السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فقه (( السكوت ))
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين، وﻻ عدوان اﻻ على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فان للسكوت معاني كثيرة، منها المحمود ومنها المذموم،
وتارة يكون السكوت أولى من الكلام وتارة يكون الكلام أولى من السكوت، وأحيانا يكون السكوت لحكمة، وأحيانا يكون لضعف بل قد يدل السكوت على الرضا كما قد يدل على العكس من ذلك.
كما ان الساكت قد يكون معذوراً وقد يكون غير معذور
وأيضا قد نعرف لماذا سكت فلان وقد ﻻ نعرف لماذا سكت فلان، وفي بعض الأحيان يسكت الانسان في فترة من الزمن ثم يتكلم في فترة أخرى
كما قد يكون السكوت دليلاً على الغضب أو القطيعة أو الاحتقار أو بقصد الاعراض. وقد يسكت الانسان علانية فيما يبدو للناس وﻻ يسكت سراً حيث ﻻ يعلم به الا رب الناس، وﻻ شك أني لن احصر أسباب السكوت وأحواله ودوافعه لكني أريد ان أصل معك أخي القارئ الى نتيجة وهي عدم التسرع بالحكم على الساكت أو سبب سكوته الا بعد التحقق من اﻻمر.
واليك بعض الأمثلة:
الانسان يرى كثيراً من المنكرات هنا وهناك وﻻ يستطيع ان يغيرها ﻻ بيده وﻻ بلسانه فيسكت ويكتفي بأن ينكر بقلبه.عن أبُي سعِيدٍ قال: سمِعْتُ رسُول اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم يقُولُ: «منْ رأى مِنْكُمْ مُنْكرًا فلْيُغيِّرْهُ بِيدِهِ فانْ لمْ يسْتطِعْ فبِلِسانِهِ فانْ لمْ يسْتطِعْ فبِقلْبِهِ وذلِك أضْعفُ الْايمانِ» [رواه مسلم- 49].
وقد يسكت الانسان أحيانا اذا سمع كلاما لا يعجبه أو يسأل شيئاً فلا يريد ان يفعل فيسكت وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقول لشيء لا، فاذا هو سئل فأراد ان يفعل قال: نعم، واذا لم يرد ان يفعل سكت. [صحيح الجامع- 4869].
ويشرع السكوت عن السفهاء وعدم مجاراتهم في سفاهتهم قال تعالى {واذا خاطبهُمُ الْجاهِلُون قالُوا سلامًا (63)** [الفرقان].
أحياناً بعض الناس لو أنكرت عليه خطأه علناً ما تقبل منك فمن الحكمة ان تسكت عنه ثم تنبهه على خطئه فيما بعد.
وكذلك اذا كان الخطأ صدر من ذي سلطان فيجب السكوت عنه علانية ثم ينصح سرا تجنبا للفتنة ولعدم اثارة الرعية عليه، فعن عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أراد ان ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فان قبل منه فذاك والا كان قد أدى الذي عليه.[رواه ابن أبي عاصم في «السنة» رقم: 1096وصححه الالباني].
وكذا لو كان الانسان في حالة غضب شديد فالأولى ان نسكت عنه حتى اذا ذهب غضبه وهدأت نفسه كلمناه.
ومن المقرر شرعا ان المنكر ﻻ يجوز تغييره بمنكر اكبر منه وعلى هذا اذا رأى المسلم ان الكلام سيحدث من بعده منكر كبير أو توقع أنه اذا تكلم ستحدث مفسدة أكبر فالأولى حينئذ السكوت.
وأيضا يشرع السكوت في حق من ﻻ يجد خيرا يتكلم فيه، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت» [رواه مسلم- 47].
ويسكت المسلم اذا غلب على ظنه ان الكلام لا ينفع لقوله تعالى: {فذكِّرْ ان نفعتِ الذِّكْرى (9)** [الأعلى]، أي ذكر اذا رأيت ان الذكرى تنفع واﻻ فلا تذكر.
وقد يسكت المتكلم اذا علم ان الذي يتكلم معه قصده الجدال والمراء تجنبا للدخول معه في جدال عقيم.
وكذا يحسن السكوت عن رجل عُرف عنه حب الظهور والطمع في الشهرة فيُسكت عنه ويعامل بنقيض قصده.
وأحيانا السكوت يكون بسبب الاكتفاء بكلام سابق ﻻ يحتاج الى تكراره.
كما يسكت الانسان أحيانا عندما يحصل خلاف ونزاع بين طرفين كراهية ان يخسر أحد الطرفين أو يحسب أحد الطرفين أنه ضده مع خصمه وهذا يحتاجه الأولاد كثيرا اذا نشب خلاف بين الوالدين.
ومن الناس من يسكت عندما يغضب لأنه يعرف من نفسه لو تكلم ما استطاع ان يكظم غيظه بعد ذلك.
وأحيانا السكوت يدل على الرضا، فعن عائِشة رضِي اللّهُ عنْها قالتْ
: قال: رسُولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم «الْبِكْرُ تُسْتأْذنُ قُلْتُ: ان الْبِكْر تسْتحْيِي قال: اذْنُها صُماتُها
» [رواه البخاري 6971
ورواه مسلم 1420].
وأحيانا نجهل سبب سكوت الساكت ولو سألناه لسكت أيضا أو اعتذر لنا عن ان يفصح عن سبب سكوته!
أخي القارئ هذا ما يسر لي ان أفيدك به والبحث قابل للزيادة جداً.
و الحمد لله أولا وآخراً وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فائدة :
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ ابْنُ تَيْمِيَّة - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - : ** فَالْعَالِمُ تَارَةً يَأْمُرُ وَتَارَةً يَنْهَى وَتَارَةً يُبِيحُ وَتَارَةً يَسْكُتُ عَنْ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ أَوْ الْإِبَاحَةِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاحِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْفَسَادِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ وَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُرَجَّحُ الرَّاجِحُ - كَمَا تَقَدَّمَ - بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُمْكِنِ : إمَّا لِجَهْلِهِ وَإِمَّا لِظُلْمِهِ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ جَهْلِهِ وَظُلْمِهِ فَرُبَّمَا كَانَ الْأَصْلَحُ الْكَفَّ وَالْإِمْسَاكَ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ كَمَا قِيلَ : إنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ مَسَائِلَ جَوَابُهَا السُّكُوتُ كَمَا سَكَتَ الشَّارِعُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَنْ الْأَمْرِ بِأَشْيَاءَ وَالنَّهْيِ عَنْ أَشْيَاءَ حَتَّى عَلَا الْإِسْلَامُ وَظَهَرَ . فَالْعَالِمُ فِي الْبَيَانِ وَالْبَلَاغِ كَذَلِكَ ؛ قَدْ يُؤَخِّرُ الْبَيَانَ وَالْبَلَاغَ لِأَشْيَاءَ إلَى وَقْتِ التَّمَكُّنِ كَمَا أَخَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إنْزَالَ آيَاتٍ وَبَيَانَ أَحْكَامٍ إلَى وَقْتِ تَمَكُّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
منقول
( من مقاله للشيخ سالم بن سعد الطويل )
حفظه الله ونفع به وبعلمه