(*)باع قوم من السلف جارية ، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها..فسألتهم.. فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان .فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان !، لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ، رودني إليهم.كان الحسن يقول : عجبت لأقوام أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وجلس أولهم على آخرهم و يلعبون !!وكان يقول : يا ابن آدم، السكين تشحذ، والتنور يسجر ، والكبش يعتلف.وكان أبو بكر بن عياش يقول : لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول : إنا لله.. ذهب درهمي، وهو يذهب عمرهولا يقول : ذهب عمري ، كان لله أقوام يبادرون الأوقات ، ويحفظون الساعات ، ويلازمونها بالطاعات .وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادنة إلا وختمت القرآن عندها .وقيل لعمرو بن هاني : لا نري لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم ؟قال : مائة ألف، إلا ما تخُطى الأصابع .وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة ، وقام ليلها وكان الليل كله يبكي ، فتقول له أمه : يا بني ، قتلت قتيلاً؟ فيقول :أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي .قال الجماني : لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته ، فقال: لا تبك ، وأشار إلى زواية في البيت ، إنه قد ختم أخوك في هذا الزواية ثمانية عشر ألف ختمة.كان بعض السلف يقول : صم الدنيا واجعل فطرك الموت ، الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات ، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم .وقَد صُمتُ عَن لذاتِ دَهرِي كُلَّه *** ويَومَ لِقاكُم ذَاكَ فِطرُ صِيامِي.من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في لآخرة وفواته ،قال الله تعالى :{أَذهَبتُم طَيّبَاتِكُم فِى حَيَاتِكُمُ الدُّّّنياَ وَاستَمتَعتُم بِهَا **يقول كعب"](من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود).لا للانقطاعقال النبي : (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ). متفق عليهتقول عائشة رضي الله تعالى عنها:"كان عمله ديمةلما سئل بشر الحافي - رحمه الله - عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخرمضان تركوا قال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان).يقول رسول الله : " يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون , فأن الله لا يمل حتى تملوا , وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل"[ رواه البخاري ومسلم ]وليس في سياط التأديب للنفس أجود من سوط عزم , وإلا وَنَت وأَبَت ,لأن فساد الأمر في التردد .والنفس من أعجب الأشياء مجاهدة لأن أقواماً أطلقوها فيما تحب , فأوقعتهم فيما كرهوا .وآخرين بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها , وإنما الحازم من تَعلمَ منه نفسُه الجد وحفظ الأصول ,فإذا ما أفسح لها في مباحٍ ,لم تتجاسر أن تتعداه ,لأن تفقد النفس حياة , وإغفالها لون من ألوان القتل صبراً . والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .فلنحرص ولو على القليل من صيام النفل، ولنداوم ولو على القليل من القيام، ولنقرأ كل يوم ولو القليل من القرآن،ولنتصدق ولو بالقليل من المال والطعام، وهكذا في سائر الأعمال، ولنحيي بيوتنا ولنشجع أولادنا وأزواجنا.* قال عبدالله بن عمرو بن العاص رصي الله عنهما : قال لي رسول الله :" يا عبد الله ,لا تكن مثل فلان , كان يقوم الليل فترك قيم الليل " [متفق عليه ] .ومن أراد أن يرى التلطف بالنفس , فليداوم النظر في سيرة النبي وليستمع إلى قوله :" إن هذا الدين متين , فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولاظهراً أبقى " [رواه أحمد ] وعند البخاري في صحيحه : أن النبي قال :" إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".وقفة محاسبة قبل الرحيلالعاقل اللبيب من جعل رمضان مدرسة لبقية الشهور بالاستمرار والمداومة على الطاعات والواجبات، ولو كانت قليلة؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع.العبادات فرضت فى الإسلام ليس للأداء بل لحكمة وهو تحقيق التقوىومن أعظم ثمار الصيام، تربية القلوب على مراقبة الله وتعويدها على الخوف والحياء منه. ويقول القسطلاني -رحمه الله- معدداً ثمرات الصوم:"ومنها رقة القلب وغزارة الدمع، وذلك من أسباب السعادة، فإن الشبع مما يذهب نور العرفان، ويقضى بالقسوة والحرمان "وغاية الصيام التقوى؛ يتمثل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى. ولئن كانت فرائض الإسلام وأحكامه وأوامره ونواهيه كلها سبيل التقوى، فإن خصوصية الارتباط بين الصيام والتقوى شيء عجيب.فهل حققنا تقوى الله في أنفسنا ؟ما الذي جنيناه من ثمارالطاعات هذا الشهر المبارك