طفل مسلم عالم ..مجاهد ..زاهد
أمل طالما حلمنا به ، كيف نخرج جيل النصر المنشود ؟ جيل التمكين .. جيل ارتبط بأصله واثق من نفسه نافع لأمته.
عندنا أعظم منهج تربوى كامل لإخراج طفل مسلم عالم مجاهد زاهد .. فكيف نغفل عنه ونلتمس الهدى فى غيره؟
راعيت فيه الاستشهاد بهدى النبى صلى الله عليه وسلم- مثلنا الأعلى وقدوتنا-وصحبه رضى الله عنهم خير جيل .
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتدي
يا بنى
غضب معاوية رضى الله عنه من ابنه يزيد , فاستدعي الاحنف بن قيس ثم قال له : ما تقول في الولد ؟
فقال : ثمار قلوبنا , وعماد ظهورنا , ونحن لهم أرض ذليلة ,وسماء ظليلة , فإن طلبوا فأعطهم , وإن غضبوا فأرضهم , يمنحوك ودهم , ويحبوك جهدهم , ولا تكن عليهم ثقيلا فيملوا حياتك , ويحبوا وفاتك!!
فقال : لله درك يا أحنف , لقد دخلت عليه وإني مملوء غضبا على يزيد فسللته من قلبي..(1)
مراعاة الاستعدادت والفروق الفردية
يندفع بعض الأبناء لتعلم ما لا يناسبهم أو العمل فيما لا يعود عليهم بالنفع ، وعلينا معشر المربين أن نصحح مسارهم ونرشدهم إلى الطريق الصحيح، كما رأينا فى الجزء الأول مع الإمام الشافعى.
يقول ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله :
تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته ، كما تنجلي حال المريض أمام الطبيب حين معالجته ...
يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة .
وهذا الإمام البخاري، كان في أول أمره يحاول تعلم الفقه والتبحر فيه فقال له محمد بن الحسن: "اذهب واشتغل بعلم الحديث"
عندما رآه مناسباً لقدراته وأليق به وأقرب إليه، وقد أطاعه البخاري ومن ثَمّ صار على رأس المحدثين وإمامهم .
وروي أن يونس بن حبيب كان يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ليتعلم منه العَروض والشعر، فصعب ذلك عليه فقال له الخليل يوماً: من أي بحر قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فـدَعْهُ .... وجاوزه إلى ما تستطيع.
فلما عجز يونس بن حبيب عن الإجابة، طالبه الخليل بن أحمد بتنفيذ الشطر الثاني من بيت الشعر محل السؤال.
غرز علو الهمة فى الأولاد
احك لهم قصص الصالحين وسير الأنبياء والمجاهدين،اربط أولادك بالنابهين فالطبع سراق، حذرهم من سفساف الأمور.
هذا الإمام النووي مات في الأربعين من عمره؛ و خلّف علماً غزيراً، ومصنفات لا يستغني عنها عالم فضلا عن طالب علم ، كل ذلك ثمرة تربية.
يقول عنه الشيخ يسين بن يوسف المراكشي:"رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم ،وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال.
فوقع في قلبي محبته، وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يقرئه القرآن توصية به، وقلت له: هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه، وأزهدهم، وينتفع الناس به"
فقال لي:أمنجّم أنت؟ فقلت:"لا، وإنما أنطقني الله بذلك"، فذكر ذلك لوالده،فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام. (2)
مسئولية التربية النفسية
فى نظرى من أخطر وأهم المسئوليات ؛كثير منا همه الأكبر أن يحفظ ولده القرآن كاملا ثم لا يبالى باتزانه النفسى فيقهره بل ويرعبه المهم يختم القرآن ويفاجأ الوالد بعد ذلك أن ابنه نسى القرآن والأخلاق بسسب تضييعه للتربية النفسية ؛وهى تربية الولد على الجرأة والصراحة والشجاعة والصدق وعدم الشعور بالنقص والانضباط عند الغضب
ولكم قصرنا فى هذا الجانب الجلل حتى رأينا أجيالا من العاهات النفسية ؛ نتيجة سوء التربية والقهر والحرمان.
1- ظاهرة الخجل وعدم الثقة بالنفس
كيف عالج سلفنا هذه الظاهرة
- روي البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه- وكان دون الحلم ـ أن رسول الله صلي الله وسلم قال :
"إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ؟
فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت ، ثم قالوا : حدثنا يا رسول الله ما هي ، قال : إنها النخلة .
