راتبه لا يكفيه ولا يكفي أولاده، فهل له أن يأخذ من مال الصدقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف ولي راتب شهري وراتبي لا يسد احتياجاتي واحتياجات أبنائي ولدي صديق يقوم بالتصدق من ماله الشخصي أو من راتبه ويمنحه لي ولأولادي ويشتري لنا بعض الأغراض ويسد احتياجاتنا بارك الله فيه. هل هذا حرام أم حلال؟ وهل يجوز أن آخذ منه المال أو يصرف علينا من ماله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صديقك يعطيك من زكاة ماله المفروضة، وراتبك لا يكفي احتياجاتك واحتياجاتك من تعوله: فلا حرج عليك في أن تأخذ منه ما يكمل كفايتك وكفاية من تعوله.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ (يعني عن الإمام أحمد) أَنَّ الْغِنَى مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ , وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا , وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ , وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا , وَالْأَثْمَانُ وَغَيْرُهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ (لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: قَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ , فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ , أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَمَدَّ إبَاحَةَ الْمَسْأَلَةِ إلَى وُجُودِ إصَابَةِ الْقِوَامِ أَوْ السِّدَادِ , وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْفَقْرُ , وَالْغِنَى ضِدُّهَا , فَمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَهُوَ فَقِيرٌ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ , وَمَنْ اسْتَغْنَى دَخَلَ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمُحَرِّمَةِ " انتهى.
"المغني" (2/277) .
وقال علماء اللجنة:
" إذا كان راتبك ودخلك لا يكفيك وعائلتك في الأشياء الضرورية فلا مانع من أخذك من الزكاة بقدر ما يكمل الكفاية " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10 / 23)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا كان الراتب لا يكفيك لقضاء حاجاتك وحاجات أهلك المعتادة التي ليس فيها إسراف ولا تبذير حلت لك الزكاة، وإلا فلا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (14 / 266-267)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الفقير الذي يستحق من الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة، ويختلف بحسب الزمان والمكان، فربما ألف ريال في زمن، أو مكان تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى لغلاء المعيشة ونحو ذلك " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 1573) .
وينظر: "لقاء الباب المفتوح"، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (148 / 7) .
وأما إذا كان صديقك يعطيك من راتبه على أنها من صدقة التطوع: فالأمر فيها أوسع من الزكاة المفروضة، والرخصة فيها أعم.
قال النووي رحمه الله:
" تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم، ويثاب دافعها عليها , ولكن المحتاج أفضل.
قال أصحابنا: ويستحب للغني التنزه عنها , ويكره التعرض لأخذها.
قال صاحب البيان: ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة. وهذا الذي قاله صحيح " انتهى.
"المجموع" (6/236) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" صدقة التطوع أوسع من الزكاة المفروضة؛ لأن الزكاة المفروضة لا تحل إلا للأصناف الثمانية الذين عينهم الله في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٌ) أما صدقة التطوع فهي أوسع، فيجوز للإنسان أن يتصدق على شخص يحتاج إليها وإن لم يكن فقيراً، ويجوز أن يتصدق على طلبة العلم وإن كانوا أغنياء، تشجيعاً لهم على طلب العلم، ويجوز أن يتصدق على غنيٍّ من أجل المودة والألفة. فهي أوسع، ولكن كلما كانت أنفع فهي أفضل " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (213 / 6)
راجع إجابة السؤال رقم: (82673) (67926) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب