كانت البوابات موصدة أمام أحلامه البسيطة التي كانت تتحطم على صخرة الواقع المرير الذي لا يعرف الرحمة.عبر من بوابة الوجع نحو فضاء رحب يتسع لمزيد من الأحلام التي يرغب بتحقيقها الكثير من الأشخاص من مختلف الأعمار.
حلق بأحلامه قبل أن تغادر تلك الطائرة الأرض التي مازال يحلم بتقبيلها. لم يكن يصدق ما جرى، كانت الأفكار تتزاحم في خياله وهو ينظر عبر نافذة الطائرة التي تخترق السحب التي كان يحاول في طفولته المنسية اختراقها من خلال طائرته الورقية.
اليوم تحقق حلمه الأول، فقد اخترق تلك السحب والغيوم السوداء التي كانت تصيبه بالكآبة رغم أنها تعد بالخير.خرج هزيلاً من تلك البوابة، ولم يكن يدري أنه قد لا يعود ثانية.
إنها الغربة
رغم قسوة الحياة، استطاع أن يشق طريقه وسط الحشود التي تختلف آمالها وتتفاوت تطلعاتها.
الغربة يمكن تشبيهها بثمرة جوز الهند. يحاول المغترب ـ أياً كان موقعه الجغرافي ـ اختراق قشرتها السميكة القاسية للاستفادة من ثمرتها. ومع مرور الأيام يكبر هذا الشخص، ويزداد حجمه، وبعد أن يصل إلى ما يريد ويحقق أحلامه التي لم تكن لتتحقق في تلك الأرض القاحلة، يجد نفسه عاجزاً عن الخروج من ذلك الثقب الذي عبر من خلاله نحو عالم آخر. فالبدن قد كبر حجمه، والعمر في ازدياد، والوهن بات العنصر البارز في حياته.
لم يعد قادراً على توسيع تلك النافذة للخروج فيستسلم ويمضي حياته داخل تلك الثمرة.
الغربة رغم محاسنها، ومهما كانت دوافعها، لها ضريبة كبيرة، ندفعها بإرادتنا، فهي تباعد المسافات عمن أدمنا حبهم من أفراد العائلة وزملاء المدرسة، وأصدقاء الحي المتواضع.
علاقات مشوهة، وأخرى تحتمل القرب والبعد. البعض وضعها في آخر سلم الأولويات.
وبعد مرور الزمن، وجد ذلك الشخص نفسه وحيداً، تائهاً وغريباً فوق الأرصفة التي ملت قدميه. مثقلاً بهموم ضاق بها صدره، مدثراً بالغربة هارباً من حدوده.
وقف متكئاً على نافذة الزمن، ثم نظر للبعيد من تلك الشرفة التي تبحث عن وطن، وامرأة، وكلمة رقيقة توقظ القلب الغافي، كياسمينة في صباح باكر.
في ذلك المساء تحركت الريح بشجن وأطبق الصمت جناحيه وغفى القمر.
في تلك اللحظة اقتاتت العتمة أفكاره وأبقاه القمر ساهراً، وأيقظت النسمات الباردة شظايا القلب، وفتحت تلك النافذة التي أطل منها النشيد القديم، وعبرت من خلالها الطيور التي تهجر أوكارها.
تداعيات عديدة ومتناثرة، عادت به السنون إلى الوراء، لتؤكد له أن العلاقات الصادقة هي الأساس المتين في الحياة، وأن المشاعر تلعب دوراً مهماً في حياتنا المعاشة. وتؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية. العلاقات الجيدة مفتاح تلك البوابات المغلقة.
الإنسان بحاجة إلى تلك العلاقات مهما كان موقعه الجغرافي، التي يجب ألا تكون منسية في تلك الزاوية أو فوق ذلك الرف.
العلاقات تتغذى يومياً من خلال المشاعر الصادقة.
همسة:
أيها القلب المعتم
لماذا تساقطت أوراقك
فالخريف لم يأت بعد.
د . بسام درويش .