وفي رواية : فأردت أن أقول : هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم وفي رواية "ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم فلما قمنا حدثت أبي بما وقع في نفسي،
فقال : لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم.
- وروي مسلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أتي بشراب ، فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟
فقال الغلام : لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً!! .
- وروي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ـ وكان دون الحلم ـ أنه قال : كان عمر رضي الله عنه يدخلني أي أيام خلافته مع أشياخ بدر -أي في المشورة- ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقالوا: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟
فقال عمر : إنه من حيث قد علمتهم، فدعاني ذات مرة ـ فرأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم ،
قال : ما تقولون في قوله تعالي : "إذا جاء نصر الله والفتح" فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً
فقال لي : أكذلك تقول : يا ابن عباس ؟ فقلت لا : فقال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلي الله عليه وسلم أعلمه له
فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول!! .
- ودخل على عمر بن عبد العزيز في أول خلافته وفود المهنئين فتقدم وفد الحجازين يتقدمهم غلام لم تبلغ سنه إحدي عشر سنة ، فقال له عمر : ارجع وليتقدم من هو أسن منك فقال الغلام : أيد الله أمير المؤمنين ، المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، فإذا منح الله العبد لسانا لافظا ، وقلبا حافظا ، فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسنّ لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا !! فتعجب عمر من كلامه وأنشد
تعلم فليس المرء يولد عالما .... وليس أخو علم كمن هو جاهل.
وإن كبير القوم لا علم عنده .... صغير إذا التفت عليه المحافل.
- وتكلم صبي بين يدي المأمون الخليفة ، فأحسن ، فقال له المأمون : ابن من أنت؟ فقال الصبي : ابن الأدب يا أمير المؤمنين !! فقال الخليفة : نعم النسب وأنشد
كن ابن من شئت وأكتب أدبا ... يغنيك محموده عن النسب.
إن الفتي من يقول : ها أنذا .... ليس الفتي من يقول : كان أبي
على أن يفرق بين ظاهرة الخجل وهو الانكماش والانطواء وتجافيه عن ملاقاة الآخرين (والحياء) وهو التزام مناهج الفضيلة وآداب الإسلام
ظاهرة الخوف
من أسبابها تخويف الأم وليدها بالأشباح أو المخلوقات الغريبة ،كذا دلال الأم المفرط وقلقها الزائد ، وتربية الولد على الانطوائية والعزلة ، ومشاهدة أفلام الرعب ، والضرب والقهر .
وكان الأجدر أن نربي أولادنا على الشجاعة ونسرد لهم قصص البطولة والإقدام لأولاد السلف الكرام.
سمرة ورافع (مصارعة)
لما خرج المسلمون إلي أحد للقاء المشركين ، استعرض النبي صلي الله عليه وسلم الجيش ، فرأي فيه صغارا لم يبلغوا الحلم ، حشروا أنفسهم مع الرجال ، ليكونوا مع المجاهدين في إعلاء كلمة الله ، فأشفق عليهم النبي صلي الله عليه وسلم ورد من استصغره منهم وكان فيمن رده "رافع بن خديج وسمرة بن جندب" فقيل للرسول صلي الله عليه وسلم إن رافع رام يحسن الرماية ، فأجازه النبي ، فبكي سمرة وقال لزوج أمه : أجاز رسول الله صلي الله عليه وسلم رافعاً وردني مع أني أصرعه فبلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم الخبر ، فأمر بمصارعتهما ، فغلب سمرة رافعا فأجازهما النبي صلي الله عليه وسلم
- روي الشعبي أن امرأة دفعت إلي ابنها السيف يوم أحد ، فلم يطق حمله ، فشدته على ساعده بسير مضفور ثم أتت به النبي صلي الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله هذا ابني يقاتل عنك ، فقال له النبي : أي بني احمل هاهنا، فأصابته جراحة ، فصرع ، فأتي به النبي قال : أي بني ، لعلك جزعت ؟ قال الولد : لا يا رسول الله !.
- وعن سعد بن أبي وقاص قال : رأيت أخى عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضها رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم بدر يتواري ، فقلت : مالك يا أخي تتواري ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلي الله عليه وسلم فيردني لصغري ، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة ، فعرض على رسول الله فرده، فأخذ يبكي حتي أجازه رسول الله صلي الله عليه وسلم.
