موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

تم غلق التسجيل والمشاركة في منتدى الرقية الشرعية وذلك لاعمال الصيانة والمنتدى حاليا للتصفح فقط

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر التزكية والرقائق والأخلاق الإسلامية

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 11-02-2023, 01:57 PM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي سؤالات العبد يوم القيامة

تابع الحساب
الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب
الموت والحشر, اليوم الآخر
محمد بن إبراهيم حسان
المنصورة
غير محدد
_________
ملخص الخطبة
_________
1- سؤالات العبد يوم القيامة 2- السؤال عن العُمُر 3- السؤال عن العمل 4- السؤال عن
المال 5- السؤال عن البدن
_________
الخطبة الأولى
_________
أما بعد...
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
أحبتي في الله:
نحن اليوم بتوفيق الله جل وعلا على موعد مع اللقاء الخامس عشر من لقاءات هذه السلسلة المنهجية المباركة.
أخي الحبيب: تذكر معي أننا قد توقفنا في اللقاءين الماضيين على التوالى مع قواعد العدل التى يحاسب الله جل وعلا عباده بها يوم القيامة، ثم تعرفنا على أول أمة يحاسبها الله جل وعلا، وعلى أول من يقضي الله بينهم يوم القيامة، وعلى أول ما سيحاسب وما يسأل عنه العبد بين يدي الرب جل وعلا، ونحن اليوم بإذن الله تعالى لا زلنا مع الناس فى ساحة الحساب بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل يسأل العبد بعد الصلاة عن أربع:
عن عمره فيما أفناه؟! وعن علمه ماذا عمل فيه؟! وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟! وعن جسمه فيما أبلاه؟! هذه الأربع هي موضوع لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك.
أحبتي الكرام: أعيروني القلوب والأسماع فإن الموضوع من الأهمية بمكان والله أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
ولا شك أن الله عز وجل سيسأل العبد في ساحة الحساب عن كل ما قدم في هذه الحياة.
قال الله سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8].
وقال جل وعلا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].
فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها، وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها.
ولكن النبي قد ذكر أن الله سبحانه سيسأل العبد عن أربع كما في الحديث الصحيح الذى رواه الترمذي والطبراني في معجمه والصغير، والخطيب في التاريخ، وصححه شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟)) ( [1] ).
أولاً :السؤال عن العمر
أحبتي في الله :
العمر هو البضاعة، ورأس المال فمن ضاعت بضاعته، وانتهى رأس ماله دون أن يحقق الربح فهو من الخاسرين.
هل حسبت أن هذا العمر، وهذه الأيام، وهذه الشهور وهذه السنوات، التى هى عمرك، والتى تمضى منك، وأنت لا تشعر، هل حسبت أن الله لن يسألك عنها؟!!
قال الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].
وقال سبحانه: أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:36-40].
أليس ذلك بقادر على أن يبعثهم للوقوف بين يديه للسؤال عما قدموه وعما فعلوه.. للسؤال عن القليل، والكثير، صغير أو كبير، حقير أو عظيم !!
أيها المسلم الأيام تمر والأشهر تجرى وراءها تسحب معها السنين، وتجر خلفها الأعمار وتطوى الحياة جيلا بعد جيل وبعدها سيقف الجميع بين يدي الملك الجليل.
العمر يولي ستسأل عن كل ساعة، عن كل يوم، عن كل أسبوع، عن كل سنة، عن عمرك كله فيما أفنيته.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإن مضى يوم مضى بعضك وإن مضى بعضك مضى كلك".
ولذا كان الحسن رحمه الله يقول: " ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادي بلسان الحال ويقول يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: " والله ما ندمت على شئ كندمي على يوم طلعت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".
العمر هو البضاعة الحقيقة، ووالله ما منحنا هذه البضاعة الكريمة للهو واللعب والملذات والشهوات، والله ما للهو خلقنا بل خلقنا لغاية كريمة ولغاية عظيمة.
قال جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
هذه هي الغاية التي خلق الله لها الخلق، والله ما خلقنا الله لنضيع الأعمار أمام المسلسلات، وأمام المباريات، وأمام الأفلام، وأمام هذا العبث واللهو الذى تحول فى حياة هذه الأمة المسكينة إلى جد.
