[B]
،،،،،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
يعمد بعض المعالِجين إلى اتباع طريقة في علاج العين حيث يطلب من المريض أثناء الرقية الشرعية بتغميض عينيه أو تغطيتها ويطلب منه أن يتخيل أو يتصور الشخص الذي أصابه بالعين والحسد ، ويدعي بعض هؤلاء أن ذلك مجرب ونافع 0
ولا بد للمعالِج أن يرتكز في تحليله للحالة المرضية وخاصة في مسألة تحديد الإصابة بالسحر والعين والحسد إلى أدلة وقرائن وإثباتات تعطي له مؤشرات وغلبة ظن فيما ذهب إليه من تشخيص للحالة المرضية ، وما دون ذلك يعتبر رجما بالغيب وقول بغير علم لا يستند للقرينة أو الدليل النقلي ، وعلى ذلك فلا يجوز مطلقا اعتماد هذه الطريقة في الرقية وادعاء معرفة الساحر والعائن ونحو ذلك من أمور أخرى ، والذي يظهر لي من خلال اتباع الطريقة آنفة الذكر أنها لا تتعدى أن تكون إحدى أمرين :
1)- أن مدعي استخدام هذه الطريقة يستعينون بالجن والشياطين في تحديد الأشخاص الذين تسببوا في الإصابة بالسحر والعين والحسد ونحوه ، وقد أشرت بكلام مفصل في أحد فصول كتابي الموسوم ( نحو موسوعة شرعية في علم الرقى - تأصيا وتقعيد في ضوء الكتاب والسنة والأصثر ) تؤكد عدم جواز الاستعانة مطلقا مذيلا كلامي بفتاوى ونقولات لعلماء الأمة الأجلاء 0
2)- أن مدعي استخدام هذه الطريقة يلجأون لهرطقات ونزوات دون مستند يعتمدون عليه في تحديد مثل تلك الأسباب ، خاصة أن بعض المرضى ممن يعاني من الإصابة بالسحر والحسد قد ابتلي باقتران شيطاني وحصول مثل ذلك الأمر قد يؤدي بالجن والشياطين ممن لابسو هؤلاء المرضى بتصوير بعض خيار الناس على أنهم من شرار الخلق وأنهم السبب الرئيس في حصول هذا الابتلاء ، فتتقطع أواصر المحبـة والأخوة بين المسلمين ، ناهيك أن يكون حصول مثل هذا الأمر بمثابة حديث نفس للمريض أو وسوسة شيطانية ونحو ذلك من أمور أخرى ، علما بأن قراءة القرآن والتعوذات والرقية الشرعية والذكر والدعاء لم تكن قط لتستخدم مثل هذا الاستخدام ولا يمكن أن يكون في قراءة القرآن أو الدعاء بالمأثور دلالة على الساحر أو المشعوذ أو العائن ومن ادعى ذلك فعليه أن يأتي بالدليل والحجة ، ودون ذلك فقوله مردود وعمله مرفوض 0
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن مدى صحة تخيل المريض للعائن من جراء القراءة ، أو طلب الراقي من القرين أن يخيل للمريض من أصابه بالعين ؟
فأجابت – حفظها الله - : ( تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز لأنه استعانة بالشياطين فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين ولأنه يسبب العداوة بين الناس ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس فيدخل في قوله تعالى : " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " " سورة الجن – الآية 6 " )( جزء من فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – الفقرة الثانية – برقم ( 20361 ) وتاريخ 17 / 4 / 1419 هـ ) 0
