الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
وقع تحت ناظري كتيب قيم يبحث في موضوع الرقية والتمائم بصورة عامة ، فقرأته وألفيته نافعا مفيدا في مضمونه ومحتواه ، فحمدت الله سبحانه وتعالى أن قيض لهذه الأمة رجالا صدعوا بالحق وأحيوا سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحاربوا البدعة وأهلها ، إلا أنه استوقفني كلام في هذا الكتاب أفرد له المؤلف فصلا خاصا من كتابه تحت عنوان ( حكم التفرغ لأجل القراءة على الناس واتخاذها حرفة ) ، وقد ذكر الكاتب - حفظه الله - في مقدمة هذا العنوان عن بعض طلبة العلم ممن تفرغوا للرقية والمعالجة ، وأن شهرتهم بلغت الآفاق ، بحيث وسعوا منازلهم ونظموا المواعيد لذلك ، ويقول ما حكم ذلك في هذه الصورة وبهذه الكيفية ، وبدأ بسرد بعض المفاسد المترتبة على ذلك الأمر 0
ولوجهة نظري المخالفة للمؤلف في هذه النقطة بالذات ، أحببت أن ادلي بدلوي وأنوه بما فتح الله علي من علم اكتسبته من علمائنا حفظهم الله مستشهدا في بعض النقاط بالكتاب والسنة والأثر 0
وهذا لا يعني إنكار كثير من المظاهر التي يراها المسلمون اليوم على الساحة فيما يتعلق بالرقية الشرعية والتجاوزات والانحرافات عن المنهج القويم ، من حيث الجهل بالأحكام الشرعية ، والجهل في التعامل مع المرضى في كافة النواحي ، وإصدار الأحكام العشوائية ، واتباع أساليب منافية تماما لما يجب أن تكون عليه ، واتخاذ الرقية الشرعية وسيلة للتجارة والتكسب ، ولا يشك أحد مطلقا في أن استخدام هذه الوسائل والأساليب وتجويزها أو استساغتها أو تسويغ فعلها للآخرين هو خطأ فادح له آثاره وعواقبه الوخيمة والتي لا يعلم مداها وضررها إلا الله سبحانه وتعالى 0
وأما تعميم ذلك ، وإصدار الأحكام على إطلاقها فيحتاج للتأني والتريث ، وكل عمل وكل جانب يقوم به الإنسان قد يعتريه الخطأ ، ومهم أن يوظف لمثل تلك الأخطاء من يقومها ويعالجها ، لتكون مسيرة الدعوة إلى الله سبحانه وفق منهج واضح قويم ، وعلى أسس عقائدية صحيحة مستقاة من الكتاب والسنة والإجماع ، فنسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير 0
ومن هنا نرى أن العلماء الأجلاء - حفظهم الله - قد أدركوا خطورة ذلك الأمر ، خاصة ما يتعلق بالناحية العقائدية ، فوضعوا الضوابط والمعايير لمن أراد أن يدخل في هذا المعترك ، وقد استكانت القلوب واطمأنت لما في ذلك الإجراء من مصلحة شرعية عامة للمسلمين 0
وأبدأ بسرد كافة النقاط التي تعرض لها الدكتور الفاضل – وفقه الله للخير فيما ذهب إليه – وأعلق عليها بما يسمح به المجال والمقال :
1)- ذكر أن من وجود الجموع الكثيرة من الناس عند القارئ ، قد يظن عوام الناس أن لهذا القارئ خصوصية معينة بدليل كثرة زحام الناس عليه ، وتطغى حينئذ أهمية القارئ على أهمية المقروء 0
* هل مثل ذلك الظن يعتبر طعنا وقدحا في الراقي إن اتبع الأسلوب الأمثل للرقية الشرعية منهجا وسلوكا ، ومنذ متى يأخذ أهل العلم وطلبة العلم بما يظنه العوام من الناس ، إن تلك المجالس قد يأتيها أناس لم يذهبوا قط في يوم من الأيام إلى مجلس طلب علم ، واستقطاب هذه الجموع من خلال هذا المنبر الدعوي ، وترسيخ بعض المفاهيم الاعتقادية أمر جليل يحتاج للتدبر والتأمل ، وأذكر من تلك المفاهيم :
