السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمام النُّصْح في أحكام المسْح على النعلين والخفين والجوربين / الألباني
استعرض الشيخ رحمه الله خلال هذا البحث النقاط التالية :
1 – المسح على النعلين .
2 – المسح على الخف أو الجورب المخرق .
3 – خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء .
4 – متى تبدأ مدة المسح ؟
5 – انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء ؟
قال - رحمه الله - مستعيناً بالله وحده ، متوكلاً عليه :
1 – المسح على النعلين
أما المسح على النعلين ، فقد اشتهر بين العلماء المتأخرين أنه لا يجوز المسح عليهما ، ولا نعلم لهم دليلاً على ذلك إلا ما قاله البيهقي في ( سننه ) (1/288) : (والأصل وجوب غسل الرجلين ، إلا ما خصته سنة ثابتة،أو إجماع لا يختلف فيه ، وليس على المسح على النعلين ، ولا على الجوربين واحد منهما . والله أعلم ) .
كذا قال ، ولا يخفى ما فيه – مع الأسف – من تجاهل للأحاديث المتقدمة في الرسالة في إثبات المسح على الجوربين والنعلين ، وأسانيد بعضها صحيحة كما سبق بيانه ، ولذلك تعقبه التركماني الحنفي في ( الجوهر النقي ) فقال ( 1/288 ) : ( قلت : هذا ممنوع ، فقد تقدم أن الترمذي صحح المسح على الجوربين والنعلين وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة ، وحسنه أيضاً من حديث الضحاك عن أبي موسى .
وصحح ابن حبان المسح على النعلين من حديث أوس ، وصحح ابن خزيمة (ص 100 طبع المكتب الإسلامي .) حديث ابن عمر في المسح على النعال السبتية ، وما ذكره البيهقي من حديث زيد بن الحباب عن الثوري ( يعني بإسناده عن ابن عباس وقد مضى ) في المسح على النعلين حديث جيد ، وصححه ابن القطان عن ابن عمر .
قلت : وإذا عرفت هذا ، فلا يجوز التردد في قبول هذه الرخصة بعد ثبوت الحديث بها ، لأنه كما قال المؤلف فيما سبق : ( وقد صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة ) . لا سيما بعد جريان عمل الصحابة بها ، وفي مقدمتهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كما تقدم وهو مما ذهب إليه بعض الأئمة من السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين . فقد قال ابن حزم رحمه الله تعالى في (المحلى)(2/103) : ( مسألة : فإن كان الخفان مقطوعين تحت الكعبين ، فالمسح جائز عليهما ، وهو قول الأوزاعي ، وروي عنه أنه قال : يمسح المحرم على الخفين المقطوعين تحت الكعبين ...
وقال غيره : لا يمسح عليهما إلا أن يكونا فوق الكعبين).
2 – المسح على الخف أو الجورب المخرق
وأما المسح على الخف أو الجورب المخرق ، فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً ، فأكثرهم يمنع منه على خلاف طويل بينهم ، تراه في مبسوطات الكتب الفقهية ، و( المحلى ) .
وذهب غيرهم إلى الجواز ، وهو الذي نختاره . وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة ، فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حداً ، فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) متفق عليه . وأيضاً فقد صح عن الثوري أنه قال : ( امسح عليها ما تعلقت به رجلك ، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة ، مشققة ، مرقعة ؟ ) . أخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) (753) ومن طريقه البيهقي (1/283) .
وقال ابن حزم (2/100) : ( فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولاً أو عرضاً فظهر منه شيء من القدم ، أقل القدم أو أكثرهما أو كلاهما ، فكل ذلك سواء ، والمسح على كل ذلك جائز ، ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء ، وهو قول سفيان الثوري ، وداود ، وأبي ثور ، وإسحاق ابن راهويه ، ويزيد بن هارون ) .
ثم حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بينها من اختلاف وتعارض ثم رد عليها ، وبين أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي وختم ذلك بقوله : ( لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا ، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء .
بهذا جاءت السنة ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(مريم: من الآية64) ، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين ، ومُسِحَ على الجوربين – أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقاً فاحشاً أو غير فاحش ، وغير المخرق ، والأحمر والأسود والأبيض ، والجديد والبالي ، فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض ، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحى به ، ولا أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض عليه البيان ، حاشا له من ذلك ، فصح أن حكم ذلك المسح على كل حال ، والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( اختياراته ) (ص13) : ( ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين ، وحكاه ابن تميم وغيره ، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقياً ، والمشي فيه ممكناً ، وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء ) .
قلت : ونسبه الرافعي في ( شرح الوجيز ) (2/370) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة ، فوجب أن يمسح . ولقد أصاب رحمه الله .
3 - خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء ؟
اختلف العلماء أيضاً فيمن خلع الخف ونحوه بعد أن توضأ ومسح عليه ، على أقوال ثلاثة :
الأول : أن وضوءه صحيح ولا شيء عليه .
الثاني : أن عليه غسل رجليه فقط .
الثالث : أن عليه إعادة الوضوء .
وبكل من هذه الأقوال قد قال به طائفة من السلف ، وقد أخرج الآثار عنهم بذلك عبد الرزاق في ( المصنف ) (1/210/809-813) وابن أبي شيبة (1/187-188) والبيهقي (1/289-290) .
ولا شك أن القول الأول هو الأرجح ، لأنه المناسب لكون المسح رخصة وتيسيراً من الله ، والقول بغيره ينافي ذلك ، كما قال الرافعي في المسألة التي قبلها كما تقدم ، ويترجح على القولين الآخرين بمرجح آخر بل بمرجحين :
الأول : أنه موافق لعمل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ، فقد قدمنا بالسند الصحيح عنه رضي الله عنه أنه أحدث ثم توضأ ومسح على نعليه ثم خلعهما ثم صلى .
والآخر : موافقته للنظر الصحيح ، فإنه لو مسح على رأسه ثم حلق ، لم يجب عليه أن يعيد المسح بله الوضوء ، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ،
فقال في ( اختياراته ) (ص15) :
( ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ، ولا بانقضاء المدة، ولا يجب عليه مسح رأسه ، ولا غسل قدميه ، وهو مذهب الحسن البصري ، كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد ، وقول الجمهور ) .
وهو مذهب ابن حزم أيضاً ، فراجع كلامه في ذلك ومناقشته لمن خالف ، فإنه نفيس . ( المحلى )(2/105-109) : وأما ما رواه ابن أبي شيبة (1/187) والبيهقي (1/289) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له أن ينزع خفيه ، قال : يغسل قدميه .
ففيه يزيد بن عبد الرحمن الدالاني قال الحافظ : صدوق يخطيء كثيراً ، وكان يدلس .
وروى البيهقي عن أبي بكرة نحوه .
ورجاله ثقات غير علي بن محمد القرشي ، فلم أعرفه .
ثم روي عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً : ( المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليها للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ما لم يخلع ) . وقال : ( تفرد به عمر بن رُدَيْح ، وليس بالقوي ) .
قلت : هذه الزيادة ( ما لم يخلع ) منكرة لتفرد هذا الضعيف بها ، وعدم وجود الشاهد لها .
اللهم لانحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك.