لغض البصر فوائد عظيمة ومنافع جمة وثمرات يانعة يقطفها المرء في الدنيا والآخرة ... من ذلك - تخليص القلب من ألم الحسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء على القلب إرسال البصر فإنه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه ولا وصول له إليه وذلك غاية ألمع وعذابه
- إن غض البصر يورث نورا للقلب وانشراحا للصدر وجلاء للبصيرة ووضوحا في الرؤية ويجعل الإنسان أكثر إيمانا وأكثر يقينا وأكثر استمتاعا بالنظر الأجمل والنور الأكمل نور الله جل وعلا ولحكمة معينة جاء بعد هذه الآيات قوله تعالى ( الله نور السموات والأرض ...) النور 35
فالله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنسه فلما منع العبد نور بصره أن ينفذ إلى مالا يحل له أطلق الله نور بصيرته وفتح عليه باب العلم والمعرفة - إن العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته إن النظرات كلما تواصلت وكثرت كانت كالماء يسقي الشجر فلا تزال تنمو حتى يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به ربه ويخرج بصاحبه إلى المحن ويوقعه بالفتن .. يقول الإمام أحمد _ رحمه الله _ : كم نظرة قد ألقت صاحبها في البلابل "
- أنه يورث صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته وإذا استنار القلب صحت الفراسة
- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب فإنه إذ استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات وانكشفت له بسرعة ونفذ من بعضها إلى بعض ومن أرسل بصره تكدر عليه لبه وأظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه
- أنه يورث قوة القلب وثباته و شجاعته فيجعل له سلطانه البصيرة مع سلطان الحجة
- أنه يورث سرور وفرحا وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر وذلك لقهر عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه وأيضاً فإنه لما كف لذته وحبس شهوته لله وفيها مسرةُ نفسه الأمّارة بالسوء أعاذه الله سبحانه مسرة ولذة أكمل منها كما قال بعضهم :والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى
- أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل .
- أنه يقوي عقله ويزيده ويثبّته ، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب .
وأعقل الناس من لم يرتكب سبباً
حتى يفكّر ما تجنـــي عواقـــــبــــــــــــــه - أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال الله تعالى ( لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون ) الحجر آية 72
- أنه سبب لمرضاة الله تعالى ونيل كرامته والفوز بنته والتلذذ برؤيته أكمل مطلوب وأجمل محبوب وهو وجهه الكريم جل وعلا
يقول الرسول " اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا اؤتمنتم واحفظوا فروجوكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم "
ويقول العقلاء : " من سرح ناظره أتعب خاطره ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عبراته "
يقول بعض السلف " من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته "
لا تعجب إذاً إن لم تجد للطاعة حلاوة وللعباة لذة وللذكر نشوة وللقلب بصيرة وللنفس فرقاناً فإن من أهم أسباب من الأنس بذلك هو إطلاق البصر فيما يصرف عن الحبيب القريب والسميع المجيب فالنظرة الغاشمة سهم ٌ من سهام إبليس والعين تزني وزناها النظر ومتى أطلق البصر فقد حصل الخطر ...
ماظنك بمن ضج سمعه وكلّ بصره وهو ينظر إلى الحرام ويتابع سيْ الأفلام ويطلق العنان لسمعه وبصره في الآثام .... هل راقب الخالق ...؟؟ أو شكر المنعم ...؟؟ أو استحيى من ملك الملوك ... سمع الفاتنات ويدقق النظر في الغانيات .. ويتأمل مفاتن السافرات ...........(( حتى إذا ماجاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون( 20 ) وقالوا لجلودهم لمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون (21 ) )) فصلت آية 20 _21
(( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ( 22 ) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين (23 ) ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتنقيته لكم من كتاب " الله أهل الثناء والمجد " المؤلف : ناصر الزهراني