الأسئلة والأجوبة الفقهية
24- كتاب الحج والعمرة
س173: ما هو الحج لغةً وشرعًا؟ وما هي العمرة؟ وما أخر الحج عن الصلاة والزكاة والصوم؟
ج: الحج في اللغة: القصد، وعن الخليل بن أحمد، قال: الحج كثرة القصد إلى من تعظمه ورجل محجوج أي مقصود، قال المخبل:
وأشهدُ مِن عوف حُلولاً كثيرةً ... يحُجونَ بيتَ الزِّبرقَانِ المزَعْفرا
قال ابن السكيت: يكثرون الاختلاف إليه، وشرعًا: قصد مكة لعمل مخصوص في وقت مخصوص وأخِّرَ الحج عن الصلاة والزكاة والصوم؛ لأن الصلاة عماد الدين، ولشدة الحاجة إليها لتكررها كل يوم خمس مرات، ثم الزكاة لكونها قرينة لها في أكثر المواضع ولشمولها المكلف وغيره، ثم الصوم لتكرره كل سنة، والعمرة لغة: قيل: إنها الصد. قال الحجاج:
لقد غزا ابن معمر حين اعتمرْ ... مغزًا بعيدًا من بعيد أو ضَبر
أي قصد مغزًا بعيدًا، وقيل: إنها لغة الزيارة، قال الأعشى:
وجاشت النفس لما جاء فلُّهُمْ ... وراكب جاء من تثليث معتمرًا
أي زائرًا، وشرعًا: زيارة البيت الحرام وعلى وجه مخصوص.
س174: ما حكم الحج؟ وما الأصل في مشروعيته من الكتاب والسُّنة؟
ج: حكمه أنه أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام من جحد وجوبه عالمًا كفر، وإن كان جاهلاً عرف؛ فإن أصر بعد التعريف كفر، وهو فرض كفاية كل عام على مَن لا يجب عليه عينًا ويأتي إن شاء الله، والأصل في وجوبه الكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً** الآية، وروي عن ابن عباس ومن كفر
باعتقاده أنه غير واجب، وقال تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ** ؛ وأما السُّنة: فعن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا» ، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قال ثلاثًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم» رواه أحمد ومسلم والنسائي، وعن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «يا أيها الناس كتب عليكم الحج» ، فقام الأقرع بن حابس، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: «لو قلتها لوجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع» رواه أحمد والنسائي بمعناه، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» رواه البخاري. روى سعيد في «سننه» عن عمر بن الخطاب أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدَة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، وأجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمرة مرة واحدة.
س175: بين حكم العمرة وأذكر ما في ذلك من دليل أو تعليل أو خلاف مع الترجيح لما تراه؟
ج: قيل: إنها واجبة؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ** ؛ فإنه عطفها على الحج والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه؛ ولحديث عائشة: يا رسول الله، هل على النساء من جهاد، قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» رواه أحمد وابن ماجه ورواته ثقات، وعن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: «حج عن أبيك واعتمر»
رواه الخمسة وصححه الترمذي، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في جوابه لجبريل لما سأله عن الإسلام، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا
رسول الله، وتقم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر» الحديث أخرجه ابن خزيمة والدارقطني من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وقال الدارقطين: هذا إسناده ثابت صحيح، قيل: إنها سنة، روي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي واختاره الشيخ تقي الدين –رحمه الله-؛ لما روى جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: «لا، وأن تعتمروا فهو أفضل» رواه الترمذي، وهذا القول عندي أنه أرجح من الأول ويَعْضُده عندي اقتصاره جل وعلا على الحج في الآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً** ، وحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» رواه البخاري. وعن معاذ قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسرهُ الله تعالى عليه، تعبد الله تعالى ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» الحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، فاقتصر - صلى الله عليه وسلم - على الحج. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
مقدمة من النظم ومختصره لكتاب المناسك
وهاك صفات الحج قصْد مخصص ... عبادة إذعان ومحض تعبد
تحن القلوب المستجاب لها الدعا ... من الصادق البر الجليل الممجد
أتى بخصوص في الدعاء مُبعِّضًا ... ولو عم طار الشوق بالناس عن يد
نحن إلى أعلام مكة دائمًا ... قلوب إلى الداعي تروح وتغتدي
رجالاً وركبانًا على كل ضامرٍ ... يلبون داعي الحق من كل مورد
يطير بهم شوقًا إلى ذاك الحمى ... لتحصيل وعد النفع في خير مشهد
على كلهم قد هان نفس عزيزة ... وأهل ومال من طريف ومَتْلَدِ
رضوا عن مديد الظل قطع مهامه ... يظل بها خربتها ليس يهتدِ
ولدّ لهم في جنب ما يبتغونه ... سَموُمٌ بجهلاء المعالم صَيْخَدِ
يهون بها لفح الهجير عليهمو ... كهجر محب يرتجى صدق موعد
