصة 0
وأصبح الشعور السائد بأن هناك محاولات مستميتة لإجبار المحيطين بالفتاة التخلي عنها ، وكان امتحاناً صعباً ، فالأم والاخوة أصابهم خوف شديد وآثروا الابتعاد ، ولم يبقى إلا أنا زوجة الأخ ، وتيقنت بأنني لو تخليت عنها في مثل هذه الظروف الصعبة لضاعت الفتاة إلا أن يشاء الله ، فعزمت أمري وعقدت العهد مع ربي أن لا أتخلى عنها تحت أي ظرف من الظروف ، فنقلتها إلى غرفتي لتنام معي كي أكون قريبة منها فأواسي ضعفها وأجبر كسرها وأحفظها بعد الله سبحانه وتعالى من أي مكروه قد يصيبها من ذلك الخبيث اللعين ، وكنت أسأل الله سبحانه وتعالى التثبيت والإخلاص في ذلك ، وكنت على يقين بأنني أقف أمام عدو ليس من عالمنا ويحتاج لسلاح قوي شديد للنيل منه والقضاء عليه ، وكان أنيسي في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم 0
وقد ساعدنا في هذا الأمر ذلك الأخ المعالج الذي كان يقرأ على الفتاة ، وكان رفيقاً بنا وبحالنا ، ويقدر جهلنا في كثير من الأمور التي واجهتنا ، فكان يصارحنا تدريجياً بالأمور والأحداث ، وكان دائماً يوجهنا لما ينفعنا في الدنيا والآخرة 0
وسوف أقدم للقراء الأعزاء وصفاً مختصراً لبعض الجلسات التي كان يحضرها الشيخ مع الفتاة ، حيث كان يبدأ جلسته بموعظة وتذكير بالله ، وحث على الصبر ، وكانت موعظة معبرة ومؤثرة ، إلا أن الفتاة لم تستفد منها أي شيء يذكر ، حيث أن الخبيث كان يوحي إليها حقيقة بشم رائحة كريهة لا تطاق من هذا الأخ الكريم، لدرجة أنها تشعر أحياناً بالتقيأ، أما صوته بالنسبة لها فكان عالياً جداً ومزعجاً لدرجة أنها لا تستطيع أن تميز كلماته ، وكذلك تراه بشكل مفزع ، عيون جاحظة وأسنان طويلة حادة وغير ذلك من الأوصاف القبيحة 0
وقد كانت تسألنا بعد الجلسة عن حقيقة ما رأت ، فأبين لها أن ذلك غير صحيح على الاطلاق ، وقد كانت تصرع أثناء الرقية وتشعر باختناق وغير ذلك من الأحداث المعتادة في مثل تلك الحالات ، وفي بعض الأحيان ترى هذا المتمرد يقف خلف المعالج ليضحك منها ويستهزء بها ، وأحياناً أخرى تراه متشكلاً بالمعالج ليقف على بطنها أو يركلها ، أو يقوم بفعل أمور مستقبحة ، فكانت تستنجد بأخيها وبي وتلعن المعالج ظناً منها أنه هو الذي يفعل ذلك ، وقد احتجنا إلى وقت طويل ومجهود كبير حتى تصدق أنه هو الذي يفعل كل تلك الأمور 0
وبعد أن اتخذت قراري في الوقوف مع الفتاة ومساعدتها بكل ما أملك من قوة وبأس بدأت التهديدات توجه إليّ من كل حدب وصوب ، فأمي تسكن في مدينة أخرى غير التي أسكنها ، أصبحت ترى الشياطين تهاجمها في المنام ، ولم تكن لتتخلص منها إلا بالاعتماد على الله سبحانه وتعالى وقراءة آية الكرسي ، وأثناء تلك الفترة كان يستيقظ من حولها على صراخها ، وبفضل الله سبحانه وتعالى توقف ذلك الأمر عليها ولم يتكرر ثانيةً 0
صديقتي التي تعتبر من أعز صديقاتي وأقربهن إلى نفسي ولا تعلم بهذا الموضوع شيء لا من قريب ولا من بعيد ، رأت في منامها مجموعة من الجن والشياطين قد احتوشتها وتطلب منها إنذاري بالابتعاد عن تلك الفتاة وإلا كنت أنا المقصودة بالإيذاء ، وطلبوا منها إبلاغي بتلك الرسالة وإعلامي بأن لهذا الخبيث أعوان من الجن والشياطين 0
جاءتني المسكينة وقد ارتعدت فرائضها ، وأخبرتني بالحالة التي رأتها ، فأخبرتها بالقصة كاملة ، وبينت لها بأني قد قطعت عهداً على نفسي مع خالقي سبحانه وتعالى على أن لا أتخلى عن هذه الفتاة المسكينة تحت أي ظرف من الظروف ، وبينت لها بأنه إن كان لهذا الخبيث المتمرد أعوان فإن معيني هو الله سبحانه وتعالى ، وكفى به معيناً ، وجددت أمامها العهد والموثق مع الله سبحانه وتعالى لأغلق الباب على نفسي أولاً وعلى هذا اللعين من الجانب الآخر 0
بعد ذلك توالت الأحداث وتتابعت الأمور وأصيبت الفتاة بكافة أنواع الإيذاء ، وتذكرت عندئذ ما قرأته في الكتاب الموسوم ( نحو موسوعة شرعية في علم الرقى – تأصيل وتقعيد في ضوء الكتاب والسنة والأثر ) للأخ الفاضل أبو البراء ، حيث ذكر جملة من أنواع الإيذاء التي يتعرض لها الإنس من قبل الجن والشياطين وكنت أقف حائرة بيني وبين نفسي وأتساءل في صمت خافت : أيعقل أن يحصل مثل ذلك الإيذاء من قبل هذه الفئة الباغية ؟ وهل يستطيع أن يصلوا إلى مثل ذلك حقاً وصدقاً ؟ وأبى الله سبحانه وتعالى إلا أن أرى ذلك بنفسي ليكون عبرة وعظة لي ولكل من ينكر هذه المسألة العقدية 0
ويستمر الأمر في تزايد مطرد ، وتصاب الفتاة بصداع شديد للغاية ، مع الشعور بحركة غريبة في الرأس ، وقد شعر الجميع من حولها بتلك الحركة ، بل قد لمست بنفسي ذلك الأمر ، وشعرت وكأنها حركة طفل جنين في بطن أمه ، وتصاب الفتاة بعد ذلك بالعمى خاصة إذا أرادت أن تحفظ شيئاً من القرآن الكريم ، أو أثناء مذاكرة الدروس الخاصة بها ، وإذا أرادت القراءة تشعر بأن الصفحات التي أمامها خالية تماماً وكأنها صفحة بيضاء 0
ويتطور الأمر كي تصاب بالصمم خاصة إذا كلمها الأخ المعالج ، وكذلك يصاب فمها بالتشنج ولا تستطيع مطلقاً أن تتكلم أو تحاول رقية نفسها بالرقية الشرعية ، وأحياناً أخرى تراها تضع أصابعها في عينيها وبقوة شديدة ، وكنا نتدخل كي لا يحصل ما لا يحمد عقباه ، وكان الاعتقاد السائد عندي أن كل ذلك يحصل بتأثير خارج عن إرادتها وأن القصد والهدف والغاية من ذلك إيذاؤها بشتى الطرق والوسائل 0
