"°o.O.o( الرحمن ... الرحيم - جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه - )o.O.o°"
أولاً : المعنى اللغوي :
الرحمة : هي الرقة والتَّعَطُّف ، والاسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ،
و(( رحمن )) أشد مبالغة من (( رحيم )) ؛ لأن بناء (( فعلان )) أشد مبالغة من (( فعيل )) ونظيرهما نديم وندمان .
وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا.
ثانيًا معنى الاسمين في حق اللَّه تعالى :
الاسمان مشتقان من الرحمة ، و(( الرحمن )) أشد مبالغة من (( الرحيم )) ،
ولكن ما الفرق بينهما ؟
هناك ثلاثة أقوال في الفرق بين هذين الاسمين الكريمين:
الأول : أن اسم (( الرحمن )) : هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة.
و(( الرحيم )) : هو ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة.
واستدلوا بقوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ) [ الفرقان : 59 ] ، وقوله : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [ طه : 5 ] ، وقوله : ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) [ الأحزاب : 43 ]
فذكر الاستواء باسمه (( الرحمن )) ليعم جميع خلقه برحمته ، وخصَّ المؤمنين باسمه (( الرحيم )) .
ولكن قد يُردُّ على هذا القول بقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ البقرة : 143 ] .
القول الثاني : هو أن (( الرحمن )) دال على صفة ذاتية ، و(( الرحيم )) دال على صفة فعلية .
قال ابن القيم رحمه اللَّه: إن (( الرحمن )) دالٌ على الصفةِ القائمة به سبحانه، و(( الرحيم )) دال على تعلقها بالمرحوم (( أي بمن يرحمهم اللَّه )) ، فكان الأول للوصف والثاني للفعل .
فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته .
وإذا أردت فهم هذا فتأمَّل قوله : ( َكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) [ الأحزاب : 43 ] ، وقوله تبارك وتعالى : ( إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ التوبة : 117 ] ،
ولم يجئ قط (( رحمن بهم )) فعُلِمَ أن (( رحمن )) هو الموصوف بالرحمة و(( رحيم )) هو الراحم برحمته.
القول الثالث : أن (( الرحمن )) خاص الاسم عام المعنى ، و(( الرحيم )) عام الاسم خاص المعنى .
إذ أن (( الرحمن )) من الأسماء التي نُهِيَ عن التسمية بها لغير الله تبارك وتعالى ، كما قال عز وجل : ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) [ الإسراء : 11 ] ، فعادل به الاسم الذي لا يشاركه فيه غيره ، وهو (( اللَّه )).
ولذلك قال ابن القيم رحمه اللَّه عن اسم (( الرحمن )) : ولما كان هذا الاسم مختصًا به تعالى حَسُنَ مجيئه مفردًا غير تابع كمجيء اسم الله كذلك . ولم يجيء قط تابعًا لغيره بل متبوعًا وهذا بخلاف العليم ، والقدير ، والسميع والبصير ، ونحوها ، ولهذا لا تجيء هذه مفردة بل تابعة ،
فتأمل هذه النكتة البديعة .
وعن الحسن أنه قال : (( الرحمن )) اسم لا يستطيع الناسُ أن ينتحلوه ، تسمى به تبارك وتعالى ، ولذا لا يجوز أن يُصْرَف للخلق.
وأما (( الرحيم )) فإنه تعالى وصف به نبيَّه عليه الصلاة والسلام ، حيث قال : ( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ التوبة : 128 ] ، فيُقال : رجل رحيم ، ولا يقال : رحمن .
قال ابن كثير : والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يُسمى به غيره ، ومنها ما لا يُسمى به غيره ،
كاسم (( اللَّه )) ، و(( الرحمن )) ، و(( الخالق )) ، و(( الرزاق )) ، ونحو ذلك .
فلهذا بدأ باسم اللَّه ووصفه بالرحمن ؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم ؛ لأن التسمية أولاً تكون بأشرف الأسماء ، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص . اهـ .
ثالثا : ورود الاسمين في القرآن الكريم :
ذُكر (( الرحمن )) في القرآن سبعًا وخمسين مرة ؛ منها :
قوله تعالى : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) [ البقرة : 163 ] ، وقوله : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [ طه : 5 ] ، وقوله : ( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ) [ الفرقان : 26 ] .
وأما اسمه (( الرحيم )) ، فقد ذُكر أكثر من مائة مرة ؛ منها :
قوله تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ البقرة : 54 ] ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ البقرة : 143 ] ، وقوله سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، وهو كثير في القرآن ، انظر سورة (( البقرة )) ( 173 ، 182 ، 189 ) .
ترقبوا معنا الموضوع القادم :
"°o.O.o. (( آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين )) .o.O.o°"
عسى أن ترق القلوبُ إلى خالقها ... وتشتاق النفوس إلى بارئها ...
وسيكون على النحو التالي :
أولاً : التعرُّف على اللَّه برحمته والإيمان بها .
ثانيًا : فانظر إلى آثار رحمة اللَّه .
ثالثًا : ليس كمثله شيء في رحمته .
رابعًا : لا تقنطوا من رحمة اللَّه .
خامسًا : من أسباب الحرمان من رحمة اللَّه تبارك وتعالى .
سادسًا : من أسباب رحمة اللَّه لخلقه .
سابعًا : دعاء اللَّه باسميه (( الرحمن ، الرحيم )) .