وكل محب قابل الهجر بالرضا ... سَيَجْني بما يرضَاه في كل مقصد
فكم من رخى العيش حركه الهوى ... فقام بأعباء الرجا ساغبًا صدى
فليس بثان عزمه عن طلابه ... إذا ثوِّب الداعي به وصل خُرّدِ
أطار الكرى عنهم رجاء وصالهم ... وشوقًا إلى ربع النبي محمد
عفا الله عني كم أودع زائرًا ... إليه وذنبي حابس ومقيَّد
تحملت أوزارًا تثقل منهضي ... ولكنني أرجو تجاوز سيد
لئن ثبط الأقدار عزمي عن السرى ... فشوقي إليه دائم وتلددي
وإن رجائي أن يمن يزوره ... فأبلغ من تلك المشاعر مقصدي
وأسعى بآثار النبيين ضارعًا ... وها أنا فيما رومت يا صاح أبتدي
س176: متى فرض الحج وما هي الأدلة الدالة على وجوبه فورًا؟
ج: فرض سُّنة تسع عند الأكثرين من العلماء ولم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنا كانت سنة عشر من الهجرة، وكان - صلى الله عليه وسلم - قارنًا ويجبان في العمر مرة على الفور، وتقدمت الأدلة وجوبه؛ وأما أدلة الفورية فأولاً: أن الأمر للفورية ويؤيده خبر ابن عباس مرفوعًا، قال: «تعجلوا إلى الحج –يعني الفريضة-؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض» رواه أحمد. وعن عبد الرحمن بن سابط يرفعه، قال: «من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم يمنعه مرض حابس ولا سلطان أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حال يهوديًا أو نصرانيًا» رواه سعيد. وعن عمر نحوه من قوله: ولأنه أحد مباني الإسلام، فلم يجز تأخيرهُ إلى غير وقت مُعين كبقية المباني بل أولى؛ وأما تأخيره - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه بناء على أن الحج فرض سنة تسع فيحتمل أنه كان في آخرها أو لأنه تعالى أطلع نبيه على أنه لا يموت حتى يحج فيكون على يقين من الإدراك أو لاحتمال عدم الاستطاعة أو حاجة
خوف في حقه منعه من الخروج ومنع أكثر أصحابه خوفًا عليه، أو لأن الله كره له الحج مع المشركين عراة حول البيت أو غير ذلك، وقيل: يجب الحج وجوبًا موسعًا، وبه قال الشافعي، وحكاه ابن حامد عن الإمام أحمد - رضي الله عنه -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر - رضي الله عنه - على الحج وتخلف بالمدينة غير محارب ولا مشغول بشيء وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج، قالوا: وهذا قرينة ودليل يصرفه إلى التراخي والذي تطمئن غليه النفس أن الحج على الفور ما لم يكن عذر شرعي. والله أعلم.
س177: بين شروط وجوب الحج مقرونة بأدلتها؟
ج: يجب وجوب عين على كل مسلم حر مكلف مستطيع وتزيد المرأة شرطًا سادسًا وجود محرم، ويأتي قريبًا إن شاء الله، فالإسلام والعقل شرطان للوجوب، والصحة والبلوغ وكمال الحرية شرطان للوجوب، والإجزاء دون الصحة، والاستطاعة شرط لوجوب دون الإجزاء، فهي خمسة شروط للحج والعمرة جمعها الشيخ عثمان النجدي في بيتين، فقال:
الحج والعمرة واجبان ... في العمر مرة بلا تواني
بشرط إسلام كذا حرية ... عقل بلوغ قدرة جلية
تزيد المرأة شرطًا سادسًا وهو وجود محرم، ويأتي إن شاء الله.
س178: اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف مع الترجيح؟
ج: أما الكافر فلأنه ممنوع من دخول الحرم وهو مناف له؛ وأما المجنون فلا يصح منه لأنه ليس من أهل العبادات، فلم يصح حجه ولا يجب عليه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» وكذا الصبي لا يجب عليه للخبر ويصح منه؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركبا بالروحاء، فقال: «مَن القوم؟»
قالوا: المسلمون، فقالوا: مَن أنْتَ، قال: «رسول الله» ، فرفعت إليه امرأة صبيًا، فقالت: ألهذا حج، قال: «نعم، ولك أجر» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي، وعن السائب بن يزيد قال: حُجَّ بي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين، رواه أحمد والبخاري والترمذي، وصححه؛ وأما العبد فلأن مدتهما تطول فلم تجبان عليه لما فيهما من إبطال حق السيد، وكذا مكاتب ومدبر وأم ولد ومعتق بعضها ومعلق عنقه بصفة ويصح منهم ولا يجزي عن حجة الإسلام، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم ممن لا يعتد قوله خلافًا على أن الصبي إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبي وعتق العبدان عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليه سبيلاً، كذلك قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وعطا والحسن والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، قال الترمذي: وقد أجمع أهل العلم عليه، روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما صبي حج، ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وإيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى» رواه الشافعي والبيهقي، وقال أحمد عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني أريد أن أجدد في صدور المؤمنين عهدًا، أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه؛ فإن أدرك فعليه الحج، وأيما مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه؛ فإن عتق فعليه الحج» رواه سعيد في «سننه» ، والشافعي في «مسنده» عن ابن عباس من قوله؛ ولأن الحج عبادة بدنية فعَلهَا، قيل: وقت وجوبها فلم يمنع ذلك وجُوبهَا عَليْه في وقتها كما لو صلى قبل الوقت، وكما لو صلى ثم بلغ في الوقت، وقيل: إن العبد إذا حج بعد بلوغه، ولو قبل حريته أن حجته هي حجة الإسلام، قالوا: كما أن الفقير معفوعنه الحج ولا يجب عليه؛ فإذا تيسر له وفعله أجزأه ذلك ولم يلزمه إعادته إذا استغنى فكذلك الرقيق إذا أدى فريضته؛ فإن ذلك يجزئه، قالوا: وأيضًا فإن الحج يوجبه الله ورسوله في العمر إلا مرة واحدة، وذلك مجمع عليه فيلزم على قول من يقول إن حج الرقيق لا يجزيه أنه يجب في العمر مرتين. انتهى والذي تميل النفس