يقول الشيخ الدكتور ناصر العقل المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية أصول الدين - قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - في تقديمه للكتاب الموسوم " كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية " للشيخ عبدالله بن محمد السدحان : ( وما أثير أخيراً حول مسألة التخييل فقد بحثت الموضوع مع الشيخ عبدالله – يقصد مؤلف الكتاب – ووجدت تصوره شرعيا صائبا – بحمد الله – واتفقنا على أن ما يرد إلى الإنسان القارئ من تخيلات وخواطر تتعلق بأشخاص غائبين بأنهم حصل منهم ضرر على المريض من عين أو سحر أو نحوه لا أصل له شرعا ، لكن إذا تذكر المريض أو فطن لحادثة أو موقف أو كلمة أو نحو ذلك يتهم فيه أحداً بعين أو أي شيء يؤذي فهذا له أصل في الشرع من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من تتهمون " أو يكرم الله من يشاء بكرامة أو رؤيا ينتفع بها فهي من المبشرات إذا توافرت فيها الشروط الشرعية 0
أما أن يتكلف القارئ التخيل ويجعله دليلاً قاطعا على التعرف على العائن أو المتسبب فهذا لا أصل له فيما أعلم بل هو مجال لعبث الجن والشياطين ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ - ص 11 – 12 ) 0
يقول الدكتور محمد بن عبدالله الصغير في تعليق له على استخدام هذه الطريقة : ( وكثيراً ما يحصل بسبب ذلك خلافات عائلية وتنافر بين الزملاء والأصحاب والأهل والأقارب ، والخلل في هذه الممارسة أنها لبست لباساً شرعياً لأنها جاءت من أناس لهم انتماء للعلم الشرعي بينما هي في حقيقتها قائمة على قضية نفسية بحتة ، تعتمد مخاطبة اللاشعور بطريقة فيها شيء من الإيحاء النفسي ، ويتبين ذلك أن هذا الشخص الذي أصابته علة نفسية أو جسدية أو مالية ، هو كغيره من أفراد مجتمعنا سوف يتبادلا إلى ذهنه خلال الصدمة الأولى للمصيبة أن شخصاً ما أصابه بعين ، أو عمل له عملاً ، أو نحو ذلك ، ولكنه ربما كتم هذا الشعور وهذا التصور في نفسه ولم يبده لأحد ، خاصة إذا كان المتهم بذلك شخصاً قريباً أو زميلاً عزيزاً على النفس 0
وحين يأتي المريض للمعالج ويطمأن إليه وإلى طريقته ومظهره وسمته ويبدأ معه المعالج الطريقة السابقة ( طريقة التخييل ) فإنه يفتح له مغاليق شعوره الداخلي ، فتظهر هذه المشاعر والأحاسيس والتصورات بالصورة السابقة ، فيتصور أنها ظهرت بفعل الرقية وأن الرقية فعلاً تجعل المريض يرى في مخيلته من أصابه بالعين ) ( كتاب توعية المرضى بأمور التداوي والرقى – نقلاً عن كتاب "مهلاً أيها الرقاة" - ص 92 - 93 ) 0
يقول الدكتور طارق بن علي الحبيب استشاري وأستاذ مساعد الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الملك سعود في تعليقه على طريقة التخييل : ( لقد راجعت نصوص الكتاب والسنة وما استطعت من أن أصل إليه من أقوال السلف والخلف ، وناقشت في ذلك العديد من العلماء وطلبة العلم ، فلم أجد من يعرف أصلاً لذلك بهذا الوصف الذي ذكر 0
كما أنه لو استقرأنا حديث سهل بن حنيف – فإننا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستند في تحديد العائن إلى التخيلات والأوهام بل سأل سؤالاً محدداً لا لبس فيه ولا إيحاء : هل تتهمون فيه أحداً ؟ كما جاء عنه ، كما أنه أيضاً من يستقرئ شعائر الإسلام وحدوده يجد فيها الوضوح والاعتماد على الأمور القطعية الثابتة في الاتهام والعقوبة والجزاء ، وذلك لماذا ؟ كله حماية للنفوس ومنيعاً للقطيعة التي ربما أدت إلى اعتداء بعض الناس على البعض الآخر دون وجه حق ، اللهم إلا استناداً على ظنون ذلك الراقي الذي كان يغنيه عن ذلك كله الاستغناء بكتاب الله وما ثبت من الأدعية والأذكار 0