يقول سعد : فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل ونال الشهادة رضي الله عنه وأرضاه
الصبية الأبابيل ، أطفال حجارة فلسطين
تحية لأمّنا وأطفالنا فى فلسطين من ذكرونا بطيب ذكريات سلفنا الصالح ،وضربوا أروع المثل للبطولة والصمود والشجاعة!
حجارة القدس نيران وسجيل......وفتية القدس أطيار أبابيل.
وساحة المسجد الأقصي تموج بهم..ومنطق القدس آيات وتنزيل.
يقول الشاعر
ما عاد فينا الطفل يعبث لاهيا .... فالطفل فينا مارد جبار.
وصغارنا حملوا الحجارة وازدهوا .. ماعاد في ساح الجهاد صغار .
بعزيمة الجبار نضرب خصمنا .... فيذل من عزماتنا الفجار.
والفتية الصيد الآباة وحولهم ..... بحر المنية موجه هدار .
قد أطرب الأسماع وقع هتافهم.....وزها بهم يوم الوغي عمار .
والقدس زفت للشهيد وحولها .... بيض الوجود كأنهم أقمار .
هاتي لنا الأكفان كي نلقي الردي .... ونزف فالحور الحسان تغار.
ظاهرة الشعور بالنقص
وهي من أخطر الظواهر النفسية في تعقيد الولد وانحرافه وتحوله إلي حياة الرذيلة والشقاء والإجرام، وأسبابها:
1- التحقير والإهانة
فإذا كذب الولد مرة ناديناه بالكذاب ، إذا ضرب أخاه ناديناه بالشرير ، أخذ شيئاً ندعوه بالسارق إذا فشل في حل الواجب نادينا بالغبي.
وبالتالي يحطم الولد نفسيا ويترسخ في ذهنه أنه كذلك ويرضي بالأثر الواقع.
وما هكذا يربي الأبناء بل ينبغي الرفق واللين مع بيان الحُجّة التي يقتنع بها ،ولا يكون توبيخه أمام الحاضرين،ويجب بث الثقة فيه وأنه مرغوب فيه، وينبغي تكريمه وتعظيمه ليشعر بوجوده.
اسمع لقول أحد السلف وهو ينمي شعور التكريم والاحترام في نفسية ولده
أكنيه حين أناديه لأكرمه...ولا ألقبه والسوأة اللقب.
روي الإمام أحمد أن غلاما شابا أتي النبي صلي الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله : أتأذن لي في الزني فصاح به الناس ، فقال النبي : قربوه ، ادنُ فجلس بين يديه ، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم : أتحبه لأمك ؟ قال : لا ، جعلني الله فداك ، قال : كذلك الناس لا يحبون لأمهاتهم .
أتحبه لابنتك قال : لا جعلني الله فداك ، قال : كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم ، أتحبه لأختك ؟ قال : لا جعلني الله فداك قال : كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم وذكر له العمة والخالة وهو يقول في كل واحدة الله فداك ، فوضع رسول الله صلي الله عليه وسلم يده على صدره وقال:"اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه"
فقام بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم وليس شيء أبغض عليه من الزني!.
2. العاهات الجسدية
كالعور أو التهتهة … إلخ ،فلا ينادي بها ولا يُسخر منه لأن لم يكن له فيها يد بل العلاج أن ننظر إليهم نظرة الرحمة ونحوطهم بالرعاية ونذكره بالعظماء الذين تغلبوا على عاهاتهم ونبغوا أفضل من الأصحاء . (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم)
مركب النقص قد يكون مركب كمال
ابن الأثير ألف كتبه الرائعة وكان مقعدا لا يتحرك، وعمى ابن عباس وابن أم مكتوم وقتادة والأعمش وكانوا جبالا في العلم .
