كتمان العلم للمصلحة(للشيخين الفوزان والعثيمين )
كتمان العلم للمصلحة
مأخوذ من حديث:
ـ معاذ بن جبل والذي نصه:" وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
"كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله
ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا،
وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت: يا رسول
الله، أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشِّرهم فيتكلوا" أخرجاه في الصحيحين.
من الحكمة؛ أن العلم لا يوضع إلاَّ في مواضعه، فإذا خيف من إلقاء المسائل
على بعض الناس محذور أكبر،
فإنهم تُكتم عنهم بعض المسائل من أجل الشفقة بهم، ورحمتهم من الوقوع في
المحذور، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكتمان هذا النوع من العلم عن
عامة الناس، وأخبر به معاذاً، لأن معاذاً من الجهابذة،
ومن خواص العلماء، فدلَّ على أنه يجوز كتمان العلم للمصلحة، إذا كان
يترتب على إيضاح بعض المسائل للناس محذور: بأن يفهموا خطأً، أو
يَتَّكِلوا على ما سمعوا، فإنهم لا يُخبَرون بذلك، وإنما تلقى هذه المسائل على
خواص العلماء الذين لا يُخشى منهم الوقوع في المحذور، فأخذ العلماء من
هذا الحديث جواز كتمان العلم للمصلحة وإنما أخَبَرَ معاذ رضي الله عنه بهذا
الحديث عند وفاته، خشية أن يموت وعنده شيء من الأحاديث لم يبلِّغه للناس ،
كما في حديث علي رضي الله عنه: "حدِثوا الناس بما يعرفون، أتريدون
أن يكذَّب الله ورسوله"، يعني: لا يُلقى على كل الناس بعض المسائل التي
فيها أمور يَخفى عليهم معناها، أو تشوِّش عليهم، وإنما يُلقى على الناس ما
يفهمونه، ويستفيدون منه، أما نوادر المسائل، وخواص المسائل،
فهذه تلقى على طلبة العلم، والمتفقهين المتمكِّنين،
وفي موضع آخر تابع للشرح استشهد فضيلته (الشيخ صالح الفوزان )بقول
ابن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلاَّ كان لبعضهم
فتنة"
وقال علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب
الله ورسوله".
ومن جهة أخرى
جاء في شرح كتاب التوحيد للشيخ صالح العثيمين لمعني" لا تبشرهم
فيتكلوا "؛ لأن الاتكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من
مكر الله.
وكذلك القنوط من رحمة الله، يبعد الإنسان من التوبة، ويسبب اليأس من
رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد: "ينبغي أن يكون سائرا إلى الله بين
الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه"، فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى
الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله.
وقال بعض العلماء: إن كان مريضا غلَّب جانب الرجاء، وإن كان صحيحا
غلب جانب الخوف. وقال بعض العلماء: إذا نظر إلى رحمة الله
وفضله؛ غلَّب جانب الرجاء، وإذا نظر إلى فعله وعمله؛ غلَّب جانب الخوف
لتحصل التوبة.
ويستدلون بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ** 1 أي:
خائفة أن لا يكون تقبل منهم لتقصير أو قصور، وهذا القول جيد، وقيل:
يغلب الرجاء عند فعل الطاعة ليحسن الظن بالله، ويغلِّب جانب الخوف إذا هم
بالمعصية؛ لئلا ينتهك حرمات الله.
وفي قوله: " أفلا أبشر الناس؟ " دليل على أن التبشير مطلوب فيما
يسر من أمر الدين والدنيا، ولذلك بشرت الملائكة إبراهيم، قال تعالى: **
وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ** وهو إسحاق، والحليم إسماعيل، وبشر النبي صلى الله
عليه وسلم أهله بابنه إبراهيم، فقال: " ولد لي الليلة ولدميته باسم أبي
إبراهيم .
فيؤخذ منه أنه ينبغي للإنسان إدخال السرور على إخوانه المسلمين ما أمكن
بالقول أو بالفعل، ليحصل له بذلك خير كثير، وراحة، وطمأنينة قلب، وانشراح
صدر.
وعليه، فـلا ينبغي أن يدخل السوء على المسلم، ولهذا يروى عن النبي صلى
الله عليه وسلم: " لا يحدثني أحد عن أحد بشيء، فإني أحب أن أخرج
إليكم وأنا سليم الصدر ". وهذا الحديث فيه ضعف، لكن معناه صحيح،
لأنه إذا ذكر عندك رجل بسوء، فسيكون في قلبك عليه شيء ولو أحسن
معاملتك، لكن إذا كنت تعامله وأنت لا تعلم عن سيئاته، ولا محذور في أن
تتعامل معه، كان هذا طيبا،
وربما يقبل منك النصيحة أكثر، والنفوس ينفر بعضها من بعض قبل الأجسام،
وهذه مسائل دقيقة تظهر للعاقل بالتأمل.!!!!
1
شرح كتاب التوحيد للشيخين
صالح الفوزان حفظه الله تعالى
وصالح العثيمين
رحمه الله تعالى