إلى العمل به، والقول الأول لما تقدم من الدليل والتعليل؛ ولأنه أحوط. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س179: تكلم بوضوح عما إذا أسلم أو أفاق ثم أحرم أو بلغ أو عتق محرمًا ومتى يعتد بالإحرام والوقوف من الصبي والعبد؟
ج: ويجزيان الحج والعمرة كافرًا أسلم وهو حر مكلف، ثم أحْرَم يحج قبل دفع من عرفة أو بعده إن عاد فوقف في وقته أو أحرم بعمرة ثم طاف وسعى لها أو أفاق من جنون وهو حر بالغ ثم أحرم بحج أو عمرة، وفعل ما تقدم أو بلغ وهو حر مسلم عاقل محرمًا بحج قبل دفع من عرفة أو بعده إن عاد فوقف في وقته أو عتق قن مكلف محرمًا بحج قبل دفع من عرفة أو بعد الدفع منها إن عاد إلى عرفة فوقف بها في وقت الوقوف فيجزيه حجه ويلزم العود حيث أمكنه أو بلغ أو عتق محرمًا بعمرة قبل طواف عمرة، ثم طاف وسعى لها فتجزيه عن عمرة الإسلام ويكون صغير بلغ محرمًا وقن عَتق محرمًا كمن أحرم بعد بلوغه وعتقه؛ لأنها حال تصلح لتعين الإحرام كحال ابتداء الإحرام؛ وإنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين حال البلوغ والعِتْق، وأن ما قبله تطوع لم ينقلب فرضًا، وقال جماعة: ينعقد إحرام الصغير والقن موقوفًا؛ فإذا تغير خاله إلى البلوغ أو الحرية تبين فرضيته كزكاة معجلة، ولا يجزي حج من بلغ أو عتقَ مُحرمًا قبل دفع من عرفة أو بعده إذا عاد ووقف عن حجة الإسلام مع سعي قن أو صغير بعد طواف القدوم قبل وقوف، ولو أعاد السعي قن أو صغير ثانيًا بعد بلوغه أو عتقه؛ لأن السعي لا تشرع مجاوزة عدده ولا تكراره بخلاف الوقوف فاستدامته مشروعة، ولا قدر له محدود، وقيل: يجزئه إذا أعاد السعي لحصول الركن الأعظم وهو الوقوف وتبعية غيره له ولا تجزئ العمرة من بلغ أو عتق في طوافها وإن أعاده.
س180: تكلم بوضوح عن إحرام غير المميز والمميز؟ وعمّا يفعل عن المميز وغيره، وإذا رمى الجمرات عن موليه قبل نفسه فما الحكم؟ وهل يعتد برمي حلال؟ واذكر الدليل.
ج: قد تقدم أن العمرة والحج يصحان من الصغير وتقدم حديث ابن عباس في آخر جواب سؤال 185 ويحرمُ وليٌّ في مال عمن لم يميز ولو كان الولي محرمًا أو لم يحج الولي ويحرم مميز بإذن الولي عن نفسه؛ أنه يصح وضوؤه فيصح إحرامه كالبالغ ولا يحرم عنه وليه لعدم الدليل ويفعل وليُّ عن مميز وغيره ما يعجزهما من أفعال حج وعمرة. روي عن ابن عمر في الرمي وعن أبي بكر أنه طاف بابن الزبير في خرقة رواهما الأثرم، وعن جابر: حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعنا النساء والصبيان فلبْينا عن الصّبيان ورمَيْنا عنهم، رواه أحمد وابن ماجه. وكانت عائشة تجرد الصبيان للإحرام؛ لكن لا يجوز أن يرمي عن الصغير إلا من رمى عن نفسه، ومن رمى عن مواليه وقع عن نفسه، إن كان محرمًا بفرض كمن أحرم عن غيره وعليه حجة الإسلام؛ لما ورد عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة، قال: «من شبرمة؟» قال: أخ لي أو قريب لي، فقال: «حججت عن نفسك؟» قال: لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة» رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان، والراجح عند أحمد وقفه؛ فإن كان الولي حلالاً لم يُعْتَدَّ برميه؛ لأنه لا يصح منه لنَفسه رميٌ فلا يصح عن غيره؛ فإن وضع النائب الحصى في يد الصبي ورمى بها فجع ليده كالآلة فحسن ليوجد منه نوع عمل. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س181: إذا كان الصغير يعجز عن الطواف بنفسه، فهل يطاف به؟ وضّح ذلك مع ذكر ما تستحضره من قيود؟ وتكلم عن كفارة حج الصغي وما زاد من نفقة السفر إلى نفقة الحضر؟ وعن عمد الصبي والمجنون؟ وإذا وجب في كفارة صوم فمن الذي يصومه؟ وإذا وطئ فما الحكم؟
ج: يطاف بالصغير لعجزه عن طواف بنفسه راكبًا أو محمولاً ويعتبر لطواف صغير نية طائف به لتعذر النية منه إن لم يكن مميزًا وكون طائف به يصح أن يعقد له الإحرام ولا يعتبر كون الطائف به طاف عن نفسه ولا كونه محرمًا لوجود الطواف من الصغير، وكفارة حج صغير في مال وليه إن أنشأ السفر به تمرينًا على الطاعة وما زاد من نفقة السفر على الحضر في مال وليه إن أنشأ وليه السفر به تمرينًا له على الطاعة وإلا يُنشِئ السفر به تمرينًا على الطاعة فلا يجب ذلك على الولي، بل من مال الصغير؛ لأنه لمصلحته وعمد صغير خطأ وعمد مجنون لمحظور خطأ لا يجب فيه إلا ما يجب في خطأ المكلف أو في نسيانه لعدم اعتبار قصده، وإن وجب في كفارة صوم صام الولي ووطء الصغير كوطء بالغ ناسيًا يمضي في فاسده ويقضيه إذا بلغ كالبالغ، وقيل: لا يلزمه قضاؤه.