وأخوف ما أخاف أن يقع مثل ذلك الراقي عن جهل منه تحت طائلة قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) ( سورة الأحزاب الآية 58 ) ، فهذه أذية للمؤمنين والمؤمنات قامت على الظن ، بل إنها في مواقف كثيرة – وقد وقفت على بعضها – أدت إلى قطيعة رحم ، وهجر الناس لبعضهم البعض ) ( محاضرة بعنوان " حوار حول الطب النفسي والرقية الشرعية " – نقلاً عن كتاب " مهلاً أيها الرقاة " - باختصار - ص 93 – 95 ) 0
ولا بد تحت هذا العنوان من إيضاح مسألة مهمة تتعلق بكل من الدكتور محمد بن عبدالله الصغير والدكتور طارق بن علي الحبيب حيث أنهما من المتخصصين في الطب النفسي ، ولهما بعض الآراء المخالفة لمنهج السلف في بعض مسائل الرقية الشرعية ، فأسأل الله لهما الهداية والتوفيق والسداد لما يحب ويرضى 0
فالواجب يحتم على المعالِج والمعالَج تقوى الله واللجوء اليه سبحانه وتعالى واتخاذ كافة الأسباب الشرعية والحسية المباحة في علاج هذا الداء العظيم ، وبذلك نرتقي بأنفسنا لمكانة تؤهلنا أن نكون من حملة أمانة الدعوة وتبليغ الرسالة 0
* فائدة مهمة تتعلق باستخدام وسيلة أخرى تعتمد على مبدأ ( الاتهام ) :
ولا بد تحت هذا العنوان أن نفرق بين الوسيلة التي تم ذكرها سابقاً وهي ( وسيلة التخييل ) ، والوسيلة الأخرى وهي ( وسيلة الاتهام ) ، حيث أنه تبين بما لا يدع مجالاً للشك بأن الوسيلة الأولى تعتمد على الاستعانة بالجن والشياطين وتخرصات لا أصل لها في الشريعة ، وقد كفانا المؤونة بذلك العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بفتوى تبين عدم جواز استخدام هذه الوسيلة ، أما الوسيلة الثانية وأعني بها ( وسيلة الاتهام ) فهي تعتمد على أساس شرعي وهو قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث إمامة بن سهل بن حنيف ( من تتهمون ) ، والحديث بتمامه كما ورد عن أمامة على النحو التالي :
( مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل ، فقال : لم أر كاليوم ، ولا جلد مخبأة 0 فما لبث أن لبط به 0 فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك سهلا صريعا قال : ( من تتهمون به ؟ ) قالوا عامر بن ربيعة 0 قال : ( علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه ، فليدع له بالبركة ) ثم دعا بماء 0 فأمر عامرا أن يتوضأ 0 فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين 0 وركبتيه وداخله إزاره0 وأمره أن يصب عليه )
( أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والنسائي في سننه – صحيح الجامع 556 )
ومع ذلك فلا بد من تأصيل هذه المسألة وضبطها لكي تتماشى مع الأصول والأحكام والقواعد الشرعية المقررة ، وحيث أنه قد دار في الآونة الأخيرة نقاش وجدال بين بعض الأخوة الأفاضل والذين نحسبهم على خير وصلاح ، والله حسيبهم - على صفحات مجلة الدعوة الأعداد ( 1743 – 21 صفر 1421 هـ ، 1745 – 6 ربيع أول 1421هـ ، 1746 – 13 ربيع الأول 1421 هـ ، 1747 - 20 ربيع الأول 1421 هـ ، 1750 - 11 ربيع الآخر 1421 هـ ، 1751 – 18 ربيع الآخر 1421 هـ ، 1752 – 25 ربيع الآخر1421 هـ ، 1754 – 10 جمادى الأولى 1421 هـ ، حول استخدام هذه الوسيلة وقد اشترك بعض الإخوة والأخوات في تلك المناقشات ، وكان بودي أن لا يصل الأمر إلى ما وصل إليه وأن يتحلى الجميع بأدب المناظرة والمجادلة والحوار ، وأن يكون الهدف والغاية نصرة الحق وليس الانتصار للذات ، وأن يسعى الجميع إلى طلب الحق واتباعه ، مع أن البعض ممن شارك في هذا النقاش والحوار تحلى في حديثه بالسمت الحسن والأدب الجم 0
