الفتاة العربية في غرف المحادثة
أحدثت ثورة التكنولوجيا تطوراً هائلاً في وسائل الاتصالات وخاصة فيما يتعلق بالانترنت ، حيث تحول العالم لغرفة صغيرة وليس لقرية ، غرفة يجتمع بداخلها جميع الفئات العمرية ومن مختلف الجنسيات . وأدي هذا التطور لانعكاسات إيجابية تمثلت في تعميق روح الحوار وتبادل الثقافات ،والإطلاع علي آليات ومنهجيات التطورات علي الصعد الأخرى ، فأضحي يتم تبادل الأحاديث السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وتبادل المعرفة والعادات والتقاليد ، كما وأفسحت مجالا للحوار والنقاش وخلقت هامش من الحرية في التعبير والرأي .
وعليه اقتحم شبابنا العربي وسيلة الانترنت باحثاً عن ذاته في هذا العالم ، منطلقا ليعبر عن آرائه وأفكاره التي طالما بقيت سجينه الحواجز التي تسيطر علي مجتمعاتنا العربية ،والنظام الأبوي الشمولي .
ويعتبر الشباب غرف المحادثة بألوانها من أهم وأبرز المحاور التي يلتقي من خلالها ، ويتجمع بها ،وذلك دلالة علي التحول الإيجابي في الفهم العربي الشامل لشبابنا الذي كسر من خلالها صمته الإجباري ،وتقوقعه بوسائل التعبير التقليدية التي فرضت عليه .. من خلال تباين الأفكار والأطروحات الفكرية للأنظمة السياسية والاجتماعية السائدة ،والتي خلقت لنا أزمات في التواصل الاجتماعي فيما بين الشعوب عامة والشباب العربي خاصة ، ومن ثم انهيار الشعور والحسي القومي الاجتماعي ،الذي تداعي أمام الحواجز السيكولوجية والفسيولوجية التي عمت بالنفس العربية . حتى تمزق النسيج العربي وأضحي نسيجا هشاً لا يقوي علي الصمود أمام التحديات التي فرضت علي الأمة العربية ، هذا النسيج القومي الذي بلغ ذروته في بعض المراحل علي سبيل المثال إبان الزعيم جمال عبد الناصر وزعماء العرب الذين شكلوا رافدا قوميا تجلي بأبهي حليه بحرب أكتوبر 1973 م .
ورغم أن الشات أو ما يعرف بغرف المحادثة تحمل في طياتها العديد من الإيجابيات ،والجوانب الاجتماعية والثقافية التي كسرت حواجز العزل التفتت ،وأنتجت تمازجا وتقارباً فكريا بين شبابنا العربي ،وتواصلا فكريا ثقافيا ، إلا أنه فيما يبدو أن هذا التقارب شكل إزعاجا لبعض التيارات أو الأفكار التي تستهوي حالة التمزق والتشتت ، والانسلاخ الإجباري المتعمد للجسد العربي عن جسده الأم وقوميته وتراثه وحضارته المشتركة ، مما دفع هذه المجموعات المنظمة لاستغلال تجمعات شبابنا العربي وملتقياتهم وجسدت روح الانهزام والهدم معاً في خلق وسائل استغلال هدامة ذات نوايا خبيثه ، فتحول الزائر لهذه الغرف أداة جسدية تلهو وسط صخب الشهوات ،والمناكفات ،وخلق هوة الاختلاف الفكري والثقافي بين شبابنا من خلال إقحامهم في مواقف الأنظمة ورؤيتها ، وخلق حالة الغليان العاطفي لدي كل شاب وفتاة لوطنه ، وتعصبه لبلده ، فتحولت غرف المحادثة لساحات مناظره تنتج حالات استعدائية ،وفساد أخلاقي متمثلا بكل الممارسات الجسدية واللفظية ، تتحول ببعض الحالات لساحة يقتحمها العملاء والمرتزقة في التشهير والتخوين بهذه الأمة ، واستعراض لمفاتن عرض وشرف فتياتنا العربيات التي حاولوا ولا زالوا يحاولوا بأن يحولوها لبوق جنسي جسدي بلا قيمة .
ومن أهم الأدوات التي تستخدم في هذه الغرف هي استغلال محدودية الثقافة لدي شبابنا العربي عامة في هذه المرحلة ،وضحالة ومحدودية البعد القومي والجغرافي لتشويه إرث أمة ذات تاريخ وحضارة بشرية أنجزت عبر التاريخ .
ومن أهم المآسي التي أضحت تستحوذ علي هذه الغرف هي الاستغلال الجنسي للعديد من الفتيات العربيات والشباب العربي المراهق ، والتي تم إسقاط العديد منهم في براثن الدعارة والخيانة ، وجسد يلبي الرغبات الشهوانية الغريزية الحيوانية لدي تجار الجسد . حيث أوضحت احدي الدراسات لبعض الشباب العربي المثقف من خلال زيارات ميدانية قاموا بها للعديد من برامج الشات والمحادثة أن 5% فقط من غرف المحادثة تتناول موضوعات ذات قيمة فكرية وثقافية هادفة ،وقضايا الأمة وأحوالها ، يعبر بها الشباب العربي عن ذاته وطموحاته ووجوده ، أما 86% من هذه الغرف فهي تعتبر أبواق دعارة وهدم أخلاقي وثقافي يمارس بشكل منظم وممنهج وخاصة ضد الفتيات ، في حين أن 9% من هذه الغرف تتباين في حواراتها وآليات تناولها من جيد إلي سيء ، كما وأوضحت هذه الدراسة بأن 75% من هذه الغرف الهدامة تحمل انتماء لدول في الخليج العربي وخاصة السعودية والكويت ، وهو ما أثار تساؤلات عديدة ، هل أن بلدان الخليج هي الأكثر استهدافا من هذه الحملات ؟ لما تشهده من نهضة فكرية وقومية وإسلامية .
أما 3% من هذه الغرف تنتمي لدول الشام لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ،و22% تنتمي للمغرب العربي ومصر ،وهنا أيضا نطرح نفس التساؤل ،وهو هل هذه البلدان مستهدفة مثل بلدان الخليج ؟
وخلصت الدراسة كذلك بأن وسيلة الإنترنت أضحت متنفسا مهما لدي الشباب العربي ، وتشكل لديهم أولوية هامة جدا في التعبير عن ذاتهم ،والتحرر من القيود التي تحاصرهم في المجتمعات العربية.
وهذا ما يتطلب من المؤسسات الثقافية والتربوية بمجتمعاتنا العربية ،ومراكز الأبحاث العلمية والاجتماعية ضرورة عمل ملحة علي خلق آليات ممنهجة ومدروسة لحماية شبابنا من خلال توعيتهم وترشيدهم اجتماعيا وثقافيا ،وهو الاتجاه الذي سلكته الصحف العربية الالكترونية التي تمكنت من احتواء الشباب العربي المثقف والمبدع ومنحته مساحه للتعبير عن ذاته ،مما أفرز العديد من المبدعين الشباب وأفرغ طاقاتهم في بوتقة العمل الثقافي الإبداعي .
سامي الأخرس
والله من وراء القصد
لاتنسوننا من صالح دعائكم .........