س182: تكلم بوضوح عمّا إذا عقد الإحرام قن أو زوجة بإذن زوج أو سيد أو بدون؟ , وهل يأثم من لم يمتثل، وهل يصح من الزوج والسيد الأذن؟ وهل لزوج وسيد رجوع في إذن للقن والزوجة؟
ج: ويصح الحج والعمرة من القن ذكر أو أنثى صغير أو كبير على ما تقدم في الصغير الحر البالغ ويلزمان القن بنذره لهما؛ لعموم حديث: «من نذر أن يطيع الله، فليطعه» ولا يجوز أن يحرم قن بنذر ولا نفل ولا أن تحرم زوجة بنفل حج أو عمرة إلا بإذن سيد وزوج لتفويت حقهما بالإحرام؛ فإن عقد قن أو امرأة الإحرام بنفل بلا إذن سيد وزوج، فللزوج والسيد تحليلهما مع إذن لهما في إحرام لوجوبه بالشرع، ويصح من زوج وسيد رجوع في إذن بإحرام قبل إحرام كواهب إذن لموهوب له في قبض هبة ثم رجع قبله، ومتى علما برجوع امتنع عليهما الإحرام كما لو لم يأذن ولا يجوز لسيد وزوج تحليل قن وزوجة أحرما بنذر أذن فيه زوج وسيد لقن وزوجة؛ لأن الأذن في نذر أذن في فعله ولا يجوز لسيد وزوج تحليل قن وزوجة
أحرما بنذر أذن فيه الزوج أو السيد لهما أو لم يؤذن فيه للزوجة فلا يحللها منه، والقن بخلافها لِسيّدِ تحليله إذا لم يأذن فيه. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س183: هل لزوج منع زوجة من الحج؟ وإذا أحرمت بواجب فحلف زوجها بالطلاق لا تحج فما الحكم؟ وإذا أفسد قن حجه بوطء فيه، فما الحكم؟ وإذا أعتق أو بلغ الحر في الحجة الفاسدة، فما الحكم؟
ج: لا يمنع الزوج زوجته من حج فرض كملت شروطه كبقية الواجبات ويستحب لها استئذانه، وإن كان غائبًا كتبت إليه فأن أذن وإلا حجت محرم فلو لم تكمل شروطُه فله منعها وإن أحرمت به بلا إذنه لم يملك تحليلها لوجوب إتمامه بشروعها فيه ومن أحرمت بواجب حج أو عمرة بأصل الشرع أو النذر فحلف زوجها ولو بالطلاق الثلاث لا تحج العام لم يجز أن تحلي من إحرامها للزومه، ونقل ابن منصور: هي بمنزلة المحصر ونقل مهنا عن أحمد أنه سُئل عن هذه المسألة، فقال: قال عطاء: الطلاق هلاك هي بمنزلة المحصر، وإن أفٍسَدَ قنٌ حَجِّة بوطء قبل التحلل الأول مَضَى في فاسده وقضى كحر ويصح القضاء في رقة كصوم وصلاة؛ فإن عتق بدأ بحجة الإسلام وليس لسيده منعه إن شرع فيما أفسده بإذنه وإن عتق أو بلغ في الحجة الفاسدة في حال تجزئه عن حجة الفرض لو كان الحجة الفاسدة صحيحة مضى وأجزأته حجة القضاء عن حجة الإسلام والقضاء.
س184: تكلم عن حكم جناية القن؟ وإذا تحلل أو حلله سيده؟ وهل لمشتري المحرم تحليله؟ وهل لأبوي حر بالغ منعه من إحرام بنفل حج أو عمرة؟ وإذا أحرم فهل لهما أن يحللانه؟ وهل لغريم المدين تحليله؟ وهل لولي السفيه المبذر منعه من حج الفرض وعمرته؟
ج: قن في جنايته بفعل محظور في إحرامه كحر معسر في الفدية، وإن
تحلل قن بحصر عدُوّ له أو حلل سيدة لإحرامه بلا إذنه لم يتحلل قبل الصوم كحر أحُصْرَ وأعسر فيصوم عشرة أيام بنية التحلل، ثم يتحلل ولا يمنع القن من الصيام كقضاء رمضان، وإن مات قن وجب عليه صوم بسبب إحرامه ولم يصم فلسيده أن يطعم عنه كقضاء رمضان وإن أفسد قن حجة صام عن البدنة عشرة أيام كحر معسر، وكذا إن تمنع قن أو قرن أو أفسد عمرته صام عن الدم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع ومشتري المحرم كبائعه في تحليله وفي عدمه وله الفسخ إن لم يعلم بإحرام القن ولم يملك تحليله لتعطيل منافعه عليه زمن إحرامه ولكل من أبوي حر بالغ منعه من إحرام بنفل حج وعمرة كمنعه من نفل جهاد؛ ولكن ليس لهما تحليله من حج التطوع لوجوبه بالشروع فيه ويلزمه طاعتهما في غير معصية وتحرم طاعتهما فيها، ولا يحلل غريم مدينًا أحرم بحج أو عمرة لوجوبهما بالشروع، وليس لولي سفيه مبذر بالغ منعه من حج الفرض وعمرته ولا تحليله من إحرام بأحدهما لتعينه عليه كالصلاة وتدفع نفقته إلى ثقة ينفق عليه في الطريق ويحلل سيفه بصوم كحر معسر إذا أحرم بنفل لمنعه من التصرف في ماله إن زادت نفقته على نفقة الإقامة ولم يكتسبها السفيه في سفره. والله أعلم.