وأُذكّر في هذا المقام بكلام جميل لإمام الحرمين يحث فيه القارئ على أدب المناظرة والحوار ، حيث يقول : ( أول شيء فيه مما على الناظر : أن يقصد التقرب إلى الله سبحانه ، وطلب مرضاته في امتثال أمره - سبحانه - فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعاء إلى الحق عن الباطل ، وعما يخبر فيه ، ويبالغ قدر طاقته في البيان والكشف عن تحقيق الحق ، وتمحيق الباطل ، ويتقي الله أن يقصد بنظره المباهاة ، وطلب الجاه ، والتكسب ، والمماراة ، والمحك ، والرياء ، ويحذر أليم عقاب الله - سبحانه - ، ولا يكن قصده الظفر بالخصم والسرور بالغلبة والقهر ) ( الكافية في الجدل – ص 529 ) 0
وقد علمنا علماء الأمة الأجلاء الالتزام بأدب الإسلام في الخلاف ، وأن يحتكم إلى الأصول والأحكام والقواعد المقررة ، لا إلى الأقوال المجردة عند الخلاف وليلتمس الأعذار ، لأننا بشر نخطئ ونصيب ، ولا بد أن يتحلى القارئ بأدب المناظرة والمجادلة 0
ونتيجة لما أثير حول هذا الموضوع رأيت لزاماً أن أوضح هذه المسألة من خلال الدراسة العلمية الشرعية التأصيلية الموضوعية سائلاً المولى عز وجل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى 0
أولاً : إن الفهم الصحيح لمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه إمامة بن سهل بن حنيف – رضي الله عنه - عن أبيه ، يقودنا قطعاً إلى الحق المنشود :
فقوله عليه الصلاة والسلام : ( من تتهمون ) ، فيه توجه بسؤال واضح صريح إلى من كان برفقة هذين الصحابيين الجليلين ، لمعرفة العائن الذي بسببه تأثر سهل ولبط في مكانه ، وهذا السؤال إمعان في تحديد الطريقة الشرعية في إثبات الإصابة بالعين ، والتي كنتت قد ذكرتها في موضعين سابقين ، الأول في كتابي ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) ، والثاني ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) ، تحت عنوان ( الطرق الشرعية في إثبات السحر والعين ) ، وقد بينت أنه لا بد من توفر ركنين أساسيين لإثبات هذين الأمرين شرعاً ، الركن الأول : الإسناد المادي ، ويندرج تحته الإقرار ، والبينة ، والشهادة ، وأما الركن الثاني فهو الإسناد الجنائي ، ومن تتبع النص في الحديث آنف الذكر يلاحظ تحقق أحد هذه الشروط وهو ( الشهادة ) التي بنيت على سماعها عامر بن ربيعة – رضي الله عنه – عندما قال : ( لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة ) ، حيث شهد الصحابيان بأن عامر قد قال ما قال بحيث أدى ذلك لإصابة سهل بما أصيب به ، وبالتالي فالاتهام الموجه من خلال سياق الحديث يعتمد على أسس وقواعد شرعية لا لبس فيها البتة ، ومن هنا لا ينكر مطلقاً اتباع هذه الوسيلة في تحديد العائن أو الحاسد لأنها تعتمد على أسس وقواعد شرعية مقررة ، لا أقوال مجردة 0
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – رحمه الله – في مقدمته للكتاب الموسوم " كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية " : للشيخ عبدالله بن محمد السدحان – حفظه الله - : ( ليس في الاتهام فتح لباب العداوة والبغض ، كما يظن البعض فإن العين قد لا يخطر ضررها ببال العائن فالاتهام لإنسان ما ليس جزماً بأنه العائن وإنما هو إعمال للحديث فيؤخذ من الأثر المفيد من عرقه أو ريقه أو شيء مما مسه كغسل حذائه أو ثوبه أو يديه ولو بدون علمه ويصبُ على المعين فإنه يبرأ ، وهو نافع بإذن الله تعالى كما دلت عليه التجربة وعضده الحديث الصحيح ، فعلى هذا لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للعداوة والمقاطعة بل هي تجربة وفيها منفعة وتكون من أسباب الألفة والمحبة لنفع المسلم وإزالة الضرر عنه ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ - ص 6 - 7 ) 0
