بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال - رحمه الله تعالى -: عن مصعب بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم
رواه البخاري .
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة، أحد عظماء قادة الجهاد في سبيل الله فهو الذي قاد جيوش المسلمين في غزوات العراق كالقادسية، عن سعد - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم للحديث سبب، عن سعد - رضي الله عنه - قال: رأى سعد، أو رأى أن لسعد فضلا على من دونه، كأنه في بعض الغزوات - يعني - ظهر من سعد أن له فضلا على من دونه، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم " هل تنصرون وترزقون إلا" هذا أسلوب حصر، ومعنى هل استفهام إنكاري بمعنى النفي - يعني - يصير المعنى " ما ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ".
هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم في هذا الحديث بيان أن الرزق والنصر ليس بمجرد الأسباب المادية كشجاعة الشجعان والمهارة في اكتساب الرزق، هذه نعم أسباب مادية حسية وهذه أكثر ما تجري على يد - يعني - بعض الناس - يعني - من أهل القدرة والقوة، فيظن بعض الناس أن ما يحصل من نصر على الأعداء وما يحصل من اجتلاب الرزق أنه بهذه الأسباب، وأن ما يحصل من نصر إنما كان بسبب هؤلاء الأبطال والشجعان والأقوياء، وما يجتلب من رزق إنما هو بأصحاب الخبرات والمهارات والتجارب والحذق في كسب المال، فبين النبي - عليه الصلاة والسلام - أن هناك أسباب خفية معنوية وهي ما يكون بقلوب المؤمنين المستضعفين من الرغبة إلى الله في حصول المنافع ودفع المضار، في حصول المحاب والسلامة من الأضرار وما يحذره الناس، سبحان الله، ما يكون بقلوبهم من التوجه إلى الله طلبا للخير والرزق والنصر والتوكل على الله وما ينشأ عن ذلك من الدعاء، يدعون الله بصدق.
هؤلاء قد يكونون مع القاعدين كما قال - عليه الصلاة والسلام - : إن في المدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر فهؤلاء - يعني - ناصحون للمسلمين لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فهؤلاء الضعفاء أو المرضى كم يحصل منهم من ضراعة وتوجه ينفع الله بها عموم المسلمين وجيوش المسلمين، ويصلح الله بها أمور المسلمين من جلب الأرزاق ورفع الشدائد والقحط ودفع الضر والنصر على الأعداء رب عبد مدفوع بالأبواب ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه هذا من الضعفاء آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدامه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع .
هذا من أصحاب الجاه ؟! لا، لكن هذا يرجى أن الله ينصر به جيش المسلمين بما في قلبه من صدق وإخلاص وتواضع، سبحان الله، هذا ما عنده وعود ...إن استأذن لم يؤذن له بخلاف ذوي الجاه والمنزلة، والإنسان المعروف هذا يستقبل وإذا رغب في شيء يحقق وإن استأذن أذن له وإن شفع تقبل شفاعته، أما هذا، هذا يرجى أن الله ينصر المسلمين وجيوش المسلمين ويفتح الله على المسلمين من أبواب الرزق بسبب هذا الضعيف.
هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم وهذا الحصر قد لا يكون - يعني -، هذا أسلوب حصر " ما تنصرون ولا ترزقون إلا بضعفائكم " ليس المقصود الحصر الحقيقي بحيث إنه إلغاء للأسباب الأخرى وأنه ليس هناك سبب سوى ما يكون من أولئك الضعفاء، لا، هذا فيه تأكيد أن كثيرا أو أن - يعني - معظم ما يحصل من رزق وما يحصل من نصر هو بسبب أولئك الضعفاء، أو أن ما يحصل من نصر أو رزق هو بسبب - يعني - صدق هؤلاء الضعفاء من المؤمنين صدقهم وإخلاصهم ودعائهم ولجئهم إنما يحصل من نصر ورزق أعظم من النصر والرزق الذي يحصل - يعني - بجهود الأقوياء، وإن كانت هذه أسباب - وهذه أسباب، ولا شك أن الأسباب المعنوية أعظم أثرا في حصول المطالب من الأسباب الحسية - أعظم أثرا، - يعني - يمكن واحد يكدح في طلب الرزق بأسباب ضعيفة ولكن عنده من التوكل على الله والتوجه إليه ما هو أعظم أثرا في حصول مطلوبه من السبب الذي يأتيه ويحسنه وهو أحرى بحصول مطلوبه من شخص - يعني - عنده - يعني - قدرات ومهارات فهو يعول على تلك الأسباب قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي هذا بسبب العلم الذي أنا أحسنه وأنا ذو خبرة بوجوه المكاسب.
المقصود أن هذا يوجب ألا يغتر أصحاب الجاه والقوة والخبرات على تلك الحظوظ، وألا يحقروا المستضعفين من المؤمنين، بل يكونون محترمين لهم متفائلين بدعائهم ورجائهم ومعترفين بفضلهم، هذا سعد وهو سعد أحد المبشرين بالجنة كأنه رأى له فضلا على من دونه، فالرسول قال له : هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، قد يخرج الجمع من الناس للاستسقاء فيدعون وينزل الغيث، قد يكون هذا نزول الغيث كان بسبب دعوة واحد منهم أو دعوة جماعة منهم، ما يدرى من الذي استجيب دعاؤه ولا ريب أن من كان - يعني - لا ينظر له في مظاهر الدنيا وهو صادق مع ربه مخلص في عبوديته لله صادق مستقيم، صادق التوجه والرغبة إلى الله لا ريب أن هذا حري أن يجيب الله دعاءه وأن ينفع به سائر المسلمين، " لا يدرى من هو الذي استجيبت دعوته ".
في هذا الحديث - يعني - تنبيه لذوي الجاه والحظوظ ألا يغتروا ولو كانوا من الصالحين ألا يغتروا ولا يحتقروا - يعني - إخوانهم الضعفاء ؛ بل عليهم أن يعرفوا لهم منزلتهم وفضلهم ويعرفوا أيضا - يعني - ما يرجى من أثر دعائهم وإخلاصهم وصدقهم مع ربهم سبحانه وتعالى .
شرح الشيخ عبدالرحمن ناصر البراك
جامع شيخ الاسلام ابن تيمية
__________________