س185: تكلم عن الاستطاعة مبينًا ما هي؟ وهل يكون مستطيعًا ببذل غيره له؟ , وهل تبطل الاستطاعة بالجنون؟ اذكر الخلاف مع الترجيح؟
ج: الاستطاعة نوعان: أحدهما: استطاعة مباشرة لحج أو عمرة بنفسه ولا تبطل الاستطاعة بجنون ولو مطبقًا فيحج عنه، والاستطاعة ملك زاد يحتاجه في سفره ذهابًا وإيابًا من مأكول ومشروب وكسوة وملك وعائه؛ لأنه لابد منه ولا يلزمه حمله إن وجده بثمن مثله أو زائدًا يسيرًا بالمنازل في طريق الحاج لحصول المقصود وملك راحلة لركوبه بآلتها بشراء أو كراء يصلحان لمثله أي الراحلة وآلتها؛ لحديث أحمد عن الحسن لما نزلت هذه الآية {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً** قال رجل: يا رسول الله،
ما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة» ، وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً** قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ , قال: «الزاد والراحلة» رواه الدارقطني، وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الزاد والراحلة يعني قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً** » رواه ابن ماجه، ولا يعتبر ملك راحلة في دون مسافة قصر عن مكة للقدرة على المشي غالبًا إلا لعاجز عن المشي كشيخ كبير فيعتبر ملك الراحلة بآلتها حتى في دون المسافة ولا يلزمه حبوًا ولو أمكنه؛ وأما الزاد فيعتبر قَربُتَ المسافة أو بعدت مع الحاجة إليه أو ملك ما يقدر به من نقد أو عرض على تحصيل الزاد والراحلة وآلتهما؛ فإن لم يملك ذلك لم يلزمه الحج؛ لكن يستحب لمن أمكنه المشي والكسب بالصنعة ويكره لمن حرفته المسألة ويعتبر كون ما تقدم من الزاد والراحلة وآلتهما أو ما يقدر به على تحصيل ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه من كتب علم، ومسكن لمثله وخادم لنفسه، وعن ما لابد منه من نحو لباس وغطاء ووطاء وأواني؛ فإن أمكن بيع فاضل عن حاجته وشراء ما يكفيه بأن كان المسكن واسعًا أو الخادم نفيسًا فوق ما يصلح له وأمكن بيعه وشراء قدر الكفاية منه ويفضل ما يحج به لزمه ذلك؛ لأنه مستطيع ويعتبر كون زاد وراحلة وآلتهما أو ثمن ذلك فاضلاً عن قضاء دين حال أو مؤجل لله أو لآدمي؛ لأن ذمته مشغولة به وهو محتاج إلى إبرائها، وأن يكون فاضلاً عن مؤنته ومؤنة عياله؛ لحديث: «كفى بالمرء إثمًا أن يضع من يقوت» من عقار أو بضاعة أو صناعة ونحوها، كعطاء من ديوان ولا يصير مُستَطِيعًا ببذل غيره له ما يحتاجه لحجه وعمرته.
وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه؛ لأنه أمكنه الحج من غير منَّة تلزمه ولا ضرر يلحقه فلزمه الحج، كما لو ملك الزاد والراحلة، وهذا القول عندي أنه قوي جدًا مؤيدًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم» رواه الخمسة، وعن جابر أن رجلاً
قال: يا رسول الله، إني لي مالاً وولدًا، وأن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك» رواه ابن ماجه، وقوله: «وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئًا» رواه أحمد وأبو داود. ومن الاستطاعة سعة وقت بأن يكون متسعًا يُمكن الخروج والمسير فيه حسب العادة لتعذر الحج مع ضيق وقته، ومن الاستطاعة أمْنُ طريق يمكن سلوكه ولو بحرًا أو كان غير معتاد بلا خفارة، وأن يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد، ومن الاستطاعة دليل لجاهل طريق مكة، ومنها قائد لأعمى؛ لأن في إيجابه عليهما بلا دليل وقائد ضررًا عظيمًا، وهو منتف شرعًا ويلزم الجاهل والأعمى أجرة الدليل والقائد لتمام الواجب بهما فيعتبر قدرة على أجرة مثلها.
