( مَنْ طَلَّقَ مَدْخُولًا بها بلا عِوَض دُون مَا له من العَدد فله رجعَتها في عدتها ولوْ كرهت ) .
تعريف الرجعة : إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد ما دامت في العدة ( وسيأتي محترزات هذا التعريف بعد قليل ) .
( مَنْ طَلَّقَ ) هذا الشرط الأول .
فلا رجعة إلا بعد طلاق ، فلو فسخ النكاح لفقد مانع فليس له حق الرجعة .
( مَدْخُولًا بها ) هذا الشرط الثاني .
فإن لم يكن مدخولاً بها فلا رجعة ، لأنه لا عدة عليها .
( بلا عِوَض ) هذا الشرط الثالث .
فإن كان بعوض فلا رجعة إلا بعقد جديد .
( دُون مَا له من العَدد) هذا الشرط الرابع .
كأن يطلق طلقة أو تطليقتين .
فلو طلقها الطلقة الثالثة فلا رجعة .
( فله رجعَتها في عدتها ) هذا الشرط الخامس .
فإن راجعها بعد العدة فلا رجعة .
لقوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) . أي : في العدة .
فعلم من الآية أنه لا حق للأزواج بعد انتهاء العدة .
قال القرطبي : وأجمع العلماء على أن الحرّ إذا طلق زوجته الحرة ، وكانت مدخولاً بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها ، وإن كرهت المرأة ، فإن لم يراجعها المطلّق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها ، وتصير أجنبية منه لا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي ، وهذا إجماع من العلماء .
مثال : رجل قال لزوجته أنت طالق ، فتطلق ، فله الحق ما دامت في العدة أن يراجعها ، لكن بالشروط السابقة .
- أدلة مشروعية الرجعة :
أ- قوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً ) . والمراد بالبعل هنا الزوج .
قال ابن كثير: أي وزوجها الذي طلقها أحق بردتها ما دامت في عدتها.
قوله تعالى (فِي ذَلِكَ) الإشارة إلى التربص المفهوم من قوله تعالى (يتربصن).
والمعنى: وأزواجهن أحق بإرجاعهن إذا رغبوا في ذلك مادمن في العدة.
قال الشنقيطي : ... كما أنه أشار هنا إلى أنها إذا بانت بانقضاء العدة لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) لأن الإشارة بقوله (ذَلِكَ) راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه في الآية بثلاثة قروء.
ب- قال تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) .
فقوله (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) هو الرجعة مع المعروف (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) وهو تطليقها .
ج- وفي قصة ابن عمر حينما طلق زوجته قال e لعمر ( مره فليراجعها ) .
د- وثبت في سنن أبي داود ( أن النبي r طلق حفصة ثم راجعها ) .
وأجمع العلماء على مشروعية الرجعة .
( ولوْ كرهت ) .
أي : ولو كرهت الزوجة الرجوع ، فإنه لا يشترط رضاها ، وكذا لا يشترط علمها .
قال ابن حجر : وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ، ولو كرهت المرأة ذلك .
وقال ابن قدامة : وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى وَلِيٍّ ، وَلَا صَدَاقٍ ، وَلَا رِضَى الْمَرْأَةِ ، وَلَا عِلْمِهَا .بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ، وَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ لَهَا، وَاسْتِبْقَاءٌ لِنِكَاحِهَا، وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا، وَتَرْكَهَا فِرَاقًا وَسَرَاحًا، فَقَالَ : (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) .
وَفِي آيَةٍ أُخْرَى : (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) .
وَإِنَّمَا تَشَعَّثَ النِّكَاحُ بِالطَّلْقَةِ وَانْعَقَدَ بِهَا سَبَبُ زَوَالِهِ ، فَالرَّجْعَةُ تُزِيلُ شُعْثَهُ ، وَتَقْطَعُ مُضِيَّهُ ، إلَى الْبَيْنُونَةِ ، فَلَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ . ( المغني ) .