أ - إيضاح العقيدة الصحيحة والمنهج القويم للرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة والأثر ، وترسيخ تلك الحقائق في الأذهان 0
ب - التحذير من خطر الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والعرافين والدجالين ، وإيضاح حقيقة السحر وخطورته ، وما يتعلق به من مفاسد عظيمة ، وتثقيف العامة بتلك المعلومات 0
ج - التحذير من المعاصي وأثرها السيئ على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم 0
إن من دواعي سرور المؤمن أن يرى ويسمع عن أناس قد من الله سبحانه وتعالى عليهم بالهداية ، وعرفوا بالاستقامة والصلاح والله حسيبهم ، نتيجة للمتابعة والرقية عند إخوة أفاضل اتخذوا منهجا وطريقا صحيحا واضحا في العلاج ، وهذا بحد ذاته يثلج قلب المؤمن الصادق عند رؤيته لتلك الجموع التي تلجأ لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم 0
إن إيضاح حقيقة الرقية الشرعية ومفاهيمها واستدلالاتها وما تحتويه من نواحي تمس عقيدة المؤمن ، وكذلك تفصيل وتبيان المناقض للرقية من مظاهر كفرية وشركية كالذهاب للسحرة والمشعوذين وتعليق التمائم الكفرية ونحوه ، كل ذلك يحقق في مجمله منفعة عظيمة وآثارا ايجابية يطمح لها كل داعية وطالب علم ، ولا نعتقد أن البديل عن ذلك يسعد أي منا ونحن نرى العامة والخاصة يطرقون أبواب السحرة والمشعوذين ، والعرافين ، فتنتكس الفطر ، وتدمر العقائد 0
وثقتنا بالعلماء كبيرة ، وقد تكلم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – في شريط ( لقاء الأحبة ) عن التفرغ للقراءة فأفتى سماحته بجواز ذلك ، لما يرى في ذلك من مصلحة شرعية عامة للمسلمين ( فتوى مسجلة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ) ، وكما أفتى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله – في لقاء القراء ( فتوى مسجلة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين السؤال التالي :
كثر في الآونة الأخيرة القراء الذين يرقون على المرضى ، وتزاحم الناس على أبواب بيوتهم ، مما حدا بعضهم للتفرغ بالقراءة وترك عمله أو دراسته ، وبالطبع أصبح دخل معيشته من تلك القراءة ، ومما يبيعه من الماء والزيت وما أشبه ذلك 0
وحصل بعض الخلاف بين طلبة العلم ، فقائل يقول بجواز فعلهم ، والآخر يقول بعدم جواز ذلك مستدلاً أنه لم يُنقل عن الصحابة ولا التابعين ولا من أتى بعدهم أن أحدهم قد تفرغ للقراءة ، بل بفعلهم هذا انتشر من ليس لديه علم ودراية بالرقية الشرعية ، فما هو القول الراجح في هذه المسألة ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( لا بأس بالرقية الشرعية بالآيات القرآنية والأدعية المأثورة لحديث أبي سعيد في قصة الرقية على اللديغ واشتراطهم قطيعاً من الغنم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " اقسموا واضربوا لي معكم بسهم " ( صحيح الترمذي 1685 ) وقوله صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " ( صحيح الجامع 1548 ) 0 ومع ذلك فلا يجوز كثرة الاشتراط ولا الأخذ للمال الكثير مقابل عمل يسير ، وننصح القارئ أن لا يشهر نفسه ، وأن لا يشدد في اشتراط الأجرة ، بل إن دفع إليه شيء بلا شرط أخذه وإلا لم يطلب ، وبذلك يحصل النفع بقراءته إن شاء الله وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ) ( المنهج اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين – ص 144 ، 145 ) 0
