سلسلة أخلاق المتقي لمن أراد أن يرتقي
تابع (الجدية)
هناك سؤال دائمًا يخطر على بالنا وهو كيف أكون جادًا ؟!
إن صفة الجدية من أهم الصفات التي ينبغي أن نجاهد أنفسنا لنتخلق بها ؛ لندرك أهدافنا ، ونصل إلى غاياتنا ، ونعمر أعمارنا بالصالحات ، ونثقل موازيننا بالحسنات ؛ ولهذا لا بد من الإشارة إلى بعض أسباب الجدية وعوامل تنميتها في القلوب .
1-الإقلاع عن الذنوب والمبادرة إلى التوبة :
الذنوب حُجُبٌ تحجبُ صاحبها عن الهدى وتثبطة عن أعمال الخير والتقى ، وتقعده عن العُلى ،قال بن عباس – رضي الله عنه – إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق، إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
2- ذكر الله :
للذكر أثر عجيب في تقوية العبد وتنشيطه وزيادة جِدّه ومبادرته لطاعة الله ، والذكر سبب لزوال عقد الكسل الشيطانية , عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم- إذا هو نام- ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة. فإن توضأ انحلت عقدة. فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» ،رواه البخاري .
3- مصاحبة الجادين :
عن المرء لا تسأل وسأل عن قرينه *** فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ، وحسنه الألباني .
4- محاسبة النفس :
لابد من محاسبة النفس على تقصيرها ، ومعاتبتها على تفريطها ، وحثها على ما فيه نجاتها وقد قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) و ( قَالَ عُمَرُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا! وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا؛ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خافية) .قال الفضيل الرقاشي: «لا يلهينك الناس عن نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النهار بكذا وكذا، فإنك محفوظ عليك ما عملت، واعلم أني لم أر شيئا أشد طلبا ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم»
5- الدعاء :
لما كانت الجدية والاجتهاد في العمل الصالح فضلا من الله يؤتيه من يشاء ، كان على المسلم أن يرفع يديه متضرعًا ، ويضع جبهته متذللاً لمن بيده الفضل كله الخير كله فيسأله من فضله وقد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: «التمس غلاما من غلمانكم يخدمني» فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال) رواه البخاري .
وهذه بعض القواعد يسير عليها الجادون :
ومنها اتقي الله حيثما كنت ،عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» حسنه الألباني و لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) و أعطِ كل ذي حقٍ حقه ، «إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «صَدَقَ سَلْمَانُ» والحديث صحيح ، وهناك نية وهدف لكل عمل ،عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» والحديث في البخاري ، و تقديم الأهم في الأهم بما يسمي ترتيب الأولويات عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته " والحديث في البخاري ، فالفرائض مقدمة على النوافل ، والواجبات مقدمة على المستحبات فضلا على المباحات والفرض العيني مقدم على الفرض الكفائي ، والواجب المضيق مقدم على الواجب الموسع ، ومن الجدية أن نقدم الأهم في الأهم وهكذا .
وهذه بعض الأسباب التي تعين على الجدية وهي لا تنحصر على هذه الخمسة وإنما هذا الذي تيسر لي والحمد الله ونلتقي في المجلس القادم إن شاء الله مع أسباب هدم الجدية ونذكر بعض المسائل في مفهوم الجدية ونختم بها هذا الخلق إن شاء الله تعالى