ثانيًا : فانظر إلى آثار رحمة اللَّه .
إن آثار وعلامات رحمة اللَّه أظهر من أن تُبين وأكثر من أن تُحْصَى . قال تعالى : ** وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ** [ إبراهيم : 34 ] .
ففي كل نعمة رحمة يستدل عليها كل ذي عقل صحيح ، ويعرفها كل ذي قلب سليم .
ولا ينكرها إلا كل ظلومٍ كفارٍ ، وهذا أمرٌ لا يحتاج إلى دليل .
كما قال الشاعر :
وكيف يَصحُّ في الأذهان شىءٌ ...... إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلٍ
وقد اخترنا بعض هذه الآثار على سبيل المثال ، فمن ذلك :
1- خلق الإنسان :
فمن رحمة اللَّه تعالى أنه خلق الإنسان من عدم وأنشأه وجعل له السمع والبصر والفؤاد والعقل .
كل هذا من تراب فأيُّ فضل وأيُّ نعمة بعد اصطفاء اللَّهِ لبعض التراب والطين ليجعله إنسانًا يعقل ويشعر ويؤمن ثم يدخله الجنة ، فسبحان اللَّه وبحمده .
قال تعالى : ** الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ** [ الرحمن : 1 - 4 ] .
2-النبوة والرسالة رحمة :
فقد سُمَّيت النبوة والوحي رحمة كما في قوله تعالى مخبرًا عن نوح عليه السلام : ** قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ** [ هود : 28 ] . قال ابن كثير : في هذه الآية : أي على يقين وأمرٍ جليّ ، ونبوةٍ صادقة وهي الرحمة العظيمة من اللَّه به.
3- إرسال النبيِّ صلى الله عليه وسلم ::
قال تعالى : ** وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ** [ الأنبياء : 107 ] . وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( إني لم أُبعث لعانًا وإنما بُعثت رحمة )) . وفي الحديث الآخر : (( إنما أنا رحمة مهداة )).
4- نزول القرآن :
قال تعالى : ** وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ** [ النحل : 89 ] .
5- أن جعلك مسلمًا :
قال تعالى : ** قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ** [ يونس : 58 ]. قال ابن كثير : أي بهذا الذي جائهم من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به .
وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الذي أُمر فيه بالفرح .
6- ندائه في الثلث الأخير من الليل ليرحم عباده :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخرُ يقولُ : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ )).
وفي حديث آخر : (( من ذا الذي يَسْتَرْزِقُني أرْزُقْه ؟ من ذا الذي يستكشفُ الضرَّ أكْشِفْه )) . حتى ينفجر الصبح.
وفي حديث آخر : (( ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول ، فيقول : أنا الملكُ ، أنا الملك ، من ذا الذي يدعوني .. )).
بالله عليك لو أن أمير بلدك ، أو رئيس دولتك بعث إليك أنه سوف يأتي إليك ليحقق لك ما تتمنى منه ، ألا يجعلك هذا له مُحبًّا وإلى لقائه متشوقًا ؟ هل كنت تنام وتتركه ؟ أو تنسى موعده ؟ وهل ستكون موقنًا على تنفيذ ما تتمنى أم لا ؟
هذا من بشر ضعيف لا يملك لك ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًا فكيف برب العالمين جل جلاله .
7- تقرُّبُه إلى خَلْقِهِ :
سبحان اللَّه يتقرب من خلقه وهو غني عنهم ، ويتودَّدَ إليهم وهم لا يملكون له نفعًا ولا ضرًا ، ولكن نعمة منه وفضلاً ورحمة وإحسانًا .
وانظر أخي الكريم وتأمَّل هذا الحديث الذي تنفطر له القلوبُ وتدمعُ له العيونُ . فعن أبي هريرة قال : رُبَّما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( قال اللَّه عز وجل : إذا تَقَرَّبَ العبدُ منِّي شِبْرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا ، وإذا تقرَّب مني ذراعًا تقربت منه باعًا أو بوعًا )) .
يا اللَّه ، يا اللَّه ، مَنْ يتقرب إلى مَن ؟ ومَنْ يُهرول إلى مَنْ ؟ يتقرب الخالق إلى المخلوق ويهرول ملك الملوك إلى عبد فقير صعلوك . سبحان اللَّه ما أرحمه وما أكرمه .
8- ذكره لعباده الصالحين :
وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال اللَّه : يا ابن آدم ، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي ، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة ، أو في ملأ خير منهم ، وإن دنوتَ مني شبرًا ، دوتُ منك ذراعًا ، وإن دنوتَ مني ذراعًا دنوتُ منك باعًا ، وإن أتيتني تمشي ، أتيتك أهرول )) . قال قتادة : فاللَّه عز وجل أسرع بالمغفرة .