وسئل فضيلته عن القراءة على الجمع في مكان واحد بالميكرفون فأجاب – حفظه الله - :
( ذكر بعض القراء أن ذلك جرب فأفاد وحصل الشفاء لكثير من المصابين ، وذلك أن سماع المصروع لتلك الآيات والأدعية والأوراد يؤثر في الجان الذي يلابسه فيحدث أنه يتضرر ويفارق الإنسي ، أو أن هذا القرآن هو شفاء كما وصفه الله تعالى فيؤثر في السامع ولو لم يحصل من القارئ نفث على المريض ، ومع ذلك فإن الرقية الشرعية هي أن الراقي يقرب من المريض ويقرأ عنده الآيات وينفث عليه ويمسح أثر الريق على جسده بيده ، ويسمعه الآيات والأدعية حتى يتأثر بسماعها ، فعلى هذا متى تيسر أن يرقى كل واحد منفردا فهو أفضل وإن شق عليه ما ذكر من القراءة قرأ في المكبر مع العلم بأن تأثيرها أقل من تأثير القراءة الفردية ، والله أعلم ) ( الفتاوى الذهبية – ص 22 ) 0
وقد كان رأي لبعض العلماء موافق لرأي أخي الفاضل الدكتور علي بن نفيع العلياني – وفقه الله للخير فيما ذهب اليه - كما أفتى بذلك فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - عند سؤاله عن فتح عيادات متخصصة للقراءة فأجاب :
هذا لا يجوز لأنه يفتح باب فتنة ويفتح باب احتيال للمحتالين وما كان هذا من عمل السلف أنهم يفتحون دورا أو يفتحون محلات للقراءة 0 والتوسع في هذا يحدث شرا ويدخل فيه من لا يحسن لأن الناس يجرون وراء الطمع ويحبون الناس إليهم ولو بعمل أشياء محرمة ومن يأمن الناس ولا يقال هذا رجل صالح لأن الإنسان يفتن والعياذ بالله ولو كان صالحا ففتح هذا الباب لا يجوز ويجب إغلاقه ) ( السحر والشعوذة – ص 102 ) 0
فالمسألة اجتهاد مبني على أقوال علماء أفاضل في كلا الحالين ، مع أن التقنين والتوجيه السليم لذلك الأمر يعطي ثمارا طيبة بإذن الله تعالى 0
ولا يعني ذلك أن العوام عندما يرون جموعا في محاضرة لأحد العلماء أو طلبة العلم ، وظنوا أن أهمية العالم طغت على أهمية علمه ، نوقف طلب العلم والمحاضرات 0
وإن من الله سبحانه وتعالى علي بعلم متواضع يسير فالفضل بعد الله سبحانه للعلماء العاملين العابدين ، ولا أنكر مكانة وقدر وتحصيل الدكتور الفاضل وعلمه الشرعي ، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون صادعين بالحق ، مدافعين عنه إنه على كل شيء قدير 0
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، إنه هل يمكن أن يؤدي العلاج عند المقرئين إلى نوع من التقديس لهم وكيف يمكن تفادي ذلك ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( هذا يختلف باختلاف الناس ، فمن الناس من يقدس من أسدى له خيرا حتى ولو كان أمرا دنيويا ، ومنهم من لا يقدسه ولكنه يرى أن له معروفا عليه لا يكافئه إلا بقضاء حاجة 0
لكن إذا كان الشفاء بالقراءة الشرعية فإن التقديس للإنسان أكثر توقعا مما لو كان بغير ذلك ، لأنه ربما يعتقد أن لهذا المعالج منزلة عند الله عز وجل ، وأنه بسبب هذه المنزلة فقد كتب الله الشفاء على يديه ، لكن الواجب أن يعلم الإنسان أن القراءة هي سبب للشفاء والدواء الذي
حصل به الشفاء إنما هو سبب ، والله سبحانه وتعالى هو المسبب ، وأن الإنسان ربما يفعل الأسباب فتوجد موانع تحول دون تأثيرها ، فالأمر كله بيد الله سبحانه ، والواجب أن يحمد الإنسان ربه على ما حصل له من الشفاء ، وأن يكافئ من حصل الشفاء على يديه بما يقتضيه الحال ) ( كتاب المسلمون – ص 96 ، 97 ) 0