وقد تعرضت الفتاة لاعتداءات قذرة ، وقد يتبادر لذهن البعض أن مثل تلك المواقف ربما تكون أمور نفسية ، ولكني عايشت الأمر عن قرب وأجزم بأن الأمر ليس كذلك ، ولقد كانت بعض الاعتداءات تحصل أمام أعيننا ، وكنا نوقضها بالرقية أحياناً ، وبالضرب أحياناً أخرى ، وقد حدث معها في المرة الأولى والكل نيام حيث شعرت بأن شخص يوقظها ، وعندما فتحت عينيها أغلقتهما مرة أخرى ، كي تجد شخصان يد الأول عند رأسها ، أما الثاني فأغلق فمها وقال لها : كنت أنوي الزواج منك ، أما الآن فسأنال ما أريد دون ذلك ، وحاول الاعتداء عليها ، ومنذ ذلك الوقت أقوم أنا وزوجي - أخوها - بالسهر عليها وحراستها من ذلك الأفاك اللعين ، وكنا نشعر في كثير من الأحيان بقرب الاعتداء ، حيث تهب في الغرفة نسمات باردة معطرة ، وأشعر في ذلك الوقت بأن أحداً معنا في الغرفة ، وأجد التعابير واضحة جلية على وجه الفتاة ، وقد كنت أتتبع المواضع بالزيت المقروء عليه ، وإذا تطور الأمر أحياناً ألجأ للرقية الشرعية ومن ثم للضرب الشديد ، ولم تكن تشعر بذلك مطلقاً ، وأحياناً قد تكون نائمة على الكنب فيعتدي عليها ويسحبها من قدميها حتى تسقط على رأسها ويرتطم بالأرض ، وهي تقاوم وتصيح وتدفع عن نفسها ، أما طريقة السحب التي رأيتها أنا والمعالج والمدرسة فكانت توحي تماماً بأنها تحدث بفعل فاعل ، مع أننا لم نرى ذلك في الواقع العملي ، وبفضل الله سبحانه وتعالى وحده استطعنا منع أغلب حالات الاعتداء ، ولقد كانت تحكي لي بعد إلحاح شديد تفاصيل ما حصل لها ، وكنت أعجب من الذي تذكره لي ، وأنا أعلم يقيناً من التي تقف أمامي فقد ذكرت لكم بأنها إنسانة ذات أدب وخلق ، فضلاً عن أنها فتاة صغيرة عفة السمع والبصر ، بحيث أنها لم تشاهد التلفاز ولم تهتم به قط ، وكذلك لم تكن لتهتم بالمجلات الساقطة ونحو ذلك من سفاسف الأمور ، وكنا نعرف يقيناً من هنّ صويحباتها ، ومع الاستمرار بالرقية الشرعية كنت أجلس معها جلسات قد تستغرق في بعض الأحيان الساعات الطوال لامتصاص آثار تلك المواقف المدمرة التي كانت تتعرض لها 0
وتتوالى الأحداث وتتعرض الفتاة لعمليات خنق من قبل هذا اللعين ، وكنت أراها وهي تحاول فك يديه من على رقبتها ولكن دون جدوى ، حيث كنت أرى يديها تطيران في الهواء ، وكانت عملية الخنق تصل إلى ذروتها في بعض الأحيان بحيث أن الفتاة كادت أن تموت بين أيدينا ولكن الله سبحانه وتعالى سلّم فله الحمد والمنة والفضل على ما أنعم به على عباده المؤمنين ، وكنا في مثل تلك المواقف نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى وللرقية الشرعية ، وفي بعض الأحيان نلجأ للتوجيهات التي ذكرها الأخ أبو البراء في موسوعته ، أما في حالة وجود الأخ المعالج فكان يتصرف هو من تلقاء نفسه حسب خبرته ومعرفته ، حيث أن أغلب حالات الخنق التي كانت تعتري الفتاة تكون بوجوده وبين يديه 0
بعد ذلك اصطحبنا الفتاة إلى إحدى المستشفيات الخاصة – قسم الطب النفسي - وقد جلس مع الفتاة طبيب ومساعد له ، وقد سألا إن كنا قد عرضناها على بعض الاخوة المعالجين بالرقية الشرعية ، وأخبرونا بأن هؤلاء الاخوة المتخصصون يستطيعون الوقوف على حالة الفتاة فيما إذا كانت تعاني من صرع الأرواح الخبيثة أو أنها مصابة بحالة نفسية ، وقد أدهشني ذلك الأمر حيث أنهم لم ينكروا مطلقاً الإصابة بالمس الشيطاني ، مع أن بعض الأطباء عادة لا يقرون بمثل تلك الأمور ، وقد أثلج صدري مثل ذلك الأمر وعلمت يقيناً أن مثل هذا الالتقاء بين الطب والرقية سوف يصب حتماً في مصلحة المريض فأسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد للجميع 0
بعد تلك الأحداث المتلاحقة فقدت الفتاة شهيتها للأكل تماماً ، وأصبحت تأكل وتشرب رغماً عنها وبضغط منّا ، مما اضطرنا إلى أخذها مرة أخرى لذلك الأخ الذي يعالج بالرقية الشرعية ، فصعقها بالكهرباء ، وكان هذا الأخ الكريم يصرخ في وجه هذا اللعين ويقول له : أخرج من هذه الفتاة ، فسمعنا الخبيث يصرخ ويقول : سوف أخرج ، سوف أخرج، وأدعى أنه قد خرج ، وأعطانا هذا الأخ الكريم في ذلك الوقت جدولاً زمنياً للعلاج كي نسير عليه 0
عدنا في مساء ذلك اليوم للمنزل ، وصرعت الفتاة في نفس الليلة ، وقد رأته وهو مضرج بالدماء ينظر لها بحزن وغضب ، ثم أن الخبيث غير أسلوب تعامله معها من التعذيب والترهيب إلى الاستعطاف والترغيب ، إذ أصبح يتصور لها بصورة شاب وسيم جميل للغاية ، ويتوسل إليها أن تبادله الحب ، وأخبرها بأنه قد ضحى بالكثير من أجلها ، وأنه لن يتخلى عنها مهما كان الثمن لذلك 0
وصارحتني بتلك الحقيقة وأخبرتني بكل شيء ، فبينت لها أن لا تنخدع بقوله ، وكشفت لها الأساليب الخبيثة الماكرة التي يلجأ إليها الشياطين في سبيل تحقيق مآربهم الخاصة ، وبينت لها أنه شيطان خبيث ذميم الخلقة كما جاء ذلك في محكم التنزيل ، وكانت بين الفينة والأخرى تناقشني وتجادلني في ضرورة التفريق بين الجن والشياطين ، وكنت أشعر أن ذلك الأمر ملقى في روعها وليست هيّ التي تتحدث بذلك وتؤمن به 0
ومن خلال نقاشي لها وتذكيرها بالله فطنت لنفسها من تلك الأوهام التي كان يلقيها ذلك الخبيث في روعها وَفَوَضت أمرها إلى الله سبحانه وتعالى وعملت بنصيحتي لها ، فأقسم الخبيث أن يُنغِصَ عليها حياتها ، وأن يحرمها من دراستها ، بل أنه قد هددها بالقتل 0
ومن هنا ومنذ ذلك الوقت بالذات بدأت أصعب مرحلة في مراحل هذه القصة العجيبة ، إذ بدأ الخبيث ينفذ تهديداته ، فكان يظهر لها في المدرسة تراه ولا يراه الطالبات أو المدرسات ويهددها بتعريتها من ملابسها أمام الجميع ، وقد لجأت مرات عدة إلى مدرسة التربية الدينية لرقيتها ، فما كان من الخبيث إلا أن صرعها ومزق ثيابها بيديها ، وحاول الاعتداء عليها فما كان من تلك المدرسة الفاضلة إلا أن ألقت بنفسها عليها وهي ترقيها بالرقية الشرعية ، ونتيجة لمثل ذلك التصرف أصبحت تلك المدرسة المسكينة تهاجم بالكوابيس في كل ليلة ، وابتليت بمرض أصابها في يديها ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى كشف كربتها وفرج عنها 0