س186: تكلم عمَّن عجز عن السعي لحج أو عمرة، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: العاجز عن السعي لحج أو عمرة لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لنحو زمانه أو ثقل لا يقدر معه على ركوب إلا بمشقة شديدة أو لكونه نضوَ الخلقة لا يقدر ثبوتًا على راحلة إلا بمشقة غير محتملة يلزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه؛ لحديث ابن عباس أن امرأة من خثعم، قالت: يا رسول الله، إن أبي أدرته فَريضةُ الله في الحج شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: «فَحُجّيِ عنه» رواه الجماعة. وعن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنّ أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيعُ رُكوبَ الرحل والحج مكتوب عليه، أفأحج عنه؟ قال: «أنت أكبر ولده» قال: نعم، قال: «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ ذلك عنه» قال: نعم، قال: «فاحجج عنه» رواه أحمد والنسائي بمعناه.
س187: تكلم عن استنابة العاجز عن الحج والعمرة، اذكر الدليل والخلاف.
ج: قد تقدم لنا أنه يلزمه أن يقيم مَن يحج ويعتمر عنه، وأن الحج يجب فورًا ويستناب عن العاجز من يحج عنه من حيث وجب عليه، إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه، وبهذا قال الحسن وإسحاق ومالك في النذر، وقال عطاء في الناذر: إن لم يكن نوى مكانًا فمن ميقاته، واختاره ابن المنذر، وقال فيمن عليه حجة الإسلام: يستأجر من يحج عنه من الميقات؛ لأن الإحرام لا يجب دونه، والذي تميل إليه النفس أنه لا يلزم أن يكون من بلد المنوب عنه؛ لأنه ليس في حديث الخثعمية ولا حديث الخثعمي ما يدل على أنه لابد أن يكون من حيث وجب ولم يرد أحاديث أخرى تدل على ذلك. والله أعلم.
س188: بين حكم ما إذا عوفي العاجز عن السعي لحج أو عمرة مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: إذا استناب العاجز عن الحج لمرض لا يُرجى برؤه ونحوه ويسمى المعضوب فحج النائب ثم عوفي المستنيب لم يجب عليه حج آخر، وهذا إذا عوفي بعد الفراغ من النسك؛ لأنه أتى بما أمر به فخرج من العهدة كما لو لم يبرأ؛ وأما إن عوفي قبل إحرام النائب فإنه لا يجزئه للقدرة على المبدل قبل الشروع في البدل كالمتيمم يجد الماء؛ وأما إذا عوفي بعد الإحرام وقبل الفراغ، فالمذهب يجزئه والجمهور على أنه لا يجزئ لو عوفي بعد الإحرام وقبل فراغ النسك؛ لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسًا منه، قال في «المبدع» : وهو الأظهر عند الشيخ تقي الدين ومن يرجى برؤه لا يستنيب؛ فإن فعل لم يجزئه ويسقطان عن من لم يجد نائبًا مع عجزه عنهما لعدم استطاعة بنفسه ونائبه، ومن لزمه حج أو عمرة بأصل الشرع أو بإيجابه على نفسه فتوفى قبله ولو قبل التمكن من فعله لنحو حبس أو أسْرِ عدو وكان استطاع مع سعة وقت وخلف ما لا أخرج عن الميت من جميع ماله حجة وعمرة أي ما يفعلا به من حيث وجبا وتقدم الخلاف في ذلك، ويجزئ أن يستناب عن معضوب من أقرب وطنيه ومن خارج بلده إلى دون مسافة قصر.
س189: تكلم عن أحكام ما يلي: إذا حج أجنبيّ عَمّنْ وجب عليه؟ من ضاق ماله في أدائه من بلده أو لزمه دين وعليه حج وضاق ماله عنهما؟ إذا مات مَن وجب عليه حج بطريقه أو مات نائبه بطريقه؟ إذا صُدّ من وجب عليه حج أو نائبه بطريقه. اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: ويسقط عمن وجب عليه ومات قبله بحج أجنبي عنه؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- شبهه بالدين، وكذا عمرة ولا يسقط حج عن معضوب حَيِّ ولو معذورًا لا إذن ويقع حَج مَن حج عن حي بلا إذنه عن نفسه ولو نفلاً، ومن ضاق ماله عن أدائه من بلده استنيب به من حيث بلغ، ومن لزمه دين وعليه حج وضاق ماله عنهما أخذ من ماله لحج بحصته كسائر الديون وحج به من حيث بلغ؛ لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ، وإن مات من وجب عليه حج بطريقة أو مات نائبه بطريقة حج عنه من حيث مات هو أو نائبه؛ لأن الاستنابة من حَيْثُ وَجبَ القضاء والموب عنه لا يلزمه العود إلى وطنه ثم العود للحج منه فيستناب عنه فيما بقي نصًا مسافة وفعلاً وقولاً، وإن صُد مَن وجب عليه حج أو نائبه بطريقة فعل عنه ما بقي مسافة وفعلاً وقولاً.