2)- ذكر أنه بالنظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه وسيرة علماء الإسلام الموثوق بعلمهم وفضلهم لم نر أحدا منهم انقطع عن أعماله واتخذ هذا الأمر حرفة 0
* إن كان القصد من الكلام آنف الذكر ، الأمور التعبدية وما يتعلق بها من أحكام ، فلا خلاف في ذلك على الاطلاق ، خاصة أن الأمور التعبدية والإخلال بأي جزئية من جزئياتها يوقع في المحاذير الشرعية بحسب حالها ، ومثل ذلك التخصيص وبهذه الكيفية لا يعتبر في جزئياته بعد عن الكتاب والسنة ، فكما أن العلوم الشرعية برمتها تشعبت وتنوعت ، كعلم مصطلح الحديث ، وأصول التفسير ، وأصول الفقه وغيرها من العلوم الشرعية ، ومثل ذلك التشعب والتنوع لا يعني مطلقا خروجا عن السنة المطهرة ، أضف إلى ذلك وجود المعاهد الدينية ، ومدارس تحفيظ القرآن ، المؤسسات الشرعية ، كالمؤسسات الخيرية ونحوها ، كل ذلك يبقى في بوتقة الشريعة وضمن حدودها إذا روعي من خلال ذلك الضوابط الشرعية ، فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أهل المنهج القويم والعقيدة الصحيحة إنه على كل شيء قدير 0
وإن كان الأمر ليس كذلك كالرقية الجماعية ، فهو اجتهاد بني على فتاوى العلماء حفظهم الله ، كإجراء تنظيمي ليس إلا ، وهذا يؤكد على أهمية لجوء المعالج فيما يتعلق بالمسائل المشكلة للرقية الشرعية وما يدور في فلكها وعلى اختلاف جزئياتها للعلماء وطلبة العلم ليسترشد بعلمهم ، ويستأنس برأيهم ، وبعض العلماء وطلبة العلم كان لهم رأي موافق لرأيك ، ولكن ليس بالأسلوب الجارح الموجه إلى من يعالج بالرقية الشرعية الثابتة بهذا الأسلوب والكيفية ، وتبقى المسألة خلافية بين العلماء ، وموقفنا من المسائل الخلافية معلوم ، خاصة إن كان الخلاف بين علماء أفاضل نذروا حياتهم وجل أوقاتهم في سبيل الدعوة ونصرة الدين ، فالواجب احترام رأيهم وتقديره ، وأن نسعى لعدم مخالفة الأصول والأحكام الشرعية ، وندور في فلك الكتاب والسنة والأثر ، ويعتقد أن الجميع يتوافق في الرأي بخصوص ذلك ، فالغاية والهدف هو المصلحة
العامة الشرعية للإسلام والمسلمين 0
3)- ذكر أن الشياطين عندما ترى تعلق الناس بشخص ما قد تساعده ، وهو لا يشعر فتعلن خوفها وخروجها من المريض ونحو ذلك 0
* إن هذه المسألة ترتبط أساسا بحال المعالج وقربه من الخالق وصحة اعتقاده ومنهجه والتوجه السليم الذي يأخذ بعين الاعتبار كافة الجوانب المتعلقة بالرقية الشرعية ، واعتقد أن فحوى هذا الكتاب يؤكد على تلك المبادئ الأساسية التي لا بد أن ينشدها كل متصدر للرقية الشرعية ، وكل معالج أدرك هذه الأساسيات يعلم يقينا أن الأمر بيد الله سبحانه وتحت تقديره ومشيئته ، وقد أسلف الكاتب - حفظه الله - أن القائمين على ذلك الأمر من طلبة العلم ، ولا اعتقد أنه من السذاجة أن يمر عليهم مثل تلك الدسائس الشيطانية ، وهذا لا يعني عدم الوقوع في الخطأ ، ولكن وبتكاتف العلماء وطلبة العلم وتقديم النصح والإرشاد ، وبالمتابعة والتوجيه للقائمين على ذلك الأمر ، تتحقق المنفعة والمصلحة الشرعية 0
أما إن كان المؤلف يعني بكلامه الجهلة بالشريعة وأحكامها ، وأصولها وفروعها ، واقتحم باب الرقية حبا في المال والظهور ، والشهرة والسمعة ، فإنني لا أعنيهم مطلقا 0