ودخلت الفتاة في مرحلة جديدة نتيجة للظروف القاسية التي واكبتها خلال الفترة المنصرمة ، وأرادت أن تدخل في تحدي مع هذا الخبيث ، وأصرت على أن تتقدم للامتحان وكان ذلك اليوم يوماً مشهوداً ، وكان التعاون ملحوظاً من قبل المدرسة ممثلة بالمديرة ووكيلة المدرسة ومساعدتها ومدرسة التربية الدينية ، حيث خصصت لها إدارة المدرسة غرفة الوكيلة لتقديم الامتحان ، وكان في الغرفة إضافة للفتاة أنا ووكيلة المدرسة ومساعدتها ومدرسة التربية الدينية ، وعند بدء الامتحان بدأت عيني الفتاة في وضع متقلب وهذا ما يسمى بـ ( الرأرأة ) ، حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت عينيها بياض بالكامل ، ومن فوري قمت برقيتها بالرقية الشرعية وسرعان ما أصيبت بصداع شديد ثم صرعت ، فلما أفاقت أصرت على إكمال الامتحان ، وبدأت تكتب الإجابات المقررة وعلى الفور أصيبت يدها بالشلل ، بعد ذلك طلبت منها أن تمليني الإجابات بعد أخذ الإذن من الوكيلة ، ويفاجأ الجميع بأن الفتاة بدأت تضرب بطنها بشدة وقوة حتى صرعت ، أفاقت مرة أخرى وكلها إصرار وتحدي أن تتابع الامتحان المقرر ، فزعت الوكيلة والمساعدة فزعاً شديداً من كل ما حصل وهربتا معاً من الغرفة ، وبقيت أنا ومدرسة التربية الدينية التي أبت أن تتركني وحدي مع الفتاة رُغم إصراري عليها بمغادرة الغرفة ، وما أن بدأت في إجابة الأسئلة حتى رأيتها تطير من كرسيها التي تجلس عليه وكأن أحداً ما قد جاء مسرعاً ودفعها بقوة حتى وصلت إلى باب الغرفة على بعد متر ونصف من المكان الذي كانت تجلس فيه ، وأذكر أن مدرسة التربية الدينية قالت لي في ذلك الوقت : ما الذي يحدث من حولنا ؟ ، وما الذي يحصل لهذه الفتاة المسكينة ؟ ما أظن هذا الخبيث إلا أنه مارد ، ولكنها تساءلت ببراءة وقد كنا في ذلك الوقت في شهر رمضان المبارك ، أليست الشياطين تصفد في رمضان ؟ فكان ردي آنذاك آمنا بالله ورسله ، ولعلنا لم نفهم المعنى الحقيقي للحديث ، وكل ما حصل في ذلك الموقف يؤكد لنا جميعاً أن هذا الخبيث لم يكن يعمل لوحده إنما كان يعاونه أحد ما ، وقد رأينا كيف أن الفتاة تهاجم من عدة اتجاهات وفي آن واحد ، بعد كل ما حصل أفاقت الفتاة وقد أصرت على إكمال الامتحان ، عند ذلك شعرت باختناق شديد وجحظت عينيها ، وأصبحت ترى ذلك الأخ المعالج واخوتها يتعرضون لحوادث مروعة ويتقطعون أمام عينيها وهم يستنجدون بها ، فما كان مني إلا أن اتصلت بهم واحداً واحداً على الهاتف النقال لأبين لها كذب هذا الخبيث المتمرد لأن المسكينة كانت وكأنها تعيش الموقف على حقيقته 0
وقد استمر الوضع على ما هو عليه : صرع واختناق ورؤية الحوادث المروعة وغير ذلك من أمور أخرى ، وكان يرافق كل ذلك صراخ شديد ، ولم تستطع الفتاة الإجابة إلا على الورقة الأولى من الامتحان ، واستمر الوضع على ذلك منذ تمام الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة الواحدة والنصف ظهراً ، مما اضطر مديرة المدرسة إلى استدعائي والاعتذار عن استمرار هذه المأساة خوفاً منها على المدرسات والطالبات وكان لا بد لها من وقف قيد الطالبة ، فتمت موافقتي فوراً على ذلك الإجراء خوفاً على الطالبة من جهة ، وتقديراً لمصلحتها ومصلحة الجميع من الجهة الأخرى ، وحيث أننا لا نستطيع أن نستمر على هذا الحال والمأساة طيلة أيام الاختبارات ، علماً بأن ورقة الامتحان التي أجابت عليها الطالبة قد اختفت تماماً ، كما اختفت بطاقتها المدنية التي كان لا بد منها للحصول على عذر طبي ، ولم يُجدِّ البحث آنذاك لا عن هذه ولا تلك ، فآثرنا الانسحاب من موضوع الدراسة مؤقتاً 0
وتستمر المأساة والصراع مع هذا المتمرد الذي لم يرقب في مسلم إلا ولا ذمة ولكن يبقى عزائنا الوحيد بثقتنا المطلقة بالله سبحانه وتعالى ، ويتحول الخبيث كي يستخدم معها أسلوب خطير آخر وهو دفعها أينما كانت ، فتارة يدفعها من الأمام فتطير إلى الخلف مسافة متر أو أكثر ، وتارة أخرى يدفعها من الخلف فتطير إلى الأمام ، وتارة يدفعها من أحد الجانبين ، وكل ذلك يحدث معها سواء كانت تسير داخل المنزل أو على السلم ، وبالعموم فقد كان هذا العتل يتحين الفرصة التي يكون فيها الإيذاء أشد ، هذا وقد اضطرنا الأمر في الشتاء الماضي إلى الاستغناء عن المدفأة بسبب المحاولات المتعددة من قبل هذا الطاغية لإلقاء تلك الفتاة المسكينة عليها ، أما إن كانت المدفأة كهربائية فكان يحاول إلصاق يدها بها ، وكذلك الأمر بالنسبة للأشياء الحارة فكان يتعمد دائماً وأبداً أن يسكب الأشياء الحارة عليها ليحرقها ، بحيث يرى جلساؤها وكأن أحداً ما يضربها مما يؤدي إلى مثل تلك الوضعية ، وقد أدى ذلك إلى منعها من قبلنا من حمل الأشياء الحارة ، هذا من جهة أما من الجهة الأخرى فكان يحاول إيذاءها بأي شيء حاد تمر عليه ، بحيث يضرب يدها بشدة فتسيل دماؤها ، وكان معظم التركيز على الجانب الأيسر لهذه الفتاة المسكينة ، بل قد منعت من دخول المطبخ خوفاً عليها من إيذاء ذلك الطاغية 0
