وللرضا ثمرات يانعة لخصها أحد الصالحين في اثنتين وثلاثين ثمرة وهي :
1ـ إنه مفوض : والمفوض راض بكل ما اختاره له من فوّض إليه ولا سيما إذا علم كمال حكمته ورحمته ولطفه وحسن اختياره له .
2ـ إنه جازم بأنه لا تبديل لكلمات الله , ولا راد لحكمه , وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
3ـ إنه عبدٌ محض , والعبد المحض لا يسخط جريان أحكام سيِّده المشفق البار الناصح المحسن .
4ـ إنه محب , والمحب الصادق , من رضي بما يعامله به حبيبه .
5ـ إنه جاهل بعواقب الأمور , وسيده أعلم بمصلحته وبما ينفعه .
6ـ إنه مسلم , والمسلم قد سلم نفسه لله , ولم يعترض عليه في جريان أحكامه عليه , ولم يسخط ذلك .
7ـ إنه عارف بربه , حسن الظن به لا يتهمه فيما يجريه عليه من أقضيته وأقداره .
8ـ إنه يعلم أن حظه من المقدور ما يتلقاه به من رضاء وسخط , فلابد له منه فإن رضي فله الرضا , وإن سخط فله السخط .
9ـ إنه يعلم أن رضاه عن ربه سبحانه وتعالي في جميع الحالات يثمر رضا ربه عنه .
10ـ إنه يعلم أن أعظم راحته , وسروره ونعيمه في الرضا عن ربه تعالي وتقدس في جميع الحالات , فإن الرضا باب الله الأعظم , ومستراح العارفين , وجنة الدنيا .
11ـ إن السخط باب الهم والغم والحزن , وشتات القلب , وكف البال , وسوء الحال .
12ـ إن الرضا ينزل عليه السكينة التي لا أنفع له منها , ومتى نزلت عليه السكينة : استقام وصلحت أحواله وصلح باله .
13ـ وإن السخط يُوجب تلون العبد , وعدم ثباته مع الله , فإنه لا يرضي إلا بما يلائم طبعه ونفسه , والمقادير تجري دائماً بما يلائمه وبما لا يلائمه , وكلما جري عليه منها ما لا يلائمه أسخطه , فلا تثبت له قدم علي العبودية .
ورحم الله القائل :
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين طرفة عين وانتباهتها
يغير الله من حالٍ إلي حالِ
14ـ إن السخط يفتح عليه باب الشك في الله , وقضائه وقدره , وحكمته وعلمه , فقلَّ أن يسلم الساخط من شك يداخل قلبه ويتغلل فيه .
15ـ إن الرضا بالمقدور من سعادة ابن آدم , وسخطه من شقاوته .
16ـ إن الرضا يوجب له أن لا يأسي علي ما فاته , ولا يفرح بما آتاه الله وذلك من أفضل الإيمان .
17ـ إن من ملأ قلبه من الرضا بالقدر, ملأ الله صدره غنيً وأمناً وقناعة فالرضا يفرغ القلب لله , والسخط يفرغ القلب من الله .
18ـ إن الرضا يُثمر الشكر , الذي هو من أعلي مقامات الإيمان , بل هو حقيقة الإيمان , والسخط يثمر ضده , وهو كفر النعم , وربما أثمر له كفر المنعم .
19ـ إن الرضا ينفي عنه آفات الحرص والكلب علي الدنيا , وذلك رأس كل خطيئة , وأصل كل بلية , وأساس كل رزية , فرضاه عن ربه في جميع الحالات ينفي عنه مادة هذه الآفات .
20ـ إن الرضا يخرج الهوى من القلب , فالراضي هواء تبعٌ لمراد ربه تبارك وتعالي .
21ـ إن الرضا بالقضاء أشق شيء علي النفس , بل هو ذبحها في الحقيقة , ولا تصير مطمئنة قط حتى ترضي بالقضاء , فحينئذ تستحق أن يُقال لها :
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي** ( 27 ــ30 ) سورة الفجر .
22ـ إن المخالفات كلها أصلها من عدم الرضا , والطاعات كلها أصلها من الرضا .
