الأنبياء معصومون فيما يبلغونه
القسم : فتاوى > أخرى
السؤال :
سمعت من عالم إسلامي يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم يخطئ ، فهل هذا صحيح؟ وقد سمعت أيضا أن الإمام مالك يقول : كل منا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ، مع بيان حديث الذباب بعد أن تجرأ على تكذيبه بعض الناس ؟
الجواب :
قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل من أحكام . كما قال عز وجل : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى**[1] فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولا وعملا وتقريرا ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم ، وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر ، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها ، بل ينبه عليها فيتركها ، أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك . كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على جماعة يلقحون النخل فقال ((ما أظنه يضره لو تركتموه)) فلما تركوه صار شيصا ، فأخبروه فقال عليه الصلاة والسلام : ((إنما قلت ذلك ظنا مني وأنتم أعلم بأمر دنياكم أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله)) رواه مسلم في الصحيح ، فبين عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون النخل وكيف يغرسون وكيف يبذرون ويحصدون .
أما ما يخبر به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى فإنهم معصومون من ذلك . فقول من قال : إن النبي يخطئ فهذا قول باطل ، ولا بد من التفصيل كما ذكرنا ، وقول مالك رحمه الله : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر- قول صحيح تلقاه العلماء بالقبول ، ومالك رحمه الله من أفضل علماء المسلمين ، وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني ، وكلامه هذا كلام صحيح تلقاه العلماء بالقبول ، فكل واحد من أفراد العلماء يرد ويرد عليه ، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو لا يقول إلا الحق ، فليس يرد عليه ، بل كلامه كله حق فيما يبلغ عن الله تعالى ، وفيما يخبر به جازما به أو يأمر به أو يدعو إليه .
أما حديث الذباب فهو حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه ، وقد أخبر به النبي جازما به ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)) وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس بن مالك ، وكلها صحيحة ، وقد تلقتها الأمة بالقبول ومن طعن فيها فهو غالط وجاهل لا يجوز أن يعول عليه في ذلك ، ومن قال إنه من أمور الدنيا وتعلق بحديث ((أنتم أعلم بشئون دنياكم)) - فقد غلط ؛ لأن الرسول جزم بهذا ورتب عليه حكما شرعيا ولا قال أظن ، بل جزم وأمر ، وهذا فيه تشريع من الرسول ؛ لأنه قال ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه)) فهذا أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم وتشريع للأمة ، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
والله ولي التوفيق .
________________________________________
[1] - سورة النجم الآيات 1 – 5.
المصدر :
مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء السادس
موقع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
ـــــــــــــــــــــــــــ