ويستمر اللعين في طغيانه وجبروته ويتحول لاستخدام أسلوب شديد القسوة حيث بدأ ينهال عليها بالرفس والركل أثناء فترة النوم ، ليس ذلك فحسب إنما يتطور الأمر تدريجياً كي يصدم رأسها في الأرض تارة ، وفي الجدار تارة أخرى ، وفي الأثاث تارة ثالثة ، وقد جعلني مثل ذلك الوضع ألازمها ملازمة تامة ، آخذ بيدها وأتأبط ذراعها أثناء يقظتها وفي سيرها وفي صلاتها ، حتى كنت أرافقها في دخولها للحمام سواء كان ذلك للاغتسال أو لقضاء الحاجة ، وأحياناً وفي غفلة مني كان يتربص بها السوء فيحاول إيذاءها والنيل منها ، وكنت على يقين تام وثقة مطلقة بالله سبحانه وتعالى أن هذا الوضع الصعب لن يستمر طويلاً، وأن الفرج قريب، وأن النصر مع الصبر 0
وأذكر في سياق هذه القصة بعض أشكال الإيذاء التي كان يقوم بها هذا اللعين ، فذات يوم كنا نصلي معاً ، وقد كان يشد عليها ويعذبها في الصلاة فيضربها في ثنيات قدميها خلف الركبتين لتقع على الأرض ، وكان يحصل مثل ذلك الأمر خاصة أثناء القنوت والدعاء عليه ، وكم من مرة كان يضربها على رأسها من الأمام أو من الخلف أو من كلا الجانبين ويصرعها ، وذات يوم صرعها بنفس الطريقة السابقة ، فنقلتها إلى فراشها، وأردت أن أتابع الصلاة ، وأقسم بالله العظيم أني رأيتها تطير من فراشها مسافة مترين تقريباً كي تستقر في منتصف الغرفة وفي نفس الوضع التي كانت نائمة عليه ، وأذكر من شدة الصدمة في ذلك الموقف جلسنا نضحك سوياً وقد لعنته ولعنت أباه ، فنهيتها عن ذلك ، إذ ليس لأبيه ذنب في كل ما يحصل 0
ومن الحوادث الغريبة التي حصلت لنا سوياً حيث أدخلتها ذات يوم إلى الحمام وسرعان ما رأيت مطارة الشامبو تطير في وجهها وتضرب الحائط بشدة ، فاستعذنا جميعاً بالله عز وجل ، وكذلك من الأمور الغريبة التي حصلت معنا أن فيشة الهاتف كانت تطير في وجهنا إذا أردنا أن نكلم الأخ المعالج الذي يقرأ عليها 0
بل اتبع أسلوباً جديداً في حربه لتلك الفتاة المسكينة ، حيث بدأ يزرع الشكوك في نفسيتها ويوهمها بأن المعالج لا يقرأ عليها خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى إنما له مآرب أخرى ، وأخذ يلقي تلك المعاني في عقلها وقلبها ، كل ذلك أدى بها إلى كره المعالج والشك به ، واستطعنا بفضل الله سبحانه وتعالى أن نزيل كافة تلك الوساوس عنها ، وأن نعيد لها الثقة بالمعالج ، فلما رأى منها ذلك ، ولمس من الفتاة تقدير المعالج لحرصه وشهامته وتضحيته من أجل إخوانه في الله ، أصبح يحاربها على نقيض ذلك التوجه ، بحيث أصبح يتشكل بصورة هذا الأخ الكريم ويحاول الاعتداء عليها بكافة الأشكال والسبل ، علَّ الفتاة تستجيب له في وده وحبه لها ، أو أنها ترفض وتكره ذلك الأخ الفاضل ، بل وصل به الأمر إلى درجة أن يتشكل لها بهيأة المعالج وبنفس الملابس التي يلبسها ، وذات يوم ذكرت لنا بأنها رأت الخبيث يتشكل بشكل المعالج ويلبس ثوباً بنّيَ اللون ، وقد استنتجت أنا وزوجي بأن المعالج سوف يحضر إلينا ذلك اليوم بمثل هذا الثوب ، وبالفعل حصل مثل ذلك الأمر ، ونحن نعلم قطعاً أن القضية ليست معرفة بعلم الغيب بقدر ما هو معرفة أمر بمقدور الجن معرفته بطرقهم الخاصة ، ولكن المؤكد في الأمر أن هذه المسألة لا يمكن تفسيرها أبداً من الناحية النفسية ، أو وصف هذه الحالة بالمرض النفسي 0
ومن الأمور التي كنا نستغرب منها جميعاً أن الفتاة أوتيت قدرة عجيبة على السمع ، فقد كانت تسمع الحديث الذي يدور في غرفة أخرى علماً بأن المسافة بين الغرفتين تكون بعيدة نوعاً ما وقد تفصل بينها غرف وأبواب ونحو ذلك من أمور أخرى ، ولعل أكثر ما كانت تسمعه تلك الأحاديث التي تؤذيها في مشاعرها وتسبب لها انتكاسات نفسية كالحديث عن حالتها وعن الخبيث وقوته ، وكذلك ما نخطط له وندبره مع الأخ المعالج في الأساليب والوسائل المتبعة في العلاج 0
وكذلك كنا نلاحظ عليها أمر ملفت للنظر حيث كانت تمتاز بعين حارة للغاية ، ومن ذلك أنها أعطت وصفاً جميلاً لفم وأسنان ولدي البالغ من العمر تسع سنوات ، وحصل بعد ذلك أن وقع على وجهه وتكسر أحد أسنانه ، وحصل أن تأذى في ذلك اليوم ثلاث مرات ، ومرة أخرى وصفت عيناه بالجمال فتعرض لحادث دخل على أثره برادة حديد في عينه وتلقى العلاج اللازم لإزالتها ، وكذلك حصل أن أصيب بحروق في عينية نتيجة تعرضه للماء الساخن ، ومن الحوادث التي تؤكد على هذا الأمر ما تعرضت له أبنتي الكبرى من إيذاء ، حيث كانت متفوقة في دراستها ومذاكرتها ، فَذَكرت فيها تلك الصفة بإطراء وإعجاب فأصبحت تعاني من عدم القدرة على التركيز ولا تستطيع أن تقرأ أكثر من سطر واحد في الكتاب المقرر 0
وقد كانت الفتاة تشعر بضيق شديد وخوف مؤلم في القلب صباح كل يوم سوف يأتي المعالج لرقيتها بالرقية الشرعية ، بالرغم من أننا كنا نخفي عليها قدر الإمكان موعد مجيئه في الأيام الأُول ، لدرجة أنه مع تكرار هذا الأمر أصبحت تعرف الموعد المحدد بالضبط الذي سوف يأتي به 0
واستمر جدول الرقية والعلاج ، وشعرنا بتحسن ملحوظ ، حيث كانت في بادئ الأمر لا تستطيع الصلاة ولا الذكر ولا الدعاء إلا بصعوبة بالغة ، وكان التركيز في هذا الأمر من قبلي أنا ، حيث كنت أقرأ عليها ، وأغسلها بالماء ، وكذلك أقوم بدهن كامل جسمها بالزيت المقروء عليه ، وقد كان يتم كل ذلك بصعوبة بالغة ومقاومة شديدة ، وبعد فترة من العلاج والاستشفاء بالرقية الشرعية واتخاذ الأسباب الحسية المباحة تحسن حالها وأصبحت لديها القدرة على الصلاة والذكر والدعاء ، وكانت تُعيننا في المحافظة على بعض الأوراد والأذكار ، وأصبحت تغتسل بالماء المقروء عليه من تلقاء نفسها ، ثم تحسن الحال معها حيث أصبحت لديها القدرة على أن تقرأ في الماء ، وقد حاول الخبيث منعها من ذلك بأن يصرعها أو يخنقها أو يجعلها تتقيأ باستمرار ، ولكنها كانت صابرة محتسبة مستعينة بالله سبحانه وتعالى وطبعاً كانت الغلبة من نصيبها 0