الطفل بين خطرين عظيمين
الدلال المفرط والعقاب المجحف وأشرهما الثانى
والعدل التوسط بين هذين
ومن يك راحما فليك حازما ...وليقس أحيانا علي من يرحم
روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين أنه قال: "ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه و سلم ،هم أحوج إلى اللين الذى خرج من مشكاة النبوة
انظر له صلى الله عليه وسلم وهو يحمل حفيدته ( أُمامة) على كتفه وهو يخرج من البيت ، وكان يحملها أحيانا على ظهره وهو في صلاة النافلة فإذا ركع وضعها على الأرض وإذا قام رفعها. (3)
وهم أحوج للحزم النابع من الشفقة عليهما من ورود المهالك، انظر للنبى صلى الله عليه وسلم وهو يقول لحبيبه أسامة بن زيد: أتشفع فى حد من حدود الله يا أسامة !والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
وهو القائل:" مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر" رواه أبو داود والترمذي
وهذا الحسن رضي الله عنه -وهو طفل صغير- يمد يده إلى تمر صدقة، فأسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم وانتزع تلك الثمرة من فيه قائلا له: أما علمتَ أن الصدقة لا تحل لآل محمد.(4)
قال تعالى:
" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" آل: عمران159
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أرحم الناس بالصبيان والعيال (5)
وقال عليه الصلاة والسلام : ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا (6)
يقول ابن خلدون فى مقدمته:
و من أحسن مذاهب التعليم ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده. قال خلف الأحمر بعث إلي الرشيد في تأديب ولده محمد الأمين فقال يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه و ثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة و طاعته لك واجبة. و كن له بحيث وضعك أمير المؤمنين.
أقرئه القرآن و عرفه الأخبار و روه الأشعار و علمه السنن و بصره بمواقع الكلام و بدئه و امنعه من الضحك إلا في أوقاته و خذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه و رفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه. و لا تمرن بك ساعة إلا و أنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه. و لا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ و يألفه. و قومه ما استطعت بالقرب و الملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة و الغلظة.(7)
فما أحوجنا لهذا التوازن التربوى النبوى.
الدلال المفرط
احتضان الولد بشكل دائم وإعفائه من الأعمال من قبيل الشفقة والرحمة ، حتي إنها توصله إلى المدرسة!
وتتغاضي عن أخطائه ولا تنبه عليها بل تفرح وتلبي له كل طلباته
والنتيجة خطيرة ومدمرة ؛ جيل تافه مستهتر، لا يعتمد على نفسه مدلل مرفه لا يلبث أمام الأخطار ، يعتريه والخنوع فاقد للرجولة والشجاعة والميوعة مستهتر بمشاعر الآخرين مزهو بذاته متعجل للأمور يعشق السيطرة ولا يعتمد إلا على غيره.
ما حكَّ جلدك مثلُ ظفركْ ... فتولَّ أنت جميعَ أمرِكْ.
والعلاج:
أ ـ التدرج في تأديب الولد بالنصح وإلا فالهجر وإلا فالضرب غير المبرح ولا يسترسل فيه.
ب - تربية الولد منذ نعومة أظفاره على الإخشيشان وعلو الهمة وتحمل المسئولية والقيادة حتي يشعر بكيانه.
قد ينفعُ الأدبُ الأحداثَ في مَهَلٍ ...وليس ينفعُ في ذي الشَّيبَةِ الأدَبُ
فكان الرسول فى طفولته يرعي الغنم ، وينقل حجارة الكعبة ويقوم بعملية البناء ويخرج للسفر للتجارة .
إن من الخطأ الجسيم تربية الأولاد على موائد الفضائيات يشاهدون أطفالا أمثالهم منعمين مدللين فيشعرون بالنقص ، وتزداد طلباتهم بالأكل والملابس، ولا يجد الآباء مفرا سوي تلبية طلباتهم.
متى يبلغ البنيانُ يوماً تمامَه ..... إذا كنتَ تبنيهِ وغيرُك يهدمُ.
عمر بن عبد العزيز
يربي ولده على الخشونة ، يري ولده يوم العيد وعليه ثوب خَلِق فدمعت عيناه ، فرآه ولده فقال : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ قال : يا بني : أخشي أن ينكسر قلبك إذا رآك الصبيان بهذا الثوب الخلق! قال : يا أمير المؤمنين ، إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه ، أو عصي أمه وأباه ، وإني لأرجو أن يكون الله تعالي راضياً عني برضاك!
هند بنت عتبة
ربت ابنها معاوية رضى الله عنهما منذ نعومة أظفاره على علو الهمة والقيادة ،عندما دخل عليها أحد أقاربها وكانت تحمل ابنها معاوية فقال لها : إن عاش هذا ساد قومه.
فقالت مغضبة : ثكلته أمه إن لم يسد إلا قومه !
لقد ربته ليسود الأمة بأسرها لا قومه فحسب!.