ومن أجمل ما قيل في قول الله تعالى فى حق نبي الله يحيى وَأتينَاهُ الحكْمَ صَبِياً [مريم:12]، قال جمهور المفسرين: أي آتاه الله الحكمة وهو طفل صغير فذهب إليه يوماً بعض أترابه من زملائه قبل أن يوحي الله إليه بالنبوة فقالوا: يا يحيى هيا بنا لنلعب! فقال يحيى: والله ما للعب خلقنا والله ما للهو والعبث خلقنا.
والله ما خلقنا لنضيع الأعمار، فإن جُلَّ الأمة الآن يقضي جُلَّ الليل أمام التلفاز ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يا من يمضي عمرك وأنت لا تدري.. اعلم بأنك ستسأل عن هذه الساعات.. ستسأل عن هذا العمر..
وتذكر يا من يمضي عمرك وأنت في غفلة أن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر، تذكر وصية الحبيب لعبد الله بن عمر كما في صحيح البخاري أنه أخذ بمنكبي عبد الله بن عمر وقال يا عبد الله (كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ( [eme1] [2] ).
ما أحوجنا ورب الكعبة لهذه الكلمات، ونحن نعيش الآن عصراً طغى فيه حب الشهوات وحب الملذات وحب الدنيا، فإن كثيراً من الناس يُذَكَّر بقول الله فلا يتذكر !!، ويُذَكَّر بحديث رسول الله فلا يتحرك قلبه وكأن القلوب تحولت إلى حجارة!!
قال الله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [ البقرة: 74 ].
وقال الله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21].
اللهم ارزقنا التفكير في آلائك ونعمك برحمتك يا أرحم الراحمين.
وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء".
قيل لإبراهيم بن أدهم طيب الله ثراه: يا إبراهيم كيف وجدت الزهد فى الدنيا؟!
فقال إبراهيم: بثلاثة أشياء، قيل: وما هي؟!
قال إبراهيم: رأيت القبر موحشاً وليس معي مؤنس، ورأيت الطريق طويلاً وليس معي زاد، ورأيت جبار السماوات والأرض قاضياً وليس معي من يدافع عني.
أيها الأحبة الكرام: الدنيا كلها إلى زوال والعمر كله إلى فناء، ويوم أن نام السلطان الفاتح محمد بن ملك شاه على فراش الموت، وكان من السلاطين الأثرياء الأغنياء قال: اعرضوا عَلَيَّ كل ما أملك من الجواري والغلمان، والنساء، والأموال، والجواهر بل، وليخرج الجند جميعاً، فخرج الجيش عن بَكْرَة أبيه، فنظر السلطان إلى هذا الملك العظيم وبكى وقال: والله لو قَبِلَ مني ملك الموت كل هذا لافتديت به!!
ثم نظر إلى جنوده وقال: أما هؤلاء والله لا يستطيعوا أن يزيدوا فى عمري ساعة ثم أجهش بالبكاء وقال: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].
وهذا أخوه هارون الرشيد الذى كان يخاطب السحابة في كبد السماء، ويقول لها: أيتها السحابة في أي مكان شئت أمطري فسوف يحمل إلي خراجك إن شاء الله تعالى.
لما نام على فراش الموت بكى هارون قال لإخوانه: أريد أن أرى قبرى الذي سأدفن فيه!!
فحملوه إلى قبره، فنظر هارون إلى قبره وبكى ورفع رأسه إلى السماء: وقال يا مَنْ لا يزول مُلكه ارحم من زال ملكه.
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنبُ
دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعبُ
لم ينسه الملكان حين نسيته
ستردها بالرغم منك وتُسلبُ
والروح منك وديعة أودعتها
دارٌ حقيقتها متاعٌ يذهبُ
وغرور دنياك التى تَسْعَى لها
أنفاسنا فيها تُعَدُّ وتُحسَبُ
الليل فاعلم والنهار كلاهما
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون :115-116].
أخى الكريم:
لن تتحرك قدمك يوم القيامة حتى تسأل عن عمرك.