ثانياً : قد بينت في كتابي ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) أن من الواجبات والمهمات الأساسية الملقاة على عاتق المعالِج ، أن يدرس الحالة المرضية دراسة علمية موضوعية مستوفية ، وهو ما يعرف طبياً بـ ( دراسة الحالة دراسة تاريخية ) ، بمعنى أن المعالج لا بد أن يهتم اهتماماً شديداً في هذا الجانب فيدرس بداية الحالة المرضية ، والوقوف على حقيقة المرض ، وتتبع الحالة أثناء فترة المرض ومن ثم الرقية ، ومن بعد ذلك العلاج ليستطيع المعالج أن يكون قريباً من حقيقة المعاناة والمرض ، وعند غلبة ظن المعالج بأن الحالة المرضية تعاني من العين مثلاً ، فإن التوجه بأسئلة محددة معينة للمعين لا يعتبر خروجاً عن الأسس والقواعد الشرعية المقررة كما أسلفت في النقطة السابقة ، فأي سؤال قد يقود إلى العائن مع غلبة حسن الظن ، أمر مشروع بل واجب شرعي على المعالج لرفع الظلم والمعاناة عن المريض ، خاصة أن انجع وأفضل وسيلة لعلاج العين أخذ أثر العائن على الصفة الواردة في الحديث أو أي صفة مشروعة أخرى 0
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين في مقدمته للكتاب الموسوم " كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية " للشيخ عبدالله بن محمد السدحان – حفظه الله - : ( وقد ترجح أن الأصل في علاج المعين الحرص على معرفة العائن ، فقد قال النبي لأهل المعين :" من تتهمون " ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ - ص 11 ، 12 ) 0
وفي ذلك أنقل كلاماً جميلاً للشيخ عبدالله السدحان – حفظه الله - حيث يقول : ( فأول سؤال طرحه النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة : " هل تتهمون له أحداً "0 ويندرج تحت هذا السؤال مجموعة أسئلة : تطرح على المريض :
* هل تتهم أحداً معيناً توصفك بوصف ؟
* هل أخبرك واحداً من الناس من قال فيك وصفاً ؟
* هل ترى في المنام أحداً من الناس من قال فيك وصفاً ؟
فإن كان الجواب بنعم ، فيؤخذ من الشخص المتوصف من ريقه أو عرقه ، ويتسبب منه بأن يُكب على الرأس من فوق كبة واحدة ويُشرب منه ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ - بتصرف - ص 50 ) 0
مع الحرص الشديد على غلبة حسن الظن ، وأن لا يعتقد مطلقاً بأن الموصوف هو الشخص العائن إلا بعد أن يتحقق شرط الشفاء بإذن الله تعالى ، حيث أن بعض الحالات المرضية قد تتأثر بعوامل نفسية أو شيطانية تطلق بناء على تلك العوامل نعوتاً وأوصافاً لأناس هم من أهل الخير والصلاح وليست لهم أدنى علاقة بمسألة الإصابة بهذه العين ، وهذا المفهوم سوف يتضح لاحقاً بإذن الله تعالى 0
ثالثاً : والمسألة المهمة التي لا بد من إدراكها في استخدام هذه الوسيلة أنه لا يجوز مطلقاً تهيئة المريض أثناء فترة القراءة ، بمعنى أن يقول المعالِج للمريض : أثناء قراءتي عليك هل تتخيل أحداً ؟ أو أثناء القراءة إذا رأيت أحداً معينا ونحو ذلك من ألفاظ أخرى ، وقد يدخل ذلك ضمن ( الوسيلة التخيلية ) التي أشرت إليها سابقاً ، حيث أكد علماء الأمة الأجلاء على عدم جواز استخدام تلك الوسيلة في الاستشفاء والعلاج 0