الإفراط في العقاب والقهر
إن كان الدلال المفرط يفسد الولد ،فالعقاب والقهر المفرط كفيل بتدميره ،ولا أخاله يصلح بعد ذلك .
انظر إلى جيل بنى إسرائيل وأثر قهر الفراعنة عليهم، لقد استمرأوا الهوان وعبدوا العجل ، يأمرهم موسي عليه السلام بدخول الأرض المقدسة لقتال العمالقة فجبنوا ومكروا وصاروا لا وزن ولا فائدة ترجى منهم فاستحقوا التيه في الصحراء أربعين سنة حنى فنوا.
ثم خرج الجيل الجديد الذي تخلص من القهر وتربي على الجرأة والعزة والشجاعة.
- الأولاد يتفاوتون في الذكاء ومرونة الاستجابة ، وأمزجتهم تختلف فهناك الهادئ المسالم ومنهم العصبي ومنهم المعتدل
فمن الخطأ أن نعالج مشاكلهم بأسلوب واحد وهو الضرب ، لأن المربي كما يقول الغزالي كالطبيب لا يجوز أن يعالج المرضي بعلاج واحد مخافة الضرر أو يقوّم اعوجاجهم بالتوبيخ وحده.
بل عليه أن يعامل كل طفل معاملة تلائم شخصيته ويبحث عن الباعث على ذلك ، فبعض الأطفال ينفع معهم النظرة العابسة وبعضهم التوبيخ وبعضهم العصا.
العبد يقرع بالعصا.... والحر تكفيه الإشارة.
قال حكيم:" لا أستعمل سوطي ما دام ينفعني صوتي ، ولا أستعمل صوتي ما دام ينفعني صمتي.
وقد قرر ابن خلدون ذلك في مقدمته تلك:
من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ، ودعاه إلي الكسل ، وحمله على الكذب والخبث خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، علمه المكرر والخديعة ، ولذلك صار له هذه عادة و خلقا ، وفسدت معاني الإنسانية التي له …"
وقال أيضاً : "إن من يعامل بالقهر يصبح حملا على غيره ، إذ هو يصبح عاجزاً عن الذود عن شرفه وأسرته لخلوه من الحماسة والحمية ، على حين يقعد عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل."
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه " (8)
أهمية اللعب للأولاد
الطفل كالزهرة ، واللعب له كالشمس والماء والهواء، داخل الطفل طاقة لا بد من استغلالها أو تفريغها ، و إن كبت طاقة الطفل وحرمانه من اللعب كفيل بتدميره بدنيا ونفسيا واجتماعيا.
- عن جابر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما.
- و دخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لهما: نِعْمَ الفرس تحتكما، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: نعم الفارسان هما.(9)
- ورد عن بعض السلف أنه قال: من كان له صبي فليتصابى له.
هذا هو الشاعر عمر بهاء الدين الأميري، يصور لنا ما تبقى من آثار وذكريات أولاده بعدما فقدهم فى أبدع تصوير:
أين الضجيج العذب والشغب .... أين التدارس شابه اللعِبُ.
أين الطفولة في توقُدِيها ..... أين الدمى في الأرض والكتبُ.
أين التشاكس دونما غرض ..... أين التشاكي ما له سببُ.
أين التباكي والتضاحك في ..... وقت معاً والحزن والطرب.
أين التسابق في مجاورتي ..... شغفاً إذا أكلوا وإن شَرِبوا.
يتزاحمون على مجالستي.....والقرب مني حيثما انقلبوا.
يتوجهون بسَوق فطرتهم نحوي ... إذا رهبوا وإن رغبوا.
فنشيدهم (بابا) إذا فرحوا .... ووعيدهم (بابا) إذا غضبوا.
وهتافهم (بابا) إذا ابتعدوا .... ونجيبهم (بابا) إذا اقتربوا.
بالأمس كانوا ملء منزلنا ..... واليومَ وَيح اليومِ قد ذهبوا.
ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم .... في القلب ما شقوا وما قربوا.
إني أراهم أينما التفتت نفسي ..... وقد سكنوا وقد وثبوا.
وأحس في خلدي تلاعبهم في الدار .... ليس ينالهم نصبوا.
وبريق أعينهم إذا ظفروا.....ودموع حُرقتهم إذا غلبوا.
في كل ركن منهم أثرٌ ...... وبكل زاوية لهم صخبوا.