س190: إذا وصى شخص بنقل وأطلق فمن أين يفعل عنه؟ وهل يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه؟ وإذا أحرم بنذر حج أو نفل مَن عليه حجة الإسلام، فهل يقع الحج عن النذر، والنفل أو عن حجة الإسلام؟ وإذا حج عن معضوب واحد في فرضه وآخر في نذره في عام فما الحكم؟ وإذا حُج عن ميت واحد في فرضه وآخر في نذر في عام، فما الحكم؟
ج: إذا وصى شخص بنسك نفل وأطلق فلم يقل: من محل كذا جاز أن يفعل عنه من ميقات بلد الموصي ما لم تمنع منه قرينة ولا يصح ممن لم يحج عن نفسه حج عن غيره، ولا عن نذر ولا عن نافلة؛ فإن فعل بأن حج عن غيره قبل
نفسه انصرف إلى حجة الإسلام؛ لما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: «من شبرمة؟» قال: أخ لي أو قريب لي، فقال: «حججت عن نفسك؟» قال: لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة» رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه بن حبان، والراجح عند أحمد وقفه، وقوله: «حج عن نفسك» أي استَدِمْهُ عن نفسك، كقولك للمؤمن آمن؛ لما روى الدارقطني من طريقين فيهما ضعف: «هذه عنك وحج عن شبرمة» ، وكذا حكم من عليه العمرة، ومن أدى أحد النسكين فقط صح أن ينوب فيه قبل أداء الآخر، وأن يفعله نفله ونذره، ولو أحرم بنذر حج أو نفل من عليه حجة في ذمته ويصح أن يحج عن معضوب واحد في فرضه وآخر في نذره عام، ويصح أن يحج عن ميت واحد في فرضه وآخر في نذره في عام واحد؛ لأن كل عبادة منفردة، كما لو اختلف نوعهما، وأيهما أحرم أولاً قبل الآخر؟ فعن حجة الإسلام ثم الحجة الأخرى التي تأخر إحرام نائبها تكون عن نذره ولو لم ينو الثاني عن النذر؛ لأن الحج يعفي فيه عن التعيين ابتداء لانعقاده بهما ثم يعين والعمرة في ذلك كالحج.
س191: إذا جعل شخص قارن الحج عن شخص والعمرة عن آخر، فما الحكم؟ وهل للقادر أن يُنوّب في الحج؟ وتكلم بوضوح عما يعطاه النائب؟ وهل يضمن النائب ما زاد على نفقة المعروف؟ وهل يحسب له شيء من النفقة؟ وعلى مَن يرجعُ بما استدانَه؟ ومن أين يكون ما لزمَ نائبًا بمخالفته؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: يصح أن يجعل قارن أحرم بحج وعمرة الحج عن شخص استنابه في الحج وأن يجعل العمرة عن شخص آخر استنابه فيها بإذن الشخصين؛ لأن القرآن نسك مشروع؛ فإن ثم يأذنا وقع الحج والعمرة للنائب ورد لهما ما أخذه منهما. وقدم في «المغني» و «الشرح الكبير» يقع عنهما ويردّ من نفقة كل نصفها؛ فإن أذن
أحدهما ردّ على غير الآن نصف نفقته، ويصح أن يستنيب قادر وغيره في نفل حج، وفي بعضه، والنائب في فعل نسك أمين فيما أعطيه من مال ليحج منه ويعتمر فيركب وينفق منه بمعروف، ويضمن نائب ما زاد على نفقة المعروف وما زاد على نفقة طريق أقرب من الطريق البعيد إذا سلكه بلا ضرر في سلوك الأقرب إذا سلكه، ويجب عليه أن يردَّ ما فضل عن نفقته بالمعروف؛ لأنه لم يملكه له المستنيب؛ وإنما أباح له النفقة منه، ويحسب للنائب نفقة رجوعه بعد أداء النسك ويحسب له نفقة خادمه إن لم يخدم نفسه مثلُه، ويرجع نائب بما استدانه لعذر على مستنيبه ويرجع بما أنفق عن نفسه بنية رجوع، وما لزم نائبًا بمخالفته فمنه؛ لأنه جنايته.
س192: مَن هو مَحرمُ المرأة الذي يشترط لوجوب الحج عليها وُجُودُه ومن هي المرأة المعتبر لها محرم؟ وعلى من تجب نفقته؟ وإن أيَستِ المرأة مِن المحرم فماذا تعمل؟ وإذا حَجتْ بُدوْن محرم، فما الحكم؟ وإذا مات محْرمٌ سافرتْ مَعَه فماذا تعمل؟ واذكر ما تستحضره من دليل.
ج: تزيد المرأة على الرجل شرطًا سادسًا وهو أن تجد زوجًا أو ذكرًا مسلمًا مكلفًا ولو عبدًا تحرم عليه أبدًا لحرمتها بسبب مباح أو بنسب ونفقته عليها، فيشترط لها ملك زاد وراحلة بآلتهما لهما أي للمرأة ومحرمها وأن تكون الراحلة وآلتها صالحين لهما ولا يلزم المحرم مع بذلها الزاد والراحلة سَفْرٌ معها، وتكون إن امتنع كمن لا محرم لها فلا وجوب عليها، والعبد ليس محرمًا لسيدته من حيث كونها مالكة له؛ لحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سفر المرأة مع عبدها ضيعة» ؛ ولأنه غير مأمون عليها ولا تحرم عليه أبدًا ومن أيست من المحرم استنابت مَن يفعل النسك عنها ككبير عاجز، وإن حجت امرأة بدون المحرم حرم وأجزأ، وإن مات محرم سافرت معه بالطريق مضت في حجها ولم تصر محصرة.