وأما الاستشهاد بحديث الإمام أحمد - رحمه الله - في مسنده برقم 1 / 381 ، والحديث أورده العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - في السلسلة الصحيحة 1 / 584 ، على النحو التالي :
( أخبرت زوجة عبدالله بن مسعود فقالت : كانت عيني تقذف – أي تصب - فكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيها ، وكان إذا رقاها سكنت 0 قال : إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها ) 0
وقصة الحديث آنفا كما ثبت في صحيح سنن ابن ماجة لمحدث بلاد الشام العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( عن زينب ، قالت : كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحمرة ، وكان لنا سرير طويل القوائم 0 وكان عبد الله ، إذا دخل ، تنحنح وصوت 0 فدخل يوما ، فلما سمعت صوته احتجبت منه 0 فجاء فجلس إلى جانبي 0 فمسني فوجد مس خيط 0 فقال ما هذا ؟ فقلت : رقي لي فيه من الحمرة 0 فجذبه وقطعه ، فرمى به وقال : لقد أصبح آل عبدالله أغنياء عن الشرك 0 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) قلت : فإني خرجت يوما فأبصرني فلان 0 فدمعت عيني التي تليه 0 فإذا رقيتها سكنت دمعتها 0 وإذا تركتها دمعت 0 قال : ذاك الشيطان 0 إذا أطعته تركك ، وإذا عصيته طعن بإصبعه في عينك 0 ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفين 0 تنضحين في عينك الماء وتقولين : أذهب البأس 0 رب الناس 0 اشف ، أنت الشافي 0 لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ) ( صحيح الجامع 855 ) ( وقد عرج على ذلك في كتابي بعنوان ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ) تحت عنوان أدلة تحريم تعليق التمائم الشركية من السنة المطهرة ) 0
ولي بعض الوقفات عند هذا الحديث :
أ - لا يوجد وجه للمقارنة بين يهودي بين في منهجه وتوجهه واعتقاده ، وبين مسلم موحد صحيح المنهج والعقيدة والدين 0
ب - الاستشهاد الذي تحدث عنه الكاتب - حفظه الله - غير صحيح في هذا الموضع بالذات ، فالأمر كما هو واضح في الحديث أمر فردي لزوجة عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - وقد يحصل ذلك لأي شخص سواء كان متخصصا أو غير متخصص في الرقية ، بمعنى حصول ذلك في رقية لحالة معينة ، أو حصولها في رقية جماعية ، فهل يعني ذلك منع الرقية بصفة عامة خوفا من ألاعيب الشيطان ودسائسه ، وتعطيل سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قد تصل إلى درجة الوجوب في بعض الحالات التي قد يتعرض فيها المريض لحالة الخطر ، وماذا سوف يكون البديل لذلك ؟ لا نشك مطلقا بأن أبواب السحرة والمشعوذين والعرافين والدجالين سوف تشرع على مصراعيها نتيجة لذلك 0
ج - الأمر لا يعتمد على استدراج الشيطان بقدر ما يعتمد على قوة الإيمان والتوكل والاعتماد على الله سبحانه وتعالى من قبل المعالج ، ومعرفته باستدراجات الشيطان التي تم ذكرها في كتابي بعنوان ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) 0
4)- ذكر أنه قد يتوهم القارئ الذي يزدحم الناس على بابه ويرى كثرة المرضى الذين يعافيهم الله بسبب رقيته ، وكيف أن الشياطين تخاف منه ، ويتوهم أنه من الأولياء الأبرار ويصيبه العجب 0