في النافذات زجاجها حطموا .....في الحائط المدهون قد ثقبوا.
في الباب قد كسروا مزالجه .... وعليه قد رسموا وقد كتبوا.
في الصحن فيه بعض ما أكلوا ..... في علبة الحلوى التي نهبوا.
في الشطر من تفاحة قضموا .... في فضلة الماء التي سكبوا.
إني أراهم حيثما اتجهت عيني .... كأسراب القطا سربوا.
بالأمس في قرنايلٍ نزلوا .... واليوم قد ضمتهم حلبُ.
دمعي الذين كتمته جلداً ..... لما تباكَوْا عندما ركبوا.
حتى إذا ساروا وقد نزعوا .... من أضلعي قلباً بهم يجبوا.
ألفيتني كالطفل عاطفة ....... فإذا به كالغيث ينسكبوا.
قد يعجب العُذّال من رجل يبكي ... ولو لم أبكِ فالعجبو.
هيهات ما كل البكاء خَوَرٌ .... إني وبي عزم الرجال أبو.
هكذا صنعوا جيل التمكين
محمد بن مراد الفاتح "فاتح القسطنطينية"
(10) أنعم من فاتح الذي رفع راية الإسلام فواق أسوار القسطنطينية ولما يكمل الثالثة والعشرين من عمره!! كان والداه يحوطانه برعاية فائقة ، ووفروا له خيرة العلماء وعلى رأسهم آق شمس الدين يصقلون مواهبه،و يزودون بالعلم والمعرفة ويربونه حتي بذ على أقرانه وأصبح ملما بالعديد من اللغات ،
ووفروا له خير الفرسان يؤججون في صدره روح الجندية والعزة الإيمانية ، فلم يكد يتخطى الفتي العاشرة حتي قذف به والده في غمار الحياة العملية فعينه واليا على مقاطعة أماسيا ثم قائداً عاما عليها وما مضى شهور حتي همس الناس أن هذا الشبل من ذاك الأسد ..
ها هو أستاذه آق شمس الدين يمضي معه الساعات الطوال يذاكره في الحديث الشريف "لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش جيشها" (11)
وهناك رواية أن أمه كانت تخرج به بعد صلاة الفجر وتشير إلي القسطنطينية وتذكره بحديث رسول الله المتقدم وتقول له لعلك تكون هذا الأمير الذي يفتحها
حتي كبر هذا الحلم في نفسه ومنذ أول يوم اعتلي فيه عرش السلطنة (10 سنوات) وهو يدرس خريطة القسطنطينية توضح نقاط الدفاع الاستراتيجية والضعف للبيزنطيين ، فبنى قلعة ضخمة على الشاطئ الأوروبي وقام باختيار موقعها وشارك بنفسه في بنائها.
وضمن بذلك منع وصول الإمدادات إلي القسطنطينية ، فأقض مضاجع الإمبراطور قسطنطين فبعث ليستنجد ببابا روما ودول أوروبا ينذرهم أنه لو سقطت المدينة في يد المسلمين فهدفهم التالي سيكون روما مركز البابوية ، فكانت النتيجة أن توحدوا جميعا ضد محمد الذي أعلن الحرب .
وكان يشرف بنفسه على صنع مدفع ضخم لو يسبق لأحد أن صنع شبيها له كان من اختراعه هو ، ووضع البيزنطيون السلاسل الحديدية في خليج استانبول لمنع السفن الحربية العثمانية من الاقتراب من أسوار القسطنطينية ، وزحف جيش محمد وبدأت المدافع في دك أسوار القسطنطينية لمدة 48 يوما لم تتوقف.