أخي الكريم ، هل تصورت كيف يذكرك ربك ؟ هل تَخَيَّلْتَ أن يذكرك اللَّهُ باسمك ؟ نعم يذكرك أنت باسمك بين ملائكته في الملأ الأعلى . من الذي يذكرك ؟ اللَّه . اللَّه . اللَّه الذي يذكرك .
فيا له من عظيم شرفٍ وكبير قدرٍ لا يعرفه إلا من عرف ربَّه وأحبَّه ، فانظر إلى واحد من هؤلاء وهو أبي بن كعب رضي الله عنه حين عَلِمَ أن اللَّه تبارك وتعالى قد ذكره باسمه ، وكيف هطلت عيناه دمع الفرح والحنين إلى أرحم الراحمين .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبي بن كعب : (( إن اللَّه أمرني أن أقرأ عليك : ** لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ** )) . قال : وسمَّاني لك ؟ قال : (( نعم )) . فبكى) .
قال يحيى بن معاذ الرازي : يا غفول يا جهول لو سمعت صرير الأقلام وهي تكتب اسمك عند ذكرك لمولاك لمتَّ شوقًا إلى مولاك .
فليس العجب من قوله : (( فاذكرونى )) ، ولكن العجب كل العجب من قوله : (( أذكركم )) ، فليس العجب أن يذكر الضعيفُ القوىَّ ، أو يذكر الفقيرُ الغنىَّ ، أو يذكر الذليلُ العزيزَ ، إنما العجب أن يذكر القوىُّ الضعيف ، والغنىُّ الفقير ، والعزيزُ الذليلَ .
9- صبر اللَّه جلال جلاله على الأذى من خلقه :
فسبحان اللَّه ما أحلمه ، وما أكرمه وما أرحمه ، يخلق ويُعْبَدُ غيرُه ، ويرزق ويُشكرُ سواه ، خيره إلى العباد نازل وشرهم إليه صاعد من الذين يدَّعون له الولد يصبر على أذاهم ويبعث إليهم بأرزاقهم ، عسى أن يصادف هذا الكرم عقلاً ذاكيًا أو قلبًا واعيًا أو نفسًا طيبة أو فطرة سليمة تفيق من غفوتها وترجع عن ضلالتها تعرف ربَّها فتعبده وحده وتحبه وحده سبحانه وتعالى .
وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أحدٌ أصبر على أذى سمعه من اللَّه يدَّعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم )) .
هذه رحمته سبحانه بمن أشرك به ، فكيف رحمته بمن وحَّده وعبده وأطاعه وأحبه وأحب رسوله وجاهد في سبيله .
10- رحمته بالتائبين :
فإن التائبين قد انكسرت قلوبهم لعظمته ، وذلَّت جباهم لعزته ، وأتوه راجين رحمته ويخافون عذابه ، فما عسى أن تكون رحمة اللَّه بهم ؟
فإليك شيء منها :
أولاً : يغفر الذنوب مهما عَظُمَت :
عن أنس رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال اللَّه تعالى : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة )).
ثانيًا : ويبسط يده للتائبين ليلاً ونهارًا :
عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل لتيوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها )).
ثالثًا : ويفرح بتوبة عبده :
ومع هذا فقد فرح بها فرحًا هو أشد من فرحة رجلٍ وجد حياته بعدما عدَّ نفسه من الأموات ، وهي فرحة إحسانٍ وبِرٍّ ولطف ، لا فرحة محتاجٍ إلى توبة عبده منتفعٍ بها .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( للَّهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة )) .
وفي رواية : (( للَّهُ أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك ؛ إذ هو بها قائمة عنده بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح )) .
ففي هذا الحديث دليل على فرح اللَّه عز وجل بالتوبة من عبده إذا تاب إليه ، وأنه يحب ذلك سبحانه وتعالى محبة عظيمة ، ولكن لا لأجل حاجته إلى أعمالنا وتوبتنا ، فالله غني عنا ، ولكن لمحبته سبحانه للكرم فإنه يحب أن يغفر وأن يغفر أحب إليه من أن ينتقم ويؤاخذ ، ولهذا يفرح بتوبة الإنسان .
رابعًا : ويبدل السيئات حسنات :
قال تعالى : ** إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ** [ الفرقان : 70 ] .
وقال الحسن البصري : أبدلهم اللَّه العمل السيء العمل الصالح ، وأبدلهم بالشرك إخلاصًا ، وأبدلهم بالفجور إحصانًا ، وبأدلهم بالكفر إسلامًا.