وقد تمت كافة الأحداث المشار إليها آنفاً قبل شهر سبتمبر 2000 م الموافق جمادى الأول 1421 هـ دون أن يتكلم الخبيث مع أحد قط ، وفي نهاية شهر رمضان من العام نفسه نطق على لسانها لأول مرة ، وقد حدث ذلك الموقف أمامي بعد إلحاح مني وعرض المساعدة عليه ، وادعى أن اسمه عليّ وأنه يحبها حباً شديداً ، وذكر لي مدة الثلاث سنوات ، ولا أدري إن كان يقصد بذلك أنه دخل بها وعمرها آنذاك ثلاثة أعوام ، أو أنه يُذكِّرُ بصرعه إياها للمرة الأولى قبل ثلاث سنوات ، وإن كانت الأحداث ترجح لي المعنى الأول ، ومما ذكره لي أنه يعشقها ولا يستطيع التخلي عنها وأنه لن يقبل مطلقاً أن تكون لغيره ، وأنه يختار الموت على فراقها ، وقد سألته عن الشيء الذي أدّعى أنه ضحى به لأجلها ، فبين لي أنه قد تخلي عن أمه وأباه وأهله جميعاً من أجلها ، فبدأت دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة وذكرته بالله وباليوم الآخر وأوضحت له أن فعله لهذا الأمر حرام ولا يجوز في حق الله ولا في حقه ولا في حق غيره ، فقال لي : أريد أن أتزوجها ، فبينت له استحالة ذلك الأمر وأنه من عالم وأنها من عالم آخر يختلفان في الخلقة والطباع والتصرفات ، ويستمر ذلك الخبيث ليطل عليّ بوجهه الخبيث وأباطيلة التي كانت تدور على محور كلامه السابق ، وأعترف أنني كنت في بادئ الأمر أدعوه وأحاول معه بالحسنى ، وعرضت له مساعدتي للتوبة النصوح أولاً ، وللخروج من هذه المسكينة ثانياً ، فما زاده ذلك إلا طغياناً وكفراً وتجبراً ، ، فلجأت معه إلى استخدام أسلوب آخر يعتمد على الاستفزاز والتعذيب النفسي كقولي له : بأننا سوف نزوجها ، أو أن أقول له : زواجها قريب بإذن الله تعالى ، أو هي تكرهك ولا تحبك وغير ذلك من الأمور التي كانت تجعله يصيح بأعلى صوته حتى يختنق كما كانت تراه هيّ ، وقد أخبرتني عدة مرات بعد أن تصحو مما هيّ فيه – نوبة الصرع - بأنه عند سماعه مثل هذا الكلام كان يزيد في إيذائها ولم تكن تعلم سبب صياحه واختناقه ، إلا أنني بعد قراءتي لموسوعة الأخ أبو البراء علمت خطأ ذلك التصرف وأنه لا بد من الاستعانة بالله سبحانه وتعالى وحده دون اللجوء إلى أساليب الاستهزاء والاستفزاز ، واكتفيت بالرقية الشرعية علماً بأن هذا الخبيث لم يتكلم مع أحد غيري ، حتى ذلك الأخ الذي يشرف على علاجها ، وقد قمت ذات يوم بتسجيل صوته إلا أن المعالج قام بإتلاف الشريط حرصاً على المصلحة الشرعية ، وقد كنت ألجأ في كثير من الأحيان إلى تشغيل المسجل في المنزل بسورة البقرة كاملة وأحياناً بكامل القرآن وقد كان يستمر هذا الأمر نهاراً وليلاً ، وقد كان الخبيث يتأذى كثيراً من الآيات التي يكثر فيها ذكر الزناة ، وكذلك الآيات التي تبين فضل الحافظين لفروجهم ، وقد كنت أحياناً ألجأ إلى إلصاق سماعة التسجيل في الأماكن التي تشعر فيها بألم في الجسد ، وقد أدى استخدام الأساليب والوسائل الشرعية والحسية إلى تطور حالة الفتاة إلى الأحسن وذلك فضل من الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً ، ويستمر الأمر في تحسن ملحوظ لدرجة أن الفتاة أصبحت تعتمد على نفسها في كثير من شؤون حياتها الخاصة والعامة ، واستغنت عن ملازمتي إياها ، وبدأت بعون الله سبحانه وتعالى بحفظ سورة البقرة وذلك في الأسبوع الأول من شوال الماضي ، وكانت تسمّع لي ما حفظته ثم تكمل الباقي قراءة تلاوة ، حيث أصبحت تحافظ على تلاوة سورة البقرة يومياً ، وبطبيعة الحال فإن ذلك لم يحدث بسهولة ، حيث أنها في بداية الأمر كانت تقرأ البقرة يومياً في أواخر شهر رمضان المبارك وكنت أجلس بجوارها أقرأها عليها ، وما أن تبدأ حتى ترى صفحات القرآن الكريم تتلاشى أمام ناظريها كي تصبح صفحات بيضاء ، ولكن ذلك لم يثن من عزيمتنا ، فأصبحتُ ألقنها ما تقرأ من القرآن ودخلنا معه في تحد بأنها سوف تحفظ سورة البقرة ولم نُعِد التحدي لقدرتنا نحن ، إنما نعلم يقيناً أن الله معنا وهو القادر على كل شيء ، ودخل الخبيث بضعفه وقلة حيلته يتحدى وقد نسي أن مقادير الأمور بيد الله سبحانه وتعالى وهو القائل " إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب " ، وبدأ الصراع ، صراع بين الحق والباطل ، حتى قلت حيلته بفضل الله سبحانه وتعالى وكرمه ومنه ولم يعد بمقدوره طمس صفحات القرآن الكريم أمام ناظريها ، ولم يعد كذلك باستطاعته أن يتهجم عليها ذلك الهجوم بصورته البشعة ، وعندما رأى الإصرار والعزيمة التي كنا نستمدها من كتاب ربنا وسنة نبينا لجأ هذا الطاغية إلى تمزيق المصحف بحقد وكراهية تبدو على وجهه حينما كان يتلبسها ، ومن رأى طهوره على محياها أيقن يقيناً لا يشوبه شك أن تكون تلك هيّ الفتاة الصغيرة الطيبة الوديعة ، وقد فعل ذلك الأمر مرتين في شهر رمضان المبارك ، وإحداها في المسجد بعد صلاة القيام وفي الثلث الأخير من الليل ، وقد احتفظت بالنسختين عندي ذكرى جريمة هذا الأفاك وطغيانه وعِتيه على ربه 0
والحاصل في الأمر أنه ما أن أهل علينا عيد الأضحى أو بعده بقليل إلا والفتاة تحفظ سورة البقرة وسورة آل عمران ، وتتلوهما : الأولى يومياً ، والثانية كل ثلاثة أيام بمعدل عشر صفحات يومياً على وجه التقريب ، ثم منّ الله سبحانه وتعالى عليها فاستطاعت حفظ سور : ياسين والصافات والدخان والحجر والمعارج ، ودخلت في برنامج تسميع يومي ، إضافة إلى برنامجها المعتاد : الرقية الشرعية ، والاغتسال بالماء المقروء عليه ، واستخدام زيت الزيتون لدهن جميع أنحاء الجسم ، واستخدام العسل الطبيعي ، والمحافظة بشكل عام على الصلوات والدعاء والأذكار ونحو ذلك مما ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه 0
