_ المتن :
وقوله : ** ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير ** سورة الشّورىٰ 11
وقوله : ** إنّ الله نِعِمَّا يعظكم به إنّ الله كان سميعاً بصيراً ** سورة النّسآء 58
وقوله : ** ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شآء الله لا قوّة إلاّ بالله ** سورة الكهف 39
** ولو شآء الله ما اقتتلوا ولكنّ الله يفعل ما يريد ** سورة البقرة 253
وقوله : ** أُحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يُتلى عليكم غير مُحِلِّى الصّيدِ وأنتم حُرُم إنّ الله يحكم ما يريد ** سورة المائدة 1
وقوله : ** فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يُضلّه يجعل صدره ضَيّقاً حَرَجاً كأنّما يَصَّعَّدُ في السّماء **
سورة الأنعام 125
_ الشرح :
( ليس كمثله شيء ) أول الآية
قوله تعالى :
( فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا )
قال الإمام ابن كثير في تفسيره : أي ليس كخالق الأزواج كُلِها شيء لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له . اهـ
( وهو السميع ) الذي يسمع جميع الأصوات
( البصير ) الذي يَرَى كلَ شيء ولا يَخفَى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .
قال الإمام الشوكاني في تفسيره :
ومن فهم هذه الآية الكريمة حق فهمها وتدبرها حق تدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين في الصفات على جادة بيضاء واضحة
ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله :
( وهو السميع البصير ) فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للمماثل
قد اشتمل على بَرَد اليقين وشفاء الصدور وانثلاج القلوب
فاقْدُر يا طالب الحق قَدْرَ هذه الحُجّة النَيّرَة والبرهان القوى ،
فإنك تُحطم بها كثيرا من البدع وتُهَشم بها رُؤوساً من الضلالة
وتُرغِم بها أنوف طوائف من المتكلمين ولاسيما إذا ضممت إليه قول الله تعالى :
( ولا يحيطون به علما ) . اهـ
وقوله ( إن الله نعما ) قبله قوله :
( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )
( نعم ) من ألفاظ المدح
و ( ما ) قيل نكرة موصوفة كأنه قيل نعم شيئا يعظكم به .
وقيل إن ما موصولة ، أي نِعمَ الشيء الذي يعظكم به .
وقوله : ( يعظكم ) أي يأمركم به من أداء الأمانات والحكم بين الناس بالعدل
وقوله : ( إن الله كان سميعا بصيرا )
أي أنه سبحانه سميع لما تقولون بصير بما تفعلون .
الشاهد من الآيتين الكريمتين : أن فيهما إثبات السمع والبصر لله
وفي الآية الأولى نَفْيُ مُماثَلَة المخلوقات
ففي ذلك الجمع فيما وصَفَ وسَمّى به نفسَه بين النفي والإثبات .
قوله ( ولولا إذ دخلت جنتك )
أي : هلاّ إذ دخلت بستانك
( قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله)
أي : إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها
اعترافا بالعجز وأن القدرة لله سبحانه .
قال بعض السلف : من أعْجبَه شيءٌ فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله .
وقوله : ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) أي : لو شاء سبحانه عدم اقتتالهم لم يقتتلوا ،
لأنه لا يجرى في مُلْكه إلاّ ما يريد لا رادّ لحكمه ولا مبدل لقضائه .
وقوله تعالى : ( أحلت لكم ) أي : أبيحت والخطاب للمؤمنين
( بهيمة الأنعام ) أي الإبل والبقر والغنم
( إلا ما يتلى عليكم ) استثناء من
( بهيمة الأنعام ) والمراد به المذكور
في قوله :
( حرّمت عليكم الميتة ) سورة المائدة 3
الآية التي بعدها بقليل .
وقوله : ( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) استثناء آخر من بهيمة الأنعام .
والمعنى : أُحلّت لكم بهيمة الأنعام كلها ،
إلا ما كان منها وحشيا فإنه صيد لا يحل لكم في حال الإحرام
فقوله : ( وأنتم حرم ) في محل نصب على الحال والمراد بالحرم من هو مُحْرِمٌ بحج أو عمرة أو بهما
( إن الله يحكم ما يريد ) من التحليل والتحريم لا اعتراض عليه .
