مفاتيح التفاهم العقلي مع زوجتك
لا أحد إلا يبحث عن السعادة خاصة الزوجين، وقد أقبلا على الزواج مع حلم كبير أن يفلحا في تكوين أسرة سعيدة مستقرة مطمئنة، لكن سرعان ما تتحول الأحلام إلى كوابيس، والآمال إلى آلام. فيعيشان على جراح مدفونة وآلام مكنونة، وقد تتسع الهوة إلى الشقاق والطلاق. لكن هنا نريد أن نحول الألم إلى أمل، وأن نضع بين يدي كل زوجين برنامج عمل أملا في الوصول إلى الألفة والسعادة، ونيل الحسنى وزيادة، وأن يدركا أن ثمة آية تأخذ بأيديهما نحو هذه السعادة وهي قوله تعالى): وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ** [الأنبياء : 90 **.
وفي هذه الرسالة القصيرة أضع بين يدي كل زوجين مخلصين هذه النقاط العملية، ليسلكا سبيلهما نحو الألفة الزوجية ، وهذه الرسالة للأزواج فقط.
1ـ لابد من اتفاق مع الزوجة أننا كمسلمين لايجوز أن يحدث خلاف ولا نقاش حول الثوابت العقدية والأخلاقية والشرعية، لقوله سبحانه: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً( **الأحزاب : 36**
2ـ إذا حدث خلاف يجب أن يُتفق أن المرجع دائما هو القرآن والسنة، لقوله تعالى: **فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً** [النساء: 65]، والأصل أن يتم ذلك بينك وبين زوجتك فإن اختلفتما في مسألة شرعية فليرفع الحرج بسؤال أهل الذكر، لقوله تعالى: **فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ** [النحل: 43].
3ـ يجب أن تعتقد كزوج أن للزوجة الحق في المشورة فيما لا نص فيه، وإذا كانت القوامة للرجل شرعا، لكن هذا لا يعني التسلط واتخاذ القرارات منفرداً، بل الأصل أن تشاور زوجتك، والله تعالى أمر بالاستشارة بين الرجل ومطلقته في فطام الصغير، قال تعالى: **فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا** [البقرة: 233]، وبطريق الأولى إذا كانا زوجين أن تكون هناك شورى في كل أمر.
4ـ نصح كل زوج أن ينظر إلى تدخل الزوجة في التفاصيل أنه ليس إلا طبيعة صادرة عن شدة الحب والحرص على تأمين حياة زوجية متميزة، وليس رغبة دائمة في السيطرة على الزوج.
5 ـ الأصل أن الرجال يهتمون بالكليات والنساء بالتفصيلات ومجموعهما لاغنى عنه في اتخاذ القرارات، والحفاظ على المكتسبات.
6ـ يلزم عدم نقاش أي أمر خلافي مع زوجتك تحت أي ضغط نفسي لدى أحدكما، سواء بسبب العمل أو ضيق الوقت أو الظروف التي تمر بها الأسرة.
الرجل الذكي يفضل زوجة ذات رأي وحكمة فهي عون له في حضوره، ويأمن عليها وعلى أولاده في غيابه، فيقدر رأيها كما قالت أم زرع في الحديث المشهور: "فعنْدَهُ أقول فلا أقبَّح"(1)، وحكمة ملكة سبأ قادت قومها إلى الإسلام، والرجل الحاذق يحب زوجته راجحة العقل، لأنها غالباً ما تكون مبتكرة مبدعة تعلم كيف تسيِّر أمورها ببراعة، وستكون كذلك في كل شيء بداية من إدارة المشاكل والأزمات مرورا بتفهمها لما في وجه زوجها بالنظرات.
7ـ لا يجوز بحال أن تطرح الخلافات أمام الأولاد أو الأهل، لأن هذا يدفع إلى العناد من الطرفين، ويدخل الشيطان ليوسع الهوة، ثم الشقاق والفراق.
8ـ في كل رأي جوانب إيجابية وأخرى سلبية، فيلزم البدء بالثناء على الإيجابيات ثم بأدب ورفق تناقش السلبيات دون تحقير لرأيها عند الخطأ.
9ـ تعوَّد وتدرَّب على حسن اختيار الكلمات في كل وقت، في الرضا والغضب، في اليسر والعسر، في الفقر والغنى، في الصحة والمرض، في السفر والحضر، لقوله تعالى :**وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ( (الإسراء:53) فالكلام الحسن لا يكفي بل نستحضر الأحسن، ثم إن فوات ذلك فتح لأبواب الشياطين أن تصول وتجول في توسيع الفجوة بينكما.
10ـ لا تناقش جميع الخلافات في وقت واحد، بل ابدأ بالأهون واصعد ببطء وتدرج إلى الأصعب، كمن يدرب لاعباً جديداً على الجري الطويل.
11ـ لابد أن تؤمنا معاً أنه ستبقى نقاط خلافية يجب احتمالها لأنها سنة فطرية، فلا تستطيع مهما كنت فيلسوفاً أو عالما أن تمنع الخلاف بل هي نعمةٌ، كما قال تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ** [هود: 118-119،] وعندي قناعة شديدة أن اختلاف العقول ثراء واختلاف القلوب وباء.
12ـ الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية فلا حرج في الاختلاف العقلي بشرط ألا ينزل إلى الخلاف القلبي.
13ـ كن عوناً لزوجتك، بل وادفعها إلى مجالس العلم وبرامج التربية والتنمية بكافة أشكالها، لأن الإيمان يزيد وينقص، والعقل يكبر ويضمر، فالتنمية والتزكية تعود عليك وعلى الأمة بكل خير، بل إنه سيساعدها على النهوض بأعبائها وكسر ملل الروتين اليومي، بل ويدعم علاقتها بالله، ويصحح ويجدد نيتها فيما تقوم به من أعباء، وإلا فالفراغ والصحة مفسدة للشيب والشباب .
المصدر: موقع الدكتور صلاح سلطان.