انتبه يا من تغافلت عن هذه البضاعة ورأس المال الحقيقى الذي تملكه ألا وهو عمرك، واعلم يقينا أن كل يوم يمر عليك يبعدك عن الدنيا يوماً ويقربك من الآخرة يوماً.
قال لقمان الحكيم لولده: أى بُنَيَّ إنك من يوم أن نزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها.
ولقي الفضيل بن عياض رجلاً فقال الفضيل: كم عمرك؟! قال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله توشك أن تصل. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الفضيل: هل عرفت معناها، قال: نعم عرفت أني لله عبد وأني إلى الله راجع.
قال الفضيل: يا أخي من عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً. فبكى الرجل وقال: يا فضيل وما الحيلة؟! قال الفضيل: يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟، قال: أن تتقي الله فيما بقي من عمرك يغفر الله لك ما قد مضى، وما قد بقي من عمرك.
ثانياً: عن علمه ماذا عمل به؟!
اعلم يقينا أنك ستسأل عن كل كلمة استمعت إليها في خطبة جمعة، أو محاضرة أو قرأتها فى كتاب، ستسأل عن علمك الذى تعلمت، ماذا عملت به؟؟ تُرى منذ متى ونحن نسمع عن الله؟! تُرى منذ متى ونحن نسمع عن رسول الله ؟! ومع ذلك سترى البون شاسعاً بين القول والعمل، سترى فجوة خطيرة بين القول، والعمل، وهذه الفجوة سبب من أسباب النفاق، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
وقال جل وعلا: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
أسأل الله أن يرزقنا الصدق، والإخلاص في القول، والعمل.
أيها الأحبة الكرام: العلم أغلى ما يطلب في هذه الحياة بلا شك، ولا نزاع فلا سبيل إلى معرفة الله، ولا سبيل إلى الوصول إلى رضوان الله فى الدنيا والآخرة إلا بالعلم الشرعى، العلم يبذل له المال، العلم يبذل له العمر، العلم يبذل له الوقت كله، فإن أغلى ما يضحى له هو العلم، ولم يأمر الله نبيه بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم، كما قال تعالى آمراً نبيه المصطفى : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].
ثم قال إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ فاطر: 28 ]. ثم قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ المجادلة: 11 ].
ثم قال سبحانه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ آل عمران: 18 ].
وفى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن النبى قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً - قال ابن حجر فى الفتح: أي محواً من الصدور- ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً - وفي لفظ ((رؤساء جهالا)) - فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)) ( [3] ).
وفي الصحيحين أن النبى قال: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ( [4] ).
وفي الصحيحين أن النبى قال لعلي: ((لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خيرُُ لك من حمر النعم)) ( [5] ).
وفي الحديث الذى رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وحسنه شيخنا الألباني بشواهده من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبى قال: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له كل من فى السموات والأرض حتى الحيتان فى الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً أو درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) ( [6] ).
من آتاه الله العلم آتاه الحظ الوافر، وآتاه الخير كله، فإن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولكن الله لا يعطي الدين إلا لمن يحب، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين، قال - كما في صحيح مسلم وغيره - : ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) ( [7] ).
هذا العلم إن لم يحرك قلبك وجوارحك للعمل، ولخشية الله وتقواه فلا خير فيه، ولا بركة له.
ما ثمرة العلم إن لم يورثك العمل؟! ما ثمرة العلم إن لم يقر بنا من الله سبحانه وتعالى؟!
ما ثمرة هذه المحاضرات والخطب والكلمات التى تخلع القلوب إن لم تعبد القلوب لرب الأرض والسماوات؟!
إن لم يورثنا هذا العلم خشية الله.. إذا لم يورثنا هذا العلم تقوى القلوب.
إن لم يورثنا هذا العلم حُب السنة وبُغض البدعة فما ثمرة هذا العلم؟!
يقول الإمام الشاطبي في كتابه القيم "الموافقات": " إن كل علم لا يفيد عملا ليس في الشرع ما يدل على استحسانه".
قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي قال: ((يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه (أي أمعاءه) ، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه)) ( [8] ).
