تربية الطفل قبل ولادته :
وأوجز تصوراتي عن الموضوع الذي أريده في كلمة صغيرة ستكون منطلقي لعرض ما وراءها من التفصيلات وخلاصتها أن التصحيح الحق لمسيرة المجتمع الإسلامي يجب أن يبدأ من تكوين الفرد المزود بالوعي التام لحقائق الإسلام الكبرى؛ لأن المجتمع بناء مؤلف من الأفراد ، وبمقدار ما يتوافر من التماسك بين أفراده تكون قوته . . . وإنما يتم تماسكهم إذا اتحدت منطلقاتهم الفكرية ، فكانوا كالطاقة الكهربائية التي انتظمت مجاريها في تناسق يجعل كل جزء من الأجهزة عونا للآخر ، وكل وتخلخل في هذا التعاون مؤد إلى الخلل العام .
وهذا يعني أن على المصلحين أن يحددوا المنطلق الذي منه يبدأ بناء الفرد ولعل الإمام الغزالي رحمه الله كان أقرب المفكرين الإسلاميين إلى السداد حين يقرر أن تربية الطفل تبدأ قبل ولادته وبذلك يقطع أن أولى الخطى في هذه السبيل هي التركيز على حسن اختيار الزوجة ، التي تصلح لأن تكون أم ولدك . . وهو المبدأ الذي سبق إلى تقريره نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه وآله حين يوجه المسلم إلى إيثار ذات الدين على ذوات المال والجمال . . . لأنها تملك من المؤهلات للأمومة الصالحة ما لا يقوم به أي شيء آخر . .
ومعلوم أن الصورة الأولى التي تنطبع في ذات الطفل هي صورة أمه ، وهي التي تصحبه حتى اللحظات الأخيرة من حياته ، والويل لهذا المسكين إذا كانت أمه من النوع الذي لا يهمه من الحياة غير التوافه وأسعد به إذا قدر الله له الأم التي عرفت طريقها إلى الله ، وأدركت مسئوليتها نحو نفسها وبعلها وولدها ومجتمعها ، فكانت بذلك ينبوعا من الحكمة التي تروي وتهدي ، وتقدم العطاء الذي لا ينفد . . فبالزوجة الصالحة ، التي هي خير متاع الدنيا بشهادة الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ، يتم تأسيس البيت المسلم ، وفي هذا البيت الكريم يبدأ تكوين الفرد الذي نتطلع إليه ، إذ يحمل في كيانه أولى البذور التي تمنحه المؤشر السليم إلى الاتجاه الأقوم ، وقد رأينا ملامح ذلك الاتجاه في وصايا لقمان لابنه في صدر السورة التي تحمل اسمه من القرآن العظيم ، وطبيعي أن الله لم يعرض لنا هذه الوصايا إلا لنعمل بها على أنها النموذج الأمثل للتربية التي يحبها الله . وقد رأينا مجمل هذه الملامح في دعاء امرأة عمران ربها في سورة آل عمران إذ قالت سورة آل عمران الآية 35( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ) وهو عهد ترفعه هذه الأم الفاضلة إلي خالق السماوات والأرض بأنها ستتولى تنشئة مولودها القادم على النهج الذي يرضاه ، حتى تكون حياته كلها خالصة له وحده . . . وفي هذا النهج المجمل كل ما فصله لقمان لابنه من أصول الخير والسلوك المفضل . . .
والولد غرس والديه ، فإذا أحسنا رعايته وأحاطاه من صالح عملهما بالنماذج المختارة وفق التوجيه الإلهي ، أخذ سبيله إلى التسامي حتى يكون هو النماذج الأمثل للإنسان الذي نكاد نفقد مثاله الحي في هذه الأيام . . . ذلك الإنسان الذي سلمت فطرته من الشوائب ، وطهرت عقيدته من الزيغ ، فاستقام سلوكه في الطريق المضاء بنور الله ، لا يعرف انتماء إلا للإسلام ، ولا ولاء إلا لله ولرسوله ولكتابه وجماعة المؤمنين . . .
منقول للفائدة
نفع الله به