كل ذلك أدى بفضل الله سبحانه وتعالى لتحسن كبير عند الفتاة ، وانقطعت عنها الآلام ، وأصبحت متباعدة جداً ، وقلت عنها الاعتداءات من قبل هذا الخبيث ، وذات يوم صرعها في دورة المياة ومزق ثيابها وقد حاول الاقتراب منها إلا أنها رأته في حالة مزرية وهو يقول : نار 000 نار 000 أحرقتني 000 أحرقتني ، واستمر هذا الوضع ما يقارب النصف ساعة ، فعندما استبطأت خروجها ، دخلت عليها الحمام وأفاقت بطريقة كنت أعرفها خاصة عندما يفر هذا الخبيث سريعاً 0
كل تلك الأحداث الأخيرة والمتلاحقة سراعاً أفرحتنا كثيراً ، وعلمنا يقيناً أن الله سبحانه وتعالى معنا ، كيف لا وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، بل وبشرنا الأخ المعالج الذي يشرف على علاجها ، فعاودها في اليوم الثاني بشكل هذا الأخ ليحاول أن يثبط من عزيمتها وإصرارها ، ويزرع في نفسيتها أمور مستقبحة كي تحمل انطباعاً بشعاً عن هذا الأخ الكريم ، وكادت الفتاة أن تتحطم نفسياً لولا رحمة الله سبحانه وتعالى ووقوفي معها في ذلك الوقت ، حيث كنت على اتصال بالأخ أبو البراء الذي كان يوجهنا فيما ينفع من استخدام الأمور الشرعية والحسية ، كاستخدام المسك الأبيض قبل النوم ، وكذلك استخدام الملح الصخري والزيت والماء ونحو ذلك من أمور أخرى ، وكنا نقرأ عليها الرقية الشرعية، وكذلك سورة البقرة كاملة وما تيسر من القرآن والأدعية المأثورة الثابتة ، وقد عانت الفتاة في بداية الأمر من حرقة وحكة شديدتين ، إلا أنه بفضل من الله سبحانه وتعالى تلاشت كافة هذه الأمور ولم تتكرر عليها تلك الاعتداءات مطلقاً 0
واستمر الخبيث في محاولة إيذاء الفتاة بكل ما أوتي من حول وقوة ، وذات يوم كانت تحمل إبريق ماء ساخن فصرعها واندلق عليها الماء الساخن وتأذت من ذلك الأمر كثيراً ، علماً بأننا قد حذرناها جميعاً من الاقتراب من الأشياء الحارة أو لمسها ولكن الخبيث أحياناً كان يسيطر على تفكيرها فينسيها ذلك، ولكننا كنا نحتاط ونتنبه لهذا الأمر بحول الله وقوته0
وفي أحد المرات وكعادة الخبيث فقد سيطر على تفكيرها فحملت قدر ماء يغلي وحاول أن يصرعها في ذلك الموقف إلا أنه لم يستطع ذلك لضعفه وانهيار قوته ، وهذا فضل من الله سبحانه ، فما كان منه إلا أن دفعها للأمام بقوة شديدة ، فانسكب الماء بعيداً عنها بقدرة الواحد الأحد سبحانه وتعالى 0
ومن المحاولات المستميتة لهذا الطاغية للنيل من تلك الفتاة أن تعرض لها ذات يوم وقصده كتم أنفاسها بيديها ، وقد كنت جالسة آنذاك بجوارها منشغلة في الكتابة ، وانتبهت لها وهي ترفس بقدميها ، ولولا مشيئة الله وستره لربما قتلها الخبيث ، والأمر الملفت للنظر أنه كانت له القدره في التصرف بيديها سواء كانت نائمة أو مستيقظة ، ولكن هذا الأمر أصبح في تناقص مطرد ولله الحمد والمنة 0
ومن الأمور النافعة التي أدت إلى تحسن الفتاة تحسناً ملحوظاً استخدام جهاز كهربائي صغير ، وهذا الجهاز يستخدم استخداماً موضعياً ولا يؤدي بأي حال من الأحوال إلى سريان تيار متردد في جميع أنحاء الجسم ، وقد عَلِمنا يقيناً كم يخاف هذا الخبيث من استخدام هذا الجهاز ، وقد استخدمته عدة مرات إلى أن استطاع التحايل عليّ والفرار من ضرب الكهرباء بسرعة البرق ، وأصبح يتحاشى صرعها في حال وجود الجهاز معي ، ويكتفي بإيلامها في مواضع متفرقة من الجسد ، وكلما حاولت مطاردته كان أسرع مني في الهروب ، أما في حالة عدم وجود الجهاز فكان يحاول صرعها وينجح في بعض الأحيان وإذا أتيت بالجهاز فر وولى هارباً ، وفي إحدى المرات حاولت إصابة الخبيث بالجهاز الكهربائي لمنعه من إيذائها فر وجعلها تشعر بسريان الكهرباء تجري في جسدها لمدة ربع ساعة على أقل تقدير وكان يلاحظ ذلك حتى على شفتيها ، واستمر الحال معنا على ذلك وقد اتصلنا بالأخ أبو البراء لنسترشد بنصحه في ذلك ، حيث أشار علينا أن تحاول الفتاة قيام الثلث الأخير من الليل بسورة البقرة ، وحاولنا ذلك ولكنها لم تنجح ، حيث كانت تشعر بآلام حادة توقعها أرضاً ، ويستمر العذاب والألم من منتصف الليل حتى بزوغ الفجر ، وكنت أراها وكأنها امرأة في حالة ولادة : انتفاخ البطن ، وتشنج وطلق حاد متقطع ، وقد استخدمت في ذلك الوقت الكهرباء الموضعية في مناطق متفرقة من الجسم كالبطن والظهر ، وجدير بالذكر أن هذه الآلام كانت مترافقة مع انقطاع الاعتداءات عليها خاصة بعد استخدام الأسباب الحسية المشار إليها آنفاً ، وقد استمر الوضع على ذلك كل ليلة ، وحاولنا أن نكرر قيام الليل مرة واثنتان ، ولكن الفتاة لم تستطع ذلك ولم تصمد أمام الآلام الحادة التي كانت تنتابها ، فأجلنا المحاولة إلى إشعار آخر ، وبفضل الله سبحانه وتعالى وكرمه ومنه بدأت الآلام تقل تدريجياً ليلة بعد ليلة إلى أن تلاشت بالكلية0
وبدأ الخبيث باستخدام أسلوب آخر للنيل من عطف وحب الفتاة حيث أصبح يعمد كي يُريّ الفتاة شريط حياته ، فأصبحت تنام فجأة ، أو تصرع بين يديّ ، وكنت أنظر إليها فأراها وكأنها تعيش في عالم آخر ، وتخبرني بعد ذلك بأنها ترى فتاة صغيرة تعرفها جيداً ولكنها لا تدري من هيّ ، وحولها خلق كثيرون يشبهون البشر وليسوا كذلك ، وترى طفل صغير يبتعد عنهم ويلتحق بالفتاة فيبكون عليه ، وكان أشدهم بكاءً رجل وامرأة كبيران في السن فيدعوانه ليعود إليهم ولكنه لا يستجيب لهم ويلحق بالفتاة فيتركانه ويرتحلان 0