وبينما المدافعون عن القسطنطينية يدافعون إذ يأمر لم يخطر لهم على بال ، ما يقرب من ثمانين سفينة حربية عثمانية تتمركز داخل مياه خليج قسطنطينية ، ظنوا أنهم حطموا السلاسل الحديدية وكانت المفاجأة أن السلاسل لم تنقطع فشل تفكيرهم ،
وكانت حماسة السلطان وعلو همته فجر كوامن عبقريته بإيصال السفن بطريقة لا تخطر على بال فحطم المألوف ،فأمر برص الآلاف من جذوع الأشجار الضخمة في صفوف منتظمة على الطريقة وسكب أطنانا من الدهن والزيت فوقها لتسهيل عملية الانزلاق وشارك آلاف الجنود في سحبها والآخرون يربطون السفن بالجبال المتينة على الجانبين لضمان التوازن وذلك لمسافة تزيد على ثمانية أميال وذلك في ليلة واحدة نقلوا ثمانين سفينة حتي أنزلوها في مياه الخليج بينما أصواتهم تهدر بالتكبير وأخذ يقصف السفن الحربية البيزنطية حتي لا تستطيع التصدي لسفن عند إنزالها للخليج وإشغال البيزنطيين طوال الوقت ، واخترع برجا متحركا يزيد على ارتفاع أسوار المدينة لدك أبراج باب المدفع
وفي اليوم الموعود أعلن السلطان في 19 جماد الأول بالهجوم الفاصل وأخذت الأصوات تتعالي بالتكبير والتهليل والدعاء ونوي الصيام وندب جنده له وبعد الإفطار اجتمع هذا الفتي العظيم بقواده قائلاً لهم : "إن الظفر العظيم الذي سننجزه سيزيد المسلمين قدرا وعزا ويجب على كل جندي أن يتحلي بتعاليم الشريعة وليتجنبوا الكنائس والمعابد ولا يمسوها بأذي وليدعوا القساوسة والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون وزحف الجيش التكبير يتردد وكأنه زلزال الحشر واحتدم القتال.
وانهالت السهام والسيوف وقوارير الزيت المغلي على المسلمين وطفق الرهبان يؤكدون أن الملاك الأزرق سيمنع المسلمين من دخول مدينتهم.
وخطب السلطان: ها أنذا مستعد للموت في سبيل الله فمن رغب في الشهادة فليلحق بي.
وتدافع المجاهدون كالسيل العرم وقتل "جوستنسيان" قائد المدافعين عن المدينة وأجهز أحد المجاهدين على الإمبراطور قسطنطين في المعركة واعتلي الآخرون أسوار المدينة ليضعوا الرايات وآخرون يرفعون الآذان عند ذلك سجد السلطان شكرا لله ودخل المدينة ليجدها خالية وقد اعتصموا بالكنيسة فطمأنهم وأمنهم ونادي بالصلاة.
وأقيمت أول صلاة جمعة في مسجد أيا صوفيا وكان الإمام والخطيب آق شمس الدين يقطف ثمرة تعبه وتعليمه.
بلغ عدد الأسري أكثر من 50 ألف كان أحدهم إذا رأي جنديا مسلما يركع على الأرض رافعاً يديه فلا يهدأ روعه إلا بعد أن يري الجندي المسلم يكتفي بأسره.
سكت الرصاص فيا حجارة حدثي*** أن العقيدة قوة لم تهزم.
خاتمة
وعلي هذا فلنرب أبناءنا على الجندية والعزة والكرامة وتحمل المسئولية وعلو الهمة وحب الفداء لهذا الدين العظيم.
ألا فلتعلم أن التربية الإيمانية الصالحة طريق طويل يحتاج لفن ومهارة ومداراة ، فليس الطفل آلة صماء أو ببغاء،أو إناء يملأ بالأفكار، الطفل ينطوى تحت كنز من المواهب عليك أيها المربى اكتشافها وتنميتهاوتسييسها.
التربية الإيمانية لا تذهب بإذن الله سدى فلا بد لها من ثمرة وإن تأخرت ، فاستعن بالله
إذا لم يكن توفيق من الله للفتى*** فأول ما يجنى عليه اجتهاده.
ولنكن قدوة لأبنائنا لأن فاقد الشىء لايعطيه.
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً *** فشيمة من في الدار كلهمُ الرقصُ.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
تم بحمد لله بقلم الفقير إلى الله أبو مسلم وليد برجاس
موضوع ذو صلة
(1) الحديقة 4\221 (2) علو الهمة محمد إسماعيل ص374 (3) البخاري، الأدب، 18؛ مسلم، المساجد، 41-43
(4)البخاري، الزكاة، 57؛ مسلم، الزكاة، 161؛ «المسند» للإمام أحمد 2/279
(5)صحيح الجامع 4797 (6) صحيح الجامع 5444 . (7) مقدمة ابن خلدون الفصل الأربعون
(8)صحيح الجامع 5654. (9) مجمع الزوائد للهيثمي 9/182 (10)السلطان محمد الفاتح و عوامل النهوض في عصره علي محمد الصلابي