23ـ إن عدم الرضا يفتح باب البدعة , والرضا يغلق عنه ذلك الباب .
24ـ إن الرضا يخلص العبد من مخاصمة الرب تعالي في أحكامه وأقضيته , فإن السخط عليه مخاصمة له فيما لم يرض به العبد , وأصل مخاصمة إبليس لربه , من عدم رضاه بأقضيته وأحكامه الدينية والكونية .
25ـ إن كل قدر يكرهه العبد ولا يلائمه لا يخلو من أمرين :
الأول : إما أن يكون عقوبة علي الذنب فهو دواء لمرض لولا أن تدارك الحكيم إياه بالدواء لترامي به المرض إلي الهلاك .
ثانياً : أو يكون سبباً لنعمة لا تُنال إلا بذلك المكروه , فالمكروه ينقطع ويتلاشي , وما يترتب عليه من النعمة دائم لا ينقطع . فإذا شهد العبد هذين الأمرين انفتح له باب الرضا عن ربه في كل ما يقضيه له ويقدره .
26ـ أن يعلم أن منع الله سبحانه وتعالي لعبده المؤمن المحب عطاء وابتلاءه إياه عافية .
قال سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ ( منعه عطاء ) .
27ـ إن رضا الله عن العبد أكبر من الجنة ـ كما تقدم .
28ـ إن الرضا آخذ بزمام مقامات الدين كلها , وهو روحها وحياتها , فإنه روح التوكل وحقيقته , ورُوح اليقين , وروح المحبة , وصحة المحب , ودليل صدق المحبة , وروح الشكر ودليله .
29ـ إن الرضا يفتح باب حُسن الخلق مع الله تعالي , ومع الناس ., فإن حُسن الخلق من الرضا , وسوء الخُلق من السخط .
30ـ إن النبي [ صلي الله عليه وسلم ] سأل الله تعالي الرضا بالقضاء ، كما روي الإمام أحمد في مسنده وأصحاب السنن ـ فقال : ( اللهم بعلمِك الغيب , وقدرتك علي الخلق , أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي , وتوّفني إذا كانت الوفاة خيراً لي , وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة , وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا , وأسألك القصد في الفقر والغني , وأسألك نعيماً لا ينفد , وأسألك قُرة عين لا تنقطع , وأسألك الرضا بعد القضاء , وأسألك برد العيش بعد الموت , وأسألك لذة النظر إلي وجهك الكريم , وأسألك الشوق إلي لقائك في غير ضراء مضرّة , ولا فتنة مضلّة , اللهم زينا بزينة الإيمان , واجعلنا هداة مهتدين ) .
31ـ إن الرضا يفرغ قلب العبد , ويقلل همّه وغمّه , فيتفرغ لعبادة ربه .
فقد ذكر ابن أبي الدنيا ( رحمه الله ) عن بشر بن بشار المجاشعي ـ وكان من العلماء ـ قال : قلت لعابد : أوصني
قال : ألق بنفسك مع القدر حيث ألقاك , فهو أحري أن يفرغ قلبك , ويُقلّل همك . وإيّاك أن تسخط ذلك , فيحل بك السخط وأنت عنه في غفلة لا تشعر به فليقيك مع الذين سخط الله عليهم .
وكان الخليفة الخامس : عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يدعو : ( اللهم رضِّني بقضائك , وبارك لي في قدرك , حتى لا أحب تعجيل شيء أخرنه , ولا تأخير شيء عجلته ) .
32ـ إن أهل الرضا من أسرع الناس مروراً علي الصراط فعن وهب بن منبه ( رحمه الله ) قال : ( وجدت في زبور آل داود : هل تدري مَن أسرع الناس مرّاً علي الصراط ؟
الذين يرضون بحكمي , وألسنتهم رطبة من ذكري
هل تدري أي الفقراء أفضل ؟
الذين يرضون بحكمي وبقسمي , ويحمدوني علي ما أنعمت عليهم
هل تدري أي المؤمنين أعظم منزلة عندي ؟
الذي هو بما أعطي أشد فرحاً منه بما حبس .