وذات يوم يريها ذلك الزنديق الفتاة الصغيرة وهيّ تبكي ، فيبكي الصبيّ لبكائها ببكاءٍ أشد ، وإن ضحكت ضحك بضحك أشد ، ويصور لها أيضاً أنهما يلعبان سوياً ، واستمرت تلك المشاهد تتكرر على الفتاة ، وأصبح يستغل أناشيد الإخاء والمحبة في الله التي كانت تسمعها ويحاول اقناعها بأن ذلك ينطبق على حاله وحالها ، وكنت أدخل معه في حوارات لإبطال مزاعمه تلك فكان يحاول إيذاءها ، وقد كان صرعه لها منذ بدايته يتخذ أشكالاً على النحو التالي :
* تصرع فتراه وتسمعه دون أن نسمع نحن شيءُ على لسانها 0
* تصرع صرعاً كلياً فلا ترى ولا تسمع شيئاً 0
* تصرع ويتكلم على لسانها ، وتراه وهو يتكلم دون أن تسمع ردنا عليه 0
* تصرع فتراه وتكلمه وتردّ عليه بشدة ، ونحن نسمع ذلك ونعلم يقيناً أنها التي تتكلم ، ومما كانت تقوله لهذا الطاغية :
- أعرف أنك قد عذبتني ولكنك في عذاب أشد 0
- وأعرف تماماً أنني بذلك أزداد حسنات بإذن الله تعالى ، وأنت على العكس من ذلك تماماً فتزداد إثماً وسيئات 0
وغير ذلك من كلام آخر نجزم أنه كلامها هيّ وأنها تخاطبه به ، وقد كانت تلك اللحظات أشد ما يكون في تعذيبه لها ، وكان يبكي لكلامها ويتسلط عليها بالتعذيب والآلام ، عند ذلك نصحتها ألا تكلمه أو ترد عليه وتكتفي باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والاستعانة به وحده ، رغم أني أعلم أنها تكون غائبة تماماً عن عالمنا هذا 0
وقد استمر جدولنا في العلاج والاستشفاء بفضل الله ومنه وكرمه نزيد ولا ننقص منه شيئاً ، مع إضافة استخدام السدر والماء المقروء عليه ، ومن ثم عرض لي سفر لجمهورية مصر العربية لمناقشة بعض الأمور المتعلقة برسالة الدكتوراة التي أحضر لها ، فظهر الخبيث قبل سفري وهددها بأنه سوف يفعل الأفاعيل بها ، ولم تخبرنا المسكينة حتى لا تؤثر عليّ ولا على الهدف الذي ذهبت لأجله ، فلما سافرت مع زوجي بدأ يكيل عليها ألوان من العذاب والإيذاء طول تلك المدة ، وذات يوم اتصل الأهل بنا وكنت أسمع صراخها الشديد ، ورغم مرارة التجربة إلا أن ذلك كان درساً لها ولهذا الطاغية ، أما بالنسبة لها فحتى تتيقن أنه لا يملك أحد من الخلق النفع والضر وأن الأمر بيد الله سبحانه وتعالى ، وأما بالنسبة لهذا الخبيث فقد رآها وهي الفتاة الضعيفة التي لا تملك حولاً ولا قوة كيف أنها لجأت إلى الله سبحانه وتعالى ثم الأسباب الشرعية والحسية كاستخدام الزيت والماء والملح ، وكيف أنها تقرأ وتستغيث بالله سبحانه وتعالى ، وتتحمل كافة الآلام والأسقام ولم تطاوعه في مطالبه الشيطانية ، ولم تستسلم له مطلقاً ، وتحتسب كل ذلك عند الله الواحد الأحد 0
عدت من مصر وحضر الخبيث بين يديّ وكان يبكي بحرقة شديدة وتحداها على الصبر والتحمل ، فأيقضتها من صرعها وأسمعته إياها وهيَّ تعاهد الله سبحانه وتعالى على الصبر والاحتساب وتطلب منه العون والمغفرة ، فحضر مرة أخرى يبكي ويصيح ويقول بأعلى صوته : لم أعد أقدر عليها ، سأحطمها ، أنا أكرهها ، فبينت له أنها تكرهه والأولى له أن يُخَلِصَ نفسه من هذا العذاب الذي يتعرض له ليلاً ونهاراً ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ، فصاح : أحبها 000 أحبها 000 ، فأنذرته وبينت له بأن الأيام القادمة سوف تكون أشد وأقسى ، فولّى مستكبراً 0
وعزمنا الأمر للتوجه إلى بيت الله الحرام أشرف وأطهر بقعة على وجه الأرض لأداء مناسك العمرة وكي نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يخلصنا من هذا الطاغية ، توجهنا بالسيارة إلى مكة المكرمة وكانت الفتاة طوال الرحلة خائفة مرتعدة تشعر بالضيق والغثيان ، وكان يُداخِلُها أمر غريب وهو أن السيارة تعود للوراء ، وبفضل الله سبحانه وتعالى وصلنا مكة ، وشعرت بانشراح في الصدر مع خوف يكاد يتفطر منه قلبها ، ولما انتهينا من الطواف شربت من ماء زمزم فزال عنها الخوف ، ومن ثم توجهنا للسعي بين الصفا والمروة ، وفي نهاية الشوط الثاني من السعي حذفها الخبيث على حجارة الصفا وأتممنا السعي والعمرة بفضل الله سبحانه وتعالى وحده ، وكانت الفتاة تبكي بكاءً شديداً طوال هذه المدة ، وقد أصبحت من خلال ملازمتي لها أملك الخبرة والمعرفة في التفريق بين بكائها وبكاء ذلك الخبيث 0
بعد ذلك أصبحنا نتردد على الحرم للصلاة والطواف ، وكان يغلب على الفتاة النرفزة الشديدة والغضب والعناد ، وكنت أسايرها أشد المسايرة حتى لا تفلت من يدي ، وقد كنت أجبرها على التضلع من ماء زمزم ، وألقنها بعض الأدعية والأوراد المأثورة في السنة المطهرة ، وكان يبدو على وجهها وهي تقول ذلك السرحان والكره والاشمئزاز ، خاصة عند الدعاء على هذا الخبيث والاستعانة بالله أن يخلصنا منه ومن شره وأن يحول بينه وبين هذه الفتاة المسكينة ، وقد كنت أجزم أن التعابير التي كانت تظهر على وجه الفتاة تعابيره هوّ ، فكنت أكثر من اختيار الأدعية التي أظن أن لها تأثيراً على هذا العُتل المتجبر 0
مكثنا في مكة ما يقارب العشرين يوماً ، وقد ختمت الفتاة القرآن في الحرم خلال هذه الفترة مرتين ، وكانت المرة الأولى في الثلث الأخير من الليل في الطواف ، وقد أوصلتها عند الملتزم فدعت بما قدرها الله سبحانه وتعالى ، وصلت ركعتين في حجر اسماعيل ، وكانت تبكي بكاءً عجيباً ، بعد ذلك ذهبت بها إلى ماء زمزم فاغتسلت وتضلعت منه 0