ومما يتعلق بكتاب الحج والعمرة من النظم ومن مختصره
ومن كان حرًا بالغًا وهو عاقل ... براحلة مزمومة وتزود
فأوجب عليه الحج في العمر مرة ... وعمرة إسلام بفوز أوكد
ومن كافرًا وعادم العقل ألغيَنْ ... وصحح لِصِبْيَانٍ يَحُجُّوا وَأْعبُدِ
وليس بمجز مع بلوغ وعتقهم ... بُعَيْدَ وقوف والطواف المحدد
لعمرتهم لكن إذا ما تكاملوا ... بموقف أو قبل الطواف كفاقدِ
وبشرط طول الاستطاعة قدرة ... لتحصيل مركوب وزاد معوَّد
ويلزمه بيع الذي عنه غنية ... إذا كان يكفي مثله في التزود
سوى كل مضطر إليه كمسكن ... وغرس وخدام ودين بذا ابتدى
ولُبْسٌ ومركوب ولم لتجمُّل ... كأمثالهِ مع كتب علم لمقْصَد
وكلفته مَعَ من يَمُون على المدى ... بِرَيْع مَغَلٍ أو بربح معدد
وليس على ذي صنعة وإطاقه ... يمشي مسير بل يسن له قَد
وميؤس بره والكبير تطيْحُه الرّحالُ ... لِيُحْجج عنهما وليزوّدِ
ولو نابت الأنثى من البقعة التى ... بها وجبا يجزي ومع برء مُقْعَدِ
وشرط وجوب الحج لا لأدائه ... مسير بأنثى محرم في المؤكَّدِ
كزوج ومَن حرمتها منه دائمًا ... بوصلته بل مستطاب فقيدِ
ومن مات فاعلم صاح بعد وجوبه ... فمن ماله خذ واجب الحج تهتدِ
ومن كان لم يحج فحج لغيره ... له الحج وليردد غرامة مِرْفِد
ومَن يَستنب عمرًا لِنَذْرِ وخالدًا ... لِفَرْضٍ فللِفَرضِ أجعَل إحرَام مُبتدي
س193: ما الذي يشرع لمن أراد الحج والعمرة؟ وضِّحه مع ذكر الدليل.
ج: من أراد الحج فليبادر وليجتهد في الخروج من المظالم بردها لأربابها كما ورد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» رواه البخاري.
وفي الحديث الآخر المتفق عليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقّونَ ربكم فيسألكم عن أعمالكم» الحديث، وليجتهد أيضًا في رد العواري وأداء الديون التي للآدميين والتي لله كالزكاة والكفارة ويستحل مَن لا يستطيع الخروج من عهدته ويبادر بالتوبة من جميع الذنوب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً** ، وقال: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ** وليحرص كل الحرص على تحصيل نفقة طيبة من حلال؛ لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المسلمين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً** ، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ** » ، ثم ذكر: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدَّ يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذيِّ بالحرام، فأنى يستجاب لذلك!» رواه مسلم.
وروى الطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خرج الرجل حاجًا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز، فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مؤزور؛ وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور» .
ويجتهد في رفيق يكون عونًا له على نصَبَه وأداء نسكه يهديه إذا ضلّ ويذكره إذا نسى، وإن تيسر أن يكون الرفيق عالمًا فليستمسك بغرزه لعل الله أن يجعله سببًا لرشده.
وينبغي إن كان طالب علم أن يأخذ معه من كتب الفقه والحديث ما يتعلق بكتاب الحج والعمرة وليرجع له ولغيره عند الإشكال ولصيانة الوقت وازدياد العلم.
قال الناظم:
وخير جليس المرء كتبٌ تفيده ... علومًا وآدابًا كعَقْلِ مُؤَيَّدٍ
وخالط إذا خالطت كل موفق ... من العلما أهل التقى والتَعَبُّدِ
يُفيدكَ مِن علم ويَنهاك عن هوى ... فصَاحِبه تهدى من هداه وترشد
وليحذر كل الحذر من صحبة الجهال والسفهاء والكذابين والنمامين؛ فإن هؤلاء وأشباههم لا يسلم المخالط لهم والمصاحب غالبًا من الإثم وينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الجميلة كالسخاء وبساطة النفس وقضاء حوائج رفقته وإعانتهم بالماء والجاه والبدن، ويجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يأتي على الناس زمان يحج أغنياء أمتي نزهة وأوساطهم للتجارة وفقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة» أخرجه أبو الفرج في مثير الغرام مُسْنَدًا، وليحذر أن يقصد بعمله الدنيا وحطامها أو الرياء أو السمعة أو المفاخرة بذلك؛ فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله.
وينبغي أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته ليكون من حجه على بصيرة ويصلي ركعتين بمنزله، ويقول بعدهما: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد.
قال الشيخ: يدعو قبل السلام أفضل ويخرج يوم الخميس مبكرًا.
عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، متفق عليه.
وفي رواية «الصحيحين» لقلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلا في يوم الخميس.
وعن صخر بن ودَاعة الغامدي الصحابي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» ، وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجرًا، وكان يبعث تجارته أول النهار فأثرى وكثر ماله، رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
فإذا ركب دابته أو سيارته أو طيارته أو مركبته أو السفينة أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسم الله سبحانه وبحمده، ثم يكبر ثلاثًا، ويقول: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل، لِصحَّةِ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما ـ. ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار، ودعاء الله سبحانه والتضرع إليه، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ويجتهد في إقامتها على الوجه الأكمل.
ويحفظ لسانه من القيل والقال والكذب والغيبة والخوض فيما لا يعنيه والإفراط في المزح، ويقول إذا نزل منزلاً ما ورد عن خولة بنت حكيم - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزلك ذلك» رواه مسلم.