وقد أفادت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - حفظها الله – بالآتي : ( تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز لأنه استعانة بالشياطين فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين ولأنه يسبب العداوة بين الناس ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس فيدخل في قوله تعالى : " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " ( سورة الجن الآية 6 ) ( جزء من فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – الفقرة الثانية – برقم ( 20361 ) وتاريخ 17 / 4 / 1419 هـ ) 0
واتباع هذه المنهجية في العلاج فيها خطر عظيم حيث أنها تفتح باباً واسعاً لكثير من جهلة المعالجين بحيث تبدأ التخرصات والاتهامات التي لا تستند إلى الدليل ، وقد يؤدي ذلك إلى ما يؤدي إليه من مفاسد شرعية عظيمة لا يعلم مداها وضررها إلا الله ، ليس ذلك فحسب إنما يعمم الأمر بين عامة الناس وخاصتهم بحيث يبدأون بكيل التهم دون رادع أو وازع ديني ودون تحقق الشروط الشرعية لإثبات السحر والعين 0
وهذه المسألة بخلاف من يخبر من المرضى من تلقاء نفسه سواء كان ذلك قبل البدء بالعلاج بناء على أسئلة المعالج التي يراها مناسبة ، أو أثناء فترة العلاج والرقية ، فقال المريض على سبيل المثال لا الحصر : قد رأيت رؤيا تبين أن فلاناً قد أصابني بالعين ، أو إني أرى فلاناً من الناس ، أو أرى وجه فلان وهكذا ، أو أنه نطق على لسانه جني أو شيطان وأخبر عن العائن ، علماً بأن هذه الأمور من الأشياء الغريبة التي قد تحصل للمريض وبالتالي فلا بد أن يبوح بها للمعالِج وهنا تكمن فطنة وفراسة المعالج في التوصل إلى الحقيقة ، والتفريق بين الحق والباطل ، وبالتالي تحقيق مصلحة شرعية عظيمة للمريض ، فإما أن يثبت له بأن من رآه هو العائن فعلاً مع حسن الظن وأن الله سبحانه وتعالى قد فرج عنه وهذه نعمة عظيمة ، أو أن يثبت عكس ذلك ، وأن الأمر خارج عن هذا النطاق وقد يكون حديث نفس أو ترسبات نفسية أو نزغات شيطان للتفريق بين الناس ، والقول الفصل في ذلك كله أخذ أثر الموصوف ، فإن شفي المريض بإذن الله تعالى عُلم أن رؤيته للموصوف فضل ونعمة من الله سبحانه وتعالى ، وإن كان غير ذلك عُلم أن الأمر ترسبات نفسية أو حديث نفس أو تخرصات أو فعل من الجن والشياطين ، وبذلك نصل إلى الحق المنشود ، وهذا ما أكد عليه فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العقل الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية أصول الدين- قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - في تقديمه للكتاب الموسوم " كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية " للشيخ عبدالله بن محمد السدحان – حفظه الله- ، وقد ذكرت هذا الكلام آنفاً عند الحديث عن ( وسيلة التخييل ) ، وأعيد ذكر ما قاله فضيلة الشيخ لأهميته القصوى في هذا الموضوع ، حيث قال :
( وما أثير أخيراً حول مسألة التخييل فقد بحثت الموضوع مع الشيخ عبدالله – يقصد مؤلف الكتاب – ووجدت تصوره شرعيا صائبا – بحمد الله – واتفقنا على أن ما يرد إلى الإنسان القارئ من تخيلات وخواطر تتعلق بأشخاص غائبين بأنهم حصل منهم ضرر على المريض من عين أو سحر أو نحوه لا أصل له شرعا ، لكن إذا تذكر المريض أو فطن لحادثة أو موقف أو كلمة أو نحو ذلك يتهم فيه أحداً بعين أو أي شيء يؤذي فهذا له أصل في الشرع من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من تتهمون " أو يكرم الله من يشاء بكرامة أو رؤيا ينتفع بها فهي من المبشرات إذا توافرت فيها الشروط الشرعية 0