الشاهد من الآيات : أن فيها إثبات المشيئة والقوة والحكم والإرادة صفات لله تعالى على ما يليق بجلاله .
( فمن يُرد الله أن يهديَه ) أي : من شاء الله سبحانه أن يوفقه ويجعل قلبَه قابلا للخير
و ( من ) : اسم شرط جازم
و( يُردْ ) مجزوم على أنه فعل الشرط
( يشرح صدره للإسلام )
مجزوم بجواب الشرط
والشّرْحُ الشَقّ وأصله التوسعة
وشَرَحْتُ الأمرَ : بَينتُه ووضَحتُه
والمعنى : يُوسِع الله صدرَه للحق الذي هو الإسلام حتى يَقبلَه بصدر مُنشَرِحٍ
( ومن يرد أن يضله ) أي : ومن شاء سبحانه أن يصرفه عن قبول الحق
( يجعل صدره ضيّقاً )
أي : لا يتسع لقول الحق
( حَرَجاً ) أي : شديد الضيق فلا يبقى فيه مَنْفَذٌ للخير وهو تأكيد لمعنى ( ضيّقا )
( كأنما يصّعّد في السماء )
أصله يتصعد ،
أي : كأنّما تَكَلّفَ مالا يُطيق مَرَةً بَعد مرة
كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء .
شَبّه الكافرَ في ثِقَل الإيمان عليه بمن يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء .
الشاهد من الآية الكريمة : أن فيها إثبات الإرادة لله سبحانه وأنها شاملة للهداية والإضلال .
أي يريد الهداية ويريد الإضلال كَوْناً وقَدراً لِحكمَةٍ بالِغةٍ .
فالإرادة الربانية نوعان :
النوع الأول : إرادة كونيةٌ قَدَريةٌ
وهذه مُرادفة للمشيئة
ومن أمثلتها قوله تعالى ** وإذآ أردنآ أن نّهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها **
سورة الإسراء 16
وقوله تعالى : ** وإذآ أراد الله بقوم سوٓءاً فلا مردّ له ** سورة الرّعد 11
وقوله : ** ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجا ** .
النوع الثاني : إرادة دينية شرعية ،
ومن أمثلتها
قوله تعالى : ** والله يريد أن يتوب عليكم **
الآية (27) النساء
وقوله : ** ما يريد الله ليجعل عليكم مّن حرج ولـٰكن يريد ليطهّركم ** الآية (6) المائدة
وقوله تعالى : ** إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ** الآية (33) الأحزاب
الفرق بين الإرادتين :
1 - الإرادة الكونية قد يحبها الله ويرضاها وقد لا يحبها ولا يرضاها .
_ والإرادة الشرعية
لابد أنه يحبها ويرضاها .
_ فالله أرادَ المعصيةَ كَوْناً
ولا يَرضاها شَرعاً .
2 - الإرادة الكونية مَقصودةٌ لغيرها ،
كخلق إبليس وسائر الشرور ،
لتحصل بسبب ذلك المجاهدة والتوبة والاستغفار وغير ذلك من المَحَابِ
_ والإرادة الشرعية مقصودة لذاتها .
فالله أراد الطاعة كونا وشرعا
وأحبها ورَضِيَها .
3 - الإرادة الكونية لابد من وقوعها
_والإرادة الشرعية لا يَلزَم وُقوعُها
فقد تقع وقد لا تقع .
تنبيه : تجتمع الإرادتان الكونية والشرعية
في حق المُخْلِص المُطِيع
وتنفرد الإرادة الكونية في حق العاصي .
تنبيه آخر : من لم يُثبِت الإرادتين
ويفرق بينهما
فقد ضل كالجَبْرية والقَدَرِية
فالجبرية أثبتوا الإرادة الكونية فقط
والقدرية أثبتوا الإرادة الشرعية فقط .
وأهل السنة أثبتوا
الإرادتين وفرقوا بينهما .
( يتبع ) ...................