معنى الزندقة ومنشؤها
ومعلوم أن الزندقة هي كلمة فارسية وليست بعربية، ولهذا أهل العربية يقولون: لا يوجد في كلام العرب كلمة: زنديق وإنما أصلها فارسي، ولهذا يقولون: هي مختصرة أو مدموجة من أصل كلمتين، وهما: زند: وهي الحياة، ويق: والمراد بذلك العمل، وقيل: المراد بذلك الدهر، قالوا: دوام الدهر ودوام الحياة، وأصل من ابتدع هذه الملة هو ديصان من قوم فارس وتبعه على ذلك مزدك من قوم بهرام، وعقيدتهم في ذلك: أنهم قالوا: إن الله عز وجل خلق النور والظلمة فاندمجتا، فما كان من الشر فهو من الظلمة وما كان من الخير فهو من النور. ولعل لهذا الأمر الذي يذكره المؤرخون أصلاً، فإنه وجد في كلام العرب من الصدر الأول ما يشهد له، ولهذا يقول المتنبي: وكم لظلام الليل عندك من يد يخبر أن المانوية تكذبوالمانوية: هم أتباع ديصان، و ديصان تبعه على ذلك جماعة كمانوي وكذلك مزدك، وقد دعا بهرام والد كسرى من انتحل هذه النحلة حتى دخل في حماه فقتلهم عن بكرة أبيهم، وأراد بذلك أنه قتل من ارتد.
وأخذ العرب هذا المصطلح لما وصل إليهم على من نافق في دين الله عز وجل وسلك هذا المسلك، بأنه سلك هذا الأمر، ولهذا اختلف العلماء عليهم رحمة الله تعالى في حد الزنديق وتعريفه على أمور كثيرة، وهذا أصله، منهم من قال: هو المنافق، ومنهم من قال: من ثبت كفره على أي حال كان، ومنهم من قال: من كان على الإلحاد ولم يتدين بشيء من أنواع الديانات، قالوا: يسمى زنديقاً، ومنهم من قال: إن من كان فيه نوع نفاق فإنه يسمى: زنديقاً، ولو لم يكن يخرج من الملة، ولكن اشتهر في اصطلاح العلماء إطلاق الزنديق على المنافق، وقد نص على هذا جماعة من العلماء عليهم رحمة الله كالإمام الشافعي في كتابه الأم: أن المراد بذلك المنافقين. وعلى كل فإن هذا يدل على أن الردة حد معلوم، وأريد به صيانة العقائد والمذاهب والأفكار عند سائر أرباب الملل، فإنه لو أذن لكل أحد أن يلج ويخرج متى شاء فإن في هذا ضرباً من ضروب التقليل والاستهانة بتلك الشريعة التي جاء إليها، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ذلك جملة من النصوص يأتي بيانها بإذن الله. وقد جعل العلماء عليهم رحمة الله تعالى لهذا الباب قدراً عظيماً في مصنفاتهم، سواءً في أبواب الاعتقاد أو في أبواب الفقه أو في غيرها من مسائل الدين كمسائل الآداب والسلوك وغيرها، فإنهم أفردوا لذلك باباً مستقلاً خارجاً عن أبواب الحدود، فإنهم يذكرون في أبواب الحدود حد السرقة، ويذكرون حد الزنا وحد القتل وغير ذلك من الأحكام، ولا يذكرون حد الردة، وإنما يضعونه في باب مستقل وهو أحكام المرتدين، أو استتابة المرتدين، ويأتي الكلام -بإذن الله عز وجل- عن مسألة حكم المرتد، وكذلك حكم المرتدة، والاستتابة وأنواع الردة بإذن الله عز وجل.
القسم : محاضرات مفرغة
الكتاب: وجوب الاتباع
المؤلف: عبد العزيز بن مرزوق الطّريفي
المصدر: الشاملة الذهبية