وفكرت في هذا الموقع بالذات أن أكرر المحاولة معها لقيام الثلث الأخير من الليل بسورة البقرة لقدسية المكان ، وكان ذلك ، وبدأت المحاولة ، وكان حدثاً مشهوداً ، وكان عزاؤنا بأننا متحجبات عن أعين الناس ولا يعرفنا أحد ، وبدأت الفتاة تتمايل يمنة ويسرة من جراء الآلام التي بدأت تهاجمها من رأسها إلى أخمص قدميها ، واشتد بكاؤها ومع ذلك تستمر في الصبر والقراءة ، وكنت أتتبع الخبيث من مكان لآخر بماء زمزم ، وكان يفر من ذلك الماء فراراً عجيباً ، مما جعلني استخدم ذلك الأمر معه لاحقاً ، وقد بدأت الفتاة القيام في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وختمت سورة البقرة في ركعتين في تمام الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ، وكان بكاؤها خلال تلك الفترة بكاءً شديداً وعجيباً ، وكاد أن يحول بينها وبين الدعاء وخاصة في السجود ، وكنت أقوم على تلقينها ذلك في مرات عده، وعندما انتهت من قيامها فرحت فرحاً عظيماً ، وتوجهت إلى ماء زمزم وشربت وتضلعت ، وكانت تلك المرة الأولى التي تستطيع أن تقوم الليل بسورة البقرة كاملة 0
وقد تكرر ذلك الأمر إحدى عشر ليلة متتالية ، وكانت الآلام والمعاناة فيها تتناقص وتقل ، وكنت أرى الإصرار والعزيمة تزداد بشكل مطرد ، وكل ذلك بعون من الله سبحانه وتعالى ، حتى وصل بها الأمر إلى أن تبدأ القيام وتنتهي منه في ساعة واحدة فقط ، وكثر طوافها بعد أن كانت لا تستطيع ذلك في السابق إلا بصعوبة بالغة ، وبلغ من تحديها لهذا الخبيث مستعينة بالله سبحانه أنه في إحدى المرّات خنقها وجعلها تتقيأ وبشدة حتى سقطت على الأرض ، وكانت قد قطعت شوطاً كبيراً من القراءة ، فذهبت بها إلى ماء زمزم وغسّلت عباءتينا ، وأخبرتها أن تصلي جالسة ، فأبت ذلك وصلت واقفة وأعادت صلاتها منذ البداية ولم تصب بشيء بفضل الله عز وجل 0
وفي الثلاث ليلالي الأخيرة من تواجدنا في الحرم المكي كانت تشعر أثناء الصلاة وكأن دبابيس محمأة بالنار توخز في جسدها ، وقد قاومت ذلك بفضل الله واستخدام ماء زمزم ، ولم يمنعها ذلك من الاستمرار في الجدول السابق الذي وضعته لنفسها ، ومما لفت نظري أثناء هذه الفترة أهمية ماء زمزم في العلاج والاستشفاء شرباً واغتسالاً ، مما جعلني في كثير من الأحيان وأثناء تواجدنا بالحرم من غسل كافة أنحاء جسدها بماء زمزم ، من خلال رشه على ثيابها ، وقد استخدمت مثل ذلك الأمر معها في الشقة التي نسكنها ، فجلست في حوض للماء وكنت أسكب عليها من ماء زمزم وأقرأ عليها الرقية الشرعية وكانت تتململ وتحاول الخروج من الماء وتستغيث ولم أكن أعر لكل ذلك أي اهتمام ، بل أواصل القراءة ، وقد حاول الخبيث ذات مرة أن يغرقها في الماء ولكنني كنت منتبهة بفضل الله سبحانه وتعالى ، خاصة أنني لم أنس تهديد هذا الطاغية بقتلها وقتل نفسه ، وقد استخدمت ذلك الأمر مدة تسعة أيام متتالية وفي كل مرة كانت الأحوال والظروف تتناقص عن الفتاة يوماً بعد يوم ، وبعد انتهاء رحلتنا أصبحت في حالة تحسن شديد للغاية من حيث زوال كافة أعراض المعاناة ، وكذلك فتح شهيتها للأكل والشرب 0
ومن ثم ذهبنا إلى المنطقة الشرقية وعرضنا الحالة على الأخ أبو البراء حيث عاينها وأعطانا تقييماً طيباً عن حالتها وأوصانا بالاستمرار فيما نحن فيه ، وأوصاها كذلك بالصبر والاحتساب واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وحثها على مواصلة الرقية الشرعية والاستعانة بالله الواحد الأحد 0
بعد ذلك عدنا إلى بلدنا واستمر الأمر معها طبيعي تماماً ، وكل من رآها في ذلك الوقت أقسم بأنها إنسانة طبيعية لا تعاني من أية أعراض تذكر وبقي الحال على ما هو عليه مدة عشرة أيام ، وخلال تلك الأيام حدث تقصير من قبل الفتاة في الجدول الذي تسير عليه ، فتحين الفرصة مرة أخرى ليصرعها ولكنه لم يكن قادراً بفضل الله سبحانه وتعالى على فعل أي شيء يذكر ، وأدّعى أن هذا بإرادته ، وكادت الفتاة أن تنهار ووقفت معها كي أشد من عزيمتها وإصرارها ، وعاودت التحدي مستعينة بالله سبحانه ، وعادت كي تقوم بسورة البقرة ، لكي يعود هذا الأفاك إلى مضايقتها ولكن بضعف ووهن شديدين 0
وها نحن اليوم ملتزمون بفضل الله سبحانه وتعالى وكرمه ومنه بجدول العلاج ، والفتاة الآن تقوم على ختم القرآن الكريم من ثلاثة إلى سبعة أيام نسأل الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق والسداد 0
تلك هي قصتنا التي حاولت أن اختصرها قدر المستطاع وهي تمثل معاناة عشرة أشهر بأيامها ولحظاتها وثوانيها ، أكتبها كي تكون عبرة وعظة لكل باحث عن الحق، سائلاً المولى عز وجل أن يحفظنا بحفظه ، ويوفقنا بتوفيقه، كتب الله لنا ولكم الأجر ، ورفع درجاتنا بما أصابنا ، وحط من خظايانا ، إنه وليّ ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
قلت : تلك هيّ قصة فتاتنا الخليجية التي ذكرتها بتفصيلاتها كي تكون فيها العبرة والعظة ، ومن تابع هذه السلسلة يجد أني لم أحاول مطلقاً أن أذكر قصصاً يميل أسلوب الرواية فيها إلى الخوف والرعب ، فقد كنت أذكر القصة في موضعها للعبرة والعظة دون الميل مطلقاً إلى استخدام أسلوب قد يدخل الخوف والرعب إلى مخيلة القارئ الكريم ، ولكني في هذه القصة أستسمح الجميع عذراً ، وقد كان الغاية والقصد من هذا العرض الدقيق والمفصل أن أثبت القصة كاملة وأقدمها للاخوة من أهل الاختصاص في الطب العضوي والنفسي كي تولى مزيد من البحث والدراسة والتحليل، ونحن على يقين تام وثقة إن شاء الله تعالى بأن الهدف والغاية لأهل الطب الصادقين المخلصين تحري الحق واتباعه ، فنسال الله سبحانه وتعالى أن يهديّ الجميع لما يحب ويرضى 0
تاريخ الاضافة : 7 / 3 / 2004 م