لذا كان الحبيب المصطفى يستعيذ من علم لا ينفع كما في صحيح مسلم وسنن الترمذي من حديث زيد بن الأرقم أن النبي كان يقول في دعاءه ((...اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها)) ( [9] ).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: " إنني أخاف أن يقال لي يوم القيامة أعلمت أم جهلت؟ فأقول: علمت فلا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا جاءتني تسألني فريضتها فتقول الآمرة: هل ائتمرت؟ وتقول الزاجرة: هل ازدجرت؟"
ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الحقيقي هو الذى يورثك خشية الله هو الذى يورثك العمل.
وكان علي بن أبي طالب يقول: " يا حملة العلم اعملوا به فإن العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم يقعدون جلفاء يباهي بعضهم بعضاً، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه، وجلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله عز وجل".
إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً، لذا قال مالك بن دينار: " إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا". اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص في القول والعلم، وقال ابن السماك: كم من مُذَكِّر لله وهو ناس لله!! وكم من مُخَوِّف من الله وهو جريء على الله!! وكم من مُقَرِّب إلى الله وهو بعيد عن الله!!
وكم من تالٍ لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله!!
فأنت ترى كماً هائلاً من المحاضرات، والدروس، وترى كما هائلا من المراجع، والمجلدات، والكتب، ومع ذلك ترى بونا شاسعا وفرقا كبيرا بين هذا المنهج النظري وبين هذا الواقع العملي.
إن هذه الفجوة تبذر بذور النفاق في القلوب كما قال علام الغيوب: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن علمه ماذا عمل به؟!
ثالثاً: عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟!
المال نعمة من أعظم النعم، المال زينة الحياة الدنيا مع الأولاد.
قال جل وعلا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ الكهف :46]
ولاحظ أن الله قدم في هذه الآية المال على الأولاد، المال زينة ونعمة عظيمة، ولكن لا يعرف قدر هذه النعمة إلا من عرف الغاية من المال، فما أكرمها من نعمة إن حركتها أيدي الصالحين، والشرفاء.
المال نعمة لا يعرف قدرها إلا صالح تقي عرف الغاية من المال، وعرف الوظيفة الحقيقية للمال، وعرف أن المال ظل زائل وعارية مسترجعة.
المال نعمة من الله مَنَّ بها عليك، وزينة زَيَّنَكَ الله بها.
ولكن انتبه سوف تُسأل عن هذا المال كله من أين اكتسبت؟! وفيما أنفقت؟! سؤالان يملأن القلب بالخوف والوجل ويجعلان العبد يسأل نفسه ألف مرة قبل أن يحصل على هذا المال.
يا من تتاجر في الحرام، فى المخدرات لتحرق قلوب فلذة أكبادنا ولا هم لك إلا أن تجمع المال، حاسب نفسك الآن وقف مع نفسك موقف صدق، من الآن طَهَّر مالك كله قبل أن تُسأل بين يدي الله الذى يعلم السر وأخفى، عن كل ما جمعت من مال، من أين لك هذا المال؟ وفيما أنفقته؟؟
فالمال نعمة إذا حركته أيدي الصالحين والشرفاء، المال منحة لمؤمن تقي عرف الغاية منه، وعرف الوظيفة لهذا المال، لذا يقول سيد الرجال كما في الصحيحين: ((لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) ( [10] ).
وتدبر معي أخي الكريم قول الحبيب والحديث رواه أحمد والترمذي وصححه شيخنا الألباني من حديث أبي كبشة الأنماري عنه قال: ((ثلاثة أقسم الله عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، وما ظُلِمَ عبد مظلمةً فصبر عليها إلا زاده الله عز وجل بها عزاً ولا فتح عبد باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقر وأحدثكم حديثا فاحفظوه إنما هذه الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية لله يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل به رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته ووزرهما سواء)) ( [11] ).
إن المال لا يصبح نعمة إلا إذا كان في يد صالحة تعرف الغاية منه والمال الذي سنتركه ليس مالاً لنا وإنما هو مال ورثتنا كما في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال : ((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله))؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من ماله وارثه، قال: ((فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر)) ( [12] ).