أما أن يتكلف القارئ التخيل ويجعله دليلاً قاطعا على التعرف على العائن أو المتسبب فهذا لا أصل له فيما أعلم بل هو مجال لعبث الجن والشياطين ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ - ص 11 – 12 ) 0
هذا وقد حصل نقاش علمي بيني وبين بعض الإخوة الأفاضل الذين يرون إغلاق هذا الباب بالكلية درأ للمفسدة ، وقد بينت من خلال نقاشي أن الأمر من أساسه يعتمد على قاعدة شرعية ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نغلق هذا الباب بالكلية ، بسبب أن استخدام هذه الوسيلة بضوابطها التي أشرت إليها آنفاً تعتمد على أصل شرعي ، وأنها وسيلة لتحديد العائن أو الحاسد وهذا أفضل وانجع طريق في علاج العين ، وبالتالي فهي تحقق مصلحة شرعية عظيمة لعامة المسلمين ، والله تعالى أعلم 0
قلت : والقول الفصل في هذه المسألة ، أنه لا إفراط ولا تفريط ويجب على المعالِج أن يسعى دوماً لتحقيق المصلحة الشرعية بالنسبة للمريض خاصة ولجمهور المسلمين عامة ولا بد أن يكون ذلك وفق الأحكام والأصول والقواعد المقررة ، لا بناء على الأقوال والأفعال المجردة ، بل أن الذي أراه ويراه كل مسلم غيور على هذا الدين وأهله أن تتكاثف الجهود وتتظافر من قبل ولاة الأمر - وفقهم الله للخير - وكذلك العلماء الأجلاء وطلبة العلم والدعاة وكافة طبقات المجتمع بالقلم واللسان في استخدام كافة المنابر الدعوية عبر وسائل الإعلام المتاحة وكذلك الرائي أو الإذاعة أو المساجد أو المنابر الأدبية أو صفحات الإنترنت لمحاربة السحر والسحرة والعرافين والكهنة بسبب انتشار هذه الظواهر انتشار النار في الهشيم لكف شرهم واستئصال شوكتهم وإراحة النار من شرورهم ، وهذا قطعاً يحقق مصلحة شرعية عظيمة للإسلام والمسلمين ، وحرصاً على التزام المنهجية العلمية والموضوعية في هذا الطرح ، وتواصلاً مع العلماء وطلبة العلم عرض الموضوع برمته على فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن محمد البريكان أستاذ مادة العقيدة - والأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالدمام ، حيث أفاد حفظه الله بالتالي :
( بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم النبيين وعلى آله الطيبين وأصحابه المحققين ، أما بعد فقد اطلعت على ما كتبه الأخ أبو البراء حول موضوع وسيلة التخييل والاتهام التي اصطلح عليها بعض القراء مع بيان الفرق بينهما ، وما دل الكتاب والسنة عليه من وسيلة صحيحة مشروعة وتأكيدها على العمل بها ورد ما خالف الكتاب والسنة من الطريقة المبتدعة وما يترتب عليها ، وما أفتى به علماء بلادنا حولها مما يدل على المنع منها ، فألفيت مقالته جديرة بالنشر تحقيقاً للحق ونصرة له ، زاده الله توفيقاً وتسديداً ، وجعلنا وإياه هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، والحمد لله رب العالمين – كتبه الدكتور إبراهيم بن محمد البريكان – الأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالدمام – 23 / 5 / 1421 هـ ) 0
سائلاً المولى عز وجل أن يغفر للجميع وأن يوفقهم للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0