11- صَلاتُه جل جلاله على المؤمنين :
قال تعالى : ** هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ** [ الأحزاب : 43 ] . قال ابن كثير : والصلاة من اللَّه ثناؤه على العبد عند الملائكة . حكاه البخاري عن أبي العالية ... وقال غيره : الصلاة من اللَّه عز وجل الرحمة ، وقد يقال : لا منافاة بين القولين . واللَّه أعلم.
12- مضاعفة الحسنات والأجور :
فمن رحمته سبحانه مضاعفة الحسنات إلى ضعاف كثيرة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف )) .
ومن الأعمال ما ينميها اللَّه حتى يجعلها كالجبل . فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيبٍ ولا يقبل اللَّه إلا الطيب ، فإن اللَّه يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل )).
13- رحمة اللَّه تبارك وتعالى بقلوب عباده :
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء )).
1- فإذا شاء اللَّهُ لعبد الهدى شرح قلبه للإسلام.
قال تعالى : ** فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإِسْلاَمِ ** [ الأنعام : 125 ] .
2- وإذا أراد بعبد رشادًا حبَّبَ إليه الإيمان وزينه في قلبه فعاش بالإيمان سعيدًا وعن الكفر والعصيان بعيدًا .
قال تعالى : ** وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ** [ الحجرات : 7، 8 ] .
3- ويُسعد المؤمنين بحبهم له ولرسوله وحب المؤمنين في اللَّه فيشعر بحلاوة الإيمان ولذة القرب من الرحمن جل جلاله .
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون اللَّهُ ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار )).
وقال تعالى : ** إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ** [ مريم : 96 ]. وذلك بعكس الطغاة والعصاة أمثال المشركين من أهل الكتاب ، فقد قال تعالى في النصارى : ** فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ** [ المائدة : 114 ] .
14- الجنة من رحمة اللَّه عز وجل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تحاجَّت الجنة والنار ، فقالت النار : أُوثِرْتُ بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاءُ الناس وسقطُهم ، قال اللَّه تبارك وتعالى للجنة : أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنتِ عذابٌ أعذِّبُ بك من أشاء من عبادي )).
15- دخول الجنة برحمة اللَّه عز وجل :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخل أحدًا الجنة عمله )) . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (( ولا أنا ، إلا أن يتغمدني اللَّه بمغفرة منه ورحمة )).
16- شفاعة أرحم الراحمين في أهل النار :
فما من أحدٍ يملك لغيره شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة إلا بعد أن يأذن اللَّه لمن يشاء ويرضى . قال تعالى : ** قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ** . وسيجعل اللَّه درجاتٍ للشفاعة والشافعين ، فهناك شفاعة للأنبياء والمرسلين ، وشفاعة للصديقين ، وشفاعة الشهداء فيُشَفِّعُهم اللَّه عز وجل ، ثم بعد ذلك يشفع هو سبحانه وبحمده شفاعة فيخرج أضعاف ما أخرجه كل هؤلاء حتى يعجب أهلُ الجنة من ذلك .
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشفاعة الطويل : (( ثم يقال : ادعوا الصديقين فيشفعون ، ثم يقال : ادعوا الأنبياء ، قال : فيجيء النبيُّ ومعه العِصابة ، والنبي ومعه الخمسةُ والستة ، والنبي وليس معه أحد ، ثم يقال : ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا ، وقال : فإذا فعلت الشهداء ذلك . قال : يقول الله عز وجل : أنا أرحم الراحمين ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي من كان لا يُشْرِك بي شيئًا )) . قال : (( فيدخلون الجنة ... )) .
وفي حديث آخر : (( فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأُخْرِجَنَّ منها من قال : لا إله إلا اللَّه )) .
وفي رواية : أن اللَّه تبارك وتعالى يقول للرسل : (( اذهبوا ، أو انطلقوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردلٍ من إيمان فأخرجوه )) . ثم يقول اللَّه عز وجل : (( أنا الآن أُخْرِج بعلمي ورحمتي )) . فيُخرج أضعافَ ما أخرجوا وأضعافه فيكتب في رقابهم عتقاء اللَّه عز وجل ، ثم يدخلون الجنة).
17- رحمته بالنمل ، سبحان اللَّه وبحمده :
عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قَرَصَتْ نملةُ نبيًا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأُحْرقت ، فأوحى اللَّه إليه : (( أنْ قَرَصَتْك نملة أحرقت أمةً من الأمم تُسبح اللَّه )).
وفي رواية : (( فأوحى اللَّه إليه : فهلا نملةً واحدةً )) .
فسبحان من لم تمنعه عظمته وكبريائه من رحمة الضعيف الصغير من خلقه حتى يعاتب نبيًا له من أجل نملٍ ، لا حول له ولا قوة إلا بربه .