لذا يقول المصطفى كما في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه: ((يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو اعطى فأقنى، وما سوى ذلك، فهو ذاهب وتاركه للناس)) ( [13] ).
ولذا ورد فى سنن الترمذي أن عائشة رضي الله عنها ذبحت شاة وتصدقت بها كلها إلا الذراع فقال النبي : ((ما بقى من الشاة يا عائشة))؟ قالت: ما بقي منها شيء إلا الذراع، فقال المصطفى : ((بقي كلها إلا الذراع)) ( [14] ).
إن الذي تصدقت به هو الذي سيبقى لك في ميزان أعمالك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
واسمع لحبيبك المصطفى وهو يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )) [المؤمنون:51].
وقال تعالى للمؤمنين: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، وقال: يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ البقرة: 172 ]، ثم ذكر ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يَمُدُّ يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام - وفى رواية ((وملبسه حرام )) - وغُذِي بالحرام فَأَنَّى يُستَجَاب لذلك)) ( [15] ).
أنى يستجاب لمن أكل الحرام، أنى يستجاب لمن شرب الحرام أنى يستجاب لمن غذى أولاده بالحرام، إننا نرى الآن تهاوناً مروعاً في الأكل الطيب الحلال فنرى الرجل لا هم له إلا جمع المال، من أي سبيل كان حتى لو كان حراماً حتى لو كان من الربا حتى لو كان من أموال الناس بالباطل المهم أن يكتنز المال، ومع ذلك فوالله لن يخرج من الدنيا بدرهم أو دولار
والفقر خير من غناً يطغيها
النفس تجزع أن تكون فقيرة
فجميع ما في الأرض لا يكفيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت
ملكاً لو لم تكن لك إلا راحة البدن
هى القناعة فالزمها تكن
هل راح منها بغير الطيب والكفن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟
رابعاً :عن جسمه فيما أبلاه
قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].
سيسأل الفؤاد والقلب عما وعاه من اعتقاد، هل امتلأ القلب بحب الله وبحب رسول الله والمؤمنين وامتلأ في الوقت ذاته ببغض الشرك والمشركين والباطل والمبطلين؟! سيسأل السمع عن كل ما سمع سيسأل البصر عن كل ما رأى، فهل يا ترى لا يسأل العبد بين يدى الرب سبحانه إلا عن هذه الجوارح فحسب..؟ كلا بل سيسأل الإنسان عن جسمه كله.
سيشهد هذا الجسم كله بما قدم وبما صنع وبما فعل سيشهد السمع والبصر والفؤاء ستشهد الرجل واليد والجوارح عامة قال تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].
وقال الله جل وعلا وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:19-21].
سيشهد عليك بدنك كله وسوف تسأل عن هذا البدن وعن هذا الجسم فيما أبليته، هل أبليت جسمك فى عمل الدنيا والآخرة أم في عمل الدنيا فحسب؟
فلا حرج أن يبلي الإنسان جسمه في عمل الدنيا وفي عمل الآخرة, والخطأ والحرج أن يفنى وأن يبلي جسمه كله وحياته كلها في عمل الدنيا ليضيع بذلك حق الله وعمل الآخرة، ياأخي في الله تاجر وعَمِّر وابنِ واجمع المال من الحلال لكن لا تنسى حق الكبير المتعال لا تنسى الآخرة. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، فلا حرج أن تجمع بين الأمرين.
قال المصطفى ((اللهم اصلح لي ديني الذى هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي)) ( [16] ).
فلا تجعل عمرك جله للدنيا وتنسى الآخرة، ستتمني يوم القيامة الرجعة والعودة إلى الدنيا لا لتعمل للدنيا مرة أخرى بل لتعمل للآخرة، قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:97-100].
كلا.. فاعمل الآن للدنيا وللآخرة قبل أن تتمنى الرجعة والعودة فيقال لك: كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:100].