* ما ذكر في هذا الموضع قد يذكر في كثير من المواضع الأخرى ، ولا يعني ذلك أن كثيرا من العلماء وطلبة العلم أعجبوا واختالوا بأنفسهم ، ولا يعني أن مفسري الرؤى والأحلام حصل لهم مثل ذلك ، فالأمر يعتمد أساسا على حال كل منهم وتوجهه وارتباطه بخالقه ، وكذلك الأمر بالنسبة للمعالج ، فمنهجه وتوجهه إن كان بنية خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يكتب له التوفيق ، كالعالم والطبيب ونحوه ، وأما الاعتقاد بأن الشياطين تخاف وتهرب منه ، فلا نعتقد أن أحدا ممن تصدر هذا الأمر وعلى أسس عقائدية واضحة ثابتة يفكر بمثل ذلك ، وهو يعلم يقينا أكثر من غيره أن الجن والشياطين عالم غيبي ، حفظ منه بحفظ الله سبحانه وتقديره ومشيئته ، ولولا ذلك لناله أذاهم وبطشهم ، لمحاربته لهم ونصرة إخوانه المظلومين ، ويعلم يقينا أنهم يهربون ويفرون من كلام الله عز وجل فهو الذي يحرقهم ويردهم خائبين خاسرين 0
5)- ذكر أن الملاحظ على القراء أصحاب الكيفية المتقدمة أنهم يقولون بغير علم ويعني - حفظه الله - في قضايا التشخيص 0
* بالنسبة لهذه النقطة بالذات فسوف تكون لي بعض الوقفات اليسيرة التي أوضح وأبين الأمر من خلالها :
أ - إن كان المعني بذلك القراء الجهلة غير المتمرسين ، الذين لم يكتسبوا الرقية الشرعية عن علم ودراية ودراسة ، فإننا نقر الرأي القائل بذلك ، ومن هنا كان لا بد أن يؤخذ هذا العلم من الشريعة السمحة أولا ثم من ذوي الخبرة والاختصاص والتجربة في هذا المجال ، كما بينت ذلك في كتابي بعنوان ( القول المُعين في مرتكزات معالجي الصرع والسحر والعين ) 0
ب - أما إن كان المعني بذلك القراء المتمرسين ، فوقوع الخطأ وارد ، والطبيب قد يخطئ التشخيص مع إمكانياته العلمية والتقنية والأجهزة المتطورة التي يمتلكها من أشعة ومنظار وغيره ، فكيف الحال بمن يتعامل مع أمر غيبي بكل جوانبه ، ألا يتوقع حصول ذلك منه ؟ الإجابة واضحة ، وإدراك ذلك بالنسبة للمؤلف لا يشوبه أدنى شك ، فقد وصل لمرحلة متقدمة من العلم ، وهو أعلم من غيره بأساليب البحث العلمي وبحوث العمليات المتعلقة بالدراسة الأكاديمية ويدرك حصول الزلل والخطأ ، مع الإشارة إلى أفضلية لجوء المعالج لاستخدام أسلوب التورية ( المعاريض ) مع المرضى للمصلحة الشرعية المرجوة من جراء ذلك ، كما أشرت في كتابي بعنوان ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) 0
ج - أستسمح القارئ عذرا في العودة لجزء من كتابي بعنوان ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) وكل ما ذكر تحت هذا العنوان يبين أن الرقية الشرعية علم شرعي قائم بذاته ، تحتوي على مسائل فقهية كثيرة ودقيقة كنت أجهلها ، وأفادني بها علماؤنا وطلبة العلم حفظهم الله ، بعد استرشادي بأقوالهم وآرائهم ، فالأمر ليس كما يبدو للبعض قول بلا علم ، إنما هو قول بعلم ، مصدره الكتاب والسنة والأثر ، وأقوال أهل العلم العابدين العاملين ، ولا زلت أذكر بأن الأمر برمته يتعلق بذوي العقيدة الصحيحة والمنهج القويم والتوجه الصحيح ، وما دون ذلك لا يقاس عليه ، ولا يؤخذ بالاعتبار والحسبان 0
د - وقياسا على ذلك فكثير ممن يدعي العلم الشرعي ويفتي بغير علم ، هل يعتبر ذلك قدحا في الشريعة وأحكامها وأهل العلم والمنتسبين إليه ؟ كذلك الحال بالنسبة للرقية ، فمدعي الرقية دون أن يكون له فيها ناقة أو جمل ، لا يعتبر قدحا في الرقية وأهلها ، والأساس في المنهج والتربية والسلوك ، وأكرر بأن الرقية وفق المنهج السليم والأسس الثابتة ، لا بد أن تعطي ثمارها الدعوية بإذن الله تعالى 0
يتبع