لا يسمعها الله ولا يجيبها الله، واعلم يقيناً أنه والله لو أفنيت جسمك كله ليلاً ونهاراً من أجل الدنيا ونسيت عمل الآخرة والله لن تحصل من الدنيا إلا ما قدره الرزاق لك، تدبر هذا الحديث الجميل الذى رواه الترمذي وغيره وصحح الحديث الشيخ الألباني في صحيح الجامع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر الله له)) ( [17] ).
أخي الحبيب سل نفسك الآن فيما أبليت جسمك في عمل الدنيا والآخرة أم في عمل الدنيا؟
هل أبليت جسمك في طاعة الله ورسوله أم في معصية الله ورسوله؟
سل نفسك الآن فيما مضى من عمرك هل سَخَّرت جسمك فى طاعة الله ورسوله أم سخرته في معصية الله ورسوله؟
هل أعطاك الله نعمة هذا الجسم لتعصى الله بها أم لتطيع الله بها؟
واعلم يقيناً أن المعصية سبب لكل شقاء وضنك وبلاء في الدنيا والآخرة والطاعة سبب لكل فلاح وفوز وخير في الدنيا والآخرة.
قال ابن عباس: "إن للطاعة نوراً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن للمعصية سواداً فى الوجه وظلمة في القلب وضيقاً في الرزق وضعفاً في البدن وبغضاً في القلوب".
وذهب رجل إلى إبراهيم بن أدهم طيب الله ثراه فقال له يا إبراهيم: ساعدني في البعد عن معصية الله ، كيف أترك معصية الله جل وعلا؟ فقال له إبراهيم: تذكر خمسا فإن عملت بها لن تقع في معصية الله وإن زلت قدمك سرعان ما ستتوب إلى الله جل وعلا، قال: هاتها يا إبراهيم. قال إبراهيم: أما الأولى إن أردت أن تعصي الله جل وعلا فلا تأكل من رزق الله. قال: كيف ذلك والأرزاق كلها بيد الله؟
قال: فهل يجدر بك أن تعصي الله وأنت تأكل من رزقه. قال يرحمك الله يا إبراهيم: هات الثانية. قال إبراهيم: أما الثانية إن أردت أن تعصي الله جل وعلا فابحث عن مكان ليس فى ملك الله واعصٍ الله عليه. قال: كيف ذلك والملك ملكه والأرض ملكه والسماء ملكه؟! قال: ألا تستحي أن تعصي الملك في ملكه؟ قال يرحمك الله هات الثالثة. قال: أما الثالثة إن أردت أن تعصي الله جل وعلا فابحث عن مكان لا يراك الله فيه. قال: وكيف ذلك والله يسمع ويرى؟!
قال: ألا تستحي أن تعصي الله وأنت على يقين أن الله يراك؟ قال: يرحمك الله هات الرابعة.
قال: إذا جاءك ملك الموت فقل له أجلنى ساعة حتى أتوب إلى الله وأدخل في طاعته. قال: كيف ذلك يا إبراهيم ؟! والله جل وعلا يقول: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].قال: فهل يجدر بك وأنت تعلم ذلك أن تسوف التوبة وعمل الطاعات؟ قال: يرحمك الله هات الخامسة. قال: أما الخامسة إذا جاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى جهنم فإياك أن تذهب معهم. فبكى الرجل وعاهد الله عز وجل على الطاعة.
أيها المسلم فكر في هذه الخمس جيدا قبل أن تعصي الله، واعلم يقينا أنك بشر فإن زلت قدمك في معصية الله جدد الأوبة والتوبة إلى الله واعلم جيداً أن الله يحب التوابين والمتطهرين وما من ليلة إلا والملك ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بكماله وجلاله كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وينادي الحق سبحانه وتعالى ويقول: ((أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذى يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فاغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر)) ( [18] ).
فهيا أخي الحبيب عُد إلى الله وتب إلى الله واستعد للجواب عن هذه الأسئلة الأربعة، واعلم علم اليقين أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟!
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
( [1] ) رواه الترمذى رقم (2419) ، فى صفة القيامة ، باب رقم (1) ، وقال : حسن صحيح ، وصححه شيخنا الألبانى فى الصحيحة رقم (946) ، وهو فى صحيح الجامع رقم (7299).
( [2] ) رواه البخارى رقم (11/192) ، فى الرقاق ، باب قول النبى (( كن فى الدنيا كأنك غريب )) ، والترمذى رقم (2334) ، فى الزهد ، باب ما جاء فى قصر الأمل.
( [3] ) رواه البخارى (1/174) ، فى العلم ، باب كيف يقبض العلم ، ومسلم رقم (2673) ، فى العلم ، باب رفع العلم وقبضه ، والترمذى رقم (2654) ، فى العلم ، باب ما جاء فى ذهاب العلم.
( [4] ) رواه البخارى رقم (3116) ، الجهاد ، باب قول الله تعالى فإن لله خمسه وللرسول ، ومسلم رقم (1027) ، فى الإمارة ، باب فضل الرمى.
( [5] ) رواه البخارى رقم (3701) فى فضائل أصحاب النبى ، باب مناقب على بن أبى طالب رضى الله عنه ، ومسلم رقم (2406) فى فضائل الصحابة ، باب من فضائل على ابن أبى طالب.
( [6] ) رواه أبو داود رقم (3641،3642) ، فى العلم ، باب الحث على طلب العلم ، والترمذى رقم (2683،2684) ، فى العلم ، باب ما جاء فى فضل الفقه على العبادة ، وهو فى صحيح الجامع حديث رقم (6297).
( [7] ) رواه مسلم رقم (1631) ، فى الوصية فى باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته ، وأبو داود رقم (2880) ، فى الوصايا ، باب ما جاء فى الصدقة عن الميت ، والترمذى رقم (1376) فى الأحكام ، باب فى الوقف ، والنسائى (6/251) ، فى الوصايا ، باب فضل الصدقة عن الميت.
( [8] ) رواه البخارى (6/238) ، فى بدء الخلق ، باب صفة النار ، ومسلم رقم (2989) ، فى الزهد ، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله.
( [9] ) رواه مسلم رقم (2722) ، فى الذكر والدعاء ، باب التعوذ من شر ما عمل ، ورواه الترمذى رقم (3478) ، فى الدعوات ، باب رقم (69) ، والنسائى (8/255) ، فى الإستعاذة ، باب الاستعاذة من قلب لا يخشع.
( [10] ) رواه البخارى (9/65) ، فى فضائل القرآن ، باب اعتباط أصحاب القرآن ، ومسلم رقم (815) ، فى صلاة المسافرين ، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ، والترمذى رقم (1937) ، فى البر والصلة ، باب ما جاء فى الحسد.
( [11] ) رواه مسلم رقم (2588) ، فى البر والصلة ، ورواه الترمذى واللفظ له رقم (2326) ، فى الزهد ، باب جاء أن مثل الدنيا مثل أربعة نفر ، ورواه أيضاً الإمام أحمد فى المسند (4/230،231) ، وابن ماجة ، فى الزهد رقم (4228).
( [12] ) رواه البخارى رقم (6442) ، فى الرقاق ، باب ما قدم من ماله فهو له ، ورواه الإمام أحمد فى المسند رقم (3626).
( [13] ) رواه مسلم رقم (2959) ، فى الزهد ، باب الزهد.
( [14] ) رواه الترمذى رقم (2472) ، فى صفة القيامة ، باب رقم (34) ، وقال : هذا حديث صحيح.
( [15] ) رواه مسلم رقم (1015) ، فى الزكاة ، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ، والترمذى رقم (2992) ، فى التفسير ، باب ومن سورة البقرة.
( [16] ) رواه مسلم رقم (2721) فى الذكر ، باب التعوذ من شر ما عمل ، وهو فى صحيح الجامع رقم (1263).
( [17] ) صححه شيخنا الألبانى فى الصحيحة رقم (949) وقال أخرجه الترمذى (2/76).
( [18] ) رواه البخارى رقم (1145) فى التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل ، ومسلم رقم (758) فى صلاة المسافرين ، باب الترغيب فى الدعاء والذكر فى آخر الليل ، والموطأ (1/214) فى القرآن ، والترمذى رقم (3493) فى الدعوات ، وأبو داود رقم (1315) فى الصلاة.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 09:25 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com